أعظم دواء للقلوب ..
إذا كانت حبال الصلة بينك وبين الله مقطوعة، ترفع يدك إلى السماء وتشعر أن قلبك ليس معك .. وتشعر أن حياتك صارت مضطربة وقد سيطر عليك الحزن والاكتئاب .. فهذه من أعراض مرض قلبك، وهو أخطر من أمراض الأبدان .. لأن أمراض الأبدان ظاهرة ومن الممكن أن تُعالج وإنما أمراض القلوب خفية ..
والقرآن هو أعظم أدوية القلوب لا محالة ..
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ** يونس: 57.
قال صلى الله عليه وسلم :
" ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله عز وجل همه وأبدله مكان حزنه فرحا " رواه أحمد وصححه الألباني.
فلن يكشف الهمّ والحزن سوى القرآن، لإنه أعظم سبب في تطهير قلبك.
وهو الكتاب الوحيد الذي لا تمل القلوب الطاهرة منه .. فكما قال عثمان بن عفان رضي الله عنه :
" والله لو طهرت قلوبنا ما شبعت من كلام ربنا " .
فإن كان قلبك غير طاهر، لن تتأثر به ..
قال تعالى :
{ سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ .. ** الأعراف: 146.
وقال عز وجل :
{ ..إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً .. ** الكهف: 57
أكِنة أي أغطية كثيفة، لذلك يحول الله بين المرء وقلبه ..
قال الحسن البصري :
"تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء : في الصلاة وفي الذكر وقراءة القرآن، فإن وجدتم وإلا فاعلموا أن الباب مغلق"
وإذا قرأت القرآن ستقوم بزيادة أو نقصان، فإما أن يطهُر قلبك ويزيد إيمانك ويكون شفاء ورحمة وإما أن تزداد خسرنًا على خسرانك.
والبعض قد يكون له وردًا من القرآن ويحافظ عليه ولكنه مازال يُعاني من الآفات القلبية ولم يُحدث القرآن أثرًا في قلبه .. وهذا لإنه لم يُحسن التداوي به، فقد إتخذت تلاوته عمل تفعله دون أن تتوقف مع آياته وتتدبرها بقلبك فلم تتأثر.
فلابد أن تُهيئ قلبك قبل القراءة سواءًا بالاستغفار أو أن تقرأ ما تيسر قبل الشروع في قراءة وردك، حتى يطهُر قلبك .. وعليك أن تقرأ الورد حال صفاء ذهنك، بعد الفجر أو في الأسحار ..
فقراءة النهار ليس لها تأثير قراءة الليل
{ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ** المزمل: 6 .
حتى تتواصل مع الله وتنهل من هذا المعين الصافي.
وحتى تُحسن التداوي بالقرآن، لابد أولاً أن تُعظم القرآن في قلبك وهذا يكون عن طريق معرفة فضله ..
وفضـل القـرآن هو ..
1) طريقك الي محبة الرحمن
قال صلى الله عليه وسلم :
" من سره أن يحب الله ورسوله فليقرأ في المصحف " حسنه الألباني، صحيح الجامع (6289) .
2) يحفظك من الفتن
إن كنت تخشى فتن الشهوات والشُبهات الكثيرة في زماننا، فإنك بحاجة إلى حفظ ورعاية الرحمن .. وهذا نصيب أهل القرآن الذين لهم حفظ وعناية خاصة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :
" أهل القرآن هم أهل الله وخاصته " رواه النسائي وصححه الألباني .
3) طريقك إلى التميز
إن كنت تريد أن تكون متميزًا وتصير من خير الناس، عليك بالقرآن .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" خيركم من تعلم القرآن وعلمه " صحيح البخاري
4) الرفعة والعز بالقرآن
إذا أردت أن تكون لك العزة وأن تسير مرفوع الرأس في زمن الذل والصغار والهوان، فعليك بالقرآن .. قال صلى الله عليه وسلم :
" إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين " رواه مسلم .
يرفع من قرأه فأحسن، وتدبره فأمعن، وعمل بما فيه .. أما من أعرض عنه
{.. فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ** طه: 124 .
كما كان أعمى البصر والبصيرة في حياته يكون كذلك يوم القيامة .
5) طريقك إلى الصلة بالله تعالى
يا مقطوع هذا طريق الوصال مع الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" أبشروا فإن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تهلكوا ولن تضلوا بعده أبدا " رواه البزار وصححه الألباني .
6) طريقك إلى قناطير من الحسنات
فقناطير من الحسنات في إنتظارك إذا ما أنت عظمت القرآن وأحببته، النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
" اقرءوا القرآن فإنكم تؤجرون عليه أما إني لا أقول { ألم ** حرف ولكن ألف عشر ولام عشر وميم عشر فتلك ثلاثون" صحيح الجامع (1164) .
وليس هذا فقط، بل إن الله سبحانه وتعالى يُعطي معلم القرآن ثواب كل حرف من القرآن يقرأه مَن علمه .
يقول صلى الله عليه وسلم :
" من علم آية من كتاب الله عز وجل كان له ثوابها ما تليت " السلسلة الصحيحة (1335) .
7) يُنجيك من هوّل الموقف يوم القيامة
لو تدري أي عز وكرامة يصيبان قاريء القرآن في هوّل الموقف يوم القيامة، والله ما توانيت لحظة عن الاستمساك بهذا الكتاب العزيز .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" يجيء صاحب القرآن يوم القيامة فيقول القرآن يا رب حله فيلبس تاج الكرامة ثم يقول يا رب زده فيلبس حلة الكرامة ثم يقول يا رب ارض عنه فيرضى عنه فيقال له اقرأ وارق ويزداد بكل آية حسنة " رواه الترمذي وحسنه الألباني .
لذلك قال ابن الجوزي :
" من يسمع هذا الحديث ولا تهفو نفسه لحفظ القرآن فهو مطرود "
8) يشفع لك في هذا اليوم العصيب ..
النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" القرآن شافع مشفع وماحل مصدق من جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار " رواه ابن حبان وصححه الألباني .
وماحل أي ساعي يسعى حتى يُدخلك الجنة، فمن أتبعه وعمل بما فيه فهو شافع له مقبول الشفاعة فيه ومن ترك العمل به ساقه إلى النار.
9) من أعظم أسباب الوقاية من النار أن يمنّ الله عليك بحفظ القرآن .
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
" لو كان القرآن في إهاب ما أكلته النار " حسنه الألباني، صحيح الجامع (5282) .
والإهاب هو الجلد، فلو جُعل القرآن في جسد ثم أُلقي هذا الجسد في النار ما مسته.
لذا أهم مشروع في حياتك منذ هذه اللحظة هو حفظ القرآن وتلاوته وتدبره والتعايش معه ..
ها هو طريق الشفاء، فأقبل على القرآن لتكون في المنزلة العظمى عند الله تعالى كما قال صلى الله عليه وسلم :
" الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران " متفق عليه .
اللهم اجعل القرآن الكريم لقلوبنا ضياء , ولأبصارنا جلاء , ولأسقامنا دواء , ولذنوبنا ممحصا, وعن النار مخلصا
ونسأل الله تعالى أن يبصّرنا بكتاب الله ، وأن يمنّ علينا بحفظه وقراءته آناء الليل وأطراف النهار؛
اللهم اجعلنا ممن يقيم حدوده , ولا تجعلنا ممن يقيم حروفه ويضيع حدوده
واجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك يا أرحم الراحمين