هذا النجاح الكبير والسريع لمدينة سوق الشيوخ أدى الى توافد التجار والحرفيون والسكان بشكل كثيف لها والتي مثلت في وقتها أول نموذج في المنطقة لتأسيس مدينة تجارية تحمل اسما يدل على الهدف من انشائها ، يذكرعبدالكريم محمد علي ، في كتابه تاريخ مدينة سوق الشيوخ , عند حديثه عن فترة تأسيس المدينة , ص: 27 ((( توافد التجار والكسبه والحرفيون على المدينة بشكل كثيف. واتخذت كل فئة من هذه الفئات مساكن لها في جانب المدينة ، لا على اساس مهني (نقابي) ولكن على اساس قبلي ، فالذين هاجروا من الأحواز وماجاورها من جنوب العراق وبينهم رابطة عشائرية ، اتخذوا مساكنهم على الفرات من شرق المدينة (السوق) فعرفت بعدئذ محلتهم بأسم (محلة الحويزة) ، والذين جاءوا كتجار ومقاولين من بغداد وبلد والحلة والموصل وماجاورها ، اتخذوا لهم مساكن جوار محلة الحويزة (شمالها) فعرفت محلتهم بأسم ( محلة البغادة ) .. والذين جاءوا من نجد والحجاز واطراف الجزيرة العربية ، اتخذوا لهم مساكن غرب المدينة ، فعرفت محلتهم بأسم (محلة النجادة) والذين جاءوا من مدن او جهات أخرى متفرقة ، اتخذوا لهم مساكن مجاورة لمحلة النجادة (جنوبها ) سميت محلتهم بأسم (محلة الحضر) ، كانت هذه المحلات الأربعة قائمة على التل الذي عليه المدينة ، وثمة منخفض من الارض في غرب المدينة (التل) كان يسكنها خليط من الفقراء المهاجرين اليها و أغلبهم من الزنوج الأفارقة ، العبيد المعتقين ، الذين ليس لهم رأس مال سوى جهدهم العضلي ، يقومون بالعمال الخدمية لسكان المدينة كالحمالة والحراسة ، ورعاية الحيوانات – كساسة الخيل – والخدمة في البيوت والمحلات التجارية وغيرها . وقد شيدوا اكواخهم من الطين والقصب والحصران في ذلك المنخفض ، الذي سمي فيما بعد بـ ( محلة الاسماعيلية ) ومن جملة من هاجر الى المنطقة جماعة من الصابئة من اصحاب الصناعات والحرف – بحكم حاجة المجتمع الى نشاطها – كصياغة الحلي ، والحدادة ، جاء اغلب هؤلاء من مراكز التجمعات الدينية التاريخية لهذه الطائفة ، من محافظة ميسان ، واتخذوا لهم مساكن على الجانب الشرقي من المدينة على الفرات ، وعرفت محلتهم بأسم ( محلة الصابئة ) .))). وقد تم تشجيع قبائل مملكة المنتفق على زراعة المناطق القريبة للمدينة التي أصبحت تضخ الكثير من المحاصيل الزراعية الى أسواقها ،يذكر عبدالكريم محمد علي ، في كتابه تاريخ مدينة سوق الشيوخ , ص: 29 (((ولقد كانت الأراضي والبساتين المحيطة للمدينة , والأخرى المتاخمة لها , تضخ المحاصيل الزراعية الوفيرة لها , حيث يقوم التجار من اهالي المدينة أو الوافدون من تجار المدن الأخرى , بشراءها وخزنها وتصديرها الى البصرة – للتصدير الخارجي – او الى المدن العراقية الأخرى ))). ولم تقتصر سياسة دعم الزراعة على قبائل وعشائر المنتفق بل اتسعت لتشمل تشجيع عشائر وقبائل من الجزيرة العربية ومن أنحاء العراق الأخرى الى الهجرة الى مملكة المنتفق مقابل إعطائهم أراضي على ضفتي الفرات وذلك لكي يزرعونها ، وبذلك ازدهرت الزراعة والصادرات الزراعية للدولة وانتعش اقتصادها من الضرائب المفروضة على المنتجات الزراعية من هذه الأراضي. يذكر عبدالكريم محمد علي في كتابه تاريخ مدينة سوق الشيوخ , وذلك عند حديثه عن التطورات السياسية والأجتماعية التي حدثت في عموم جنوب العراق ، في الفترة مابين البدء بسياسة الأمير محمد بن مانع لتشجيع الهجرة الى مملكة المنتفق وحتى تأسيس سوق الشيوخ من قبل حفيده الأمير ثويني بن عبدالله واستمراره في سياسة تشجيع الهجرة الى مملكة المنتفق , ص: 26 ((( حدوث هجرات متتالية , من القبائل العربية من نجد ومن عموم الجزيرة العربية الى هذه المنطقة الوافرة المياه , والترحيب بهم من قبل شيوخ المنتفك (آل سـعدون ) واحلالهم بما يليق بكرامة العربي , واقطاعهم الاراضي على ضفتي الفرات , للزراعة الموسمية والبستنه , ومن بينهم من كان يحسن زراعة النخيل , ممن جاء من جنوب الجزيرة العربية – من الأحساء والقطيف – وهكذا نشأت بساتين النخيل على الضفتين وازدهرت الزراعة ))).
