لا تندهش إذا وجدت في سيارة بجانبك ,. وأنت تقف في إحدى الإشارات المرورية, بمدينة الخبر شرق السعودية أو في مدينة جدة غربها , وشاهدت في سيارة إحدى النساء تمسك بالسيجارة, وتأخذ أنفاساً من الدخان بعمق؟ ولا تندهش أيضاً إذا ترجلت في شوارع كورنيش الخبر ودخلت أحد المقاهي ووجدت بنات سعوديات في عمر الزهور وريعان الشباب, وهن جالسات على المقهى وفي يد كل منهن شيشة (نارجيلة)؟.
فتدخين النساء السعوديات ظاهرة تنتشر وبسرعة, من التدخين في الخفاء إلى العلانية ؟ وبدأت تتفشى يوماً بعد يوم من مدينة لأخرى, وانتقلت من المجتمعات المخملية إلى الطبقات الوسطى, ومن الأغنياء إلى الموظفات؟ وكما وجدنا من يرقصون في الشوارع من الشباب, ومن يرفعون أصوات الموسيقى الغربية من تسجيلات السيارات في إشارات المرور لن يكون غريباً أن نجد فتيات مدخنات في السيارات ويجاهرن بالتدخين أو طالبات جامعيات في مقاهي يتناولن المعسل بأنواعه؟
لقد بدأ التدخين عند النساء في السعودية كظاهرة دخيلة, ولكن تزايدها وانتشارها, يحتاج إلى وقفة جادة لمعرفة الأسباب ووضع الحلول.
التفاصيل المثيرة
رصدت الظاهرة واقتحمت المجتمع المخملي لنساء الأعمال المدخنات وزارت المقاهي التي تقدم الشيشة والمعسل للنساء, وتكشف في هذا التحقيق التفاصيل المثيرة؟
بدأت هذه الظاهرة في مدينة جدة ولعل لطبيعة العلاقات الاجتماعية من جهة , وكون بعضهن أمهاتهن غير سعوديات من جهة أخرى, خلق أجواء أخرى لهن غير موجودة في باقي أرجاء المملكة, حتى بات عاديا أن تقدم السجائر تماماً كما تقدم الشوكولاته, في حفلات الزواج كنوع من الضيافة النسائية.
ولكن ظاهرة تدخين السعوديات, بدأت تنتقل إلى مدن أخرى, خاصة المدن المجاورة لجدة , لتظهر بعد ذلك في مجالس النخبة النسائية بالرياض بطريقة سرية, وتظهر جهراً في مجالس نسائية بالخبر شرق السعودية .
ولو تساءلنا عن سبب هذه الظاهرة,لا يمكننا أن نرجعها لتقليد الابنة لأمها, لأن هذه الظاهرة نادرة جداً عند الأمهات بل أن معرفتهن بتدخين بناتهن هي صدمة لا تحتملها الكثير من الأمهات.
ولكن بدأ تدخين السعوديات للسجائر, كمفهوم خاطئ للتحرر والمدنية , وابتدأت به سيدات متوسطات العمر كنوع من الدلع والتباهي , وانتهت بهن لإدمان السجائر, بل والمعسل، فأصبح من العادي رؤية ابنة الـ15 عاماً وهي تدخن أو تمسك الشيشة, فيما ينحني موظف المقهى لينفخ لها الجمر , ويرتشف رشفة للتأكد من أنه جاهز, ويمسح مكان فمه لتلتقفه بانحناءة تعني أنه يمكنه الانصراف, وتبدأ بنفث دخان المعسل بحركة شبيهة لأفلام السينما في الستينات, عندما تقوم المعلمة في المقهى بإصدار الأوامر للعمال, وشرب الشيشة التي يجهزها صبي المقهى
الجبيل والأحساء
وقد تفشت الظاهرة في الشرقية، ولكن وجدت مقاومة قوية في مدينتي الجبيل والأحساء, وتم منعها من التسرب لمجتمعها, وكذلك في مدينة الدمام,التي لا يوجد بها إلا مقهى واحد يتبع مدينة ملاهي , تقدم فيه الشيشة سراً للنساء.
