المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دراسة عن قبيلة عنزة Anza tribe bin Wael


جلال الدرعان
03/07/11, (05:16 AM)
عنزة
عنزة (بفتح العين والنون) من أكبر القبائل العربية ووفق التقسيم السياسي فان عنزة تتوزع على عدة دول عربية وغير عربية وهي : السعودية والكويت وقطر والبحرين والإمارات وسلطنة عمان والعراق وسورية والأردن وتركيا وفلسطين والأحواز ولبنان وإيران وليبيا ومصر.

نسبها
قبيلة عربية كبيرة تنتسب إلى قبائل ربيعة وتنتشر قبيلة عنزة في شبه جزيرة العرب ونسب المسمى القبلي لها هو:حلف ربيعي تشمل بكر وتغلب بن وائل بن قاسط بن ربيعة عنزة بن نزار بن معد بن عدنان وأحلاف ربيعية يسمى هذا الحلف حلف اللهازم وتسمية قبيلة عنزة وذلك عنزت(لجأت) بنت النعمان لهذه القبيلة لحمايتها من كسرى وأنتصرت هذه القبيلة علي الفرس في معركة ذي قار وبذلك سميت عنزه وفي خلاف في التسمية وتقول بعض المصادر سبب تسمية عنزه وذلك على اسم عمهم عنزه بن أسد بن ربيعه وهو موجود في هذا الحلف وأكثر المصادر والوثائق التاريخية تقول بسبب لجوء بنت النعمان إلى هذة القبيلة وهذه نبذه عن قبيلة عنزه الحالية :- لايخفى على أي وائلي مطلع اسم اللهازم أو بالأصح حلف اللهازم الشهير في تاريخ ربيعة الجاهلي والإسلامي ومهما قلنا عن هذا الحلف فإنه يبقى العلامة المضيئة في تاريخ قبائل ربيعة وبني وائل خصوصا حيث حفظ هذا الحلف تماسك الربعيين على مدى قرون وجعل منهم قوة عظمى قهرت الأكاسرة فضلا عن العرب، كما حفظت صفاء الدم الربعي من الأختلاط بغيره كبقية القبائل العربية الأخرى ،فقبائل اليوم هي عبارة عن تحالفات متعددة المشارب والأنتماءات وليست تنتمي لجد واحد ومن الأمثلة على ذلك قبيلة مطير والدواسر وحرب وغيرها فهذه القبائل لا يمكن الجزم بأنها تنتمي لقبيلة واحد من القبائل القديمة بل هي خليط من قبائل قحطانية وعدنانية بعكس قبائل عنزة فهي ربعية ربعية يجمعها جد واحد وهو أسد بن ربيعة ولعل من أبرز انجازات هذا الحلف هو ظهور قبيلة عنزة الحالية بقوتها وجبروتها. وبالنظر للتاريخ نجد أن حلف اللهازم عرف من أيام الجاهلية وهو مصطلح معروف في المجتمع الجاهلي عموما حتى جاء الإسلام، فقد ذكر الأمام أبي سعد عبد الكريم السمعاني المتوفى سنة 562هـ : [ ورد في المسند عن عكرمة، عن عبد الله بن عباس، حدثني علي بن ابي طالب رضي الله عنه قال : لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يعرض نفسه على القبائل من العرب، خرج وأنا معه وأبو بكر رضي الله عنه، فدفعنا إلى مجلس من مجالس العرب، فتقدم أبو بكر، وكان رجلا نسابه، فسلم، فردوا عليه، فقال : ممن القوم ؟ قالوا : من ربيعة، قال : من هامتها أم من لهازمها ؟ قالوا : بل من هامتها العظمى..... إلى آخر الحديث ] وهذا يدل على شهرة اللهازم في ربيعة. ويقول الأصفهاني صاحب كتاب الأغاني : [ بكر حيين : اللهازم والذهلين ] وحلف اللهازم يضم : [ قيس بن ثعلبه، وتيم الله بن ثعلبه بن عكابه، وعجل بن لجيم، وعنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار ] وكل هذه القبائل هي من بكر بن وائل باستثناء عنزة بن أسد فهي تلتقي مع بكر في أسد بن ربيعة بن نزار، ثم انضمت ذهل بن ثعلبه وذهل بن شيبان للحلف وأصبحت كل قبائل بكر في الحلف وبذلك أصبحت عنزة الحليف القوي لبكر بن وائل منذ ذلك اليوم. والجدير بالذكر أن قبيلة عنزة بن أسد كانت قبيلة صغيرة في ذلك الوقت ولذلك تلهزمت ودخلت في بكر ولذلك شاركت مع أخوانها اللهازم في كل أيام بكر بن وائل بدأ بحرب البسوس وانتهاءا بيوم ذي قار وفي يوم ذي قار الشهير وبعد انتصار بني شيبان وحلفائهم على الفرس وعندما مدح الأعشى بني شيبان خاصة في قوله : فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي ،،، وراكبها يوم اللقاء وقلَت هموا ضربوا بالحنو حنوا قراقر ،،، مقدمة الهامرز حتى تولت وأفلتنا قيس وقلت لعله ،،، يثيب وإن كانت به النعل زلت وكذلك فعل أصم بن الحارث بن عباد حيث امتدح شيبان أيضا فقط الجدير بالذكر أن مكان المعركة وهو مايسمى بالحنو مايزال يعرف بهذا الاسم في شمال السعودية بالقرب من محافظة طريف وهو جبل معروف وفيه الآن مركز للأرصاد الجوية يعرف بمركز الحنو. فلما مدح الأعشى بني شيبان خاصة غضبت اللهازم ،فقال أبو كلبة، أحد بني قيس بن ثعلبه يؤنب الأعشى والأصم : جدعتما شاعري قوم ذوي حسب ،،،، حزت أنوفكما حزا بمنشار أعني الأصم وأعشانا إذا اجتمعا ،،،، فلا استعانا على سمع وأبصار لولا فوارس لا ميل ولا عزل ،،،، من اللهازم ماقاظوا بذي قار نحن أتيناهما من عند أشملهم ،،،، كما تلبس وراد بصدار
فلما بلغ الأعشى قول أبي كلبة قال : صدق. وقال الأعشى معتذرا مما قال : متى تقرن أصم بحبل أعشى ،،،، يتيها في الظلال وفي الخسار فلست بمبصر ماقد يراه ،،،،،، وليس بسامع أبدا حواري وقيلت في يوم ذي قار أشعار كثيرة ليس هذا موضع ذكرها، وفي يوم الوقيط وهو يوم لبكر بن وائل على تميم كان للهازم دور فعال وأغلب حروب بكر بن وائل كانت مع تميم وذلك بسبب الجوار في المسكن حيث تمتد ديار تميم وبكر من أواسط نجد حتى أطراف العراق. وحتى في الأيام التي هزمت فيها بكر من تميم كان اللهازم شركاءها أيضا في الهزيمة ففي يوم النباج وثيتل كانت الدائرة على بكر واللهازم وفي ذلك يقول ربيعة بن طريف يرثي قيسا من تميم : وأنت الذي حربت بكر بن وائل ،،،، وقد عضلت منها النباح وثيتل. وقال قرة بن قيس بن عاصم يفخر بهزيمة بكر واللهازم وانتصار تميم : أنادي الذي شق المزاد وقد رأى ،،، بثيتل أحياء اللهازم حضرا وصبحهم بالجيش قيس بن عاصم ،،، فلم يجدوا إلا الأسنة مصدرا. وفي يوم السلي وهو يوم انتصرت فيه تميم أيضا على بكر واللهازم وفيه كانت الغارة على بني يشكر خاصة وفي هذا اليوم يقول : حاجب بن ذبيان المازني ثم التميمي : سلي يشكرا عني وأبناء وائل ،،،،، لهازمها طرا وجمع الأراقم ألم تعلمي أنا إذا الحرب شمرت ،،،، سمام على أعدائنا في الحلاقم هموا أنزلوا يوم السلي عزيزها ،،،، بسمر العوالي والسيوف الصوارم وكان الشاعر الجاهلي رشيد بن رميض العنزي شاعر اللهازم وبكر قد زمن في شعره أيام بكر واللهازم وحفل شعره