ولم تقتصر هذه السياسة في التشجيع على الهجرة الى مملكة المنتفق على القبائل والعشائر البدوية أو التي تمارس الزراعة ( التي كانت تنضم الى اتحاد المنتفق القبلي) بل اتسعت لتشمل سكان المدن من الحاضرة (التي كانت تنضم الى مملكة المنتفق خارج اطار اتحاد المنتفق القبلي) وتتضح آثار هذه السياسة في عهد حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله بن محمد بن مانع آل شبيب ( حفيد الأمير محمد بن مانع وابن أخ الأمير سعدون بن محمد الذي عرفت باسمه الأسرة لاحقا) والذي يعد أبرز من دعم هذه السياسة وشجع عليها ، حيث كان يتواجد معظم المهاجرين الى العراق من حواضر نجد في المناطق التابعة لمملكة المنتفق في عهده ( اما في العاصمة مدينة سوق الشيوخ أو بلدة الزبير)، يذكر أهل نجد المقيمون في العراق في فترة حكم الأمير ثويني بن عبدالله ، المؤرخ والشاعر خالد الفرج المعاصر للملك عبدالعزيز (مؤسس الدولة السعودية الثالثة) ، وذلك عند حديثه عن سليمان باشا والي بغداد (في القرن الثامن عشر) وعن المساعدة التي قدمها له حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف ثويني بن عبدالله ، ويذكر المؤرخ بعض القبائل والحواضر التابعه للأمير ثويني بن عبدالله وهم عرب المنتفق وشمر العراق وأهل نجد المقيمون في العراق والزبير ، كتاب الخبر والعيان في تاريخ نجد ، ص: 203 ((( وساعده على ذلك عرب المنتفق وشمر العراق ، وأهل نجد المقيمون في العراق والزبير ومتولي كبرهم ثويني بن عبدالله بن محمد بن مانع الشبيبي ، وهو هاشمي النسب ، ورئاسة قبائل المنتفق ترجع الى بيتهم من قديم ، لأن المنتفق خليط من قبائل شتى تجمعهم رابطة التحالف والمجاورة والمصاهرات الى أن كونوا قبيلة كبيرة تحكمت في نواحي العراق ، وكادت تستقل بحكمه))). واستمر حكام مملكة المنتفق آل سعدون الأشراف في دعم هذه السياسة للتشجيع على الهجرة حتى أنه في عام 1850م كان معظم سكان عاصمة مملكة المنتفق (مدينة سوق الشيوخ) من المهاجرين من القصيم أو نجد ، كما أن معظم سكان عاصمة مملكة المنتفق منذ عام 1892م (مدينة الخميسية) كانوا من أهل نجد ، يذكر مدن مملكة المنتفق الرئيسية مبتدئا بمدينة سوق الشيوخ ثم الخميسية ثم المدن الأخرى ، المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، ج: 3 ، قسم المنتفق، ص: 610 ((( وفي عام 1850م كان معظم سكانها يتألفون من مهاجرين جاؤوا من شبه الجزيرة العربية (قصمان ، ونجادة). أما الخميسية الواقعة جنوب سوق الشيوخ فقد نشأت في حوالي عام 1886م ويتألف معظم سكانها من النجديين أيضا))).
ان التطور في الفكر الاقتصادي والسياسي لحكام مملكة المنتفق لم يكن يقتصر على تأسيس هذه المدينة التجارية والإكتفاء بذلك ، بل أنهم استخدموا خط تجاري جديد للبضائع القادمة للمدينة بحريا وهذا الخط لايمر بميناء العراق الرئيسي مدينة البصرة (التي كانت تحت السيطرة العثمانية تجاريا) ، بحيث أصبحت البضائع القادمة من الهند الى سوق الشيوخ أو المصدره لها من سوق الشيوخ تمر من خلال ميناء مدينة الكويت ثم تنقل بريا مابين مدينة الكويت ومدينة سوق الشيوخ ، وهذه صورة توضح الخط التجاري الجديد:
يذكر أ.د. عماد محمد العتيقي، في ذو القعدة 1430 الموافق نوفمبر 2009 ، عند حديثه عن وثيقة تاريخية ( تم كتابتها قبل عام 1820م ) تتعلق بالشركة التجارية التي كانت تملكها أسرة العتيقي الكريمة وفروع هذه الشركة في الهند والكويت وسوق الشيوخ ، مكتبة الموسوعة الفقهية بالكويت، مخطوط رقم خ 991(((وفي نص الرسالة ذكرٌ لنوعين من الأقمشة الأول "مرود جبر أسود". المرود: هو قماش يستخدم لصناعة العباءات وأغطية الرأس النسائية، وجبر تعني السميك. الثاني "مرود دوني". بمعنى أقل في السماكة. وعيّنت الرسالة وحدة البضاعة وهي "الربطة"، وتحتوي على كرتونة يلف عليها