أَوان التَّـوبة ؟!..
في الحيـــــــــاة ..
يولدُ المرءُ مرّةً واحدة ، نقيّاً طاهراً شفّافاً كماء المطر ، كقطرة ندى تتأرجحُ على أوراق وردة جوريّة ..
فيسبغ عليه جمالُ الطهر حُلَّة نورانيّة ، تتعشقهُ القلوبُ وتتبسَّمُ فرحاً بقدومه ..
فولادتهُ تعني حياة جديدة ، وقلباً كبيراً ، لعابدٍ عاملٍ مؤمنٍ قد انضمَّ إلى سكان الأرض .
لكنَّ روحهُ قد تولدُ وتتجدّد في اليومِ مائة مرّة ، حين يرتدي رداءَ الطُّهرِ ، ويعلنُ في القلبِ توبة !
توبةٌ تخرجهُ من ظلمةٍ إلى نورٍ ، ومن ضيقٍ إلى سعة ، ومن نارٍ إلى جنّة ..
فيكونُ كذاك الطفلِ المفعم طهراً ونقاء ، تتلوّنُ في حياتهِ الآمال العريضات ، في غدٍ يأتيه ..
يكون فيه المسلمَ الذي يعمرُ الأرضَ بالخيرِ والإيمان .
في داخلِ القلبِ التّائبِ حكاياتُ حبٍّ من نوع نادر ، لا يفهمُ لغاتها إلاَّ المؤمنُ الحصيف ..
حكاياتٌ تتردد مع كل خطرة ، وكلِّ لمحة وكلِّ نفسٍ ، تحملُ راية التوبة المتجددة تجدد دقائق العمر ..
حكاياتِ كتبها مراراً بمدادِ قلمٍ نورانيّ ، كانَ في يومٍ من الأيّامِ عابثاً ، يخطُّ سطورَ الضلالِ ببصيرة عمياء ، لا تريكَ من نفسكَ سوى متطلباتها ورغباتها الدونيّة ..
حتى أشرقت في داخله شمسٌ الإيمانِ ، فنادى الحادي ( حيَّ على التوبة ) ..
واستجاب القلبُ بحبًّ عظيمٍ لخالقهِ ، واستشعر عظمَ الذنبِ ، ومرارة البعدِ ، وآلام الغربة ، فأزاحَ عنهُ سوادَ الحُجب ، وانطلقَ وثّاباً إلى الجنّة !
غسلتهُ دموعُ الندمِ في سجودٍ طويل ، يشكو فيه إلى مولاه فقره وضعفه وعجزه ..
ورجاءٌ يحدوه ليتلمّس حلاوة قربٍ ، وسكينة نفسٍ ، وطهارة قلب !
فأجابهُ عالمُ السرِّ وأخفى ، في لحظة أعلنَ فيها للقلب صدقه ، وأسبغ عليه من عطاياه الإيمانيّة ما يغنيه ..
فما عاد في الدنيا شيء يستحوذُ على قلبهِ أحبُّ إليه من سجدةٍ خاشعة بين يدي مولاه
وما عادت سعادة تكافئ سعادته بدموعٍ يغرقُ فيها محرابه ..
وها هو أوانُ الطهرِ قد حانَ موعدهُ ، ولعلنا قد تأخرنا قليلاً عن موعده ..
المراكبُ المهاجرةُ إلى الله قد فتحت أشرعتها البيضاء تنادي المسافرين ..
وتتوافدُ قوافلُ التائبين إليها ، يرخون أحمالهم الثقيلة على متنها ، ويقفون بقلوبٍ ملأى رهبة ، ينادون بقيّة الرّكاب الغافلين ..
فمنهم من يستجيبُ ويصعد رغم تأخره فينجو ..
ومنهم من يكابرُ ويعاندُ بجحود فيقول :
( سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء )
ومن ذا الذي يعصم نفسهُ من عذابِ الله إن أتاه بغتة !
وتنطلق المراكبُ سالمة آمنة ، تعبقُ في قلوبِ ركابها نسائمً الجنّة ..
وتبدأ رحلة الحساب لأولئك الغافلين ، فيحولُ الموج بينهم وبين النجاة فيكونوا من المغرقين !
ها هو رمضانُ قد أتانا فاتحاً ذراعيه بحبًّ يستقبلُ وفود التائبين ..
فهل سكبنا دموعنا ندماً ؟
وهل عزمنا ألا نعود إلى هاوية ؟
وهل وضعنا نصبَ أعيننا رضوان الله وفوزٌ بالجنّة ؟
فلنتخفف من ثقلِ أحمالنا بلحظة صدقٍ ، ودمعة توبٍ ، وأملٍ عظيمٍ بلقاء الكريم..
وقلوبنا عامرة بحبّ الله وحده ، تغشانا السكينة ، وتحفّنا الرّحمة ، ويباهي الله بنا نحن عباده التائبين جمهور ملائكته ..وسائر مخلوقاته ..
اللهم اجعلنا من التوابين ، واجعلنا من المتطهرين
جعلني الله وإياكم ممن إذا زل تاب وناب..
ورزقنا توبة نصوحا قبل الممات , وتجاوز عن تقصيرنا وآثامنا
وغفر لنا ولوالدينا ولإخواننا.