نزع الملكيات لتطوير الأحياء القديمة
السكان.. أين يذهبون ؟
حسين الحجاجي- جدة، هاني اللحياني- مكة المكرمة، خالد الجابري- المدينة المنورة، عبدالعزيز الربيعي- الطائف، افتخار باحفين- جازانتصوير: ملفي الوليدي، عوض المالكي، عبدالمجيد الدويني
نزع الملكيات الذي يتم -أحياناً- لمقتضيات تطوير مدينة ما أو حي من الأحياء القديمة أو الشعبية أو من اجل تشييد شارع ما أو توسعته يتبعها بالضرورة تنازل من الطرف المنزوع أرضه أو عقاره في مقابل تعويض مجزٍ. وبغض النظر عن الذكريات والحنين الى الماضي والارتباط بالمكان المنزوع وعلاقات الجيران وارتباط الأسر وتداخلها والاطفال والتي تهون جميعها في سبيل المصلحة العامة، فإن السؤال الذي تتمحور حوله هذه القضية هو: أين يذهب اصحاب المنازل والعقارات المهجورة؟
بغض النظر عن التعويضات التي سيحصلون عليها، الى اين يذهبون في ظل ازمة العقارات الخانقة وارتفاع اسعارها وغلاء الايجارات خاصة اذا علمنا ان معظم الذين ستنزع ملكياتهم من اجل المصلحة العامة ومقتضيات التنمية والتطوير هم من المواطنين والبسطاء سكان الاحياء العشوائية والقديمة حيث تتلاصق البيوت وتضيق الشوارع والأزقة والحارات الشعبية ليطرح السؤال نفسه من جديد.. الى أين يذهبون؟ وما هي الانعكاسات السالبة لنزع الملكيات عليهم ثقافياً واقتصادياً واجتماعياً بما يتقاطع مع النسيج الاجتماعي لسكان تلك الأحياء وعائلاتهم وأطفالهم ومستودع حنينهم وذكرياتهم القديمة.
وهل تكفي التعويضات لإيجاد البديل المناسب لهم وهل سيجدونه بسهولة وما مدى قدرتهم على التكيف مع الواقع الجديد الذي سينتقلون اليه؟.
والأهم من ذلك كله هل وفرت الجهات المعنية البدائل لهؤلاء من مجمعات سكنية ومدن وأحياء جديدة أم سيقعون في قبضة هوامير العقار وأصحاب المخططات الجديدة في اطراف المدن وفي قلبها النابض بالحياة.
«عكـاظ الاسبوعية» استقصت المسألة مع عدد من المواطنين والعقاريين والمسؤولين في مختلف المناطق وخرجت بحصيلة وافرة من الآراء والمواقف والحكايات.
بداية وقبل استعراض هذه الآراء والمواقف يجب التأكيد على جملة من الحقائق المتعلقة بقرار نزع ملكية بعض العقارات.. أهدافه وفوائده التي تعود على سكان تلك الأحياء والمواطنين عامة ومنها ان مشروع إزالة الملكيات في بعض الأحياء سيسهم في تسهيل وانسيابية حركة المرور والنقل والتطوير وفقاً للخطط الموضوعة لهذه الأحياء.
ومن الفوائد التي ستعود على المواطنين إنهاء أو المساهمة في حل بعض المشكلات المتعلقة بالعمالة المتخلفة وسط هذه الأحياء وإراحة الناس من جرائمهم وسلوكياتهم وممارساتهم الخاطئة. كذلك تحسين المشهد الحضاري العام لبنية تلك الأحياء والمدن ورفدها بمختلف الخدمات واكتمال التخطيط العمراني الحديث وتوسعة الشوارع والساحات.
إسكان الحجاج
وعودة للسؤال المطروح: إلى أين يذهب هؤلاء في ظل أزمة العقار الطاحنة وارتفاع أسعار الأراضي والإيجارات، يروي مصلح القارحي احد سكان العزيزية بمكة المكرمة انه ظل لأكثر من خمسة اشهر يبحث عن شقة تؤوي اسرته المكونة من 18 فرداً دون ان يعثر عليها، مؤكداً انفتاح شهية ملاك العقارات لرفع ارباحهم عن طريق اسكان الحجاج الذي قلل من نسبة المساكن المتاحة للمواطنين والمقيمين بشكل واضح.
مطرودة في الشارع
وقالت (أم رمزي) انها ظلت تبحث عن سكن يحتضن أبناءها على مدى ثلاثة اشهر.
ارتفاع أسعار الأراضي
ولا يجد محمد علي الذي استلم تعويضاً عن منزله المنزوع فائدة من هذا التعويض فالأراضي غالية ومواد البناء في ارتفاع ولا شركة تقوم بالبناء للمواطن بأقساط ميسرة مشيراً الى انه على الرغم من ان مساكنهم قديمة الا ان طبيعة الحياة فيها بسيطة وسهلة والعلاقات على حميميتها بين الجيران والبيوت متلاصقة وهناك علاقات تواصل وعادات سيحرم منها سكان تلك الاحياء جراء نزع ملكياتهم.