القماش عدة طبقات ويربط بعد استيفاء عدد من اللفات يعطي الربطة طولها الذي يمكن أن يقص منه لاحقا حسب الطلب. والعملة المستخدمة هي "الربية الهندية" وسعر الربطة المتفق عليه للبيع مائة ربية وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت يدل على أن الربطة من الحجم الكبير ذي النوعية الجيدة. ويبدو واضحاً من التعليمات أن الإخوة "سيف وعبدالرحمن" شركاء في التجارة وأنهما من تجار الجملة. كما يتضح أن البضاعة موجهة إلى بلد (سوق الشيوخ) في جنوب العراق قرب الناصرية. وكان سوق الشيوخ مركزاً تجارياً هاماً بين تجار الكويت ونجد والعراق وقد استوطنه عدد غير قليل من الأسر النجدية والكويتية. توضح الوثيقة وكيل العتيقي التجاري في سوق الشيوخ، وهو عبدالعزيز بن منصور العتيقي وهو ابن أخي سيف وعبدالرحمن الذي كان على ما يبدو مستقرا في سوق الشيوخ فترة من الوقت. ويستفاد من الرسالة أن المرسل سيف كان وكيلاً لهم في الهند فاكتمل الحضور التجاري لهذا الفرع من الأسرة على طول الطريق التجاري ... الوثيقة شاهد نادر في وقته على التعاملات التجارية بين الهند والكويت وسوق الشيوخ عن طريق سفن النقل التجاري البحري، وقد سجل المرسل السفن الكويتية التي شحنت فيها البضائع. فالأولى (سفينة ابن عمران) وهي سفينة شراعية لم يحدد نوعها للنوخذة خليفة بن عمران، وهذا أول نص يرد فيه اسم هذا النوخذه فيما علمناه.والثانية هي بغلة للسيد محمد. والبغلة من أكبر السفن الشراعية التجارية التي استخدمها الكويتيون للنقل في أسفارهم البعيدة))). ويذكر أيضا أ.د. عماد محمد العتيقي ، عند حديثه عن الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله بن سيف بن أحمد بن محمد العتيقي ، مقالة عبدالرحمن بن عبدالله بن سيف العتيقي – صاحب الختمة العتيقية (((كان المترجم كما ذكر أعلاه يمتهن التجارة ويدير نشاط أسرته من الكويت. وكان أخوه سيف يدير فرع الشركة في الهند وابن أخيهما عبدالعزيز بن منصور يدير فرع الشركة في سوق الشيوخ وهي مركز تجارة أهل الكويت ونجد في العراق))).
وللتعرف على الحالة العامة لمملكة المنتفق في تلك الفترة – عهد الأمير ثويني بن عبدالله - نذكر مقتطفات من رحلة الرحالة الإنجليزي المعروف جاكسون للعراق ومروره في أراضي مملكة المنتفق وعاصمتها مدينة سوق الشيوخ عام 1797م وذلك بعد 16 عام من تأسيس المدينة ، يذكر مدينة سوق الشيوخ الرحالة الإنجليزي المعروف جاكسون في رحلته للعراق عام 1797م وذلك بعد مروره بها قادما من البصرة ومتجها لبغداد عن طريق الفرات، كتاب مشاهدات بريطاني عن العراق سنة 1797:
1- عند حديثه عن يوم الثلاثاء 27 حزيران وذلك بعد مغادرتهم للقرنة ودخولهم لنهر الفرات ، ص: 48 ((( ما ان انبلج صباح يوم الثلاثاء 27 حزيران حتى استأنفنا رحلتنا ساحبين زوارقنا على الضفة اليمنى من النهر. الريف هنا ذو منظر بهيج وذلك لوفرة بساتين النخيل وحقول القمح فيه وفي الساعة الثانية مررنا بخيام بعض العرب وقد أحاطت بها أعداد كبيرة من الماشية ، من أبقار ونعاج ومعز))).
2- عند حديثه عن يوم الأربعاء الموافق 28 حزيران ، ص: 50 ((( وقد اجتزنا عددا من القنوات في ضفة النهر كانت مياهها تغطي الأرياف المجاورة وتحول دون اقدام السكان على زراعتها بالقمح وماشاكله. ومررنا بعدد كبير من خيام الأعراب تحيط بها المواشي الوفيرة .. وعند حلول المساء بلغنا مدينة كبيرة جدا على الضفة اليمنى من النهر تدعى (سوق الشيوخ) وهنا اشتريت أنا والمستر ستنفس والرئيس ريد ناموسيات وجدناها ذات فائدة ملموسة لأنها أعانتنا على الظفر بقليل من النوم كنا في أمس الحاجة اليه))). يوضح النص حجم عاصمة مملكة المنتفق في تلك الفترة حيث أن الرحالة خرج من البصرة ذات الأكثر من 100 ألف نسمة ثم وصف مدينة سوق الشيوخ بالكبيرة جدا مما يدل على كبر حجمها .
