بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي دبر فأحسن التدبير والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير نبينا
محمد وعلى اله وصحبه أجمعين أما بعد :
فمن صفات الباري سبحانه وتعالى صفة المحبة فهو سبحانه يحب عباده المؤمنين حبا يليق
بجلاله وعظمته وعباده أكثر من محبتهم لأموالهم
وأولادهم بل ومن أنفسهم قال تعالى
(فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه )
فالمحبة متبادلة بين الرب سبحانه وبين عباده قال تعالى
(ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين امنوا أشد حبا لله )
والمحبة منزلة عظيمة تنافس فيها المتنافسون وعمل لها العاملون وبذل لها الباذلون وشمر لها
المشمرون وتفانى في الوصول إليها السابقون
حكم محبة الله عز وجل :
إ ن محبة العبد لربه فريضة شرعية على كل أحد لايتخلف عنها إلا مظلم القلب عمي البصيرة عن
أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال
(والذي نفسي بيده لايؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين )
محبة الله من علامات الايمان :
وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم تقديم محبة الله ورسوله على محبة غيرهما من خصال
الإيمان ومن علامات وجود حلاوة الإيمان في القلوب
فعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
(ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن
يحب المرء لايحب إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار )
وقفة تساؤل :
إخواني وأخواتي الاحباء إذا كانت محبة الله عز وجل فرضا لازما وإذا كانت من خصال
الإيمان وعلاماته فأين نحن من هذه العباده ؟
قال ابن القيم رحمه الله ( لما كثر المدعون للمحبة طولبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى فلو
يعطى الناس بداعواهم لادعى الخلي حرقة الشجي فتنوع المدعون في الشهود فقيل لاتقبل
هذه الدعوى إلا بينه ( قل أن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) فتأخر الخلق كلهم وثبت
أتباع الحبيب في أفعاله
وأقواله وأخلاقه )
فأين نحن من أتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم ؟
أين نحن من أتباع سنته في عبادته ومعاملاته وأخلاقه ؟
أين نحن من أتباع سنته في الصلاة والزكاة والصيام والحج ؟
أين نحن من أتباع سنته في ذكره ودعائه وتلاوته واستعانته بالخالق وتوكله عليه ولجوئه إلى جنابه ؟
أين نحن من أتباع سنته في مصاحبة الإخوان والإحسان إلى الجيران وبر الوالدين وصلة الأرحام
وعيادة المرضى وإتباع الجنائز والإحسان إلى الضعفاء
وقضاء حوائج الفقراء والمساكين واليتامى ؟
أين نحن من سنته في تواضعه وأدبه ورحمته ولينه وشفقته وكرمه وطلاقة وجهه وعفوه وحسن خلقه ؟
أين نحن من اتباع سنته في قوته وشجاعته وسياسته وحكمته في السلم والحرب ؟
صفات المحبين :
الاولى أنهم أذلة على المؤمنين أي رحماء مشفقين عليهم قال عطاء رحمه الله للمؤمنين كالولد
لوالده وعلى الكافرين كالأسد على فريسته وكذلك كان النبي لينا رءوفا رحيما بالمؤمنين
الثانية أعزة على الكافرين قال ابن كثير رحمه الله هذه صفات المؤمنين الكمل أن يكون
أحدهم متواضعا لأخيه ووليه متعززا على خصمه وعدوه
الثالثة :الجهاد في سبيل الله بالنفس واليد واللسان والمال
الرابعة :أنهم لاتأخذهم في الله لومة لائم وهذه علامة صحة المحبة فكل محب يأخذه اللوم عن
محبوبه فليس بمحب على الحقيقة
بشرى وتحذير :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال أني أحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادى في السماء إن الله يحب فلانا
فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض وإذا أبغض الله عبدا دعا جبريل إني أبغض فلانا فأبغضه
فيبغضه جبريل ثم ينادى في اهل السماء إن الله يبغض فلانا فابغضوه فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض )
أحباب الرحمن :
إخواني وأخواتي الأحبه إذا أردتم أن تكونوا من أهل المحبة لله عز وجل فكونوا من هولاء
الذين ذكر الله في كتابه أنه يحبهم وهم :
1_ المحسنون
2_ التوابون
3_ المتطهرون
4_ المتقون
5_ الصابرون
6_ المتوكلون
7_ المقسطون
8_ المخلصون في الجهاد
درجات المحبة :
أحداهما فرض لازم وهي أن يحب الله سبحانه وتعالى توجب له محبة مافرض عليه وبغض
ماحرم عليه ومحبة لرسوله وتقديم محبته على النفوس والاهلين
والرضا بما بلغه عن الله وتلقي ذلك بالرضا والتسليم ومحبة الأنبياء والرسل والمتبعين لهم
بإحسان جملة وعموما وبغض الكفار والفجار فإن المحبة الواجبة تقتضي فعل الواجبات وترك المحرمات
قال الحسن بن ادم أحب الله يحبك الله واعلم أنك لن تحب الله حتى تحب طاعته
وسئل ذو النون متى أحب ربي ؟قال :إذا كان مايبغضه عندك امر من الصبر
وقال أبو يعقوب النهرجوري :كل من ادعى محبة الله جل جلاله ولم يوافق الله في امره فداعواه
باطلة وكل محب ليس يخاف الله فهو مغرور .
الدرجة الثانية درجة السابقين المقربين وهي أن ترتقي المحبة إلى ما يحبه الله من نوافل
الطاعات وكراهة ما يكرهه من دقائق المكروهات وإلى الرضا بما يقدره ويقتضيه مما يؤلم
النفوس من المصائب وهذا فضل مستحب مندوب إليه .
وعن عامر بن قيس أنه قال :أحببت الله عز وجل حبا سهل علي كل مصيبة ورضاني بكل
قضية فما أبالي مع حبي إياه ماأصبحت عليه وما أمسيت .
دعاء ورجاء :
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه في حديث له عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
(اللهم إني أسالك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين
وأن تغفر لي وترحمني وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني إليك غير مفتون وأسألك حبك وحب من
يحبك وحب كل عمل يقربني إلى حبك )
لأسباب الجالبة لمحبة الله :
1_قراءة القران بالتدبر والتفهم لمعانيه
2_التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض
3_ دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل والحال على قدر نصيبه من هذا الذكر
4_إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى والتنسم إلى محابه أي الوصول إليها وإن
صعب المرتقى .
5_مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها ومعرفتها وتقلبه في رياض هذه المعرفة
ومباديها فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعالة أحبه لامحاله
6_مشاهدة بره وإحسانه والائه ونعمه الباطنة والظاهرة فإنها داعية إلى محبته
.
7_الخلوة به وقت النزول الألهي في الثلث الأخير من الليل وتلاوة كلامه والوقوف بالقلب
والتأدب بأدب العبودية ثم ختم بالاستغفار .
8_مجالسة المحبين الصادقين والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقي أطايب الثمر .
9_مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل
.
فمن هذه الأسباب وصل المحبون إلى منازل المحبة ودخلوا على الحبيب وملاك ذلك كله أمران
استعداد الروح لهذا الشأن وانفتاح البصيرة
قال الله تعالى (والذين ءامنوا أشد حبا لله )
أسأل الله أن يحجب وجهي ووجوهكم عن النار وأن يكشف لنا وجهه في دار القرار والسلام
عليكم ورحمة الله وبركاتة وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد