هجرة بعض قبائل عنزة من نجد والحجاز وأسبابها
الجزء السادس
ولتوضيح هجرة قبائل عنزة بشكل عام ومفصل سنتحدث هنا ما ذكرته المصادر مع توضيحه بالموروث الشعبي حتى تتكون صورة أوضح عن هذه الهجرة: بدأت رحلة قبائل عنزة من نجد وشمال الحجاز في أوائل القرن الثاني عشر للهجرة وذلك على إثر القحط والجفاف الذي حل في البلاد والعباد فخرجت القبائل العنزية يتلو بعضها البعض ، وأول من هاجر هو الشيخ قعدان اليعيش الملقب (أبو شاربين) وهو من اليعيش زعماء الخرشة من المصاليخ ، وسمي بهذا الاسم نظرا لكثافة شاربيه وافتراقهما إلى نصفين عندما يحتدم الصراع في المعارك ، وهاجر معه جماعته من المصاليخ ومن المنابهة التي خرج بها من خيبر التي تعتبر المقر الاساسي لعموم قبائل عنزة ، وقد خرج بمن معه في جحفل ضخم مقداره سبعة عطف بينهم الموسر في البلصان وابن رشود على القرشة، وفي خلال مسيرته وصلت طلائع قبائل عنزة إلى منطقة الجوف ومكثت زمنا يصعب تحديده ، ووجدت أن الجوف يضيق بها ولا يكفيها وقد حدث لها أحداث وبعض المعارك مع قبائل تلك المنطقة وهي قبيلة السرحان وقبيلة بني صخر كان الانتصار حليف عنزة وإستأنفت بعد ذلك طلائع عنزة تقدمها نحو الشمال إلى أن بلغت براري البلقاء وحوران ، وكان يسيطر على هذه المناطق قبائل حلف الشمال وهم : السرحان وبني صخر والسردية والعيسى والفحيلية ، وأمير هذا الحلف هو المحفوظ السردي وكان مهمة هذا الحلف صد ورد أي موجة قادمة من الجنوب إلى الشمال ، لان ذلك من شأنه أن يزاحمهم على أرضهم وخيراتها ، بالإضافة إلى تخوف هذا الحلف الكبير من تأثير تلك الموجات على نفوذهم وزعامتهم ، هذا بالإضافة لان تلك المناطق كانت أراضيها خصبة وبها موارد كثيرة للمياه.. بعد ذلك ، أنزل المحفوظ وسمح لطلائع قبيلة عنزة بالنزول إلى جانبه وقضو فترة من الزمن، ولكن بعد فترة وجد أن قبائل عنزة تزداد ورأى أعداداً هائلة وأن لديهم فرسان وإبل وخيل كثيرة ، وأنها ليست قبيلةً سهلة وخشي من إستفحال أمرهم وأن يسدون عليه الآفاق، فتشاور هو وقبائل حلف الشمال والتي منها بني صخر والسرحان وقد كان بينهم وبين عنزة مشاحنات سابقة ، فشاورهم ماذا يفعل كي يبعد قبائل عنزة عن بلاده ، فشار عليه أحد مستشاريه بأنه رأي فرسا أًصيلة عند أحد رجال قبيلة عنزة من الشراعبة من بني وهب، وكان هذا الرجل جاراً للشيخ قعدان اليعيش (أبو شاربين ) ، فعندما علم بذلك المحفوظ السردي طلب تلك الفرس من الشيخ جعدان اليعيش ، فستأذن الشيخ قعدان جاره الشرعبي في الفرس ولكن الشرعبي رفض اعطاء فرسه مهما كانت الاسباب وكان المحفوظ مصر على تلك الفرس ، وقال للشيخ قعدان وقبائل عنزة الذين معه بأنه سيمنعهم من موارد الماء الموجودة في موقع)المزيريب والبجة) وسيعطيهم مهلة ثلاث أيام يتشاورون فيها أما الفرس أو يمنعهم من الموارد ، بعد ذلك تجمعت قبائل عنزة في مكان قرب أذرعات يسمى (رجم الشور) والذي لا يزال يسمى كذلك حتى الان بهذا الاسم بالرغم مضي أكثر من مائتين وخمسين عاما,,,وهو في موقع قرب قرية (النعيمة) في بلاد حوران من سورية وتشاور القوم وكان أمامهم خيارين:
1- أما أن يسلموا الفرس للمحفوظ السردي وهذا عار ما بعده عار لان من يفرط بحقوق الجار أو الدخيل ليس من شيم العرب..
