السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مقتدى الصدر شوكة في حلق الجميع

برز رجل الدين الشيعي الشاب "مقتدى الصدر"، كأحد أهم اللاعبين الأساسيين في عراق ما بعد الاحتلال الأميركي، حيث اكتسب قاعدة تأييد عريضة، رغم الجدل الذي يثيره باستمرار، وهالة الغموض التي يحرص على إحاطة نفسه به دائما.
معاناة مبكرة
ولد "مقتدى" عام 1974، وعانى منذ نشأته طفولة صعبة؛ حيث شاهد مقتل والده "محمد صادق الصدر"، وكذلك شقيقاه "مؤمل ومصطفى"، الذين قتلوا في عهد نظام "صدام" 1999، فضلا عن الكثير من أفراد عائلته، الذين قتلوا في ثمانينيات القرن الماضي.
وبالرغم من أنه أصغر الأبناء الذكور لأبيه، إلا أنه ورث المرجعية الصدرية عن والده، بعد اغتيال أخويه الكبيرين، واعتكاف الثالث.
ويقول المقربون من "الصدر" والذين عاصرو نشأته أن والده كان لا يثق كثيرا في رجاحة عقله ولم يكن يصحبه معه في جولاته، كما كان إخوته يتضايقون من بعض تصرفاته التي تبدو متهورة.
لم يكمل دراسته
ولم يكن "الصدر" متميزا في دراسته المدنية، كما أنه لم يكمل دراسته الدينية، ولم يصل إلى مرتبة المجتهد.
ويقول المقربون من "الصدر" أن أبرز سمتين في شخصيته، هما ميله لحب الظهور - خاصة في التجمعات العامة-، وتوخيه الحذر دائما مع الآخرين؛ بسبب معاناته الكثيرة والمآسي التي شاهدها.
وفي مراحل نشأته الأولى، تلقى تعليمه الديني في مدينة النجف، فيما يعرف بالكتاتيب، ثم التحق بالدراسة في الحوزة العلمية، لكنه لم يتمكن من الوصل إلى مرتبة المجتهد؛ بسبب ضعف قدرته على استيعاب العلوم الشرعية، وأصبح يعرف في الحوزة العلمية بأنه ليس أكثر من طالب بحث خارجي.
جيش المهدي
وفي عام 2003 أنشأ مليشيا مسلحة أطلق عليها "جيش المهدي"، وهي منظمة شيعية ذات طابع اجتماعي سياسي.
ويقول مراقبون إنه هذه الميليشيا مكنته من فرض نفسه كأحد اللاعبين الأساسيين في الساحة العراقية.
التي وفت لها غياب السلطة المركزية وضعف الشرطة، مناخا مثالياً لتوسيع سلطتها، خاصة في مدينة النجف، فيقوم لجان أمنية تابعة لجيش المهدي بتنفيذ الأحكام بالقوة، كما أن القضاة المعينين من قبل أتباع "الصدر" يفصلون في النزاعات بين سكان المدينة.
تحدي الأميركان
وبالرغم من أن الصدر يستمد أغلب النفوذ الذي يتمتع به من عائلته، إلا أن مراقبون يقولون إن تحديه للقوة العسكرية الامريكية أكسبه الاحترام واكسبه المزيد من الاتباع.
وتحمل "جيش المهدي" التابع له تكبد خسائر كبيرة في الأرواح، خلال الاشتباكات مع الأميركان، حينما قاد الزعيم الشاب تمردين على القوات الأميركية عام 2004، عندما أغلقت الإدارة السابقة، التي كانت تقودها الولايات المتحدة صحيفته واعتقلت أحد مساعديه، فلم تكن النتيجة استسلام "الصدر" بل أعلن تمردا فوريا منظما من "جيش المهدي"، ودخل في مواجهة مع الأميركان، واضعاً مناصريه وجزءاً من الشيعة لأول مرة في مواجهة الأميركان.
وفي 2005 أصدرت سلطات الاحتلال الأميركية أمرا باعتقال "الصدر" بسبب اتهامه بالتورط في قتل رجل الدين "عبد المجيد الخوئي" الذي طعن حتى الموت في النجف، عقب غزو العراق مباشرة، لكن "الصدر" ينفي دائما أن يكون له أي دور في هذا الحادث.
ومن جانبها فإن السلطات الأميركية أعلنت مرارا، أنها ستعتقل أو تقتل "الصدر"، ولكنها تخلت فيما بعد عن هذا الهدف دون الإعلان عن ذلك صراحة، وأصبحت تسمح له بالخروج من العراق والقيام بجولات في دول الجوار، ثم العودة مرة أخرى إلى العراق دون أن تتعرض له.
باحث عن دور سياسي
ومنذ الأيام الأولى لسقوط نظام "صدام"، ظهر "مقتدى الصدر" على المسرح العراقي؛ باحثاً عن دور في المشهد السياسي الجديد، الآخذ في التشكل، مستندا على رصيد عائلته المليء بمزيج من الأمجاد والمآسي.
وبالرغم من تعاون "الصدر" في العامين الأخيرين مع مؤيدين في الحكومة العراقية المنتخبة - في خطوة نحو السياسة السلمية - إلا أن خبراء يقولون أنه من الصعب التكهن بخطواته، مما يترك انطباعا بأنه من الممكن أن يعود مرة أخرى إلى قيادة مقاتلين وبدء تمرد جديد على الأميركان في أقل وقت ممكن، فهو يبعث بإشارات متضاربة، مثل التزامه بفترات صمت طويلة تعقبها تصريحات نارية.
وقد نأى "الصدر" بنفسه عن العملية الانتخابية ولم يسع للفوز بمقعد في البرلمان، محتفظا لنفسه بقدر من الاستقلالية تبعده عن الزعماء الشيعة الآخرين الذين يستاء منهم بعض العراقيين؛ بسبب علاقاتهم بواشنطن أو طهران.
لكن الاتهامات لـ"لصدر" لم تتوقف عن هذا الحد، بل إن" إياد علاوي" - رئيس الوزراء العراقي السابق - اتهم "الصدر" نهاية عام 2005 بأن رجاله حاولوا اغتياله (علاوي) في نفس الضريح الذي طعن فيه "الخوئي" خلال الحملة الانتخابية.
ويقول مراقبون إن "الصدر" تمكن من جديد من المناورة في الساحة السياسية العراقية، التي لا توجد بها أي ضمانات.
وتحول "مقتدى الصدر" إلى مشكلة للحكومات العراقية، ولقوات الاحتلال الأميركي مع تزايد نفوذه ومع شكوك في دعم إيراني لمليشيا "جيش المهدي"، وأن "الصدر" يحصل على دعم مالي منتظم من إيران.
علاقته بالسنة
كما تمكن "الصدر" من توثيق صلته بالسنة الذين يعلنون احترامهم مبادئه القومية، وهو ما يرى كثير من المراقبين أنه من الممكن أن يجعل "الصدر" همزة وصل موثوق فيها بين الشيعة والسنة، التي يرجح كثيرون أنهم يقفون على شفا حرب أهلية.
ودعا في إحدى خطبة إلى توحيد الوقف السني والوقف الشيعي، كوسيلة للتقريب بين السنة والشيعة، لكن دعوته لم تجد من يتجاوب معها من الجانبين.
نزاع مع منظمة بدر
وفي عام 2005 دخل" جيش المهدي" - التابع "لمقتدى الصدر" - في نزاع مسلح مع منظمة" بدر" التابعة للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق - وهو حزب رئيسي في التكتل الشيعي- مما أثار مخاوف من نشوب صراع بين الطائفة الواحدة في العراق.
تنافس الجانبان - إلى جانب حزب الدعوة - على الفوز بتأييد شيعة العراق الذين يمثلون 60% من السكان.
خطب نارية
وبالرغم من أن "الصدر" ليس معروفا بالفصاحة الشديدة، على عكس رجال الدين الشيعة، إلا انه دأب على إلقاء خطب مثيرة للحماسة في صلاة الجمعة في مسجد الكوفة الشهير.
وأحيانا ما يلقي "مقتدى" هذه الخطب - التي تمزج الدين بالسياسية - بنفسه أو يوكل من يلقيها نيابة عنه في أحيان أخرى.
ففي البداية ندد بمجلس الحكم الانتقالي لأنه، حسب رأيه، غير شرعي، وأعلن عن نيته تشكيل حكومة ظل موازية.
وفي إحدى خطبه أعلن الصدر أن الانتخابات غير شرعية، طالما تمت في وجود الاحتلال، لكنه لم ينه أتباعه من المشاركة فيها.
عصبي ثائر
والذين يعرفونه عن قرب يصفونه بأنه عصبي، يفضل الأفكار البسيطة والإجابات الجاهزة السريعة، يضايقه الكلام المعقد، ويراه يتضمن الكثير من العجز.
فيما يرى آخرون في ذلك الشاب الوسيم المعتني بملابسه ومظهره، - الذي يعد جزءا من بضاعته - رجلا تمكن من
النجاح في تقديم نفسه كرمز للقائد الشيعي الثائر، حتى إن صورته أصبحت تعلق في المتاجر والمنازل كأحد المشاهير.
ويقول مراقبون أن "الصدر" يتقن استعمال سلاح الدين السياسي؛ حيث استطاع أن يثير في شيعة العراق الشعور برفض الاستسلام للأمر الواقع، بعد عقود طويلة من الاستكانة.
ومن هذا المدخل أظهر قدرة كبيرة على استقطاب الناقمين على الأوضاع والفئات المهمشة، بل حتى عناصر من نظام البعث السابق.
ويقول مراقبون أن "الصدر" - ذو الأصل العربي - يسعى إلى إقامة جمهورية إسلامية عراقية على غرار مثيلتها الإيرانية، متمتعا بالطموح والعناد، لكن هذا الهدف هو نفسه، ما أدى إلى مقتل عمه "محمد باقر" عام 1980 في عهد الرئيس السابق "صدام حسين".