3- عند حديثه عن يوم الخميس الموافق 29 حزيران ، ص: 50 ((( ولذلك اضطر دليلنا أن يصرف الزورق وملاحيه ويستأجر آخر بدلا عنه وكان طبيعيا أن تنقل مهماتنا الى الزورق الجديد وأن يبنى فيه مكان للمطبخ وهيأ لنا دليلنا وجبة غداء على الطريقة العربية وكان هذا الغداء يتألف من عشرين سمكة مقلية بالسمن واثني عشر دجاجة مسلوقة وأقراص من خبز الشعير وكميات وفيرة من اللبن. وقد جلسنا على الأرض حسب عادة أهل الريف في حديقة تقع على ضفة النهر وتحت ظلال أشجار التمر والعنب. كان السمك والدجاج والخبز لذيذا جدا وممتازا ولكن اللبن كان رائبا غير مستساغ بالنسبة للأوربي ولم نستخدم السكاكين والشوكات كما هو الأمر في أوروبا وانما كنا نتناول الطعام بأصابعنا مثلما يفعل العرب ذلك))). يوضح النص الرخاء الأقتصادي في مملكة المنتفق في تلك الفترة وتوفر أنواع مختلفة من الطعام قد تعتبر من الكماليات في بلدان مجاوره.
عند حديثه أيضا عن يوم الخميس الموافق 29 حزيران ، ص: 52 ((( وسوق الشيوخ مدينة واسعة ومأهولة جدا بالسكان وهي مقر (الشيخ ثويني) وهو من أمراء العرب الأقوياء الذي تخضع لحكمه الضفة اليمنى من نهر الفرات من الحلة حتى البصرة. ولقد ثار في احدى المرات علانية ضد الحكومة العثمانية واستولى على مدينة البصرة ذاتها))).
عند حديثه أيضا عن يوم الخميس الموافق 29 حزيران ، ص: 53 ((( تجولت مع دليلنا في المدينة وذهبت الى السوق الذي يمتد طوله نحو ميل وهذا السوق يفتتح عند شروق الشمس ويظل مفتوحا حتى الساعة التاسعة صباحا ثم يغلق ليفتح ثانية في الساعه الثالثة بعد الظهر ويستمر حتى المغيب. وأخذني الدليل أيضا الى أحد المقاهي حيث تناولت القهوة على عادة سكان المنطقة. كما أجبرت على تدخين التبغ حيث قدموا لي غليونا طوله نحو يارد ونصف اليارد وقد جلست على حصير طاويا ساقي بشكل متقاطع مثل بقية الجماعة وكانوا يقدمون القهوة في أقداح زجاجية من صنع الصين لايزيد حجم الواحد منها عن حجم نصف قشرة بيضة ولم أعط حليبا ولا سكرا وبدونها كان اللبن غير مستساغ الى أن أعتدت عليه))).
4- عند حديثه عن يوم الجمعه الموافق 30 حزيران - حديثه عن مقابلته لوزير حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله .. حيث أن الأمير ثويني كان في الأحساء وقت الزيارة وسوف نذكر التفاصيل في أحداث سنة 1797م من هذا البحث ، ص: 54 ((( في هذا الصباح قام الشيخ الذي يتكلم عند غياب الشيخ ثويني بزيارة لنا وجلب معه ابنته التي كانت في حوالي الثانية عشرة من عمرها وكان كل شخص مجبرا على أن يقف عند حضوره ماعدانا نحن ودليلنا. وقد تهيأت لي هنا فرصة الاطلاع على الاحترام الذي يوليه العرب لرؤسائهم. كان أحد الأعراب يحمل رسالة الى الشيخ قدمها اليه بأن وضعها على ركبتيه ثم عاد فتسلمها بذات الوضع وبعد أن قرأ السكرتير تلك الرسالة وضع ختم الشيخ على ظهرها. ويضع الشيوخ والاناس المبرزون في أياديهم اليسرى حلقة من الفضة أو الذهب الخالصين فيها فص من حجر حفر عليه اسم الشيخ. وهم يغطسون هذه الحلقة في الحبر ثم يوقعون بها الرسائل وهذا يعوض عن توقيعاتهم. وبعض هذه الأحجار حمراء اللون وبعضها الآخر من العقيق الأبيض))). يوضح النص بعض مظاهر الحكم المدني في مملكة المنتفق في تلك الفترة وهي المظاهر اللي قام الكثير من المؤرخين الاتراك بتجاهلها عند حديثهم عن الدول العربية في تلك الفترات مما يوحي للقارىء بأن هذه الدول كانت فقط مجموعة من الخيام.