بالمديح لفرسان بكر بن وائل وتصوير النصر وهجاء الأعداء. وفي يوم الشيطين العظيم لبكر على تميم وكان قبيل الإسلام عندما أجمعت بكر على غزو تميم قالوا : إن في دين عبد المطلب أن من قتل نفسا قتل بها، فنغير هذه الغاره ثم نسلم عليها. فهزموا تميم فقال رشيد بن رميض العنزي : وما كان بين الشيطين ولعلع ،،،، لنسوتنا إلا مناقل أربع فجئنا بجمع لم ير الناس مثله ،،،، وكاد له ظهر الوديقة يضلع بأرعن دهم تنشد البلق وسطه ،،،، له عارض فيه المنية تلمع إذا حان منه منزل القوم أوقدت ،،،، لأخراه أولاه سنا وتيفعوا والقصيدة طويلة يذكر فيها تفاصيل الهزيمة. فأجابه محرز المكعبر الضبي التميمي فقال : فخرتم بيوم الشيطين وغيركم ،،،، يضر بيوم الشيطين وينفع وجئتم بها مذمومة عنزية ،،،، تكاد من اللوم المبين تطلع فأن يك أقوام أصيبوا بغرة ،،، فأنتم من الغارات أخزى وأوجع
فقالوا : أن بكرا أتاهم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا على مافي أيديهم. وقال أبو الحسناء العنبري : قتل من تميم يوم الشيطين ولعلع ستمائة رجل، قال : فوفد وفد بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : أدع الله على بكر بن وائل. فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي يوم زبالة وهو يوم لبكر أيضا على تميم وفيه أغارت تميم بقيادة الأقرع بن حابس، فهزمت تميم وأسرت بكر الأقرع وكان عند بني تيم الله بن ثعلبه وأسر خلق كثير من تميم وكانت بكر بقيادة قائدها العظيم بسطام بن قيس. وكان في الأسرى إنسان من بني يربوع، فسمعه بسطام في الليل يقول : فدى بوالدة علي شفيقة ،،،،، فكأنها حرض على الأسقام لو أنها علمت فيسكن جأشها ،،، أني سقطت على الفتى المنعام إن الذي ترجين ثم إيابه ،،،، سقط العشاء به على بسطام سقط العشاء به على متنعم ،،،، سمح اليدين معاود الأقدام وكان بسطام يسمعه، فقال : والله لا يخبر أمك عنك غيرك. فأطلقه. فقال رشيد العنزي : جاءت هدايا من الرحمن مرسلة ،،،، حتى أنيخت لدى أبيات سطام جيش الهذيل وجيش الأقرعين معا ،،،، وكبة الخيل والأذواد في عام مسوم خيله تعدوا منا قبه ،،،، على الذوائب من أولا د همام وقال اوس بن حجر من شعراء تميم يثني على بسطام : وإن أبا الصهباء في حومة الوغى ،،، إذا ازورت الأبطال ليث مجرب. وأبو الصهباء هو بسطام بن قيس. وأغار حاتم طي بجيشه من قومه طي على بكر بن وائل، فقاتلوهم، وانهزمت طي، وقتل منهم جماعة، وأسر منهم جماعة، فكان في الأسرى حاتم بن عبد الله الطائي. أسرته عنزة بن أسد، وبقي عندها موثقا. وقال رشيد بن رميض العنزي : ونحن أسرنا حاتما وابن ظالم ،،،،، فكل ثوى في قيدنا وهو يخشع وكعب إياد قد أسرنا وبعده ،،،،، أسرنا أبا حسان والخيل تطمع وريان غادرنا بوج كأنه ،،،،،، وأشياعه فيها صريم مصوع

