اقتصاديون : خطة الانقاذ لاتكفي لسد خمس ثغرة الأزمة المالية .. والحل يتطلب مبادرات مؤلمة

محمد العبد الله - الدمام
اعتبر اقتصاديون اقرار الكونجرس الامريكي على خطة البيت الابيض لانقاذ النظام المالي في الولايات المتحدة خطوة ستقود لاعادة جزء من الثقة للكثير من الاسواق المالية التي شهدت انهيارات و تراجعات حادة خلال الايام الماضية.
لكنهم قالوا ان الخطة بمفردها لاتكفي لردم خمس الهوة التي احدثتها الازمة المالية الحالية في النظام المصرفي الامريكي . ودعوا في الوقت نفسه الى اتخاذ مبادرات اخرى قد لاتقل ايلاما لانتشال النظام المالي الامريكي من الحضيض.
ولاتزال التقديرات المتعلقة بحجم الازمة متباينة، فالتقارير الاقتصادية تقدر حجم الازمة الائتمانية بخمسة اضعاف خطة الانقاذ البالغة 700 مليار دولار، بينما تقدر بعض التقارير حجم تلك الازمة بعشرة اضعاف، ما يعني ان الايام المقبلة ستكشف الحجم الحقيقي للمأزق الذي يعيشه الاقتصاد الامريكي و مدى تداعياته على الاقتصاد العالمي. وقال الدكتور علي العلق استاذ الاقتصاد والمالية بجامعة الملك فهد للبترول و المعادن، ان اقرار الكونجرس خطة الانقاذ لانعاش النظام المالي الامريكي و العالمي، من خلال ضخ 700 مليار دولار يمثل خطوة ضرورية لاعادة الثقة في المؤسسات المالية، مشيرا الى ان الفترة القادمة ستكشف الكثير من الامور، بشأن امكانية هذه الخطة بشأن انقاذ الموقف الصعب و الخطير الذي يهدد النظام المصرفي العالمي، بيد ان المؤسسة السياسية الامريكية تمتاز بقدر كبير من الديناميكية في التعامل مع الازمات الطارئة، وبالتالي فان صانعي القرار في الولايات المتحدة سيعمدون الى وضع خطة اخرى لتدارك الموقف في حال فشلها او عدم قدرتها على القيام بالدور المطلوب، بيد انها ستكون اكثر ايلاما للمواطن الامريكي، بمعنى آخر فان امريكا لا تزال تمتلك عدة خيارات لاتخاذ مبادرات جديدة و لكنها ستكون مكلفة و مؤلمة لمواطني الولايات المتحدة. واكد ان المشكلة التي خلفتها الازمة الائتمانية تتمثل في جاذبية و جدوى الاقتصاد الرأسمالي، خصوصا اذا عرفنا ان الكثير من الاستثمارات اتجهت خلال العقود الاخيرة نحو الاوراق المالية والعقود الآجلة، بدلا من الاستثمار في قطاعات انتاجية، حيث رأى اصحاب رؤوس الاموال الذين كونوا ثروات ضخمة امكانية تحقيق عوائد ربحية كبيرة من الاستثمار في الاصول المالية بدلا من الاستثمار في الاصول الاستثمارية المباشرة، مشيرا الى وجود خلل كبير في عملية عناصر الانتاج (العمالة - رأس المال). و يكمن عمق الخلل- برأي د. العلق - في الآلية المتبعة في تعويض عناصر الانتاج، فالتعويض الذي يحصل عليه العاملون قليل، الامر الذي انعكس سلبيا على القدرة الشرائية لهذه الشريحة و بالتالي تراجع حجم الاستهلاك او الانخفاض في الاستثمار في القطاعات الانتاجية، بينما يتم تعويض القيادات في المؤسسات المالية بمبالغ كبيرة جدا، فعلى سبيل المثال فقد حصل وزير الخزانة الامريكي يولسن عندما تقاعد من عمله باحدى المؤسسات المالية على 129 مليون دولار كنهاية خدمة، معتبر ان الخطة التي اقرت ستضع في اعتبارها مثل هذه الاشكالات و التعامل معها من خلال تقليص تعويضات القيادات الكبيرة.
وذكر الدكتور تيسير الخنيزي استاذ الاقتصاد السياسي بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ان الحديث عن قدرة خطة الانقاذ على تدارك الوضع المأساوي الذي يتخبط به الاقتصاد الامريكي بعد اقرار الكونجرس للخطة ما يزال مبكرا للغاية، بيد انها ستقود من الناحية الظاهرية لاعطاء نوع من الثقة للاسواق المالية العالمية، حيث ستكون ردة فعلها ايجابية للغاية، الامر الذي ينعكس على تعاملات تلك الاسواق خلال الايام المقبلة، مشيرا الى ان التطرق لمدى قوة تأثير هذه الخطة على مجمل الاقتصاد الامريكي و العالمي يتطلب الكثير من التحليلات الدقيقة التي تنظر للامور من زوايا مختلفة، وبالتالي فاننا بحاجة لبعض الوقت للتعرف على المزايا التي تتضمنها تلك الخطة وقدرتها على تطويق الازمة بالصورة المطلوبة، مؤكدا، ان ادارة البيت الابيض للازمة و اصراره على تمرير الخطة من خلال الدوائر التشريعية في الولايات المتحدة يعطي نوعا من الثقة في قدرة الولايات المتحدة على السيطرة على الازمة و ان الامور ما تزال تحت السيطرة، مما يبدد المخاوف من خروج الازمة عن دائرة السيطرة، وبالتالي فان ادارة بوش استطاعت الخروج من الازمة منتصرة بعض الشيء، مضيفا، ان التداعيات المستقبلية لاستمرار الازمة المالية خطيرة للغاية، خصوصا وان تأثيراتها لم تقتصر على حدود الولايات المتحدة بل تجاوزتها لتطال النظام المالي و الاقتصاد العالمي بشكل عام، الامر الذي تمثل في تأثير الكثير من الاقتصاديات العالمية، نظرا للترابط و التشابك الذي يمتاز به النظام المصرفي الوقت الراهن، مؤكدا، ان الدوائر الاقتصادية الصانعة للقرار في الولايات المتحدة و البلدان الغربية تبذل قصارى جهدها لتطويق الازمة بكافة الطرق و الاساليب، نظرا للانعكاسات الخطيرة التي ستهدد النظام المصرفي العالمي في استمرار الازمة و عدم القدرة على انهائها بالشكل المطلوب، مشيرا الى ان الكثير من الدول تسعى جاهدة لتطويق الوضع المتفاقم للحيلولة دون تكرار الكساد العالمي الذي عاشه الاقتصاد خلال الثلاثينات من القرن الماضي، فالمصلحة المشتركة تستدعي التحرك السريع لمنع تكرار الكساد في الاقتصاد العالمي.