كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل*رمضان*
عشرة أيام ، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً .. [أخرجه البخاري] .*
فاﻻعتكاف من العبادات التي تجمع كثيراً من الطاعات ؛ من التﻼوة ، والصﻼة ، والذكر ، والدعاء ، وغيرها . وقد يتصور من لم يجربه صعوبته ومشقته ، وهو يسير على من يسره الله عليه ، فمن تسلح بالنية الصالحة ، والعزيمة الصادقة ، أعانه الله .
وآكد اﻻعتكاف في العشر اﻷواخر تحرياً لليلة القدر ، وهو الخلوة الشرعية ، فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره ، وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله عنه ، وعكف بقلبه وقالبه على ربه وما يقربه منه ، فما بقي له هم سوى الله و ما يرضيه عنه .*
ونظراً ﻷن الكثير من الناس اليوم يجهل أحكام اﻻعتكاف فإنني أقدم هذه المعلومات المبسطة عن اﻻعتكاف .*
تعريف اﻻعتكاف :*
في اللغة : لزوم الشيء وحبس النفس عليه .*
وفي الشرع : لزوم المسجد واﻹقامة فيه من شخص مخصوص بنية التقرب إلى الله تعالى .*
حكمة التشريع في اﻻعتكاف :*
قال ابن القيم رحمه اله مبيناً بعض الحكم من اﻻعتكاف ما نصه ( لما كان صﻼح القلب واستقامته على طريق سيره إلى الله تعالى ، متوقفاً على جمعيته على الله ، ولم شعثه بإقباله بالكلية على الله تعالى ؛ فإن شعث القلب ﻻ يلمه إﻻ اﻹقبال على الله تعالى ، وكان فضول الطعام والشراب ، وفضول مخالطة اﻷنام ، وفضول الكﻼم ، وفضول المنام ؛ مما يزيده شعثاً ويشتته في كل واد ، ويقطعه عن سيره إلى الله تعالى أو يضعفه ، اقتضت رحمة العزيز الرحيم بعباده أن شرع لهم من الصوم ما يذهب فضول الطعام والشراب و يستفرغ من القلب أخﻼط الشهوات المعوقة عن سيره إلى الله ، وشرع لهم اﻻعتكاف الذي مقصودة وروحه عكوف القلب على الله تعالى ، والخلوة به ، واﻻنقطاع عن اﻻشتغال بالخلق ، واﻻشتغال به وحده ، بحيث يصير ذكره وحبه واﻹقبال عليه في محل هموم القلب وخطرا ته فيستولي عليه بدلها ... ) .*
حكم اﻻعتكاف :*
اﻻعتكاف قربة وطاعة وفعله سنة ، وهو في*رمضان*
آكد و آكده في العشر اﻷخيرة منه لكنه يجب بالنذر . ودليل ذلك ما يلي :*
1ـ قوله تعالى : ( وطهر بيتي للطائفين والعاكفين )*
2ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل*رمضان*
عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً ) [رواه البخاري] .*
3ـ عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم : يعتكف في كل*رمضان*
فإذا صلى الغداة دخل مكانه الذي اعتكف فيه ... ) [متفق عليه] .*
4ـ وعنها رضي الله عنها : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر اﻷواخر من*رمضان*
حتى توفاه الله عز وجل ثم اعتكف أزواجه من بعده ) [متفق عليه] .*
5ـ أما وجوبه بالنذر فلقوله صلى الله عليه وسلم : ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ) متفق عليه*
ولهما عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال : كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام . قال : ( أوف بنذرك ) .*
شروط اﻻعتكاف :*
1 ـ 2 ـ 3 ـ اﻹسﻼم والعقل والتميز . 4 ـ النية . 5 ـ المسجد . 6ـ الطهارة من الجنابة والحيض والنفاس .*
ما يستحب للمعتكف :*
1ـ اﻹكثار من الطاعات كالصﻼة وتﻼوة القرآن .*
