السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أقدم لكم هذا الموضوع والمعروف من قبل الكثير منكم ولكن هناك الكثير منا لايعرف نص الوثيقة أو محتواها .
فإليكم هذا الموضوع والذي قمت بنقله من كتاب الدرعية بمناسبة المئوية وطبعة الكتاب عام 1419 هـ ومن مواضيع ذلك الكتاب موضوع وثيقة الجوف التاريخية .
وحيث أن هذه الوثيقة لم يطلع عليها أحد من قبل وكثُر الحديث عنها نشروا هذا الموضوع أو الوثيقة في نسخة هذا الكتاب الشهير وقد قام على متابعته الدكتور عوض البادي .
وهي وثيقة تميط اللثام وتلجم الكثير من الحقاد والحساد
فإليكم هذه الوثيقة التاريخية
وثيقة الجوف
وثيقة الملك عبد العزيز ومنطقة الجوف ووادي السرحان :
تؤكد الدراسات التاريخية والآثارية والأوابد المكتشفة في منطقة الجوف ووادي السرحان أن هذه المنطقة التي تشكل اليوم القسم المالي للجزيرة العربية قد احتلت مكانة استراتيجية هامة لدى جميع الدول والإمارات العربية وغير العربية التي حكمت المشرق العربي خلال الثلاثة آلاف سنة الماضية .
وتعود هذه الأهمية بالدرجة الأولى إلى الموقع الجغرافي التي تميزت به هذه المنطقة على الحدود الشمالية لصحراء الجزيرة العربية بالنسبة لمناطق الجيرة الداخلية ، وعلى الحدود الجنوبية بالنسبة لمناطق شمال الجيرة العربية .. حددت هذه الأهمية وبشكل دائم مواقف الدول والإمارات من وضع هذه المنطقة ، كانت تسعى دوماً لتكون جزء منها مهماً كلفها من تضحيات عسكرية أو دبلوماسية .
أدرك الملك عبد العزيز هذه الحقيقة عن منطقة الجوف ووادي السرحان مبكراً وهو يضع استراتيجية توحيد المناطق المختلة للجزيرة العربية ، نجده وقبل اكتمال توحيده للمنطقة يوثق علاقاته بقيائلها وسكانها ، ويشجعهم على الإستقلال عن إمارة حائل ، ليكونوا عوناً له في حصار تلك الأمارة من حدودها الشمالية ، وإعاقة اتصالاتها مع الإدارات العثمانية في سوريا .. نجح الملك عبد العزيز في تحقيق هذا الهدف - من خلال تقديمه للمساعدة السياسية والعسكرية والمالية - عندما استقلت منطقة الجوف عام 1327 هـ - 1909 م عن إمارة حائل بعد حرب أهلية طاحنة بين دعاة الإستقلال ودعاة البقاء ضمن إمارة حائل .. حافظت منطقة الجوف ووادي السرحان على استقلالها تحت قيادة الأمير نواف الشعلان الذي كان يحكم باسم والده الشيخ النوري ابن شعلان شيخ قبيلة الرولة لمدة عشرة أعوام ، ففي عام 1337 هـ - 1918 م استطاعت إمارة حائل إعادة سيطرتها على المنطقة ، ثم فقدتها قبل قليل من سقوط حائل نفسها عام 1340 هـ - 1921 م حيث سيطر عليها سلطان بن نواف الشعلان بالاتفاق مع الملك عبد العزيز .
تتعدد وتختلف الروايات التي تناولت توحيد الجوف مع المناطق التي تم توحيدها بقيادة الملك عبد العزيز .. حتى المؤرخين الذين تناولوا تاريخ الدولة السعودية الحديثة أو تاريخ منطقة الجوف وقعوا ضحية هذه الروايات التي تحتوي على جانب من الحقيقة إلا أنها في أغلبها روايات شفوية نسبة الصواب فيها قد تعادل نسبة الخطأ .
وبما أن الوثيقة التاريخية هي من أهم مصادر التاريخ فقد بذلت جهداً لجمع ودراسة وثائق تاريخ منطقة الجوف ووادي السرحان ، وحصلت على وثائق تميط اللثام عن حقيقة هذا التاريخ الذي يسجل ويوضح المعارك الدبلوماسية التي خاضها الملك عبد العزيز في سبيل أن تكون منطقة الجوف ووادي السرحان جزءاً لا يتجزأ من مملكته ، والتي لم تقل حدة وصعوبة عن المعارك العسكرية التي خاضها الملك عبد العزيز في سبيل توحيد المناطق كافة التي تتكون منها المملكة اليوم .
