أيا كان الثمن ومهما بدا البحث عسيرا مستعصيا فقد حاول الإنسان وبمثابرة، قد يحسد عليها، ان يفتش عن السعادة.. فهي المصل السحري الواقي في حياته المرتبكة المشوشة، ويكاد لا يختلف في هذا البحث وتلك المثابرة اثنان مهما يكن، فالسعادة مطلب اداري واع وملح.. ولكن أولا لم يحزن الإنسان، لم يطويه الألم وتتملكه الهزيمة؟ فيما هو تعس مخيب الرجاء.
أليس لأنه وببساطة يكتشف انه محدود الأيام والعمر.. تائه بين ملايين يئنون في انسحاقهم ولهاثهم الدائم، يحزن لأنه يمضي باطراد دون ان يعرف ما الجديد، ما المبرر وما الدافع.. ذلك رغم محاولات الإحاطة والمعرفة تلك التي جاءت في هيئة تفسيرات عديدة متباينة وموجات من الاكتشافات والاختراعات، هل اضافت له شيئا؟ هل كانت له خشبة خلاص؟ من يدري.. انه يرى المتاهات تنتصب أمامه في كل اتجاه رغم وضوح السبل، ويتألم لذلك كما يتألم لأنه يريد الانتماء إلى عالم ينفيه ويشرده وهو واهم أنه يعبر آفاق اخرى اشمل وارحب...
ها هو - الإنسان - يكاد يختزل تماما، انه بلا ملامح حقيقية يواجه اعداء بلا حصر، وحيدا معزولا، اعداء يعرف بعضهم ويجهل الآخر، يقاوم ما وسعته المقاومة، يغرق تدريجيا في جب الاستسلام المظلم...
ولكنه يقاوم باستمرار، يقاوم الطبيعية بقدراته المحدودة، معتزا بإرادته واستقلاله عن بعض النواميس الاجتماعية والكونية والعقائدية. انه يرفض رغم انه قد يطيع، يتكبر ويتخيل انه ينجو، لكن تلك النواميس أقوى منه في كل الاحوال..
ان الطبيعة المعادية التي ينتفض ضدها الإنسان متسلحا بشجاعته وثقافته وحلمه الأبدي يمكن ان يحيلها طاقة خلاقة ورجاء وخيرا وشرفة يطل منها على عالم افضل، تمكنه ان ينجز مهامه الاساسية والحيوية ويضيف الى تجربته عمقا وبعدا جديدا ومدخلا لمعنى السعادة...
* * *
السعادة... أهي محض خيال يتناقض مع الطبيعة البشرية، فلا تستقيم الأمور إلا إذا تداخلت السعادة بنسب محددة مع الشقاء والإيلام والجهد والرذائل والخديعة والغباء والضعف... وهي قد تأتي في غير أوانها أو قبل أوانها أو بعد ذلك لتسهم - بقدرما - في انقاذ الانسان من الهلاك.. فتشتعل جوارحه بالامل والحماس ثانية ويصحو قلبه بعد سبات...
نحن نحلم، ونسعى لحياة أفضل في أنانية نبيلة تنزوي في ظلها كل الشرور. وفي المسيرة الطويلة للإنسان قد يضيق الحصار ومحاولات القفز فوق الواقع دونما الرضوخ له ولظواهره.. ولا بد لنا ان نقصر المسافة بين الحلم والفعل وان ننحاز للأمل على الدوام...
وفي النهاية فإن السلام الحقيقي سيحل.