2ـ اجتناب ما ﻻ يعنيه من اﻷقوال فيجتنب الجدال والمراء والسباب ونحو ذلك .*
3ـ أن يلزم مكاناً من المسجد لما ثبت في صحيح مسلم عن نافع قال : ( وقد أراني عبد الله ـ يعني ابن عمر ـ المكان الذي كان يعتكف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد ) .*
ما يباح للمعتكف :*
1ـ الخروج لحاجه التي ﻻبد منها ك لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( السنة على المعتكف أن ﻻ يعود مريضاً و ﻻ يشهد جنازة و ﻻ يمس امرأة و ﻻ يباشرها و ﻻ يخرج لحاجة إﻻ لما ﻻ بد له منه ) [رواه أبو داود وقال الحافظ : وﻻ بأس برجاله] .*
2ـ وله أن يأكل ويشرب في المسجد وينام فيه مع المحافظة على نظافته وصيانته .*
3ـ الكﻼم المباح لحاجته أو محادثة غيره .*
4ـ ترجيل شعره وتقليم أظافره وتنظيف بدنه ولبس احسن الثياب والتطيب بالطيب ، فعن عائشة رضي عنها قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون معتكفا في المسجد فيناولني رأسه من خلل الحجرة فأغسل رأسه ) وفي رواية ( فأرجله ) [متفق عليه] .*
5ـ خروجه من معتكفه لتوديع أهله لحديث صفية أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك .*
ما يكره للمعتكف :*
1ـ البيع والشراء 2ـ الكﻼم بما فيه إثم 3ـ الصمت عن الكﻼم مطلقاً إن اعتقده عباده .*
مبطﻼت اﻻعتكاف :*
1ـ الخروج من المسجد لغير حاجة عمدا ولو قل . 2ـ الجماع . 3ـ ذهاب العقل بجنون أو سكر . 4ـ الردة أعاذنا الله منها . 5ـ الحيض والنفاس بالنسبة للمرأة لفوات شرط الطهارة .*
وقت دخول المعتكف المسجد والخروج منه :*
متى دخل المعتكف المسجد ونوى التقرب إلى الله بالمكث فيه صار معتكفاً حتى يخرج ، فإن نوى اعتكاف العشر اﻷواخر من*رمضان*
فإنه يدخل معتكفه قبل غروب الشمس ويخرج بعد غروب الشمس آخر يوم من الشهر .*
تنبيهات :*
1ـ من شرع في اﻻعتكاف متطوعاً ثم قطعه استحب له قضاؤه ؛ لفعله صلى الله عليه وسلم حيث قضاه في شوال . أما من نذر أن يعتكف ثم شرع فيه وأفسده وجب عليه قضاؤه .*
2ـ للمرأة اﻻعتكاف في المسجد إن أمنت الفتنة و بشرط أذن زوجها فإن اعتكفت بغير إذنه فله إخراجها ؛ واﻷحكام المتعلقة باﻻعتكاف بالنسبة للمرأة كالرجل إﻻ إذا حاضت بطل اعتكافها فإن طهرت عادت فأكملته . ويسن استتار المعتكفة بخباء في مكان ﻻ يصلي فيه الرجال .*
3ـ من نذر اﻻعتكاف في المسجد الحرام لم يجز له اﻻعتكاف في غيره . وإن نذره في المسجد النبوي وجب عليه اﻻعتكاف فيه أو في المسجد الحرام . وإن نذره في المسجد اﻷقصى وجب عليه اﻻعتكاف في أحد هذه المساجد الثﻼثة .*
وأخيراً :*
أخي المسلم ... بادر بإحياء هذه السنة ونشرها بين أهلك وأقاربك وبين إخوانك وزمﻼئك وفي مجتمعك ، لعل الله أن يكتب لك أجرها وأجر من عمل بها .*
فقد أخرج الترمذي وحسنه من حديث كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبﻼل بن الحارث : اعلم ، قال : ما أعلم يا رسول الله ؟ قال : إنه من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي كان له من اﻷجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ) .*
إضافة إلى ما في سنة اﻻعتكاف من الفوائد في تربية النفس وترويضها على طاعة الله عز وجل ، فما أحوج المسلمين عامة والدعاة منهم خاصة إلى القيام بهذه السنة*