والوثائق المتاحة السعودية والبريطانية حول علاقة الملك عبد العزيز بالمنطقة ورؤيته الاستراتيجية لها توضح التالي :
أولاً : أن الارتباط وثيق وتاريخي بين الدولة السعودية المتعاقبة ومنطقة الجوف ووادي السرحان من الناحية السياسية والاجتماعية والثقافية والسكانية .
ثانياً: : أن موقع المنطقة ذو أهمية كبيرة استراتيجياً وأمنياً واقتصادياً للمملكة ، لذلك كان يتولى هو نفسه المفاوضات حولها بعد أن تبينت الخطط الاستعمارية البريطانية للمنطقة .. وتدل محاضر مفاوضاته ومراسلاته على الأهمية التي كانت تحتلها هذه المنطقة في تفكيره السياسي والإستراتيجي .
ثالثاً: :[size=4] تقديره الدائم للطريقة التي تمت بها عملية انضمام منطقة الجوف ووادي السرحان له حيث جاءت برضاء تام من السكان ، وبتفاهم مسبق معها ، ولأن هذا التفاهم أكبر عون له في انتصاره الدبلوماسي في إبعاد منطقة الجوف ووادي السرحان عن الاستقطابات الإقليمية والدولية السائدة في حينه وضمان بقائها في مملكته .
هذه الحقائق في تفكير الملك عبد العزيز تؤكدها مئات الوثائق ومئات الصفحات التي تتناول قضايا منطقة الجوف ووادي السرحان خلال المراحل الأولى من عهد انضمامها للمملكة ، وهو الانضمام الذي تم حسب الوثيقة المنشورة أدناه عام 1340 هـ - 1921 م عند سقوط حائل رسمياً وبحكم مباشر عام 1922 م - 1341 هـ ومن هذه الوثائق الرئيسية وأهمها هذه الوثيقة التي تبين بما لا يدع مجالاً لأي تفسير حول كيفية انضمام الجوف للملك عبد العزيز ورؤيته للمنطقة وسكانها .
طبيعة الوثيقة
رسالة من الملك عبد العزيز بيرسي كوكس المندوب السامي لبريطانيا العظمى بالعراق رداً على برقية من كوكس برقم 884 وتاريخ 22 أغسطس 1922 م تطلب بعض الإيضاحات حول مسائل سياسية مختلفة .. تاريخ الوثيقة 13 محرم 1341 هـ الموافق 6 سبتمبر 1922 م ، ومصدر الوثيقة الأرشيف البريطاني / وثائق المعتمدية البريطانية في الكويت .
أهمية الوثيقة
تأتي أهمية هذه الوثيقة بأنها كانت وثيقة مجهولة لم يشر إليها أحد من قبل ولم تستخدم في أي من الدراسات والأبحاث التي تناولت تاريخ هذه المنطقة ، أو من قبل الذين تناولوا عملية توحيد المملكة أو التاريخ السياسي لها .. كما تأتي أهميتها من كونها توضح كيفية انضمام المنطقة إلى المملكة ومن صاحب الفعل نفسه ، ورؤية الملك عبد العزيز للمنطقة .
مواضيع الوثيقة
أولاً :
: التعبير عن سعادة الملك عبد العزيز برضاء السلطات البريطانية عن قضاء موسم حج عام 1340 هـ بدون مشكلات بين حجاج نجد وسلطات الحجاز .
ثانياً :
: الرد على كوكس بشأن الاحتجاج البريطاني على ضم منطقة الجوف في مملكته ، وإيضاح الملك عبد العزيز لرؤيته حول المنطقة .
ثالثاً:
: الرد على احتجاج كوكس على هجوم لبعض رعايا الملك عبد العزيز على حدود الأزرق في شرق الأردن وتوضيح الأمور له .
~*¤ô§ô¤*~نـص الوثيقة الخاص بمنطقة الجوف~*¤ô§ô¤*~
(( بسم الله الرحمن الرحيم من عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل السعود إلى جانب الأجل الأفخم ذو المكارم العلية والشيم المرضية سمو خامة السير بيرسي كوكس المفخم المندوب السامي للدولة الفخيمة البريطانية العظمى بالعراق دامت معاليه آمين .
