تابع
وأكد الخضيري أن هناك تعليمات موجهة من وزارة العدل لمأذوني الأنكحة بأخذ رضا جميع الأطراف والتأكد منهم بعدم حصول ضرر حتى يكون هناك توفيق بين الزوجين بدون ضرر على أحد كما في قوله صلى الله عليه وسلم "لا ضرر ولا ضرار" وأضاف "مسألة كفاءة النسب مختلف فيها شرعاً وفي الرأي القضائي أنه لو اعترض ابن العم الأبعد فإن له حق الاعتراض لأنه يلحقه ضرر والشرع يدور مع المصلحة". وعن إبطال العقد الشرعي هل يحق للقاضي القيام بذلك قال الخضيري "إذا كان العقد الشرعي مكتمل الشروط والأركان فلا يحق لأحد نقضه وإبطاله ولكن في حالة كفاءة النسب وعدمها يكون هناك شروط غير مكتملة وهي رضا الجميع أو شرط عدم وقوع الضرر ولذا يحق للشرع فعل ما يكون من مصلحة الجميع وإذا قلنا إن الشريعة تبطله فإن الشريعة تبطله".
ومثل الخضيري هذه الحالة بحالة مرضية في حال زواج ابن رجل من امرأة مصابة بإيدز واعترض الأب أو الأخ أو ابن العم فإن الشريعة ترى أن اعتراضه وجيه ومقبول لتحقق المصلحة التي هي الأساس في الحكم الشرعي، وأضاف فيما يتعلق بدور المأذون الشرعي في التأكد من رضا الجميع بقوله "هناك توجيهات للمأذونين الشرعيين من قبل وزارة العدل بأخذ رضا الجميع والتأكد من تحقق الرضا والمصلحة ويجب أن يسعوا في هذا الموضوع وأخذ رأي جميع الأطراف حتى تتحقق المصلحة ويكون الرضا بين الجميع".
من جانبه أيد المحامي والمستشار القانوني خالد الشهراني حكم القضاء لأنه بني على تطبيق قواعد شرعية، لأننا إذا عرفنا معنى العضل أو ما يسمى عضل الولي فهو منع المرأة من التزوج بكفئها إذا طلبت ذلك ورغب كل واحد منهما في صاحبه أي إذا كان الرجل مكافئاً للمرأة ومنعها وليها من الزواج منه أصبح هذا الولي معضلاً ويجوز للحاكم تزويجها. ولكن هذا يقودنا إلى شرح ومعرفة الكفاءة فالكفاءة في اللغة هي المماثلة والمساواة ويقال فلان كفء فلانة أي يصلح للزواج منها، وعرفت أيضاً الكفاءة في النكاح بأنها مساواة مخصوصة بين الرجل والمرأة. أما حكم الكفاءة في النكاح، فقد اختلف الفقهاء في الحكم التكليفي لاعتبار الكفاءة في النكاح، فذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه يجب اعتبارها وقت النكاح أي يجب تزويج المرأة من الأكفاء ويحرم على ولي المرأة تزويجها بغير الكفء، واتفقوا على أن الكفاءة تعتبر من جانب الرجال للنساء ولا تعتبر من جانب النساء للرجال، أي لا بد أن يكون الرجل مكافئاً للمرأة ولا يشترط مكافأة المرأة للرجل، وذلك لأن المرأة هي التي تستنكف لا الرجل، والمرأة الشريفة تأبى أن تكون فراشاً للدنيء ولأن الولد يتشرف بشرف أبيه وليس أمه.
