على سبيل التذكير: الولايات المتحدة لم تغزُ العراق لنشر الديموقراطية فيه، ومنه الى بقية الشرق الأوسط، فالانتخابات جرت بإلحاح من آية الله السيستاني وضغط منه بعدما كانت الولايات المتحدة اختارت مجلس حكم على أساس طائفي للمرة الأولى في تاريخ العراق الحديث؟؟؟
لا أعتقد بأن ادارة بوش قادرة على نشر الديموقراطية في العراق أو في غيره؟ وهي كل يوم تهاجم الديموقراطية في عقر دارها، أي الولايات المتحدة، وهذه بلاد رائدة في الحريات المدنية وحقوق الانسان، على رغم أي رأي آخر لنا فيها.
قبل أيام اطلقت الإدارة 18 معتقلاً آخر من غوانتانامو وبقي حوالى 400 سجين، بعضهم هناك منذ خمس سنوات ومن دون مواجهة أي تهمة، ومع التعرض للتعذيب؟ الله المستعان
في بعض بلادنا، وفي أميركا اللاتينية وغيرها قد يبقى انسان في السجن حتى يموت تحت التعذيب؟؟؟ وقد يختفي، إلا أننا نتحدث هنا عن الولايات المتحدة ذلك البلد العريق في تقاليده، حتى دخل جورج بوش الابن البيت الأبيض؟
وكالة اسوشييتد برس قامت مشكورة بالتحقيق في مصير معتقلين افرج عنهم من غوانتانامو، وهي استطاعت رصد حوالى 360 رجلاً نقلوا الى 17 بلداً، ووجدت أن غالبيتهم أفرج عنهم من دون تحقيق أو محاكمة بعد عودتهم الى بلادهم. ولا يقتصر الأمر على العائدين الى باكستان أو افغانستان، فقد عاد 29 الى دول أوروبية وأستراليا وتركيا، ووجدت الوكالة انهم جميعاً أفرج عنهم، ما يعني أن هؤلاء أبرياء فقدوا سنوات من حياتهم وعذبوا وأهينوا من دون سبب، فالدول التي اطلقتهم ديموقراطية جداً، وهي تكافح الإرهاب مثل الولايات المتحدة.
ثمة حوادث معروفة:؟؟؟؟
- بعد ارهاب 11/9/2001 اتصل عملاء الاستخبارات الأميركية في العواصم الأوروبية بأجهزة الاستخبارات المحلية، وطلبوا السماح لهم بخطف مواطنين أو مقيمين في البلدان الأوروبية، ونقلهم الى الخارج للتحقيق معهم بتهمة الإرهاب. وهناك معلومات ايطالية من مسؤولين كبار عن هذه المحاولة غير القانونية التي أوقفت في سنة 2004 بعد افتضاحها.
- خوسيه باديلا مواطن أميركي عذبته السلطات الأميركية ثلاث سنوات ونصف سنة حتى أصيب بخلل عقلي، وكانت التهمة الموجهة اليه، كما زعم وزير العدل في حينه جون اشكروفت، الإعداد لقنبلة «قذرة»، إلا أن هذه التهمة سقطت، وهو يواجه الآن تهماً مخففة أقصى عقوبة لها السجن 15 سنة. وستبدأ محاكمته في 22 من الشهر المقبل مع اصرار محاميه على أنه لم يعد قادراً على الدفاع عن نفسه.
- خالد المصري الماني مسلم جريمته أنه ترك بلدته أولم، وتوجه الى مقدونيا في اجازة قصيرة، فأوقف في فندق في سكوبيه 23 يوماً، وفُتش وأُهين وكُبل بالأصفاد وعُصبت عيناه، ثم نقل الى السجن في افغانستان حيث بقي أربعة اشهر قبل أن يكتشف الأميركيون أن هناك تشابه أسماء، والمطلوب شخص آخر بالاسم نفسه، وحتى اليوم لم تعتذر السلطات الأميركية أو تعترف بالخطأ.
- دونالد فانس أميركي ذهب الى العراق مع شركة أمن خاص، ورأى ما ازعجه فاتصل بمكتب التحقيق الفيديرالي «اف بي آي»، وقال ان هناك مخالفات في شركة الأمن العراقية المحلية وتجارة أسلحة. وداهم جنود أميركيون مقر الشركة واعتقلوا كثيرين بينهم فانس نفسه من دون أن يدروا أنه مصدر الشكوى. وهو بقي ثلاثة أسابيع قيد الاعتقال، من دون محام، وتحت الضغط والتهديد قبل أن ينقذه الـ «اف بي آي».
أتوقف هنا لأقول ان التاريخ الأميركي يظهر أن سلطات الرئيس تزيد في حالة الحرب، فهناك تجاذب دائم بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وابراهام لنكولن وفرانكلن روزفلت مثّلا الرئاسة الإمبراطورية في زمن الحرب الأهلية والحرب العالمية الثانية. وجاء الآن جورج بوش الابن وحربه على الإرهاب، وادارته تعتدي على الدستور كل يوم، من دون حرب حقيقية في مستوى التهديدات التي واجهها لنكولن وروزفلت، ومع إجماع الآراء على أنه ليس من مستوى هذين أبداً.
والنتيجة أن ركناً أساسياً في القانون الأميركي هو حق المعتقل في المثول أمام قاضٍ سقط، فالإدارة التي خسرت مرتين في المحكمة العليا لاعتقالها أشخاصاً سنوات من دون توجيه تهمة أو محاكمة، غيرت القانون ليناسب هواها، ففي الخريف الماضي ومجلس الشيوخ يسيطر عليه الجمهوريون استطاعت الادارة وحلفاؤها اصدار قانون المهمات العسكرية لعام 2006، لاعتقال المتهمين من دون الارتباط بفترة زمنية، ومن دون محاكمة.
والنتيجة أن ادارة بوش انتصرت أمام المحاكم عندما رفض قضاة، هذا الشهر، النظر في قضايا متهمين من دون محاكمة عذبوا في غوانتانامو سنوات.
المعتقلون عذبوا أيضاً في أبو غريب وقاعدة باغرام، وكل سجن سري ادارته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية حول العالم. ومرة أخرى نحن لا نتحدث عن جمهورية موز، أو بعض بلادنا، وانما عن بلد ديموقراطي عريق هُزمت ادارته في العراق، وانتصرت على الدستور في الولايات المتحدة.