حساسية الحب ....
.. يشكو كثير من الناس ،، من الحساسية .. او الحساسية المفرطة .. حيث تظهر لديهم اعراض يتذمرون منها .. كالطفح الاحمر على الجلد المصحوب بالحكة الشديدة عقب تناول مادة غذائية معينة مثل اللبن .. او البيض .. او السمك او المخللات .. ومن الناس ايضا من ينتابهم عسر في التنفس عندما يستنشقون رائحة بعض الازهار او حبوب اللقاح .. او ريش بعض الطيور ، وحتى شعر الحيوانات .. حيث قرأت في احدى المجلات الطبية المتخصصة في مجال الحساسية .. ان رجلا تنتابه نوبة من العطاس الشديد عندما تقترب منه قطة .. ولا تهدا عنده هذه النوبة الا عندما يرمي بهذا الحيوان خارج غرفته ..!
.. وهذا الشذوذ في الاستجابة للمؤثرات العادية اصطلح عليه في الطب ب ( زيادة الحساسية)
.. وقد وضع المجمع العلمي العربي اللغوي ، مصطلحا لهذه الظاهرة فقال : انه التحساس ( بكسر التاء وسكون الحاء) .. وهو على وزن تفعال ..!
.. هذا مايمكن ان نراه في الطب ، وازاء حالة (التحساس) .. ولكن ماذ ا عن هذ ه الحالة في الحب ..!؟
وهل الحب يمتلك حساسية اكثر حدة .. بل واكثر تدميرية من الحالات الاخرى .. وهل حساسية الحب حالة مرضية يصاب بها كل البشر عن طريق الفطرة ..!
.. بدء نقول ، ان الحب هو نعمة من نعم الله الكبيرة للبشر اجمعين .. ف .بالحب تكبر العلاقة القويمة بين الناس ، وتتوطد اواصر المجتمع .. ويصبح التجانس بين الانسان والحياة ، قائما على الفهم الايجابي الصحيح ..ذلك كونه معجزة تفوق تصور البشر ، وعندما ينظر اليها الانسان من خلال التفكير والتأمل .. لذا فان انجذاب او دهشة الانسان امام اية حالة من حالات الجمال .. هو في الحقيقة انقياد الى كنه او جوهر التكوين الالهي الجميل .. وعلى هذا الاساس .. كان الحب ليكون مدخلا فاعلا في الدخول الى الاشياء بطمأنينة بالغة ، وحتى تخلد النفس وتستكين الجوارح ..!
..و الحب كما يتحدث عنه ابن حزم الاندلسي ( 456-1064هجرية) .. في كتابه الشهير ( طوق الحمامة في الالفة والاف) ..: اوله هزل ، واخره جد ، دقت معانيه لجلالتها عن ان توصف ، فلا
تدرك حقيقتها الا بالمعاناة: وليس بمنكر في الديا نة او بمحضور في الشريعة اذ القلوب بيد الله عز وجل ..)..!
وهنا نسأل : فنقول : هل الحب فن ،، ام مجرد هو غريزة ..؟!
يقول الكاتب الفرتسي انريه مورا l لكي نجيب عن هذا السؤال يجب ان نسأل انفسنا ، ماهو الفن ..؟
يقول مورا : ان الفن في رأي بيكون .. هو مزيج من الانسان والطبيعة .. وهذا في الواقع ادق
تعبير له ،، ففي فن الرسم مثلا ، نرى الطبيعة تزود الرسام يالمادة الاولية للصورة .. تمده بالاشياء والازهار ، والبحر ، والنور ، والوجوه البشرية ، والرسام يبسط وينظم كل هذه العناصر حتى ترضي عقل الانسان .. كذلك الامر في الحب .. باعتباره فنا جميلا .. فالطبيعة تهيء المادة الاولية : تقسم الكائنات البشرية الى جنسين وتوجد في قلبيهما غريزة حفظ النوع .. ثم تترك للانسان مهمة تهذيب هذه المادة الاولية وصقلها وفق هواه في كل زمان ومكان ..!
ونعود الى حساسية او (تحساسية الحب .. وماهي بواعثها وتأثيرها ؟.
