نقاوة البداوة
يقول الشاعر العربي:
لـو كنـت تعلـم مـا فـي الـبـدو تعـذرنـي
لكن جهلت وكم في الجهل من ضرر
مــا فــي الـبـداوة مــن عـيـب تــذم بـــه
إلا الـشـجـاعــة والإحـــســـان بــالــبــدر
إن البدو كما يؤكد كثير من الباحثين هم أول من تكلم اللغةالسامية العربية التي تعتبر أقدم اللغات التي لا
تزال حية حتى اليوم, وهمأرومة العنصر العربي ومادته ,وتاريخهم كما يقول العلامة أحمد وصفي زكريا
هوتاريخ العرب الحضر نفسه في الجاهلية والإسلام ,وتعتبر حياة البادية بالرغم منبساطتها وقسوتها
في بعض الأمور منشأ الأنبياء والحكماء,وملجأ للصالحينوالزهاد والعباد ,وفي ذلك يقول النبي صلى الله
عليه وسلم: ( ما بعث اللهنبياً ألا رعى الغنم (فقال أصحابه وأنت ) فقال نعم كنت أرعاها على قراريطلأهل
مكة) , وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهُ قال : قال رجلٌ : أي الناسأفضلُ يا رسول الله؟ قال:
(مؤمنٌ مجاهدٌ بنفسه وماله في سبيل الله )، قال: ثمَّ من؟ قال:" ثم رجلٌ معتزلٌ في شعب من الشعابِ يعبد
ربهُ" وفي رواية : ( يتقي الله ، ويدع الناس من شره ) , وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( يُوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبعُ بها شعفَ الجبال، ومواقع القطرِ،يفر بدينه من الفتنِ) ,وقال
أيضا : ( من خير معاش الناس لهم رجل ممسك عنانفرسه في سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعة
أو فزعة طار عليه يبتغىالقتل أو الموت مظانة أو رجل في غنيمة في رأس شعفة من هذه الشعف أو بطن
وادمن هذه الأودية يقيم الصلاة ويؤتى الزكاة ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين ليس من الناسإلا في خير)
,وحياة البداوة في تاريخ الإنسانية أقدم من حياة الحضر وفى ذلكيقول العلامة عبد الرحمن بن خلدون في
مقدمته المشهورة : ( إن البدو همالمقتصرون على الضروري في أحوالهم وعوائدهم وأن الحضر هم
المعتنون بحاجاتالترف في أحوالهم وعوائدهم ,فخشونة البداوة قبل رقة الحضارة ),أما عن صفاتالبدو
أنفسهم فأهمها القرب إلى الخير والشجاعة إلى جانب الكرم والجودةوالأمانة فأهل البدو أقرب إلى الخير
أما أهل الحضر ولكثرة ما يعانون من فنونالملذات وعادات الترف و الإقبال على الدنيا والعكوف على
شهواتهم منها فتتلوننفوسهم بكثير من مذمومات الأخلاق والشر والبدو وان كانوا مقبلون على الدنيا مثل
أهل الحضر ألا أن هذا الإقبال يكون في المقدار الضروري لا في الترف ، ولاشيء من أسباب الشهوات
والملذات ولأنهم أقرب إلى الفطرة الأولى فهم أبعد عماينطبع في النفس من سؤ الملكات والعادات المذمومة
والقبيحة وأهل البدو اقربإلى الشجاعة من أهل الحضر والسبب في ذلك أن أهل الحضر القوا جنوبهم على
مهاد الراحةوالدعة وانغمسوا في نعيم الترف ووكلوا أمورهم في المدافعة عنأحوالهم وأنفسهم إلى واليهم
والحاكم الذي يسوسهم والحامية التي تولتحراستهم فهم آمنون قد القوا السلاح وتوالت على ذلك منهم
الأجيال ,أما أهلالبدو لتفردهم وبعدهم عن الحامية وإنتباذهم عن الأسوار والأبواب فهم قائمونبالمدافعة
عن أنفسهم لا يوكلونها لسواهم فهم دائما يحملون السلاح ويتفردونفي القفروالبيداء مدلين ببأسهم واثقين
بأنفسهم وقد صار لهم البأس خلقاوالشجاعة سجية يرجعون إليها متى دعاهم داع أو استفزهم صارخ) ,
ولفضائلالبادية والبداوة والبدو فقد كان الخلفاء والأمراء في عصور الحضارة الإسلاميةيدفعون بأبنائهم
إلى البادية لاكتساب صفات الشجاعة والفروسية وحتى تشتدسواعدهم وتقوى عزائمهم وتأهيلهم لتحمل
المشاق والمسؤوليات الجسام كما كانالآباء الذين يريدون لأبنائهم أن يكونوا من الشعراء يرسلون أبنائهم
إلىالبادية لتعلم اللغة ولتستقيم ألسنتهم وتصح مترادفاتهم وتصفوا قرائحهم وبالنسبةلبعض الأقوال
الشرعية التي وردت في ذم (التعرب( وهو سكنى البادية فقد أشارإليها العالم الفقيه عبد الرحمن بن
خلدون معتبرا أنها ليست دليلا على مذمة (البداوة) وساق أدلة كثيرة منقولة ومعقولة تؤكد عدم مذمة
البداوة والبدووأشار إلى أن النهى عن التعرب أو سكنى البادية كان مرتبط بوقت معين وظروفمعينة
وهى ظروف وجوب الهجرة على المسلمين وملازمة المدينة المنورة مع النبيصلى الله عليه وسلم
وقد أوصى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأهلالبادية خيرا فقال للخليفة من بعده :
(أوصيك بأهل البادية خيرا فإنهم أصلالعرب ومادة الإسلام ) , وعن واقع البدو وحياة البادية يقول خادم
الحرمينالشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله ورعاه: (إن البدو نظيفووطيبو
السريرة ومخلصون ويمكن التعلم منهم الرجولة والعطاء والفخر والكرموالحس الشعري),وبالرغم من
ازدياد نعيق الغربان وزعيق البهتان ,سيظل تاريخالقبائل مشرفا ومشرقا,يجسد الشيم والقيم ,ويمثل
المكارم والأصالة والنقاء ,ويترجم مضامين التضامن والولاء والوفاء ,ويرسخ الشعور بحب الوطن وروح الانتماء .
مــا فــي الـبـداوة ذم يــا هـافـي الـســاس
أصــل الـعـرب وأهــل الفـخـر والنـوامـيـس
تـاريـخـهــم مـشــهــود لــلــنــاس نـــبـــراس
ومــوثـــق ٍ بـقــلــوب قــبـــل الـقـراطـيــس
يـبـقـى مـنــار ٍ لـيــن دقــــات الأجــــراس
غصب ٍ على رموز الفتن زمرة إبليس
عبد العزيز الفدغوش