نقول
استميح القراء الكرام عذراً في الحديث عن موضوع قد يبدو في ظاهره أنه موضوع عائلي خاص، لكنه اشتهر بين الناس، خاصة في الآونة الأخيرة، وتناقلته الألسنة، وتداولته المنتديات والصحف الالكترونية، وطار به البرودكاست، حتى غدا حقيقة مسلمة، ومعلومة صحيحة، وواقعة ثابتة.لذا ارتأيت، والحال هكذا، ان أوضح الصورة، وان أذكر القصة الكاملة، كما شهدت أنا شخصياً فصولها، وكما تعود مني القراء، سأكون واضحاً مباشراً، لا أجامل، ولا أداهن، فما قيل قد قيل، وما حصل قد حصل، وما وقع قد وقع، وأدرك جيداً مدى الحرج الاجتماعي الذي أنا واقع فيه، والضغط الذي سيطالني ربما من بعض أقاربي بعد هذا المقال، لكني تعودت ان أعيش تحت الشمس، وان اسمي الأشياء بمسمياتها، وان تكون لدي مسطرة واحدة أقيس بها أموري.
تبدأ القصة حين أرسل الرئيس معمر القذافي مبعوثاً شخصياً برسالة شفهية عام 1992 الى أسرتي، حيث التقى بعميدها آنذاك عمي محمد القحص يرحمه الله، وبحضور كبار العائلة وجمع كبير من أفرادها، وتحدث المبعوث بأن الرئيس القذافي يبعث لكم بتحياته، وهو يلتقي معكم بالنسب، ويدعوكم لزيارة ليبيا، ويطلب شجرة العائلة.وبعد انتهاء الزيارة، قام عمي محمد بالاتصال هاتفياً بالأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله يرحمه الله، وكان وقتها ولياً للعهد ورئيساً للوزراء، وأخبره بما حصل، واتفق معه على اعطاء المبعوث شجرة العائلة، وتوديعه، ونسيان ما حصل.
وبالفعل، تعامل عمي محمد واخوته بالعقل والحكمة، مع أنهم يدركون جيداً أنه لا توجد صلة قرابة نهائياً بين عائلتنا وبين الرئيس معمر القذافي، وان عائلة القحص لا توجد سوى في دولة الكويت والمملكة العربية السعودية، وشجرة العائلة واضحة وموثقة ومثبتة، ولكنهم لم يثيروا الأمر، وانتهت القصة هنا، وكأنها لم تحدث أبداً.
ومضت السنون، ونسينا ونسي الناس ما حدث، حتى جاء عام 2010، وتحديداً في شهر ديسمبر، حين صرح أحد الأقرباء لاحدى الصحف الكويتية «بأن هناك علاقة وطيدة بين عائلتنا «القحص» والرئيس الليبي معمر القذافي حيث انه من قبيلة عنزة ومن فخذ الجميشات من الدهامشة ومن عائلة القحص مباشرة حيث نلتقي مع الجد السابع».ومع التقدير الكامل لقريبي، الا ان كلامه هذا عار عن الصحة، جملة وتفصيلاًً، ولا يمثل الا نفسه، والموقف الرسمي لعائلة القحص هو بنفي ما جاء في حديثه نفياً قاطعاً، حيث لا يوجد دليل شرعي أو قانوني بهذا الكلام.بل حتى الرئيس القذافي نفسه لم يصرح بشكل رسمي وموثق، سواء في الماضي أو في الحاضر، بأنه ينتسب لعائلتنا، فكل الذي نسمع هو مجرد حديث شفهي، وأخبار مرسلة لا يصح معها أي نسب.وطرق اثبات النسب الشرعية والقانونية معروفة وراسخة، ومنها الزواج، والاقرار بالنسب، والبينة (الدليل)، والقيافة والبصمة الوراثية.
وبعد تصريح قريبي العزيز، قام ومعه سبعة أشخاص آخرون، بترتيب زيارة الى ليبيا للقاء الرئيس القذافي، وبالفعل تم اللقاء، وتم تداول فيديو بهذا الخصوص بين الناس، ومرة أخرى أؤكد ان هذا الوفد لا يمثل الا نفسه (مع التقدير الكامل لهم)، وعائلة القحص ليست ملزمة بنتائجه، كما ان الزيارة تمت وسط معارضة شديدة من العائلة، لأن الزيارة مبنية على وهم باطل بوجود صلة القرابة، وما بني على باطل فهو باطل.وتذكرت حينها المهلب بن أبي صفرة حين قال: ان من البلية ان يكون الرأي بيد من يملكه دون من يبصره.
ومرة أخرى أؤكد ان القذافي ليس له علاقة من قريب أو من بعيد بعائلة القحص أو عائلة بو ظهير الكريمة، ولقد تم الاتصال بكبار السن من العائلة هنا في الكويت وفي السعودية، وكلهم نفى هذه الرواية، وعليه فالموقف الرسمي للعائلة هو ان القذافي لا ينتسب لها.وكلنا يذكر الجدل الحاد الذي جرى بمصر في عام 2000 حول حصول القذافي على شهادة نسب لآل البيت، والموضوع موجود بتفاصيله على الشبكة العنكبوتية.
هذه هي القصة بكل تفاصيلها، وأنا مسؤول أمام الله سبحانه قبل الناس على صحة وصدق ما ذكرت، والبينة على من أدعى، واليمين على من أنكر، وقد يستغرب البعض عدم ذكري لهذه المعلومات مسبقاً وقبل أحداث ليبيا، لكن القريبين مني من الأهل والأصدقاء يعرفون موقفي المتشدد هذا منذ الزيارة، لكني احتراماً للاتفاق العائلي، التزمت بعدم الكتابة حول الموضوع.أما وقد شاع فيديو المقابلة بين الناس، وكثرة الرسائل الهاتفية التي تصلني وأفراد عائلتي، ولشهرة حكاية النسب هذه، مما يضطرني لسرد القصة في الدواوين حين يسألني الناس، حينها اقتنعت بضرورة توضيح الصورة حتى تكون متاحة للجميع، وتكون متداولة بين الناس، وعلى الشبكة العنكبوتية حتى تجيب على كثير من الأسئلة.أعتذر للقراء مرة أخرى، فأنا أزن الانسان بعمله وخلقه وعطائه، لا بنسبه وأصله وفصله، فأبو لهب، عم الرسول صلى الله عليه وسلم، في النار، وبلال الحبشي في الجنة، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
د.خالد القحص - جريدة الوطن الكويتية