لكن محافظة الخبر, أصبحت هي المتنفس لهذه التجمعات النسائية ـ فمن كورنيش الخبر حيث يتواجد به مقهيان شهيران, لا يفصل بينهما سوى شارع واحد , إضافة إلى بعض المقاهي التي تخصصت في تقديم الشيشة للنساء ـ و أخذت على عاتقها أن توفر جميع الأصناف من المعسل, ولم تكتف بهذا بل غيرت المسميات ترغيباً لها فأصبحت توفر الأنواع المختلفة منه , فهناك المعسل البحريني , ومعسل الورد , ومعسل التفاح ولا أستبعد أن تبدأ أسماء أخرى أشد أثراً فنسمع بمعسل (هيفا) أو (نانسي عجرم) على مقاهي كورنبش الخبر وجدة , ويدخل طبعاً جلسات سيدات النخبة في الرياض والدمام .
والحقيقة رغم جهود كثير من الغيورين , والتي نجحت في منع المعسل , من مقاهي الخمسة الشهيرة , إلا أن المقهيين الآخرين في الخبر ظلا خارج حدود القانون.
مقهيان مشهوران بالخبر
المقهى الأول رغم رداءة المكان وبشاعة الديكور إلى أن البنات يتبعن مقولة مالحب , إلا للمقهى الأول ..
لا يفصل بين الرجال والنساء فيه ألا المدخل ويتجه الرجال يساراً والنساء يميناً ولا يرتاده في اغلب الأحوال إلا من ترغب في المعسل , فالمكان رديء لتناول وجبة طعام فيه, فهوغير مكيف ويكتفي بالمراوح الهوائية , وتوفير جلسات مطلة على الممشى الخاص بالواجهة البحرية , ولأن أغلبية رواده هم من الطبقة المتوسطة , ومن صغيرات السن تجد النادل , لا يرى غضاضة في أن يبادر لفتح موضوع مع الزبونة , حتى تصرخ عليه منادية زبونة أخرى (!!)
تقول أم محمد وهي سيدة في الأربعين من العمر , عندما حضرت أختي من الطائف , أردت أن ادخل معها لأرى المكان؛ لأنني كنت أتخوف من دخوله بمفردي , بسبب تحذيرات زوجي لي , والدافع لهذا أن زوجي رغم تحذيره لي هو من رواده بشكل شبه يومي , لذلك أردت أن أرى ما يحدث من هناك بدافع الغيرة , والفضول وما أن جلست حتى حضر نادل , وتساءل عن طلبنا وذهب ليحضره , وأنا استرق النظر للكبائن التي يدخلها الفتيات , واستغرب من منظرهن وهن يدخن , فأخذت مني الحمية والغيرة, وقتها وسألت النادل : لماذا يقدمن المعسل للبنات؟ وهل يمكنني أن أدخل لمناصحتهن؟ فأجاب دون تردد باللهجة المصرية المحببة يا مدام " أنت مش وش بهدلة ودول بنات وحشين" ؟
فسألته أختي بإشارة على وجهها وحشين وحشين...!! قال لا وحشين التنية.!
وكان يقصد أنهن سيئات السمعة , وربما حكم هذا الشخص على جرأتهن وتحديهن مجتمعهن بأنهن سيئات وليس بالضرورة أن يكن كذلك، لكن الحقيقة أن هذا رأي أغلب الرجال في الوطن العربي للمرأة المدخنة.
أما المقهى الآخر, منح نفسه اسماً عصرياً ووفر جلسات مريحة, بين الأشجار أو بالداخل, وهو المكان المخصص للسيدات الثريات فهناك تجد ما يطلق عليهن (الهاي كلاس) حقائبهن من أغلى دور الأزياء وسيارات فارهة , وعطور مركزة يدخلن في وقت متأخر بحثاً عن الخصوصية , ويطلبن المعسل مع القهوة التركية, وبعد الانتهاء يتبادلن مناديل معطرة , ومشبعة بماء الورد ويغرقن أنفسهن بعطور شرقية ثقيلة , رغبة في التخلص من الروائح الملتصقة بهن , وهذه الفئة تدفع بقشيشا مجزياً , فتجد النادل يسرع لفتح الأبواب لهن , ويحرص على خدمتهن بشكل خاص...!!