2-وأما أن يرفضوا الطلب وعندئذ فلا مفر من المجابهة مع المحفوظ المدعم بحلف من أقوى القبائل حينذاك..
مناخ ميقوع :
فكان القوم بين مؤيد للحرب وبين تريث لها فقرروا بإرضاء المحفوظ بثلاثة من الخيل الاصايل بدلا من تلك الفرس ، وهذا ما تم فعلا ، الا أن إصرار المحفوظ على الفرس هذه بالذات قد أثار حفيظة أحد رجال المصاليخ وهو (حزيل الرعوجي) الذي دق على رأسه وقال : حيز، وهو اسم يطلقه على إبله (والله لا يشربن الحيز من هالماء لونه بين براطم عجايب) وهذه عجايب هي زوجة المحفوظ.. ولكن الشيخ قعدان اليعيش(أبو شاربين) كان هو الشيخ صاحب النظر الثاقب وبعد أن درس الموقف وجد أنه غير قادر على مواجهة هذا الحلف لوحده والذي يترأسه المحفوظ السردي والذي يضم خمسة قبائل :السرحان وبني صخر والسردية والعيسى والفحيلية ، فقرر الشيخ جعدان بالرجوع إلى دياره خيبر ليستنجد بباقي قبائل عنزة هناك ويستعدوا للهجرة ، وعندما انتهت المهربات الثلاث التي أعطاها المحفوظ لقبائل عنزة ورأى أنهم رحلوا فأقسم بأن يلحقهم في عقر دارهم ويبيدهم عن بكرة أبيهم ، فخرج ولحق بهم وأدركهم في مكان اسمه ميقوع قرب الجوف فناوخهم ومعه عشرون بيرقاً من قبائل حلف الشمال وكان الأمر بالنسبة لقبائل عنزة أما حياة أو موت ، فاستبسلوا في الدفاع عن جارهم ووفرسه وهزموا المحفوظ وجيشه الرهيب في مناخ ميقوع وانتصرت قبيلة عنزة.. وبعد ذلك وجد الشيخ قعدان أنه لا مفر من مواجهة هذا الحلف ودحره ، فأرسل الشيخ قعدان اليعيش (أبو الشاربين) هذه القصيدة على لسانه والتي قالها النجيدي بن مذهل المصلوخي ليستنفر قبائل عنزة في خيبر ليستحثهم على الخروج من مناطقهم واللحاق به مرغبا اياهم بطيب هواء البلاد التي وصل إليها وخصب أرضها وصفاء مواردها ، كما أرسل إليهم بعض من الاعشاب والكلأ دليلا على صدق ما وجده من خير تلك المناطق وكذلك لنجدة أقربائهم المنابهة ومن معهم من عنزة ضد هذا المحفوظ ومن معه من حلف الشمال.. وعند وصول النجيدي الى خيبر قال هذه القصيدة يستحث الشيخ ابن سمير والطيار وباروخ بن خليل من مشائخ وفرسان قبيلة ولد علي ، والقعقاع من مشائخ الرولة ونايف بن غبين من مشائخ الفدعان ، وابن معجل شيخ الاشاجعة وابن جندل شيخ السوالمة من مشايخ عنزة فقال:
قال النجيدي من عذيات النبـــا = ألذ من در البكار العسايــــــف
وخلاف ذا ياركب فوق عوصـا = مافوقها كود خرجها والسفايــــف
فوقها اللي لقطع الفيافي امضرا = يبي السرى وعن نومةالليل عايف
أدل من القطاة في داجي الدجــى = رامت ضنها بالحزوم الصلايــــف
قم يانديبي بالعجل لاتونــــــا = أزبن على اللي زبنوا كل خايـــف
أولاد وايل وين ربعي نخيتكــــم = مروين مصقول السيوف الرهايـف
سلم على صبيان وايل جميعهــــم = اكبارهم واصغارهم باللفايـــــف
