حزنٌ يُؤكل !
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...!
حزنٌ يُؤكل ! مقالٌ قرأته فأعجبني وأحببت أن أنقله لكم ،، إنه مقال للكاتب الرائع علوان السهيمي فأترككم مع المقال ولكم حرية التعليق ولأن الإنسانية لا دين لها ، يموت العظماء نبلا . أن تبكي امرأة غربيّة على امرأة شرقيّة ، فالإنسانية بلا مذهب . عندما دفعت أمي من طرف سريرها المتحرك متوجها بها إلى تلك الحجرة الملتفة بالبياض بكيت ، ليس لأنها مريضة فحسب ، إنما لأن البياض دوما دعوة ضمنية للبكاء ! كانت عيناها مغمضتان ، وكنت أتخيّل مدى ما تخزّنه ذاكرتي من ألم إزاء العيون التي تغمض للأبد ! فالموت سلاحٌ نواجه به حقارتنا وإيغالنا في الحياة ، متناسين أن الحياة مجرد أنبوب نُمرَّرُ من خلاله ، الموت يشبه السب والشتم ، يعيد ترتيب الكرامة فينا . كان قد تولى السرطان على كبدها ، بعد أن استعمر أحد ثدييها ، ولأن السرطان مرض خبيث دائما ، لاسيما عند النساء بدأ بثديها أولا ، ذلك الثدي الذي ربّى سبعة أبناء وشيخ ! كان السرطان بالنسبة لي أبن عاق ، استولى على جسد أمي وحنانها ، لأن المرضى – وخاصة النساء – يربّون مرضهم ويتدفقون حنانا عليه ، كان المرض يشاركني جسدها وكأنه ابن خرج لي بعد سنين من توهانه . أمي .. تلك الآلهة التي كانت تدعونا دوما للتبرك بالله ، واللجوء إليه ، فكيف يمكنني أن أحسب مسافة الإيثار الذي تقدمه لله كملف علاقي أخضر ؟! لكن هن الأمهات ، من فرط حنانهن ، يأتون دائما خلف الأشياء ، ويملؤنها دفء ! أمي تلك العشبة الجبلية التي كانت من ندرتها تشبه عشبة الليل في أسطورة جلجامش . أحيانا – بل دائما – حين نعيش الفقد نبكي ، لأن الحزن لا يأتي إلا على الذواكر ، فالحزانى لا يبكون دوما على الأشخاص ، إنما يبكون على ذاكراتهم التي كانت تشارك أولئك الأشخاص حياتهم ! بكيتها كثيرا ، لأن ذاكرتي كانت ممتلئة بها ، فكم يلزم الإنسان من البكاء والحزن كي يتبرأ من ذاكرة ممتلئة ! عندما وصلت إلى تلك الحجرة المبطنة بياضا ، وجدت امرأة شقراء كالبن ، كانت متناصفة الهيئة ، متناصفة العمر ، متناصفة الجمال ، عيناها زرقاوان ، أبحرت بي إلى مياه المحيط الأطلسي سريعا . نظرتْ إليّ وأنا أبكي وقالت : - دعها هنا . ثم أضافت : - يا أخي ، إن بكاءك عليها نبل ، لكن المرضى يكرهون البكاء ! رغم انجليزيتي المتهالكة إلا من بعض الألفاظ ، فقد عرفت كلامها ، لأن الإنسانية حين تتقدّم تكسر الحواجز والأطر بين الشعوب وثقافاتهم . تركتها تختبئ في جوف المستشفى ، وعدت متأبطا حزني ، كنت أشبه بفتاة فقدت عذريتها للتو . عندما نتماهى مع الحزن نختفي ، وكأن الزمن لا يعدو كونه عابر سبيل ، أو عابر ضئيل ، لا فرق ، لأن المفجوعين ، لا ينظرون إلى بقايا الحياة ، فهم من فرط حزنهم يفقدون القدرة على تماسك الأشياء من حولهم . عدت إليها في اليوم التالي ووجدت تلك الشقراء تمسك في يدها سجادة صلاة ، وتتجه بها إلى حجرة الممرضات خارجة من حجرة أمي ، دلفت إلى الحجرة فوجدت أمي تتباطأ في مشيتها وكأن الزمن يثقل على ساقيها ، ولكن هم المرضى ، أدوات الثقل والتأخر في المسير ، قبّلت جبينها وسألتها : - يمه الممرضة اللي طلعت قبل شوي من غرفتك كان في يدها مصلاة ، هي كانت عندك ؟! - إيه يا وليدي ، جابتها لي ، ولمن قضيت من صلاتي أخذتها . الذاكرة أرشيف مرتب ، عادت بي إلى الخلف قليلا ، إلى ذلك اليوم الذي كنت فيه واقفا في عيادة أسنان ، كنت بجانب رجل يتحدث مع ممرضة بانجليزية ممتازة ، وعندما أراد الذهاب أبتسم إليها ولوّح بكلمة ، ثم ضحكا ورحل . - ما يستحي يسولف مع كافرة ! تفاجأت من هذه النبرة المنبثقة من خلفي ، ألتفتّ فرأيت رجلا كان يتابع المشهد من الخلف في صمت ، وعندما مضى الرجل في غيابه قال هذه الكلمة . الأشخاص الذين يجيئون من بعد الحوادث أناس خُرس دوما ! نظرت إليه ، وسألته باهتا في عبارته : - وهل لأنها كافرة يجب أن ننكر كونها إنسانة ؟! - أمثال هذه لولا ظروف الزمن لكانت إحدى السبايا . - وما يدريك بأنها كافرة ؟! - كل من لا يدين بالإسلام كافر ! وما جزاء الإحسان ؟! ثمة أسئلة مثل الأمصال ، نقولها ونذهب ، ولا يبدو مفعولها إلا حين توغل في عقولنا . كانت هذه الشقراء تحمل سجادة امرأة مسلمة . ذهبت إليها وقلت مستعينا بمترجمة مصرية : - أيمكنني أن أسألكِ سؤالا ؟! - تفضّل . - هل أنتِ مسلمة ؟! - لا أنا مسيحية . - وهل دينكم يحثّكم على الإحسان للمسلمين ؟ - ديننا لا يحث على الإحسان للمسلمين فحسب ، يحثنا على الإحسان لكل إنسان . تركتها ومضيت . والأشياء تتآكل من حولي . منذ ذلك الحين لم أعد أخاف على أمي ، لأن امرأة تحت عناية امرأة كهذه علمُ راحة ، صدقا لم أستغرب حينما وجدت هذه الشقراء ذات حزن تضع يدها على رأسها ، وقد استندت جدارا وهي تبكي بكثافة ، ونحن نلملم حاجيات أمي التي تبقت لنا في حجرتها في المستشفى بعد أن ماتت ! دمتم بود:more15: |
رد: حزنٌ يُؤكل !
شكرا لك على النقل
تقبل مروري |
رد: حزنٌ يُؤكل !
قصة معبرة احسنت في نقلها
اخي ابو ريناد تحياتي |
رد: حزنٌ يُؤكل !
القدير ابو ريناد
نقل رائع لهذا المقال والذي اخذنا الى تخيل الموقف وبجديه وهذا الشعور المحزن والمنبعث من قلب شفاف .................................... كل الود اختك شيهانه |
رد: حزنٌ يُؤكل !
شكرا لك على النقل تقبل مروري |
الساعة الآن (08:11 AM) |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
شركة استضافة:
استضافة
رواد التطوير
مايكتب في هذا المنتدى لايعبر بالضروره عن وجهة نظر ادارة الموقع وانما يعبر عن وجهة نظر كاتبه