ان الحب لا يعطي مؤشراته الا بالاثارة .. وحتى يكون الانسان مأخوذا بها تباغت شعوره وبطريقة فجائية لم يتوقع حدوثها وفي زمان ومكان مجهولين .. وهذا ما يعبر عنه ب( الحب الخاطف) او الحب من اول نظرة .. وهو شائع .. او كما يعبر عنه ب( القضاء والقدر) ،، حيث يبرر اصحاب هذه النظرية كونها تنطبق مع الاسطورة اليونانية القديمة التي تزعم ان الاله شطر الرجل والمرأة في بداية الخليقة الى شطرين .. وان كلا منهما اصبح مكملا للاخر ، بحيث ان الرجل لا بد وان يبحث عن نصفه الاخر ليكمل تكوينه .. واذا ما اكتمل الشطران ، اي التقا كلاهما .. بدأ تيار صاعق يجتاحهما واحس كلاهما ان صاحبه يسحر حواسه بجماله ويخلب عقله بجاذبيته ..!
وهنالك حالة اخرى تسببها حساسية الحب ، والتي تدخل ضمن التصادم النفسي كما يعبر عنه ( ستندال) .. ففي قصة ( انا كارنينا) للكاتب تولستوي .. نرى البطل فبرونسكي يهبط من القطار وهو مستغرق في تفكيره .. ويسأل نفسه ..: يالجمال مدام كارنينا ولكن ترى ماذا كان قصدها حين اطالت النظر الي ؟ .. اما في قصة ( اوجنتي جرانديه) للكاتب بلزاك .. نجد الشاب شارل يدخل عباءة ابنة عمه ذات مساء في ثوب الرجل المع>ب ، فتحبه في تلك اللحظة حتى اخر حياتها ..!!
.. ويتضح من خلآل هذه المصادفات المباغتة او ما تسمى ب ( الصدمات ) فانها تأخذ حساسية الحب مداها الاقصى .. والاقصى ..!
وقد خلف لنا الادب العربي لونا من الشعر ، تمثل في اؤلئك الذين عرفوا في العصر الجاهلي بالمتيمين .. والمتيم في اللغة : هو المتعبد .. يقال تيمه الحب .. يعني تعبده .. وتيمته الحبيبة: اي استعبدت قلبه بحبها وهؤلاء مثل المرقش الاكبر ، واسماء ، والمرقش الاصغر ، وعبد اللهبن العجلان ، وهند ، وعبد الله ابن العلقمة وحبيشة ، ومالك بن الصمصامة .. واشهرهم عنتر وعبلة ..!
وقد اشتهرت قبيلة ( عذرة) بالحب المثالي .. او الحب العذري في العصر العباسي ..ا عرفت بكثرة عشاقها الذين اشتهروا (( بعفة الصبابة وبالصباحة وبالفصاحة بحيث بلغ من حالهم انهم اذا احبو ماتوا حبا ) .. ( وقد قيل لااعرابي ممن الرجل ؟؟
فقال : من قوم اذا احبوا ماتوا ..فقالت جارية سمعته : عذري ورب الكعبة .. فقيل له : مم ذاك ؟ قال: في نسائنا صباحة وفي رجالنا عفة (!!
وتكون هذه الحالة من الحب .. عندما يخرج الفتى ينشد ظالته التي هامت منه في ارجاء الصحراء ، حتى اذا اعياه البحث واجته الليل مال الى حي من الاحياء ، فتأتسه فتاة الحي بالقرى فيأنس بها وتأنس به ، وتقع في نفسه ويقع في نفسها ، واذا بهذه الفتاة تصبح ظالته المنشودة في الحياة ،، او اثناء الرحيل حينما ينفذ ماء الركب فيعرجون على اول مضرب يقعون عليه فتخرج الفتيات بالماء فتتقابل العيون ، وتخفق الافئدة واذا بالفتى يلقي عصا الترحال حول هذا المضرب او المرعى عندما يقع الغيث وينبت الكلا وتخضوضر روابي البادية ويترنم مكاؤها ) ببشائر الخصب والنعيم فتبكبر الفتيات والصبايا مع ديك الفجر بالابل والاغنام الى هاتيك الجنان التي تارجح الربيع بمروجها ..(وقد جاشت نفوسهم باحلام الصبا الناغم ) فيلتقيان عند منابت الكلا او منابع الماء متنافسين متنافرين كل .. واذا بهذه المنافسة والمفاخرة تقدح جذوة الحب في القلوب ، فيمضي كل واحد منهما وهو معني بصاحبه ثم يضاعف شغفهما كلما التقيا .. الى ان يأخذالحب اقصة حالة من حالاته .. فيكون العشق مأخوذا بالجد ، فيبدو العاشق وكأنه في حال يرثى له من شدة الوله والهزال .. وربما يكون في مس من الجنون ...!