وأضاف: لذا يحرم على ولي المرأة تزويجها بغير كفء إلا برضاها لأن في ذلك إضراراً بها، ويفسق الولي إذا زوجها بغير كفء ودون رضاها. أما بعض الفقهاء فقد اختلفوا في حكم الكفاءة من حيث اعتبارها في النكاح أو عدم اعتبارها وهل الكفاءة شرط في صحة النكاح أم في لزومه. فذهب بعض الفقهاء إلى أن الكفاءة لا تعتبر شرطاً لصحة النكاح ولكنها تعتبر شرطاً للزومه، فيصح النكاح بدون الكفاءة لأنه حق للمرأة ولوليها فإن رضوا بإسقاطها فلا اعتراض عليهم ودليلهم على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج بناته ولا أحد يكافئهن وأنه أمر فاطمة بنت قيس وهي قرشية أن تنكح أسامة بن زيد مولاه فنكحها بأمره.
وقال المحامي الشهراني إن بعض الفقهاء ذهبوا إلى أن الكفاءة شرط في صحة النكاح واستدلوا على ذلك بقول عمر رضي الله عنه (لأمنعن فروج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء) ونحن نتكلم عن الكفاءة قد يواجهنا سؤال هام جداً وهو وقت اعتبار الكفاءة ؟
واستطرد قائلا : لقد اتفق أغلب الفقهاء على أن وقت الكفاءة يكون عند عقد النكاح فإذا كان الزوج مستوفياً لشروط الكفاءة ثم زالت بعد ذلك هذه الشروط أو اختلفت فإن عقد النكاح لا يبطل, أي أن العبرة في الكفاءة وقت العقد. وقد ذهب رأي آخر إلى أنه إذا زالت الكفاءة عن الشخص بعد العقد فللزوجة الحق فقط دون وليها في فسخ عقد النكاح, وذلك باعتبار أن حق الولي كان فقط وقت ابتداء العقد وليس في استمراريته.
وفي اختلاف أقوال الفقهاء في شرط الكفاءة يقول رئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك فهد للبترول الدكتور مسفر القحطاني إن الكفاءة في النسب عند الزواج قضية يمكن تناولها من شقين، الأول وهو المتعلق بالحكم الفقهي للمسألة والشق الثاني المتعلق بالجانب الواقع والمقاصدي في المسألة. وأما مسألة الكفاءة في النسب: فقد اعتبر جمهور العلماء الكفاءة في النسب، وخالفهم آخرون فلم يعتبروا الكفاءة إلا في الدين، وهو مروي عن عمر وابن مسعود ومحمد بن سيرين وعمر بن عبدالعزيز، وبه جزم الإمام مالك، وهو رواية عن أحمد، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهم الله. وقد ساق ابن القيم رحمه الله في كتابه "زاد المعاد" فصلاً في حكمه صلى الله عليه وسلم في الكفاءة في النكاح، وساق الآيات الدالة على ذلك فقال:
"قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات/13، وقال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات/10، وقال : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) التوبة/71، وقال تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) آل عمران/195، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود أبيض إلا بالتقوى، الناس من آدم وآدم من تراب)، وقال: (إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء إن أوليائي المتقون حيث كانوا وأين كانوا)، وفي الترمذي : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فانكحوه إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ. قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ قَالَ إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فانكحوه ثَلاثَ مَرَّاتٍ)، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبَنِي بياضه : (انْكِحُوا أَبَا هِنْدٍ وانكحوا إِلَيْهِ) وكان حجاما. وزوَّج النبيُّ صلى الله عليه وسلم زينبَ بنت جحش القرشية من زيد بن حارثة مولاه، وزوَّج فاطمةَ بنت قيس القرشية من أسامة ابنه، وتزوج بلال بن رباح بأخت عبد الرحمن بن عوف، وقد قال تعالى: (وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ) النور/26، وقد قال تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) النساء/3. فالذي يقتضيه حكمه صلى الله عليه وسلم اعتبار الدين في الكفاءة أصلا وكمالا، فلا تزوَّج مسلمة بكافر، ولا عفيفة بفاجر، ولم يعتبر القرآن والسنة في الكفاءة أمراً وراء ذلك؛ فإنه حرَّم على المسلمة نكاح الزاني الخبيث، ولم يعتبر نسباً ولا صناعةً، ولا غِنىً ولا حرية، فجوَّز للعبد نكاح الحرة النسيبة الغنية إذا كان عفيفاً مسلماً، وجوَّز لغير القرشيين نكاح القرشيات، ولغير الهاشميين نكاحَ الهاشميات، وللفقراء نكاح الموسرات".