حي الجبل
وعلى النقيض من هذا الرأي نجد العم حسين يرحب بالقرار مشيراً الى الزحام الذي تشهده بعض الاحياء في جازان وكثرة الأزقة خاصة (حي الجبل) اقدم أحياء جازان الذي يشهد حالياً تغيراً وتطويراً لكن السؤال القائم: اين سنذهب؟ خاصة ان ظروفنا لن تساعدنا على شراء سكن يؤوينا في ظل ارتفاع اسعار العقارات والأراضي.
الرحيل الى رابغ
ويقول العم حسين- 82 عاماً احد سكان جدة القديمة: انه منذ ثمانية واربعين عاماً وانا اسكن في هذا البيت، الذي بنيته طوبة طوبة، وعشت فيه ولا أدري كيف اغادر المكان، ولا زلت لغاية اللحظة غير مصدق ولعل هذا ما جعلني لا افكر في كيفية التصرف، انما كحل مؤقت لدي بيت شعبي قديم في رابغ اذا اجبرتني الظروف سأرحل وأسكن فيه، بدلاً من الاستئجار الذي لن تسمح لي الظروف به، خصوصاً اذا ما تأخر التعويض.
وفروا لنا بديلاً مؤقتاً
عبدالله موقري- 55 عاماً أشار الى السماء قائلاً: تركتها على الله وحده، سمعت بخبر هدم حي السبيل ولكن مثلي مثل الآخرين ولا ادري ما افعل؟.
ربما الآخرون أسعد حظاً مني بحكم انهم يملكون صكوكاً لمنازلهم لكن بالنسبة لي لا أملك إلا وثيقة ربما لن يكون العائد منها يسمح لي ببناء بيت وشراء قطعة ارض، فأنا لي في هذا المكان قرابة الـ(45) عاماً ولا اظنني استطيع العيش في غير هذا الحي.
ويشاطره الرأي سعيد الصهبلي-94 عاماً قائلاً: لا قدرة لي بالذهاب او الاياب وحتى التفكير بالبناء من جديد بعدما شيدت هذا البيت منذ ما يقارب الـ(60) عاماً. هذا بيتي والشركة ترغب في هدمه لماذا لا يأتون الينا هنا ويتممون اجراءاتهم ويصرفون لنا حقوقنا بلا تعب؟ فصحتي كما ترونها اعتلت ولا استطيع بذل مجهود، ومع ذلك كل ما اتمناه اذا كان ولا بد من الهدم عليهم ان يصرفوا لنا حقوقنا بسرعة حتى لا نبقى في الشارع. فحتى الآن وكما سمعنا انه لن يكون هناك أي بديل وانه فور خروجنا من بيوتنا سيباشرون الهدم.
احمد صالح الهجرسي-49 عاماً يشعر بنفس المخاوف ويقول: عليهم ان يساعدونا في توفير اماكن على الاقل فأغلب الناس هنا بسطاء لا حلول امامهم وان ارادوا التصرف لن يستطيعوا الا بعد ان يستلموا حقوقهم التي اتمنى لو يتم صرفها لنا في نفس المكان بحيث تأتي الشركة الينا لا ان نذهب اليها خاصة ان فينا المعتل صحياً والطاعن في السن والعجائز والارامل وفي نفس الوقت لربما ينسينا بعضاً من الالم من فراق المكان.
مكان الذكريات
ويتحدث محمد علي طاهر- 37 عاماً بنبرة حزينة قائلاً:
صعب علي مفارقة المنزل الذي ولدت فيه وتربيت بين جدرانه، هذا البيت بناه جدي وورثه والدي وعشنا فيه انا واخوتي وفي الحارة هنا في السبيل ترعرعت وعشت بين اهله يأتي الوقت الآن للرحيل عنه صدقني هذا صعب علي. انما لا زال الوقت مبكراً للحديث في هذا كما اظن.. وحينما يحين موعد التنفيذ ساعتها سوف افكر في الحلول الممكنة والتي لا تسمح الظروف الآن بأي تحرك لتنفيذها دعنا نتركها على الله.
وبهذا التوكل على الله يردد عبدالله عيد الموقري- 58 عاماً قائلاً: مثلما ترى اجلس هنا منذ سمعت بالخبر لا أدري كيف نفعل والى اين سنرحل واين نسكن كل هذه تركتها على الله تعالى.
