السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لعلها دعوة مظلوم
القسم التربوي
صاحبي كان مشهوراً بقراءة الرقية الشرعية على المصابين بالأمراض النفسية وربما قرأها على المصابين بالسحر والعين.
قال لي : جاءني يوماً أحد كبار التجار يشكو ألماً شديداً في يده اليسرى كان واضحاً أن الألم شديد؛ وجه شاحب، وعينان زائغتان.
جلس بين يدي بكل كلفة ثم قال : يا شيخ اقرأ علي !!
قلت : مم تشكو ؟!
قال : ألم شديد لا أعرف سببه، راجعت الأطباء.. المستشفيات .. التحاليل.. كل شيء سليم لا أدري ما أصابني لعلها عين سبقت إليَّ.
قرأت عليه الرقية ودعوت له وجاءني في اليوم الثاني وقرأت ودعوت، واليوم الثالث كذلك والرابع وطالت الأيام والمرض لا يزداد إلا شدة.
فصارحته يوماً : يا فلان! قد يكون ما أصابك بسبب دعوة من مظلوم آذيته في ماله أو نفسه أو عرضه.
فتغير وجهه وصرخ بي : أظلم! أظلم ماذا؟ أنا رجل شريف. هدأت من غضبه واعتذرت.. ثم خرج.
جاءني بعد عشرة أيام فإذا هو في صحة تامة أصرّ على أن يقبل رأسي ويدي ثم قال: أنت والله سبب شفائي بعد توفيق الله.
قلت: كيف والقراءة لم تنفع معك؟!.
قال : لما خرجت من عندك جعل الألم يزداد وجعلت كلماتك ترن في أذني، نعم قد أكون ظلمت أحداً أو آذيته.
فتذكرت أني لما أردت أن أبني قصري كانت هناك أرض ملاصقة له فأردت شراءها لأجعلها حديقة للقصر وكانت الأرض ملكاً لأيتام وأمهم.
أرسلت إليها أطلب شراء الأرض فرفضت وقالت : وماذا أفعل بالمال إذا بعتها؟! بل دعوا الأرض على حالها حتى يكبر الأولاد ثم يتصرفون بها.
حاولت إقناعها، أغريتها بالمال فأبت، لكن الأرض كانت نهمة بالنسبة إليّ.
قلت : فماذا فعلت؟
قال : أخذت الأرض - بطرقي الخاصة - واستخرجت لها إذن بناء من الجهات المختصة - أيضاً بطرقي الخاصة - وبنيتها.
قلت : والمرأة ؟ والأيتام ؟.
قال: بلغها الخبر فكانت تأتي وتنظر إلى العمال يشتغلون في أرضها وتسبهم وتبكي وهم يظنونها مجنونة فلا يلتفتون إليها، وأذكر أنها كانت ترفع يديها وتدعو وهي تبكي.
ومنذ ذلك الحين بدأت في يدي آلام لا أنام منها في الليل ولا أرتاح في النهار.
قلت : طيب.. وماذا فعلت لها ؟
قال : ذهبت إليها واعتذرت منها وبكيت وأعطيتها أرضاً في موقع آخر أحسن من الأرض الأولى فرضيت ودعت لي واستغفرت.
خرجت من عندها.. ولجأت إلى الله بالدعاء وطلب المغفرة حتى بدأ الألم يتلاشى شيئاً فشيئاً حتى زال ولله الحمد.
انتهت القصة..
ولا أعني بإيرادي لها أن كل مرض يقع فهو عقوبة من الله لعبده، كلا فلقد مرض النبيون والصالحون.
ولكن الذي أعنيه أن المرض يخرج الله به من العبد الكبر والعجب والفخر..
فلو دامت للعبد جميع أحواله؛ مال.. جاه.. صحة.. أولاد.. لتجاوز وطغى ونسي المبدأ والمنتهى.
ولكن الله يسلط عليه الأمراض والأسقام فيجوع كرهاً ويمرض كرهاً، ولا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً.
أحياناً يريد أن يفهم الشيء فيجهله، ويريد أن يتذكر الشيء فينساه، وأحياناً يشتهي الشيء وفيه هلاكه، ويكره الشيء وفيه حياته.. بل لا يأ من في أي لحظة من ليل أو نهار أن يسلبه الله ما أعطاه من سمعه وبصره.
ومن هنا سلط الله على العبد الأمراض والآفات لينكسر ويقبل على الله.
وهذا هو السر في استجابة دعوة هؤلاء : المريض.. والمظلوم.. والمسافر.. والصائم.. وذلك لقربهم من الله وانكسار قلوبهم؛ فغربة المسافر.. وتعب الصائم.. وذل المظلوم.. وآلام المريض..
فسبحان من يرحم ببلائه ويبتلي بنعمائه.
المصدر: كتاب: عاشق في غرفة العمليات.