وبعد الإسلام قوي حلف اللهازم واشتد عوده وبقي على مسماه وقد اشترك حلف اللهازم وكل ربيعة مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D9%84%D9%8A_%D8%A8%D9%86_%D8%A3%D8%A8%D9%8A _%D8%B7%D8%A7%D9%84%D8%A8) رضي الله عنه في معركة الجمل وأبلت ربيعة بلاء حسنا كما مر معنا في مقال سابق. وكان شيخ اللهازم مسلم بن عبد الله العجلي فارسا من فرسان تلك المعركة وقتل فيها. ولا شك أن هذا الحلف بعد ذلك ازداد قوة بدخول كافة قبائل بكر المتبقية فيه وخصوصا الذهلين ذهل بن ثعلبة وذهل بن شيبان، ومن ثم دخول الغريم التقليدي لبكر بن وائل وهي تغلب بن وائل [ ضنا بشر ] بسبب ماجرى لهم من قيس من قتل واستنزاف في يوم البشر وبسبب انهيار الدولة الأموية وسيطرة الأعاجم على الحكم ومن ثم دخول التتار واجتياحهم سواد العراق. ومما يؤكد دخول تغلب (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AA%D8%BA%D9%84%D8%A8) في هذا الحلف هو قول الشاعر الأخطل التغلبي : 'يا كعب لا تهجون العام معترضــا **** فإن شعرك إن لاقــيتني غــــرر إني أنا الليث في عريسة أشب **** فورع السرح حتي يفسح البصر إن اللـــــهازم لن تنفك تابــــــعة **** هم الذنبى وشرب التابع الكدر ويعني باللهازم : لهازم تغلب وهم رهط الشاعر التغلبي كعب بن جعيل التغلبي وهو من شعراء البلاط الأموي وهنا يهجوه الأخطل ويعيره بالتبعية للبكريين لأنه تلهزم معهم في اللهازم [ انظر ديوان الأخطل ] وهو أمر ليس بالغريب إذ أن تغلب وبكر حتى مع العداوة يظلان أخوة تربطهم رابطة الدم ولهذا فإن جموعا من تغلب يوم ذي قار انقلبوا على جيش كسرى وكانوا في بداية المعركة قد أوهموا الفرس أنهم معهم فلما حمى الوطيس انسحبوا وهربوا لإضعاف معنويات الفرس وبالفعل حصل لهم مايريدون.
كل هذه العوامل ساعدت على بروز اللهازم كحلف قوي في وجه هذه الظروف ولكن تغير اسمه إلى قبيلة عنزة وهي عنزة الحالية التي طغت على مسرح الأحداث منذ القرن الثامن الهجري وخصوصا بعد انتقالها من ديار ربيعة في العراق إلى خيبر الموطن القديم لها قبل الإسلام ولا زالت هي القوة العظمى وحفل تاريخها كما كان أجدادها بالبطولات والفروسية وهي اليوم أقوى وأكبر القبائل العربية كما شهد بذلك المؤرخين والكتاب. ومخطئ من يظن أن عنزة اليوم هذه القبيلة الكبيرة هي فقط سلالة عنزة بن أسد، فعنزة بن أسد كانت أصغر القبائل الربعية في الجاهلية ولم يكن لها تاريخ يذكر لوحدها ولكنها تلهزمت مع بكر وبرز اسمها مع اللهازم وهي الحليف القوي لبكر منذ حرب البسوس ونجد في الجاهلية أن قبائل ربيعة انقسمت لقطبين كبيرين : القطب الأول : بكر بن وائل وحلفائها وهم : اللهازم وبني ضبيعة رهط الحارث بن عباد. القطب الثاني : تغلب بن وائل وحلفائها وهم : النمر بن قاسط، وعبد القيس. وانقسام عنزة اليوم يؤكد هذه الحقيقة. فهناك ضنا مسلم وهم البكريين وخصوصا الرولة وهم من ذرية زايد بن الجلاس بن مسلم بن بكر بن وائل. ومعهم أبناء عمهم من المحلف بالأضافة لوهب. وهناك ضنا بشر التغالبة وقد كتبت بحثا مطولا بهذا الخصوص ولا داعي للذكر الأدلة فهذا المقال عن حلف اللهازم. لقد اختفى حلف اللهازم اليوم ولكنه بقي مخلدا في قلوبنا وبقيت معه عنزة قبيلة قوية متجانسة نقية الدماء لم يشوبها ماشاب غيرها من القبائل الأخرى. الجدير بالذكر: بأن آل سعود من بكر بن وائل.