... واما الذين لم يصابوا ب ( حساسية الحب) .. هم اؤلئك الذين لن تصلهم بع عوامل تلك الحساسية .. فتضيق بهم حياتهم .. ويصبحون يتشبثون في مهاوي الافكار الضيقة .. حتى يذهب البعض منهم الى ممارسة بعض الخرافات ، فمثلا يذهب الى العرافات واصحاب قراءة الافكار
.. وهذه الظاهر لاتزال موجودة وقائمة .. بل ومنتشرة في ازقة وغرف حقيرة كما يصفها احد الصحفيين .. وتنتشر في احياء لندن وباريس وتيويورك .. حيث يتخذ العرافون مكاتبهم هناك .. وحتى يصفون لهم الوصفات و الجرعات للعشاق الذين لم يطرق ابواب حياتهم طارق الحب بعد ..!
.. ان عالما فيزيائيا كبيرا كتب موضوعا ظريفا عن ( حساسية الحب) وبطريقة فيزياكيميائية
.. يقول هذا العالم .. ان الجسم البشري ليفرز او يشع في كل ثانية بليون من الذرات الاشعاعية والتي تحمل نوعا من الجزئيات الدقيقة وهي ذات مواصفات خاصة لا تتحد الا مع من تتجانس معها .. فان الرجل عندما يلتقي بالمرأة .. تتمازج هذه الذرات والجزيئات فيما بعضا وتتحد .. وبالتالي تكون ( المعادلة) بين الرجل والمرأة .. وهي التي تجمع القاسم المشترك بينهما .. ومن هنا تكون بوادر الحب الحقيقية التي لايمكن ان تنفصم ..
... وفي هذا القرن .. وعند عتبات نهاياته المتخمة بالتحولات ، والنتقدمةنحو الامام .. تنتشر حساسية الحب بشكل عام ، ومثلما تنتشر الغازات التي تقذفها المكائن الصناعية .. ووسائل النقل والاسلحة الفتاكة ، وهذه الحساسية اصبحت من الممكن ان توعك ، بل وتهيج الانسجة الشعورية لدى الانسان اينما كان .. حيث اصبح بالامكان ان تهاجمه بطريقة عشوائية .. ولاسباب يفرضها عصر الحاسوب .. ولكن بالرغم من هذا فان الصعوبة تكمن في نضج وفاعلية هذه الحساسية ازاء نتائجها ..!
لذا فان انسان العصر كثيرا ما يصاب بالملل لكثرة حدة الحساسية التي يسببها له غبار الحب ولكن مع ذلك فان هذه الحساسية لها سببها ومسبباتها وعلاجها ..!
يقول الكاتب الكبير انيس منصور في كتابه ( وداعا ايها الملل) : لان نمل مللنا هي ان نحب .. وهي ان نجدد صلتنا بالعالم الخارجي .. وهي ان نحس ان هناك صلة .. وان كل شيء في تناولنا .. وان كل مافي الدنيا هو عبارة عن يد ممدودة لتصافحنا .. ان كل مافي الدنيا شفاه في انتظار تقبيلنا لها .. نعم فشفاهنا ماخلقت الا لتقبل وقلوبنا ما خلقت الا لتنبض ، والانسان ماخلق الا ليحب .. اذن لا انا ولا انت ولا هو سنعرف الملل ..!
اذن .. فحساسية الحب .. هي حساسية لا تخضع لقوانين الناموس الفطري فحسب وهي يالتالي.. نوع من الحساسية التي تمنح الانسان اجمل الصور في هذا العالم الغامضفي مكنوناته
بقلم الكاتب المبدع
مهند الياس
22/09/10, (02:21 AM)
حساسية الحب
العرض العادي