"زاد المعاد" (5/ 158 - 160).
وأضاف الدكتور القحطاني: فالمسألة من حيث النظر الشرعي فيها خلاف، والجمهور على اعتبار الكفاءة بالنسب كما هو مستقر عند العرب من غير نكير في الجاهلية، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم في تزويجه لغير الأكفاء في النسب دليل على الصحة ولا ينافي الاشتراط بالنسب كشرطٍ لكمال العقد وكونه الأوفق لحال بعض الأزواج في بعض القبائل.
كما علم مما سبق - يقول الدكتور القحطاني - أن الكفاءة ليست من أمور العبادات، وإنما هي من مسائل المعاملات أو العاديات التي يحكم فيها العرف ويستدل عليها بالقياس؛ لأنها تابعة لمصالح الناس ورفع الضرر عنهم، ومدارها على التعيير المخل بالحياة الزوجية والوفاق المستقبلي للزوجين وأولادهما، فكل رجل كفؤ لمن تزوج منهم إذا لا يلحقهم عار بتزويجه بين قومهم، ولذلك قالوا: إن العالم كفؤ لبنت الشريف والحسيب وإن كان نسبه وضيعًا أو مجهولاً؛ لأن العلم أشرف الأشياء فلا عار معه مطلقًا، وأن هذه الكفاءة تختلف باختلاف الزمان والمكان، فرُبَّ رجل يعد كفؤًا لقوم في بلد ولا يعد كفؤًا لأمثالهم في بلد آخر لاختلاف العرف. فالعرف القبلي إذا لم يكن مصادما للنصوص الشرعية فهو معتبر إذا اطرد وانتشر بين العقلاء من الناس والنصوص في غالبها نصت على التكافؤ في الدين أما النسب فالنصوص النبوية أو آثار الصحابة لا تخلو من مقال في أسانيدها، لذلك كانت الكفاءة التي لا تنازل عنها هي فيما يتعلق بالدين أما النسب فهو شرط لزوم الزواج لا شرط صحة فيه؛ فإذا تزوجت المرأة بغير كفء كان العقد صحيحاً وللأولياء حق الاعتراض عليه وطلب فسخه دفعاً لضرر العار عن أنفسهم إلا أن يسقطوا حقهم في الاعتراض فيلزم، كذلك تعد الكفاءة حق للمرأة إذا زوجها الولي بغير كفء كان لها الفسخ لما روي عن عائشة رضي الله عنها أن فتاة دخلت عليها فقالت إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته وأنا كارهة، قالت اجلسي حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأرسل إلى أبيها فدعاه فجعل الأمر إليها، فقالت: (يا رسول الله قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس للأباء من الأمر شيء).
والواقع الحالي بين القبائل - حسب القحطاني - أنهم يشترطون النسب المكافئ لما فيه من القبول والرضا من أهل الزوجين بهذا الاختيار وهو أدعى للاستقرار وعدم التعيير المؤذي للإنسان والجارح لكرامته، وليس في اعتباره جرحا للآخرين بل هي أعراف مستقرة تساهم في خلق المناخ والاستقرار بين الناس في تلك المجتمعات. وللأسف أن حدوث حالات انفصال بين أزواج غير أكفاء بعدما استقرت أحوالهم الزوجية وتم الرضا بين الأولياء في إجراء العقد مناقضا لما نقرره من أن الكفاءة من النسب هي سبب للرضا والاستقرار وليس العكس. كما ينبغي أن نركز على ما هو أهم وأولى في حياة المقبلين على الزواج وهو كفاءة الأخلاق والصلاح وينبغي للأولياء أن يسألوا عن صلاح دينه وخلقه قبل نسبه وعائلته فهو الادعاء للوئام والمحبة بين الزوجين.