بسم الله الرحمن الرحيم
أقول أحبتي قسوة القلب مرض عظيم ابتلينا به في هذا الزمان، فأصبحنا نسمع القرآن ولا نتأثر.. و ندفن موتانا ولا نعتبر.. ونسمع المواعظ والعبر و لا نتذكر..
السبب قسوة القلب يا رعاك الله..
وما من داء إلا وقد أنزل الله له دواء..
فدواء قسوة القلب يا رعاك الله هو مداومة النظر في كتاب الله بتدبر وتفكر فإن هذا الكتاب لو أُنزل على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشيةِ الله..
" كتابٌ أنزلناهُ إليكَ مبارك ليدّبروا آياتهِ "
كم فيهِ من المواعظِ والعبر.. كم فيهِ من الآياتِ والسور..
لكن كما قال الله: " ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة "
أقول موعظة بليغة و كلام موجز بسيط وعظنا بهِ النبي صلى الله عليه وسلم، أجمع أهل العلم على أن هذه من أبلغ مواعظهِ صلى الله عليه وسلم..
لقد أبلغ في الموعظة وأوجز في الكلام..
كلام بسيط ولكنه يحملُ معانٍ كثيرة و لا عجب فإنه صلى الله عليه وسلم قد أُوتي جوامع الكلم، يقول الكلام القليل فيه من المعاني الشيء الكثير..
فمن مواعظه البليغة صلوات ربي وسلامه عليه قوله:" أكثروا من ذكر هادم اللذات "
نعم أيها الغالي..
يوم أن غفلنا عن الموت و سكراته، والقبر وظلماته، والسؤال وشدته، ويوم القيامة وكرباته، والصراط وحدته؛ يوم أن غفلنا عن هذه الأشياء قست القلوب يا رعاك الله فأصبحت كالحجارة بل هي أشد قسوة.
لذلك قال بأبي هو وأمي:"أكثروا من ذكر هادم اللذات "
نعم الموت..
ما ذُكر في قوي إلا ضعفه، وما ذُكر في عزيزٍ إلا أذله، وما ذُكر في كثير إلا قلله.
الموت هو الموت.
مـــــا مـنـه مـلاذ ومهــــــــــــرب****متى حُط ذا عن نعشــه ذاك يركبُ
نشـــــــــــاهد ذا عيــن الحقـيقــــة****وكأننــا بما علمــــــنا يقيناً نكذبُ
إلى الله نشكو قسوة في قلوبنـــــــا****وواعظ الموت فينـا كل يوم يندبُ
نأمل آمـــالاً و نرجوا نتاجهـــــــــا**** وعـلّ الردى ممــا نرتجيـهِ أقربُ
الموت كما قال أهل العلم.. مفارقة الروح الجسد والحيلولة بينهما.. انتقالٌ من حال إلى حال.. وانتقالٌ من دار إلى دار..
سمّى الله الموت مصيبة، كما قال جل في علاه " إذا أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت.... "
لكن المصيبة الأعظم من الموت عدم تذكر الموت وعد الاستعداد للموت أعظم من مصيبة الموت يا رعاك الله.
لذلك قال أهل التفاسير في قوله تعالى " الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً "
قالوا يعني أكثركم للموتِ ذكراً..
لأنه من كان للموت ذاكراً كان للموت مستعداً.
قال أبو علي الدقداق: من أكثر من ذكر الموت أُكرم بثلاث، أُكرم بتعجيل التوبة ونشاط في العبادة وقناعة في القلب؛ ومن نسي الموت عوقب بثلاث، تسويف التوبة وكسلُ في العبادة وعدم قناعة القلب يا رعاك الله..
مما يُرقق القلوب التفكير في الموت وأحواله وفي القبر وظلماته.
لذلك قال بأبي هو وأمي صلوات ربي وسلامه عليه:" ألا إني قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة "
يوم غفل الناس عن الآخرة قست القلوب وعُطّلت الصلوات وارتُكبت المحرمات وتكاسل الناس في فعل الطاعات.
فيا غافلا عن العمل وغره طول الأمل****الموت يأتي غفلة والقبر صندوق العمل
قل لي بالله العظيم.. قل لي يا رعاك الله.. هل تفكرت يوماً وأنت تخرج من البيت في الصباح أنك لن ترجع إلى بيتك مرة ثانية !!!!!