عند حديثه أيضا عن يوم الجمعة الموافق 30 حزيران ، ص: 54 ((( لقد انهمك دليلنا الآن في اصطحاب زورق آخر معه الى بغداد ويضم هذا الزورق عددا من بالات الأقمشة المستوردة من (البنغال) كما يضم امرأة أمريكية معها ولدها البالغ من العمر ستة عشر سنة وابنتاها احداهما في الرابعة عشر والثانية في الثالثة عشر من العمر. غادرنا سوق الشيوخ في الساعة الحادية عشرة وتركنا أحد الزوارق وراءنا فعبرنا النهر وشرعنا نسير بمحاذاة الضفة اليسرى حتى الساعه الثالثة حيث أعدنا عبور النهر وأسرعنا بزوارقنا نحو قرية تدعى (غمكريك) نصبنا خيامنا عندها ))). يوضح النص تنوع زوار المدينة والبضائع القادمة لها من جميع أنحاء العالم ... بالإضافة لكثافة الحركة الملاحية التي تمر بها ، وهو دليل على الآمان والرخاء الإقتصادي . كما يوضح النص نقطة الجمارك الخاصة بمملكة المنتفق والذكاء في اختيار موقعها ، ويتضح ان سبب وضع نقطة الجمارك في تلك المنطقة لكي تكون البضائع القادمة من ميناء العراق (البصرة) التي تباع في المدينة أرخص لكونها بدون جمارك ، أما في حال تجاوز البضائع للمدينة لكي تباع في مناطق العراق العثمانية مثل بغداد فانها تصبح أغلى كون أسرة السعدون تأخذ عليها جمارك ، ولو كان موقعها قبل المدينة للبضائع القادمة من البصرة لدل على الرغبة فقط بالحصول على الجمارك أما كونه بعدها فهو يدل على الرغبة في ازدهار المدينة واعطائها أفضلية من قبل آل سعدون حكام مملكة المنتفق ، علما بأن أسرة السعدون أيضا كانت تملك نقطة جمارك على دجلة شمال القرنة وبذلك كانت تسيطر على الحركة الملاحية التجارية في أنهار دجلة والفرات ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ،عند حديثه عن اقتصاد مملكة المنتفق ,ج3, ص: 624 (((يضاف إلى ذلك عائدات ضخمة من الجمارك. كان يوجد على الفرات في القرن الثامن عشر نقطة جمركية مقابل نهر عنتر وأخرى في عرجة. وكانت هذه تابعة لفرع الصالح من عائلة الشيوخ. وفي القرن التاسع عشر أصبحت جمارك الفرات تجبى في سوق الشيوخ، وكانت تؤجر إلى جانب ضرائب أخرى في الناحية بمبلغ 50000 شامي. وكان جمرك دجلة، الذي كان مركزه موجودا في زكية فوق القرنة، يؤجر بمبلغ 12000 شامي، وكانت الضريبة العقارية في ناحية زكية تجلب مبلغا مماثلا))). وقد كانت السيطرة على الحركة التجارية في نهر الفرات ونهر دجلة هي جزء من حالة عامة تتمثل بسيطرة أسرة آل سعدون الأشراف على مقدرات العراق تاريخيا وتسخيرها لهذا الجانب في النضال ضد محتلين العراق من فرس وعثمانيين ، وهو يوضح أحد أسباب قدرتهم على الصمود في وجه الدولة العثمانية وحملاتها عليهم لمدة تقارب الـ 400 سنة ، يذكر المؤرخ جعفر الخياط ، عند حديثه عن تفرد أسرة السعدون الأشراف في تاريخ العراق وتحكمها في مقدرات العراق ومصائره لعدة قرون ، وذلك في كتابه صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة، ص: 29 (((لم تظهر على مسرح الحوادث في تاريخ العراق الحديث أسرة نبيلة تولت الامارة، وتحكمت في مقدرات العراق ومصائره دهرا طويلا من الزمن مثل أسره السعدون المعروفة.فقد بسطت نفوذها على القسم الأعظم من العراق الجنوبي مدة تناهز الأربع مئة سنة، وتولى شيخة قبائل المنتفك وإمارتها ما يزيد على العشرين شيخا من أبنائها البارزين ... وقد كان العثمانيون يشعرون بثقل العبء الملقي على عاتقهم في هذا الشان، ولذلك كان تصرفاتهم وخططهم التي رسمت خلال مدة حكمهم كلها ،ولا سيما في عهودهم الأخيرة ،تستهدف ضعضعة الأسرة السعدونية القوية والقضاء عليها بالحركات العسكرية والتدابير الإدارية ،والعمل على انقسامها فيما بينها))).
ان ابرز الأحداث التي أثرت على مدينة سوق الشيوخ هو الطاعون الذي ضرب المنطقة ككل عام 1831م والذي قضى على الكثير من سكانها ، يذكر الكسندر أداموف ، القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر ، في كتابه ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها ، وذلك عند حديثه عن مدينة سوق الشيوخ والطاعون الذي اجتاحها ، ص: 55 ((( وعندما اجتاح الطاعون في 1831 العراق بأجمعه وجه أول ضربة لرفاهية هذا المركز التجاري العربي الصرف))). ويكفي لتقييم آثار الطاعون على عدد سكانها أن ننظر الى مقارنة بين من زارها من الرحالة قبل الطاعون وبعده ، حيث زارها قبل الطاعون بعشر سنوات الرحالة الفارسي محمد آغا وذكر أن عدد بيوت المدينة والقرى المحيطة بها 20 ألف منزل وذكر أن معظمهم من قبائل اتحاد المنتفق القبلي بينما ذكر خورشيد باشا في تقريره الذي أعده للدولة العثمانية وهو الذي اشترك بلجنة الحدود العثمانية الفارسية ما بين 1848م - 1852م وأصبح واليا لأنقرة لاحقا ، في كتاب ولاية البصرة - من كتاب (سياحة نامة حدود) جولة بالمناطق الحدودية بين الامبراطورية العثمانية وفارس ، وهو الذي زارها بعد 18 عام من الطاعون ، أن عدد بيوت المدينة نفسها في تلك الفترة كان 800 منزل (أي ان سكانها بحدود الأربعة آلاف نسمة بعد الطاعون). يذكر الرحالة الفارسي محمد آغا ، عاصمة مملكة المنتفق مدينة سوق الشيوخ قبل العام 1820م ، حيث مر بها ووصف من كان يقيم فيها وحولها وهم عشرون ألف بيت معظمهم من قبائل اتحاد المنتفق ، يذكر السيد محمد آغا الفارسي ، كتاب رحلة المنشي البغدادي الى العراق ، رحلته عام 1820م ، ص: 146 (((ومن السماوة الى سوق الشيوخ ثمانية عشر فرسخا وفي هذه البلدة عشائر المنتفق، يسكنون السوق وفي أنحائه، وعدتهم عشرون ألف بيت وهم في جانبي الفرات ، ومذهبهم مذهب أحمد بن حنبل ، وبعضهم شيعة ))).