سلم على كل المشايخ وحثهـــــم = من روس لابة ما خلطهم عذايـف
سلم على القعقاع وانخ ابن جندل = وسلم على الطيار والشيخ نايــف
وسلم على ابن سمير ثم ابن معجل = وباروخ زبن التلافات التلايــف
سلم وعلمهم بيوم جرالنـــــــا = جتنا جموعٍ كثيرة وأغلبتها ردايف
جونا هل البلقا جموع يجرهــــا = شيخٍ يبي يوفي ديون وحلايـــــــف
جونا على ميقوع عشرين بيـــرق = وأقفوا يجرون الندم والحسايـف
بالقيض حدونا على شان جارنـــا = وعيوا علينا بطيبات المصايــف
خيل اقبلانا يوم اتشلا بخيلـــنا = مثل السباع الجايعات الهوايـــف
ينخن الصاعديات في صيحة لـــهن = ينخننا عن عايزات الكشايــــف
وعجنا رقاب الخيل لعيون خودنـا = صفوة رجال وعايزين الكلايـــف
عاداتنا بالكون نرخص عمارنـــا = ونجود بالارواح دون العطايـــــف
وحنا الذي مانقبل الضيم والقهر = غش على كبد المعادي امسايـــف
ويلان وين انتم ترى اليوم يومكم = والا مع الاجناب ننهج عرايــــف
وعند وصول القصيدة إلى قبائل عنزة سرعان ما خرج فاضل بن مزيد الملحم شيخ قبيلة المنابهة ومعه الموجة الأولى من قبائل عنزة من الحسنة وقسم من الشراعبة والبوعيد من الخماعلة وعدد قليل من المجاهمة من الموايقة من السبعة وقسم من المصاليخ الذين بقوا بخيبر ولم يلحقوا بالشيخ قعدان اليعيش (أبو شاربين) ، وعندما علم المحفوظ السردي بوصول موجة أخرى من قبائل عنزة هاجر إلى بلاده ولحقته قبيلة عنزة بقوة رادعة هناك وتقابل الجمعان في معركة (المزيريب) الشهيرة عام 1720م 1164هـ تقريبا حيث انتصرت فيها قبائل عنزة من المصاليخ والحسنة بالاشتراك مع قسم من الشراعبة والخماعلة، على حلف الشمال وقتل بهذه المعركة المحفوظ السردي زعيم الحلف وسلبت خيوله وأخذت عنزة جميع حلاله
وتديرت بنو وهب من عنزة ديرة حوران ..
ثم بعد ذلك بعامين أتى الفوج الثالث من قبائل عنزة وهم ولد علي بزعامة دوخي بن سمير ، وكان يتحتم على عنزة انهاء هذا الحلف نهائيا وإسقاط آخر معقل من معاقل حلف الشمال،فبعد قتل المحفوظ السردي وهزيمة من معه من قبائل حلف الشمال في معركة المزيريب ، تجمع هذا الحلف تحت زعامة الفحيلي زعيم قبيلة الفحيلية ، وكان بمرتبة أمير تؤدى إليه (الخوة) من كافة القبائل التي تقطن ديرة حوران ، وحيث أن قبيلة عنزة قبيلة كبيرة أو بمعنى آخر قبائل كبيرة رفضت هذا المطلب أنفة وكبرياء ، فأصطدمت مع الفحيلي في موقعة أو معركة (البجة) المشهورة وسميت بمذبحة الفحيلي لكثرة القتلي بها ، وتم إنتصار قبائل عنزة على هذا الحلف مرة أخرى ، وأسقاط نفوذ حلف الشمال ودحره الذي استمر فترة زمنية طويلة ، لينتقل وتصبح إدارة هذه المناطق وسلطتها في يد قبائل عنزة حيث تم إعتراف الحكومة التركية بذلك ، وأصبحت تؤدي لهم (الصر) مقابل حماية قوافلها المتجهة إلى البلاد المقدسة..