هل تفكرت أن اليوم قد يكون آخر يوم في الحياة!!!!!
هل إذا أتاك ملك الموت في هذا اليوم أنت راضٍ عن نفسك!!!!!
لا تغفل يا رعاك الله...
ممن أعرفهم اتصل على أهله في الواحدة ظهراً..
قال لهم: لقد استأذنت من العمل مبكراً.. فما هي طلباتكم ؟
قالوا نريد كذا ونريد كذا ونريد كذا.
قال: ساعة واحدة وأكون عندكم.
مرت ساعة مرت ساعتان مرت ثلاث ولم يظهر له أثر.
اتصل متصلٌ قُبيل المغرب بقليل يقول: عظم الله أجركم في فلان، في الساعة التي خرج فيها من مكان عمله ارتطمت سيارته بسيارة أخرى وانتقل من هذه الحياة إلى حياة ثانية..
قل لي بالله العظيم: هل كان يظن يوم اتصل على أهله أنه لن يصل إليهم ؟!
هل كانوا يظنون يوم أملوا عليه الطلبات أن الطلبات لن تصل ؟!
بل الذي يحمل الطلبات لن يصل ؟!
كان أحد الصالحين يقوم في هزيعِ الليل الأخير، يرقى أعلى مكان في قريته، ثم ينادي بأعلى الصوت..
الرحيل.. الرحيل.. الرحيل..
كل يوم يكرر هذه الكلمات القليلة
الرحيل.. الرحيل.. الرحيل..
حتى جاء يوم وانقطع ذلك الصوت.
فقال أمير القرية: أين فلان؟؟
قالوا: مات.
قال: لازال يذكرُ الناس بالموت حتى مات هو.
نعم.. كان يذكرهم بالموت فأتاه الموت.. لكن على أي حال أتاه ؟!
لا زال يلهج بالرحيل وذكره**** حتى أناخ ببابه الجمّال
فأتــــاه متيقظـــاً متشـــمراً **** لم تلهــــــــــه الآمــــال
قال أحدهم لصاحبٍ له وكانت حاله سيئة..
قال: أبى فلان.. الحال اللي إنت عليها ترضاها للموت؟!
قال: لا والله.
قال: وهل نويت أن تغير هذه الحال إلى حال ترضاها للموت؟!
قال: ما اشتاقت نفسي إلى هذا بعد.
قال: وهل بعد هذه الدار دار معتمل؟!
قال: لا والله.
قال: وهل تظن أن لا يأتيك ملك الموت وأنت على هذه الحال؟!
قال: لا والله.
قال: والله ما رأيت عاقلاً يرضى بهذه الحال.
ستـنقلك المنايـــــا من ديـارك **** ويبدلــــــك الردى داراً بدارك
وتترك مــا عنيت بــه زمانــــاً **** وتُنـقل من غنـاك إلى افتقارك
وفي عينيك دود القبـــر يرعى **** وترعى عينُ غيرك في ديارك
نعم أيها الغالي..
لا تغفل عن الموت..
فلقد أجمع أهل العلم على أن الموت ليس له مكان معين.. ولا زمن معين.. ولا سبب معين.. ولا عمر معين. يأتيكم بغتة وأنتم لا تشعرون.
" قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ".. " وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد "
يعني ذلك ما كنت منه تفر وذلك ما كنت منه تهرب..
طال الزمان أو قصر لابد أن يأتي الموت.
والناس عند الموت على حالين يا رعاك الله..
الناس عند الموت على حالين:
إما محبٌ للقاء الله فيحب الله لقاءه.. وإما كارهٌ للقاء الله فيكره الله لقاءه.
قالت عائشة: يا رسول الله كلنا يكره الموت.
قال: لا يا عائشة ليس ذاك..
لكن هو العبد الصالح.. العبد المستقيم عند سكرات الموت تأتيه ملائكة الرحمن تبشره بروحٍ وريحان، ورب راضٍ غير غضبان، فيفرح بلقاء الله، فيفرح الله بلقاءه.
أما العبد العاصي.. أما العبد الغافل.. أما الذي تناسى الموت و سكراته فتأتيه ملائكة الرحمن، تبشره بسخط وعذاب الله، فيكره لقاء الله فيكره الله لقاءه.
وأستغفر الله العظيم وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين