تلخيص الباب الأول : اللغات و اللغة العربية
أصل اللغات
اللغة بنت الإجتماع ومنذ خلق اللسان خلقت الأصوات وهي مادة اللغة ولكن الطفولة الفردية تدلنا على أن الطفل يبتديء من أبسط درجات
النطق الطبيعي الذي هو محض أصوات مصبوغة بصبغة من الشعور تكون هي حقيقة الدلالة المعنوية فيها فيكون كأنما يلهم المنطق بهذه
الأصوات التي هي لغة روحه ثم يدرك معاني تلك الدلالة ويميز بين وجوهها المختلفة ثم ينتهي إلى الفهم فيقلد من حوله في طريقة البيان
عنها بالألفاظ متوسعا في ذلك على حسب مايتسع له من معاني الحياة إلى أن تنقاد له اللغة التي يحكيها ولولا التقليد الذي فطر عليه مابلغ
من ذلك شيئا وعلى هذا القياس (( أختلف )) العلماء فمنهم من رأى أن اللغة وحي وتوقيف من الله عزوجل في الوضع أو الموضوع
وهو مذهب أفلاطون من القدماء وبه أخذ ابن فارس و الأشعري وأتباعه من علماء العرب .
وفريق آخر ذهب إلى أن الإنسان طفل تاريخي فاللغة درس تقليدي طويل مداره على التواطؤ و الاصطلاح وهذا هو المذهب الوضعي
وبه قال ديو دورس وشيشرون واليه ذهب ابن جني وطائفة من المعتزلة .
تفرع اللغات
الأصل في تشعب اللغات تشعب الجماعات فإن اللغة بنت الاجتماع وهي الفاظ ملك السامع في الحقيقة لا ملك المتكلم لانها لايلغى بها
لغو الطائر ولكنها تلقى لدلالة خاصة يعينها الاصطلاح العرفي بين المتكلم و السامع وهذا الاصطلاح عمل اجتماعي محض ولهذا كانت
حقيقة معنى اللغة : أنها مجموع العادات الخاصة بطائفة من طوائف الاجتماع .
فلايمكن القطع إذن بأن أصل اللغات كلها لغة واحدة إلا إذا نهض الدليل على أن النوع الإنساني في أول وجوده لم يكن إلا جماعة واحده
أو كانت جماعات مختلفة ولكنها تتفق في حالة جامدة من أحوال الحياة الإجتماعية ، نقول هذا لنقطع بأنه لايمكن تعيين الأمهات التي
ينتهي إليها التسلسل اللفظي ولا الحكم بأصالة لغة دون غيرها كالذين يقولون أن آدم عليه السلام كان لسانه سريانيا أو عبرانيا أو نحو ذلك
إن ما حصره علماء اللغات من ذلك وعدوه أمهات إنما هو خاص بالأزمنة المتأخرة التي أحصاها التاريخ وقد استدلوا على تحقق هذا
التسلسل بتشابه الأسماء الخالدة في الإنسانية وهي التي لايمكن أن تتغير و على الإعتبار الذي أومأنا إليه ردو اللغات إلى ثلاثة أصول
1- الأصل الآري 2- الأصل السامي 3- الأصل الطوراني
فيقولون إن الأمم التي تنطق اللغات الآرية ترجع إلى أصل واحد في تاريخ الإجتماع وكذلك السامية و الطورانية ثم انشعب كل أصل
وانشعبت معه اللغة ولكن بقيت المشابهة في لغاتهم المتفرعة دليلا تاريخيا على وحدة الأصل .
ودمتم بخير