السلام والتحية والاحترام .. أخبر حضرتكم بوصول برقيتكم إلي بواسطة قنصلية [ الدولة ] العليا في الكويت .. تعريف سموكم من جهة انقضاء موسم الحج وارتياحكم من نتيجته ، وكذلك ابتهاج فخامة وزير المستعمرات مأوجب سرورنا وامتناننا ، قد سبق وعرفناكم ما فيه كفاية عن هذا الخصوص .. أما [ تعريض ] حضرتكم عن مسألة الجوف فهو مأوجب استغرابنا ،لأنني ما كنت افتكرت هذه ستكون مسألة توجب اهتمام حكومة جلالة الملك ويتردد عن أمرها فخامتكم ، لعلمي أن مالها شيء من الصلات والعلاقات التي توجب المراجعة فيها والمباحثة في أمرها ، لتجردها من جميع [ المناسبات ] مع الحكومة العربية والحكومة العثمانية وأملاكها التي كان لها فيها نفوذ ، بل جل ما هناك أن الجوف مقاطعة لا نزاع في ملكيتها سابقاً لأمراء السعود أجدادي الأقدمين مدة سنين طويلة ، ثم عند انحطاطهم استولى عليها آل رشيد أمراء حايل .. ومن ذلك الحين إلى استيلائنا [ على ] حايل كانت تحت تصرفها وإدارتها الفعلية .. وفي أثناء محاصرتنا حايل أمرت ابن شعلان أن يتقدم إلى الجوف ، ويحافظ على صيانة أطرافها ، وبعد استيلائنا عليه [ أي حايل ] أتانا ابن شعلان وعقد معنا محالة و [ خط ] على نفسه صكاً نبرزه لحضرتكم عند الإيجاب بأنه هو وصحبته وتبعته من عشائر الرولة [ يكونوا ] رعايانا ومن تبعتنا ، وأعترف اعترافاً صريحاً بأن مقاطعة الجوف والجوبة هي ملكاً شرعياً لنا كما كانت لآبائنا وأجدادنا .. وعند ذلك تكرم منا نصبناه أميراً عليها بشرط - كما هو منصوص في مواد المحالفة - أن لا يدخل مع أي حكومة عربية كانت أو شرقية في أمور سياسية .. هذا ولما رأينا عدم احترامه للعهود وتمادى بالمداخلات السياسية مع دول الغرب [ الحكومات ] العربية .. أرسلنا كتاباً لأميرها سلطان الشعلان أمرناه أن ينسحب منها وحالاً أمرنا على أحد خدامنا عساف المنصور أن يتوجه إليها ويتولى إدارة إمارتها بمائة نفر معه ، ودخل هذا الجوف باستقبال عظيم من الأهالي واحتفال رسمي من قبل أميرها المعزول وهذه مكاتيب سلطان الشعلان بعد تسليمه زمام الإدارة لعساف يعبر فيها عن ارتياحه من هذه النتيجة ، فلا مهاجمات جرت ، ولامصادمة وقعت ، ولا نرى اليوم بأن هناك فرقاً من حيث التابعية والملكية بين مقاطعة الجوف أو عاصمتنا الرياض ، بل كلها وطن واحد لا يقبل التجزئ والانفصال ، لأن كما لا يخفى على علم فخامتكم أن الجو قرية نجدية آهلة بسكان نجديين نرتبط وإياهم بالعادات والمذاهب والجنسية ولالها أي اتصال إداري أو سياسي بولاية العراق سابقاً أو ولاية سوريا أو متصرفية القدس التي هي حكومة فلسطين أو حكومة ما ورائها الأردن ، [ وعليه ] إنها ملكاً صحيحاً لأسلافي وثم لإمارة الرشيد التي ورثت اليوم جملة أملاكها وبلدانها .. ))
13 محرم 1341 هـ من عبد العزيز بن عبد الرحمن
[line]
وهكذا يتبين لنا ماذا كانت تعني منطقة الجوف للملك عبد العزيز آل سعود وكيفية انضمامها له .. لكن هذه الرسالة كانت المقدمة لمعرفة دبلوماسية طويلة وشاقة استغرقت عدة سنوات تداخلت خلالها العوامل الدولية والإقليمية فعقدت المؤتمرات و تبودلت الرسائل حتى تم تثبيت ما أراده الملك عبد العزيز محققاً بذلك رؤيته للمنطقة .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بناخيكم