ويذكر القنصل الروسي في البصرة أهمية سوق الشيوخ تجاريا وذلك عند مقارنته بين سوق الشيوخ في الماضي وبين سوق الشيوخ في أواخر القرن التاسع عشر أي بعد أكثر من مائة سنة من تأسيسها و بعد أن ضربها الطاعون وبعد ان ازدهرت مدينة الناصرية عاصمة مملكة المنتفق الجديدة التي أسسها الأمير ناصر السعدون عام 1869م ، حيث يذكر الكسندر أداموف القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر , في كتابة ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها ، ص: 55 ((( وماسوق الشيوخ حاليا الا شبيه تافه للسوق المزدهر السابق الذي كان البدوي يستطيع أن يجد فيه كل ماهو ضروري ابتداء من السلاح الأبيض والأسلحة النارية والبارود والسروج وانتهاء بالأرز والشعير والدخن والمصنوعات الأوربية والبن ومختلف الأواني البسيطة وماشابه ذلك من البضائع. وكانت التجارة هناك تجري عن طريق المقايضة أي ان البدو كانوا ، في مقابل البضائع التي يحتاجونها ، يقدمون الماشية والخيل والمنتجات الحيوانية كالصوف والجبن والجلود وماأشبه. وكان شراء المسروقات والأشياء التي تقع في أيدي البدو عند سلبهم للقوافل التجارية أوللمسافرين الانفراديين بشكل عام فرعا مزدهرا من فروع التجارة المحلية بحيث ان أي أوروبي يسلبه العرب في الصحراء كان يستطيع وبشكل مؤكد أن يعيد شراء أغلبية أشيائه التي فقدها في دكاكين سوق الشيوخ))).
10- توتر الأوضاع بين الدولة العثمانية والدولة الفارسية – هجوم بني كعب:
بعد إسترداد مملكة المنتفق لمدينة البصرة (عام 1779م) وإعادة المدينة من قبل الأمير ثويني بن عبدالله للعثمانيين كدعم منه لسليمان باشا و بعد إبادة القوات الفارسية (في معركة الفضلية ومعركة أبي حلانة التي قتل بها قادة الجيش – أخوان حاكم الدولة الفارسية أبناء الأسرة الزندية ) ساد التوتر في العلاقة بين الدولة العثمانية والدولة الفارسية بسبب هذه الأحداث وبالتالي توترت العلاقة بين مملكة المنتفق (التي وقفت بالجانب العثماني) وبين دولةبني كعب التي وقفت بجانب الدولة الفارسية . وبعد أن أصبحت البصرة تحت نفوذ حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله ، فقد رأى حاكم دولة بني كعب الأمير غضبان بن محمد الكعبي أن تزايد نفوذ مملكة المنتفق المجاورة له وخصوصا سيطرتها على ميناء البصرة يضر بمصالح دولته لذلك قرر القيام بتحرك عسكري ضد معسكر مملكة المنتفق القريب للبصرة والمكلف بحمايتها ، وفي عام 1784م شنت قوات كبيرة من بني كعب هجوما مفاجئا على معسكر للأمير صقر بن عبدالله (أخو الأمير ثويني) يقع قرب مدينة البصرة ومخصص لحمايتها وانتصرت عليه ، وقد كان هذا التحرك العسكري جزء من حالة عامة تعيشها المنطقة في تلك الفترة بين العثمانيين ومن يحالفهم وبين الفرس ومن يحالفهم .
وقد كان بنو كعب يتوقعون الرد من الأمير ثويني بن عبدالله ولكنهم كانوا يعلمون أنه على موعد لاجتماع مع المستر لاتوش (الوكيل البريطاني في مقيمية البصرة) ، لذلك لم يتوقعوا تحركه الا بعد الأجتماع بمدة ، ولكن خطة الأمير ثويني بن عبدالله العسكرية فاجأتهم .. حيث وضع معسكر يتكون من عدد قليل من المقاتلين ( 1200 مقاتل) في مكان الإجتماع وكأنهم قوات لحمايته فقط ، وبعد الإجتماع تحركت القوات وأجتازت النهر سباحة وتحركت بسرعة مسافة تقارب 100 كيلومتر خلال يوم ونصف وباغتت معسكر قوات بني كعب (التي هاجمت معسكر أخيه) وأبادته بشكل كامل وغنمت كل مافيه ورجعت ، يذكر ج.ج. لوريمر ، في كتابه دليل الخليج ، وصف لاتوش للغزوة , القسم التاريخي , ج4 , ص:1883 ((( وقد شهد لاتوش وهارفورد جونز من مقيمية البصرة حادثة غريبة من هذه الحملة , وكان الأول في طريقه لأوربا مرورا ببغداد وحلب , فرتب لقاء مع الشيخ ثويني الذي كان معسكره على الضفة اليمنى لشط العرب فوق البصرة . وعقب انتهاء الزيارة في الغروب مباشرة , أمر ثويني رجاله وكان عددهم يتراوح بين 1000 و 1200 رجل بعبور النهر الكبير سباحة الى الضفة الأخرى , وخلال الليل والصباح التالي كان رجال المنتفق قد سارو مسافة تتجاوز 65 ميلا في الأرض الى جانب عبورهم خليجين كبيرين , وفي التاسعة من مساء اليوم التالي استطاعوا أن يباغتوا العدو في معسكره ويبيدوا رجاله عن آخرهم , وكان بنو كعب على علم بموعد ثويني مع مستر لاتوش , وعلى هذا لم يكونوا يتوقعون أن يباغتوهم بهذه السرعة))).
هذه المعركة توضح جانب من شخصية الأمير ثويني بن عبدالله وشجاعته وإقدامه حيث انطلق مع رجاله (فيما يبدو من وصف لاتوش أنه انطلقوا هروله ) الى معسكر العدو والذي لو علم بتحركهم لقضى عليهم بسهولة كونهم وصلوا المعسكر بعد أن قطعوا مسافة طويلة في مدة قصيرة وبدون أسلحة ثقيلة ، وتمكنت قوات المنتفق من مباغتت المعسكر والإنتصار على كل من فيه وغنمت كل مافيه وعادت قوات المنتفق على خيول معسكر العدو بسرعة وبدون أي خسائر بشرية في جنوده ، وهي عملية نوعية جريئة وفريدة من نوعها خلف خطوط العدو جاءت كرد قوي وقاسي على هجوم بني كعب المباغت لمعسكر مملكة المنتفق قرب البصرة. يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث ) ، وذلك عند حديثه عن حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله وانتصاره على بني كعب ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، ص: 213 ((( وكان أحد أجواد العرب مااناخ في بابه احد الا بلغ الارب ، وكان له في حكومته الأولى ايام ، شاهدة بانه الصارم الضرغام . ومن ايامه المحجلة بالصوارم ، ووقائعه المنورة باللهاذم ، اليوم المعروف بيوم دبى – الموضع القريب من البصرة كربى – وذلك ان كعبا غزو اخاه صقرا بجيش عرمرم فصبر لهم صبرا ، وقراهم بيضا وسمرا ، وكر عليهم بنفسه فكانوا كشياء ابصرت هزبرا ، فولوا الأدبار واغتربوا الفرار.... ومن ذلك اليوم لانت من كعب الشكائم ، ووهت منهم العرائك والعزائم ))).وللمؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) قصيدة في مدح الأمير ثويني بن عبد الله حاكم مملكة المنتفق بمناسبة انتصاره على قوات دولة بني كعب وعدد فيها أسماء أخوان الأمير ثويني وكناه بأبي فرحان ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، ص: 214 :
همو ألّبوا مستنصرين برجلهم
فكانوا بغاثاً خرَّ من فوقها صقرُ
لقوا فتيةً هزّوا القنا بأكفّهم
فكاد بذاك الهزّ يزهو ويخضرُّ
وهم أصلتوا البيض الرقاق كأنّها
بروقٌ لها تامور من حاربوا قطر
فأصبح (غضبان) الروافض كاسمه
ولا أسد لا بيضٌ لديه ولا سمر
وما لبني كعبٍ وحرب فوارسٍ
سيوفٌ إذا قدّوا.. ليوثٌ إذا كرّوا
إذا ما دعوا باعوا النفوس على الوغى
وجوههمُ بيضٌ، وبيضهمُ حمر
هم يشترون الحمد بالسُّمر والظبا
فلولاهمُ لم يغل حمدٌ ولا فخر
إذا مات منهم سيّدٌ قام سيّدٌ