التوجه للقنفذة
وتوقف العم مهدي عزيز العبيش- 84 عاماً عن الترميمات التي كان قد بدأ في تنفيذها لبيته قائلاً: سمعت الخبر من الناس وشاهدت المخطط في الجريدة وبيتي سيكون من ضمن البيوت التي سوف تزال ولكن لا ادري متى يكون التنفيذ ولذلك رأيت التوقف حتى أتأكد من صحة ذلك ولا حل لي سوى العودة الى بيتي القديم والمهجور منذ ما يقارب الخمسين عاماً في القنفذة. فلو اجبرتني الظروف لن يكون امامي سوى هذا الحل فأنا اعرف ان صرف التعويض سيأخذ وقتاً طويلاً لن يسمح لي بالبقاء هنا وخصوصاً ان لدي اسرة ليست بالبسيطة ويتطلب الوضع اسكانهم حالما يأتي الامر بالإخلاء انما ارجو الا يكون الوضع بهذه الصورة وان يتم صرف تلك التعويضات بصورة سريعة تسمح لي ولغيري بالبحث حتى عن شقة نسكن بها ريثما نفكر في كيفية التصرف بعد ذلك.
كبار السن يتأثرون
والى ذلك يرى عدد من اساتذة علم الاجتماع ان نزع ملكيات احياء بأكملها -رغم ما تقتضيه المصلحة العامة- قد يترك آثاره النفسية على السكان خاصة كبار السن الذين اعتادوا على الحياة البسيطة وسط الناس وبين الزحام والبيوت المتلاصقة وقد اعتادوا التجمع فيما بينهم مما قد يؤثر سلباً على طريقة معيشتهم ونمط حياتهم المعتاد وقد يجدون أنفسهم مرغمين على نسيان تاريخهم ومسقط رأسهم ولكن ماذا يقول العقاريون ورجال الأعمال؟..
مجمعات سكنية
واتفقت آراء كل من عبدالرحمن الشهيب- رجل اعمال وحامد المنصوري- صاحب مكتب عقار على وجود أزمة في الحصول على وحدات سكنية في محافظة الطائف بسبب ارتفاع اسعار العقار والايجار تبعاً لارتفاع اسعار مواد البناء ما جعل العقاريين يبحثون عن الكسب المادي لتعويض خسائرهم جراء ارتفاع مواد البناء!. ويرى ان الحل في انشاء مجمعات سكنية وسرعة تسليم التعويضات لأصحاب العقارات المنزوعة كما يرى ذلك عبدالرحمن الثبيتي..
غياب الشركات العقارية
وبينما يؤكد خبراء اقتصاديون عدم توفر مساكن ووحدات سكنية جاهزة في منطقة جازان نظراً لعدم وجود شركات عقارية كبرى هناك فقد ادى هذا الوضع الى ارتفاع اسعار الاراضي خاصة في المخططات الجديدة مما أدى بدوره لمعاناة المواطنين اصحاب العقارات المنزوعة ولا مخرج من هذه الازمة الا بفتح باب الاستثمار امام الشركات العقارية الكبرى والتوسع في انشاء وحدات سكنية جاهزة للمواطنين لاسيما ان ممن انتزعت ملكياتهم من سكان احياء الجبل والعشيماء يشتكون من ان تعويضاتهم التي صرفت لهم لا تكفي لإنشاء مساكن بديلة في ظل الارتفاع الذي تشهده اسعار الاراضي ومواد البناء بالمنطقة!.
وطالب كل من العقاري ابراهيم اليامي وسعيد المطرفي بتدخل امانة العاصمة لتخطيط الاراضي العامة والتعجيل في توزيعها كمنح سكنية للمواطنين من اصحاب الدخل المحدود وايجاد ضوابط للايجارات والتوسع في مشاريع التمويل العقاري ورفع القروض العقارية الى 400 الف ريال لمواجهة ارتفاع اسعار مواد البناء وطرح مزيد من المخططات السكنية في الجموم وحدا وعسفان وغيرها من البلديات الفرعية.
تعويضات مجزية
اما في المدينة المنورة فقد اشار كل من خالد دقل- رجل اعمال وحسين علي - عقاري الى ان نزع الملكيات منح اصحابها فرصاً جيدة للشراء في المخططات الواعدة وتحسين اوضاعهم بعدما ارتفعت الأسعار، وبالتالي لا يؤثر نزع الملكيات على اصحاب العقارات المنزوعة.
تطوير منطقة البلد في جدة
مصدر مسؤول في امانة جدة يرى ان مشروع ازالة حي السبيل وبعض الاحياء الأخرى يسهم في تطوير منطقة البلد مشيراً الى ازالة 165 مبنى ضمن برنامج اعادة تخطيط المناطق العفوية عبر توسعة شوارع الحي، فيما وضعت الامانة خطة لتنفيذ توسعة ستة شوارع هناك هي دار السبيل ومجد السلام وجبل راتج والكيكي والمخزومي والقنفذة مؤكداً ان جميع التعويضات التي سلمت لأصحابها كانت تتراوح بين الف و1500 ريال للمتر الواحد.
اخيراً اوضح وكيل امانة المدينة للمشاريع والتعمير المهندس طارق ديولي ان هناك لجاناً متخصصة تباشر التعويض وتقدير المباني المنزوعة مما يتيح لأصحابها فرصة كبيرة للشراء في مكان آخر وان ارتفعت اسعارها!.
01/08/08, (12:44 PM)
اخبارالجمعة 29/07/1429هـ ) 01/ أغسطس /2008
العرض العادي
