تلوث «الجوفية» وتنذر بنشر الأوبئة ومختص يطالب بتجميعها لمعالجتها
30 مصنعا تضخ مياها ملوثة بالزيوت والكيماويات في مجرى السيل وبحر جدة

حسن باسويد ـ جدة
تخرج يوميا صهاريج (تناكر) نقل مياه الصرف من 30 مصنعا بالمناطق والمدن الصناعية بجدة محملة بالمياه، وتفرغ حمولتها من المياه المثقلة بالزيوت والكيماويات والملوثات في مجرى السيل، فيما يتجه بعضها ليقذف بحمولته في البحر مباشرة، أو أراضي الخلاء القريبة من المدن الصناعية، مخالفة بذلك كل الأنظمة والقوانين واللوائح التي وضعت قيودا واضحة لكيفية التخلص أو التعامل مع مياه المصانع التي تحتوي على الزيوت والمواد الكيماوية والمخلفات الثقيلة مثل الزجاج وغيرها من الملوثات. وترجع هذه المخالفات إلى أن الشركة المتخصصة في استقبال رجيع مياه المصانع، لا تستقبل إلا المياه التي تحتوي على درجة محددة من التلوث، إذ أن المياه التي تحتوي على مكونات ونسب عالية من التلوث كالزيوت والمواد الكيماوية والثقيلة تحتاج إلى معالجة أولية تفصل فيها المواد عن المياه، ثم وفي مرحلة ثانية تعالج المياه وهي خالية من هذه المواد والملوثات وتصفى وتعاد إلى المصانع مرة ثانية لإعادة استخدامها في العمليات الصناعية وهذا يشكل عبئا ماديا على الشركة المتخصصة في استقبال ومعالجة رجيع مياه المصانع، وهذه التكلفة الباهظة هي التي تمنع الشركة من استقبال مياه هذه المصانع.
تلوث الجوفية
ويرى المستشار البيئي الدولي طارق أمطيره أن هذه المياه المحتوية على مخلفات وملوثات ثقيلة تحتاج بالفعل إلى معالجة أولية تفصل هذه المواد والمخلفات عن المياه، وهنالك وسائل تقنيات حديثة تقوم بذلك على أحسن وجه، وبعد فصل هذه المواد المخلفات عن المياه تجري عملية معالجة للمياه وحدها لتصبح صالحة للاستخدام في المنظومة الصناعية، وعندما يتم طرح هذه المياه قبل المعالجة الأولية فإنها، وعلى سطح الأرض، ستتراكم متسببة في الكثير من المشاكل البيئية الصحية، فهي توفر بيئة ملائمة لتوالد جميع أنواع الحشرات الضارة الناقلة للأوبئة والأمراض، كما تتسبب في نشوب الحرائق تصاعد الدخان الذي يحتوي على غازات سامة، وقد حدث هذا كثيرا وقرأناه جميعا في الصحف اليومية. أما تحت سطح الأرض -يواصل أمطيرة- فإن هذه المياه حين تتسرب إلى الداخل فإنها ستلوث المياه الجوفية، التي هي أصلا شحيحة ومالحة. وعن جدوى المعالجات التي تتم داخل هذه المصانع قال إن إعادة تدوير رجيع المياه الصناعية التي هي في جوهرها محاولات لتجنب الخسائر المادية وتقليل أخفض تكلفة الإنتاج ربما تكون ذات قيمة بالنسبة للمصانع التي لا تحتوي مياهها على مخلفات ملوثات ثقيلة، ولكنها على صعيد تجنب الكوارث البيئية لن تغير كثيرا وتحتاج إلى عمل كثير ومستمر وشاق. ويوضح أمطيرة أن المعالجة الشاملة الأكثر جدوى يجب أن تتخذ مسارين يترافقان معا: المسار الأول هو ما أشرنا إليه ويتمثل في ضرورة أن تخضع مياه المصانع التي تحتوي على ملوثات عالية مثل الزيوت المواد الكيماوية المختلفة المخلفات الثقيلة إلى معالجة على مرحلتين، مرحلة أولى يتم فيها تجميع مياه كل هذه المصانع في مجمع واحد يتم فيه فصل عزل هذه المواد عن المياه، ثم معالجة ثانية للمياه وحدها لإعادة تدويرها وتنقيتها لتصبح صالحة للاستخدام الصناعي ويتم توزيعها على المصانع، وميزة هذه الطريقة هي أنها تقلل تكلفة المعالجة الأولية الثانية للمياه على المصانع، ما يحفز المصانع المخالفة على التقيد بالأنظمة والقوانين ويجنبها مخاطر عقوبات هذه المخالفات.
أما المسار الآخر، فهو الأهم في هذه المرحلة ويتمثل في تفعيل القوانين الخاصة بهذا الشأن بتشديد الرقابة على المصانع فرض العقوبات الرادعة في حق المخالفين. وأكد المستشار أمطيره أن هناك قوانين واضحة بيد هيئة المدن الصناعية ووزارة المياه وهيئة الأرصاد وحماية البيئة تمنع منعا باتا دخول التناكر لأخذ مياه الصرف الصناعي من المصانع، مبينا أن هيئة المدن الصناعية هي الجهة المسؤولة عن تنفيذ وتطبيق هذا القانون، وهي بدورها قامت بتعيين حرس على مداخل المدن الصناعية، إلا أن هذا القانون غير مفعل وغير مطبق على أرض الواقع، لذا فإن الخطوة الأولى لإلزام هذه الشركات المخالفة إنما تكون عبر تطبيق هذا القانون. لافتا بأن هناك عقوبات تصدر بحق المخالفين بين حين وآخر، وعلى فترات متباعدة، ولكن هذا لم يعد يجدي كثيرا نظرا لعدد وحجم المخالفات وحجم آثارها، والتهديدات التي تشكلها على صحة الإنسان وسلامة البيئة بما يرقى إلى مستوى الجريمة في حقها، وفي حق الحاضر والمستقبل، لذا أعتقد -والحديث لأمطيرة- وطالما أن حجة الشركة المتخصصة في تجميع ومعالجة رجيع مياه المصانع هي ارتفاع التكلفة الباهظة لهذه العملية، وهي حجة وجيهة بكل المقايسس ومنطقية، وطالما أن حجة المصانع المخالفة هي أن تحملها وحدها لهذه العملية عملية مرهقة، لذا أعتقد أن الحل يكمن في تجميع كل المياه في مجمع واحد يستوعب مياه كل المصانع، وتتم فيه كافة العمليات، الوسائل التقنية الكفيلة بذلك متوفرة كما أن الخبرات الدولية المحلية متوفرة أيضا.
المهندس عبدالله الغامدي مدير المشروعات في إحدى شركات الحديد الكبرى في جدة يقول: إن المياه الجوفية في المملكة تقدر بحوالى 20 مليار متر مكعب وهي لا توفر سوى (5.81%) من اجمالي الاحتياجات المطلوبة.. مبينا أنه في ظل هذا الوضع تمثل تحلية المياه البديل الوحيد لتعويض نسبة شح المياه خصوصا في المناطق البعيدة عن مصادر المياه العـــذبة.