ومع اقتراب شهر رمضان , تتنافس الفنادق في توفير المعسل في الخيام الرمضانية, التي تتبع الفندق وتعتبر دخلاً جيداً , له نظراً لسهر الجميع في هذا الشهر مما يمنح المرأة حرية البقاء لوقت طويل من الليل , وضمان الفندق الدخل المادي الجيد , نظراً لأن الفنادق تقدم خدمات راقية وتطلب مبالغ مادية تتناسب مع هذه الخدمات، فالمعسل الذي يقدم له مواصفات شكلية مميزة
النساء المسترجلات
وهكذا تحولت الشيشة التي لم يكن يشربها إلا الرجال , أو النساء المسترجلات إلى معسل أنيق الشكل فظهرت منه موديلات مختلفة، متعددة الألوان. بعضه مكون من عدة قطع قابلة للفك والتركيب، يوضع في حقيبة أنيقة خاصة تشبه كثيراً حقائب المكياج ومستلزماته والمرأة تتمكن بحرية من حمل معسلها الخاص للشاليه أو المنزل الذي ستجتمع فيه مع صديقاتها.
تقرير خطير
وإذا كان البعض يعتقد أن التدخين غير منتشر لكونه يتم في الخفاء فسيصدم عند رؤية التقرير الآتي:
في دراسة حديثة أجرتها جمعية مكافحة التدخين في السعودية أن 30 % من سيدات الأعمال في مدينة الرياض يدخن مقابل 16% من الطبيبات , و10 من طالبات الجامعة. وأوضحت الدراسة التي أجريت في كل من مدينة الرياض وجدة أن 10 % من مدمنات التدخين يترددن على المراكز الصحية للعلاج.كما أكدت الدراسة أن 27% من طالبات مدارس المرحلة المتوسطة في جدة مدخنات وأن 51% من معلمات جدة يدخن السجائر أو الشيشة في حين تقل هذه النسبة عند طالبات الثانوية في مدارس جدة لتصل إلى 35 %.
وبشكل عام، أن 15% من السعوديات يدخن الشيشة والسجائر وأن معظم المدخنات يعشن في المدن الكبرى. وقد صدم الباحث السعودي سلمان بن محمد العمري الجميع عندما كشف في بحث له أن 35 ـ 50% من الطالبات والمعلمات في السعودية وقعن في براثن التدخين.
المعسل في السر والعلن
وإذا كانت المتزوجات قادرات على إخفاء تدخينهن عن أزواجهن كيف تكون رقابة الأهل بعيداً عن بناتهن لدرجة أن بعضهن تمارس هذا العمل في الخفاء لـ8 سنوات، ومنذ كانت في الـ17 من العمر، حيث تؤكد أنها جربت السجائر في بيت صديقتها والتي نصحتها بأن تمسح جسمها بالخل القوي للتغلب على رائحته، وعندما عادت للبيت ولم يكتشف أحد الأمر استمرت في هذا الداء على الرغم من أنها تدرس علوماً طبية في جامعة فيصل، وستكون طبيبة المستقبل التي تعرف مخاطر التدخين على الإنسان عامة والمرأة بشكل خاص.
فقد تبين أن المدخنات يصلن إلى سن اليأس في عمر مبكر عن الحدود الطبيعية المعروفة بحوالي 10 سنوات، وأن عدم انتظام الحيض بين المدخنات يصل إلى ضعفي نظيره لدى غير المدخنات، وأن 36% من المدخنات يعاني من التهابات في الغدة الدرقية مقابل 5% من غير المدخنات، كما يصاب 65% من المدخنات بالشيخوخة المبكرة مقابل 3.5% من غير المدخنات، ويصل 20% من المدخنات إلى سن اليأس في سن مبكرة مقابل 1.5% من غير المدخنات. كما تنخفض خصوبة المرأة المدخنة (قدرتها على الإنجاب) بمعدل يصل إلى 50% وتتضاعف احتمالات إسقاط الجنين المتكرر لديها أثناء الحمل، وكذلك تتضاعف احتمالات حدوث الحمل خارج الرحم وانفكاك المشيمة المبكر ثلاثة أضعاف غير المدخنات. كما أن المدخنة تواجه صعوبة في الإقلاع عن التدخين أكثر مما يواجهه المدخن فإنها تواجه كذلك مخاطر صحية أكثر مما يواجهه المدخن، بسبب طبيعة جسم المرأة وهرموناتها التي تختلف عن الذكر.
وأخيراً تقول هيفاء المنتشري" ألا تستحق بناتنا وقفة جادة لتخليصهن من التدخين، فبعد افتتاح عيادة نسائية لمكافحة إدمان التدخين لم يعد الأمر سراً بل هو حقيقة لن نستطيع بعد اليوم إنكارها"
منقوووووووووول