في أثناء حدوث هذه الهجرات والمعارك لموجات قبائل عنزة نتيجة للجدب والقحط والصدامات مع قبائل تلك المناطق .. نوى الشيخ كنعان الطيار المسير إلى الشمال بمن معه من قبائل ولد علي لكي يفزع لقبائل عنزة الذين سبقوه هناك وكذلك البحث عن الربيع والخصب ، وقد خرج يطلب اللحاق بقومه فوصل إلى وادي السرحان واستولى عليه بالقوة من سكانه الاصليين قبيلة السرحان ثم تقدم إلى الامام وحل ترحاله بمنطقة العمري في جنوب الأردن ولما علمت قبائل بني صخر باقترابه منهم أرادت أن تحول بينه وبين تقدمه للشمال فقامت بمهاجمته بعددها وعدتها الكثيرة ولكن الغلبة كانت لكنعان الطيار وقبيلته وتفصيل ذلك مرتبط ببعض الاشعار والموروث الشعبي وهذا تفصيله : وصل الشيخ كنعان إلى وادي السرحان حيث ذكر له أن تلك المناطق إرتوت من الامطار حتى كساها الربيع وأن بها منطقة لاتطؤها قدم إنسان مما يعرف عند البدو بالمخافة لوحشتها فلم يرعها أحد قط وعندما وصل هناك وإستقر مدة معينة هاجمه قوم من قبيلة بني صخر يدعون البواسل وطمعوا في أخذ إبله فانقض عليهم الشيخ كنعان الطيار ومن معه من قبائل ولد علي وهزموا البواسل شر هزيمة وقال في ذلك قصيدة :
يقول الوايلي قيل ٍ وكادي= معاني مالها شيء ٍ يشادي
تراهن يطربن صوت المغني =إلى ما ردهن ليا هن جدادي
الا ياراكب من فوق عوصا =سنامه نابي وسط الشدادي
سراها للبواسل لا تقيم =وبلغهم مع البيضا سوادي
نزلنا بالمخافه ممنين =أمنا وغدرونا بالعهادي
أصبحنا وصبّحنا جموعهم =بخيل مثل سيعان الجرادي
جوني عيلة يبغون ذودي =وذودي كلها ورث الجدادي
يبون الناقة الملحا وضيره =عليها مثل منكوس الفرادي
وروده ناقة الخطار تبهل =تهج كنها يمي تنادي
تراها كل ما تسكع مدوه =تفجع من معاليق الفوادي
ألا ماخبلك يا باغي نياقي =وأنا من دونهن فوق الجوادي
مغذاة ٍ على جب الشعير =ودرّ الخلف طلق ما يزادي
ظهرها ما يزيد عن الذراع =سريعة موج أباهرها سنادي
قوايمها كما عمد الحديد =وله صدر ٍ كما باب البلادي
وحاركها كما الذيب المويق =على الطليان بايام الكدادي
وأذانيها كما كافور غيد =وعينه نار شبّت بالحمادي
وذيل ٍ مثل منقوض الجعود =يغذي بالشمطري والزبادي
وجبهتها كما وصف الطلاحي =ومنخرها كما كير الستادي
وتاطي بالثلاث موثقات =وعلى الاربع كما الادمي تقادي
زمالت خيّرٍ تدنا لسرجه =مدنّاتٍ كما فحل الهدادي
ولا تركب على لعب المصّنع =ولاهي للزز يوم العيادي
تزها اللبس باليوم الكبير =نهار الكون تذخر للطرادي
عليها فارس يرخص حياته =ينوض إليا سمع حس المنادي
معه سمح الكعوب من البلنزا =إلى هوت تودع الصامل إبجادي
وضجّ نزول زينات العيون =وخيل ٍ نوخت لي باحتشادي
وعرجد نزلهن وأنا ذراهن =وصاحن ما لهن غيري عضادي
مخموصات المواطي والبطون =من المطعوم ما مالحن زادي
ومريّت الغرو وضاح الجبين =تنخى ولا نخت غيري سنادي
نور البيت بالمقدم تصيح =وترجي فعل ٍ حرٍ بالهدادي
ونا لعيناك يا نجلا العيون =تحلي فعلنا وقت الهجادي
وعينا بكرة ٍ حلو لبنها =ترعى ما نبت نبت العرادي
رديت الكمين على المغير =كما سيل حدر من بطن وادي
وخيل الطهر قادن للهجيج =ونخوا فوزان حماي العوادي
وقفن البواسل هاربات =وقادوا عجهن غوش الردادي
يتبع .