وإن غاب بدرٌ شعّ من بعده بدر
فسل عنهمُ سود الوقائع إنّها
تخبّر أن القوم أفعالهم غرُّ
فلولاهمُ ما راق بدوٌ ولم يرق
وحقّ العلى لولا تصدّرهم صدر
ولولاهمُ لم تغش معمعةٌ ولا
تجشّم نار الحرب ليثٌ ولا مهر
بهم تضحك الدنيا حتى كأنّها
رياضٌ لها من بيض أفعالهم زهر
إذا افتخروا فالفخر منهم وفيهمُ
ولو أنهم ما شان أخلاقهم كبر
وحقّهمُ لولاهمُ ما تحمّلت
ليالٍ ولم يضحك لمكرمةٍ ثغر
ولم ير ناراً طارقٌ في دجنّةٍ
ولا أرقلت عيشٌ ولا أطرب القفر
(ثويني) (حبيبٌ) (ناصرٌ) و(مغامسٌ)
جميعهمُ أسدٌ، وصالحهم (صقر)
هم النفر الأخيار والسادة الألى
إذا سالموا سرّوا، وإن حاربوا ضرّوا
وإن فاخروا فاقوا، وإن سابقوا شأوا
وإن طاعنوا أردوا، وإن نسكوا برّوا
مصابيح إن يهدوا.. مساميح إن جدوا
جحاجيح إن ساموا. مصاليت إن جرّوا
وحسبهمُ فخراً بأنّ أباهم
إذا فاخروا من فاخروه هو (النضر)
بهاليل نالوا من نزارٍ وغالبٍ
شناخيب مجدٍ دونها النسر والغفر
صهاميم أسماهم (لؤيُّ وهاشمٌ)
علىً لو سماها البدر لم يخسف البدر
وناهيك منهم هامر الكفّ بارعٌ
صبورٌ نمته سادةٌ قدمٌ صبر
نماهم (شبيبٌ) للمعالي فأصبحوا
وهم في سماء المجد أنجمها الزهر
أبى الله أن يؤتى المعالي مثلهم
ويحسن إلا منهم النهي والأمر
وهل ك (أبي فرحان) يبرز عصره
فإن يك منّى مثله كذب العصر
عطاءٌ ولا منٌّ ونطقٌ ولا خنا
وحلمٌ ولا جهلٌ ونفعٌ ولا ضرُّ
نعم جهلت أسيافهم في عدوّهم
وأعداءهم ضروّا وأحلامهم سرّوا
لهم منهمُ فيهم تروق مدائحٌ
ويرجو الندى راجٍ ويجتمع الفخر
11- دخول ثويني لشرق الجزيرة العربية عسكريا عام 1785م – 1200هـ:
شهد العام 1785م إنشقاق في الأسرة الحاكمة في دولة بني خالد في الأحساء بين الأمير سعدون بن عريعر والأمراء عبدالمحسن بن سرداح ودويحس بن عريعر الذين فروا الى مملكة المنتفق وأستنجدوا بحاكمها الأمير ثويني بن عبدالله والذي قدم بجيش كبير الى الأحساء وبعد قتال عدة أيام هزم الأمير سعدون بن عريعر حاكم دولة بني خالد وأسقط حكمه وأستطاع الأمير ثويني بن عبدالله وضع حليفيه الأمير عبدالمحسن بن سرداح و الأمير دويحس بن عريعر على حكم الأحساء.
و يعود سبب الإنشقاق الى انه بعد وفاة حاكم دولة بني خالد الأمير عريعر ، اندلع صراع وتنافس على حكم دولة بني خالد بين أبنائه الأمراء بطين ودجين وسعدون ، وهو ماأدى الى قتل الأمير بطين حاكم دولة بني خالد على يد أخويه، ثم الإشتباه بقتل الأمير سعدون لأخوه الأمير دجين الذي تولى الحكم بعد الأمير بطين ، هذه الأسباب أدت لاحقا الى قيام الأمير دويحس بن عريعر بإنقلاب على أخيه الأمير سعدون ، الا ان الإنقلاب فشل واضطر الأمير دويحس وخاله عبدالمحسن بن سرداح الى اللجوء لحاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله لإزاحت الأمير سعدون عن حكم دولة بني خالد ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 349 ((( وبعد وفاة عريعر سنة 1188هـ/1774م يعود التنافس من جديد على زعامة بني خالد بين أبنائه بطين ودجين وسعدون اذ لم تمض مدة على ولاية بطين حتى قتله شقيقاه خنقا. وذكر أنه تولى بعده أخوه دجين الذي توفي بعد شهر من توليه السلطة. وتشير أصابع الاتهام الى أخيه سعدون الذي استمر في الحكم حتى سنة 1200هـ/ 1786م عندما فقد الزعامة اثر صراع على السلطة وذلك حين قام دويحس بن عريعر بمساندة من بعض أخوته بانقلاب فاشل على أخيه سعدون مماضطره للجوء الى خاله عبدالمحسن بن سرداح من آل عبيدالله أحد فروع آل حميد، فيستغل بن سرداح ما حدث لتحقيق طموحاته الشخصية في نقل الزعامة الى بيت آل عبيدالله. فيستعد عبدالمحسن لمواجهة سعدون ولما لم يجد في أتباعه من بني خالد القدرة على مواجهة قوات سعدون لجأ الى ثويني بن عبدالله آل شبيب زعيم قبائل المنتفق القوي في جنوب العراق وذو الطموح الكبير للتوسع والاستقلال بالبصرة والمناطق المجاورة. وطلب منه الدعم والمساندة ضد سعدون، فاستجاب ثويني وتعهد بالتأييد التام))).