الشعر هو مجموعة من المشاعر والأحاسيس التي تجيش في نفس الشاعر وترسبات من الماضي والذكريات والثقافة التي تختزلها ذاكرته , كل هذه العناصر مجتمعة تتحرك وتتبلور على هيئة قصيدة بمرور حدث له من القدرة والاهميه الشيئ الكبير الذي يدفع الشاعر الى البوح بما يدور في داخله .
وأهم ما في القصيدة العاطفة ومدى صدقها بغض النظر عما ذهب اليه الكثير من الأدباء والنقاد حول صدق العاطفه وأنه
لا يمكننا اكتشافها من خلال النص وقد عابوا على الرومانسيين ذهابهم هذا المذهب .
وأنا هنا لست منحازا لا الى هذا الرأي أو ذاك ولكن هل يمكن تسمية كل نص مقفى وموزون خالٍ من العاطفة شعرا ؟
انني اتحدث عن شعراء المجلات وأصحاب الصور الملونة الذين أفردت لهم المجلات والصحف الشعبية ضفحاتها وزينت صورهم على أغلفتها حتى باتو ينافسون باسكال مشعلاني ورفيقاتها على الظهور .
أقرأ لاسماء كبيرة أو قالو عنها كبيرة وقدمو لها بمقدمات تحس وأنت تقرأها بأنك امام نصٍ من العيار الثقيل ولكن ما أن يغص فمك بالبيت الأول لعسر هضمه وتعرج متكأ على مقدمتهم الى البيت الثاني حتى تتكشف امامك الحقيقه ,
نص جامد لا روح فيه يعتمد على التلاعب بالألفاظ والتكرار الممقوت والمميت تحاول ان تكمل وجبتك الكنتاكية فتصتدم
بجدار اسمنتي خشن الملمس يعود تاريخ بنائه الى فترة ما بين ( القرن السابع والثاني عشر ) أو كما أطلق عليه في تاريخ الأدب العربي ( عصر الانحطاط ) ولم يجوروا عليه بهذه التسمية وذلك لخلو انتاج هذا العصر من روح الشعر ألا وهي العاطفه فكل ما يعتمد عليه أو ما يعمد اليه صناع الشعر في ذلك الزمن هو اللعب بالألفاظ أما النص الخرب فهو في حالة فقر مدقع من الخيال والعاطفة والترابط والبنيوية .
أعود الى قصيدة شاعرنا الكبير وذلك الجدار الاسمنتي الذي واجهنا في البيت الثاني لرائعة مزعومة لو تأملته جيدا لوجدت مجموعة من الخربشات الصبيانية كتبت عليه وذكريات مجموعة من الشباب بالكاد تقرأها , في ذات صحوة مني وفضول قرأت على الجدار ( عودووووووووووا الى الماضي وقد خط أسفلها ذكريات / محمود سامي البارودي
(رائد مدرسة الاحياء ) .
في احدى نقاشاتي مع مجموعة من المهتمين بحال الساحة الفنية عفوا الشعبية قلت لهم أني أعجز عن قراءة ما يكتبه بعض الشعراء واتوقف وأقلب صفحة المجلة هربا من معركة لفظية ربما خاضها أو صاغها وهو يلعب البالوت, صرخ في وجهي أحدهم اذا اسمع قصائدهم في الأمسيات فلعلك تقنع بجودة شعرهم , قلت يا سيدي المحامي
لست بقدر من الجهل يجعلني اقتنع بصراخات ونخاوي ذلك المهايطي ولن تقنعني حركاته البهلوانية أثناء القائه
فتارة يلوح بيده رافعا صوته وكأنه يخطب خطبة حرب وأخرى يرمي بها عقاله ( المرعز ) حتى يصحو من نام , سألته وقد استشاط غضبا هل أحببنا شعر ( السديري) لأننا سمعناه يردد قصائده في أمسية فاستطاع أن يفتننا بجمال وصفه وروحه التي نحسها في شعره . صمت صاحبي وأطبق فمه . وهنا أصمت وأترككم بحفظ الله وسأعود ان كان للصوت صدى .