د. الفوزان يحذر من الخروج على الدولة بشبهات أو مغريات من الانتماءات الفكرية والمذهبية
أكد الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للافتاء أن انتماء الإنسان الى الدولة المسلمة تقتضي منه السمع والطاعة لولي أمر المسلمين فيها، والحذر من الخروج على هذه الدولة بشبهات أو مغريات أو غير ذلك من الانتماءات الأخرى الفكرية والمذهبية، والتمسك بهذه الدولة ومناصرتها، وأن تكون مع جماعة المسلمين فيها، وعدم الفرقة وتبني الأفكار الوافدة التي ضيعت كثيرا من شباب المسلمين عملاً، كما جاء في حديث حذيفة - رضي الله عنه - لما أخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ظهور الفرق والاختلافات، قال: «فما تأمرني ان أدركني ذلك»، قال: (أن تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)، قال: «فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام»، قال: (اعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يأتيك الموت وأنت على ذلك). جاء ذلك في لقاء الدكتور صالح بن فوزان الفوزان الليلة الماضية القى خلالها محاضرة بعنوان: (تأصيل الانتماء والمواطنة الشرعية) ضمن (برنامج الأئمة والخطباء الذي ينظمه معهد الأئمة والخطباء بمقر فرع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد بمنطقة الرياض.
وأبان الفوزان أن المواطنة لها أحكام شرعها الإسلام بين المسلمين بعضهم مع بعض في مواطنهم، والمسلمون إخوة، حتى وإن لم يكونوا متعاصرين، ولو لم يكونوا في موضع واحد فهم إخوة، كما قال الله - جل وعلا - {إنما المؤمنون إخوة}، السابقون واللاحقون والمجتمعون في مكان واحد، والمتفرقون في أقطار الأرض كلها أخوة في الإيمان، فمن لازم المواطنة مع المسلمين الأخوة في الله - عز وجل - وما يلزم لها من أحكام، وما يتعلق بها من أحكام.
وأضاف قائلاً: إنه لابد أن يعرف المسلم بأنه يجب أن يتعامل مع المسلمين تعامل الأخ مع أخيه، كما قال - صلى الله عليه وسلم - (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، و(المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)، و(المسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، فتتعامل مع إخوانك بالصدق والنصيحة، كما تتعامل مع نفسك، حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
وأكد على أن المواطنة بين المسلمين، ليست مقصورة على المسلمين في بلد واحد، وإنما هو بين المسلمين عموماً في جميع أقطار الأرض، والتعامل معهم معاملة خاصة بمقتضى الإيمان، ومقتضى الإسلام، وحقوق المسلمين بعضهم على بعض، لأنه أخوك، وهو نفسك، وتعتبره مثل نفسك، حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وفي ظل ذلك يكره لأخيه ما يكرهه لنفسه.
وأبان الفوزان - في سياق محاضرته - أن التعامل مع غير المسلمين ينقسم الى قسمين الأول غير المسلمين غير الحربيين، والثاني غير المسلمين الحربيين، وقال: أما الحربيون فالتعامل معهم بالدعوة إلى الله - عز وجل - أولاً، ثم الجهاد، فبعد الدعوة إلى الله الجهاد في سبيل الله، إذا قدر أو على من يقدر، أو إذا استنفره الإمام، فإنه يقاتل في سبيل الله.
وأضاف قائلاً: أما التعامل مع الكفار غير الحربيين، وهم أهل الذمة وأهل العهد وأهل الأمان، فهؤلاء لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين، فيعطون حقوقهم من الأمن وتركهم على دينهم بشرط أن لا يظهروه، وإنما يكون بينهم، في مآكلهم ومشاربهم التي يرون حلها، ولكن لا يظهرونها إذا كانت حراما في الشريعة الإسلامية، ولا يظهرونها إنما تكون فيما بينهم، هذا موجب العهد، وكذلك الدفاع عنهم ممن اعتدى لأنهم صاروا في العهد والذمة، فالمسلمون يدافعون عن حلفائهم، كما أن الحلفاء من المعاهدين والذميين يقاتلون مع المسلمين في حماية الوطن، وطن الجميع، كما عاهد- صلى الله عليه وسلم - على ذلك اليهود في المدينة على أن يبقوا مواطنين لكن لا يظهر منهم أذى للمسلمين، وإذا ناب المدينة شيء، فإنهم يكونون مع المسلمين في الدفاع عنها، هذا حق المواطنة بين المسلمين وغيرهم.
وشدد الفوزان عضو هيئة كبار العلماء على أن من أعظم حقوق المواطنة بين المسلمين وغيرهم احترام دمائهم وأموالهم، فلا يجوز قتل المعاهد، ذمي أو معاهد أو مستأمن، ولا يجوز قتله، حت ينتهي العقد الذي بينه وبين المسلمين، ويعلن عليه الحرب، يكون حربيا إذا انتهى العهد صار حربياً يعلن عليه الجهاد، أما ما دام العهد باقياً، فإنه حرام الدم والمال، وجاء الوعيد الشديد بحق من قتل معاهدا، قال - صلى الله عليه وسلم - : (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين سنة) رواه البخاري، هذا كافر، وقتله صار عليه هذا الوعيد من أجل العهد الذي بينه وبين المسلمين، والله - جل وعلا - يقول: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا واوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا}.
وأوضح الشيخ الدكتور الفوزان أن ولي الأمر لو خشي من المعاهدين خيانة، فإنه لا يعاجلهم بالعقوبة، بل يعلن أنه سينهي العقد معهم، حتى يكونوا على بصيرة، قال الله تعالى: {واما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين}، فهذا من المواطنة بين المسلم والكافر المعاهد أو الذمي أو المستأمن الذي يدخل في بلاد المسلمين عن إذن أو عن عهد أو عن عقد ذمة، يكون له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين، ولا يجوز ظلمه ولا الجوز في حقه، قال - تعالى -: {يا أيها الذين آمنوا لا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى}، موضحاً أن لا يجرمنكم شنئان قوم هو البغض لهم، والقوم الكفار على أن لا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوى، اتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور.
وبين الفوزان أن من حقوق المواطنة مع المواطن سواء كان مسلماً أو ذمياً أو معاهداً أو مستأمناً، احترام الحقوق والأموال، ولهذا نهى - صلى الله عليه وسلم - عن الغضب في المعاملات، وعن الجهالة في المعاملات، وعن القمار، وعن الرشوة، قال تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون} وقوله - عز وجل -: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}، ويجب الصدق في المعاملة مع المواطنين من المسلمين وغيرهم، بل وحتى غير المسلمين، وغير المعاهدين، ولا تجوز الخيانة والغدر والكذب، وعلى المسلم أن يترفع عن هذه الأخلاق، ولا يقول هؤلاء كفار ولا بأس بأخذ أموالهم، لا تحل أموال الكفار إلا بالقتال غنيمة، ليس معناه أن كل كافر تأخذ ماله، وتسطو على بيته، وتأخذ ماله، وتقول حلال المال، فهذا لا يجوز.
وأبان أن من حقوق المواطنة احترام المرافق التي ينتفع بها أهل الوطن، والمرافق العامة، وموارد المياه، والطرق، والظل الذي يستظل به الناس، مشيراً إلى أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن إيذاء الناس في مرافقهم، ونهى عن البول في قارعة الطريق وعن البراز تحت ظل يستظل به الناس، فهذه مرافق عامة، لا يجوز للإنسان أن يفسدها على المواطنين، فالإسلام سبق جميع أهل الأرض في مراعاة المصالح لأهل البلد، ونهى عن إفساد المرافق التي يرتبط بها الناس،، بل أوجب اللعنة على من أفسد على الناس طرقاتهم أو موارد مياههم، أو غير ذلك، فقدرها عليهم، كل هذا مما يدل على أن الإسلام جاء بالمواطنة الصحيحة التي لم يأت بها نظام من أنظمة البشر، وإنما الإسلام هو الذي جاء بها صيانة لمصالح الناس، وفي هذا ترغيب للدخول في الإسلام.
واستطرد الفوزان قائلاً: إن الكفار إذا رأوا الإسلام بهذا المظهر وهذا التنظيم، وهذا الجمال ، فإن هذا سبب في الدعوة إليه قبل الدعوة بالقول، فالدعوة بالفعل أبلغ من الدعوة بالقول،ويجب أن تكون بلاد المسلمين نموذجاً عالياً بين العالم، هذا هو الواجب، ولا نستورد من بلاد الكفار أو حضارة الكفار وعندنا الإسلام بأحكامه وتشريعاته، ونستورد من نظم الكفار، بل ننفذ ما عندنا من النظم الإلهية في بلادنا في المواطنة، ونكون نموذجاً عالياً أمام العالم.من الجدير بالذكر أنه يشارك في (برنامج الأئمة والخطباء الذي ينظمه معهد الأئمة والخطباء بمقر فرع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد بمنطقة الرياض الذي افتتح الليلة الماضية من الائمة والخطباء والدعاة حوالي200 إمام وخطيب وداعية من مدينة الرياض.