فروع قبيلة عنزة:

• عنزة بن اسد
• حمدانيون
• عبدالقيس
• ضبيعة
• النمر بن قاسط
• بني شيبان
• بنو عجل
• بني بكر
• بنو ثعلبه
• بنو قيس
• تيم الله
• بنو حنيفة
• بني كلبان
• الجسّاسيون


أشهر الفرسان قديماً
المهلهل بن ربيعة
بسطام بن قيس
همام بن مرة
سيف الدولة الحمداني
الحارث بن عباد
القارظ العنزي
مره ابن ذهل
جساس بن مرة
عمرو بن كلثوم وأحفاده
ربعي بن الأفكل
جعفر بن قرط الهزاني ملك اليمامه
عمرو بن مالك بن القرار العنزي
عمرو بن الأخرز بن الأخضر
عبدالعزى العنزي
رشيد بن رميض العنزي
سالم أبن مرزوق




ماورد في السيره النبويه عنها:
عن الغضبان بن حنظلة أن أباه حنظلة بن نعيم وفد إلى عمر بن الخطاب فكان عمر إذا مر به إنسان من الوفد سأله ممن هو حتى مر به أبي فسأله ممن أنت ؟ فقال من(عنزة) فقال عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (نعم الحي عنزة مبغي عليهم منصورون) أخرجه الأمام أحمد في مسنده (الفتح الرباني23/ 233) قال المحدث أحمد شاكر : أسناده صحيح (1 / 143) 0 وذكر الحديث ابن حجر في (الإصابة) 1289 في ترجمة حنظلة بن نعيم العنزي ونقله الدولابي في (الكنى).
وعن سلمة بن سعد أنه وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وجماعة من أهل بيته وولده فاستأذنوا عليه فدخلوا فقال (من هؤلاء القوم ؟) قيل له هذا وفد عنزة فقال (نعم الحي عنزة مبغي عليهم منصورون) سل يا سلمة حاجتك فقال جئت أسألك عما أفترضت علي في الإبل والغنم والعنز فأخبره ثم جلس عنده قريباً ثم أستأذنه في الأنصراف فقال أنصرف فما غدا أن قام قال : (اللهم ارزق عنزة كفافاً قوت ولا اسراف) أخرجه الطبراني في الكبير (64 / 63). وأخرجه البزار في الزوائد(268). وذكره الهيثمي في المجمع إلا أنه قال : (اللهم أرزق عنزة كفافاً لا فوتا ولا أسرافاً) وقال الهيثمي رواه الطبراني والبزار باختصار عنه وفيه من لم أعرفهم وذكر الحديث ابن عبد البر في الأستيعاب في ترجمة سلمة (1035) وكذلك عزاه إلى الهندي في كنز العمال للطبراني وابن قانع في معجمه (12/ 65).
وذكر الهيثمي حديث حنظلة بن نعيم وقال إن عمر بن عاصم جاءه فقال يا أبا رباح ما الذي ذكر لك أمير المؤمنين عمر حين قدمت عليه في قومك قال : مررت عليه فقال من انت وممن انت ؟ فقلت يا أمير المؤمنين انا حنظلة بن نعيم العنزي فقال : (عنزة) قلت : نعم فقال : أما وأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر قومك ذات يوم فقال : أصحابه يارسول الله من هم (عنزة ؟) فأشار بيده نحو المشرق وقال: (حي من ههنا مبغي عليهم منصورون) قال أبو يعلى في الكبير والبزار بنحوه باختصار عنه والطبراني في الأوسط وأحمد إلا أنه قال عن الغضبان بن حنظلة أن أباه وفد على عمر ولم يذكر حنظلة قال الهيثمي وإسناد أبي يعلى رجاله ثقات (10/ 51).




الصحابة و التابعين:
الإمام أحمد بن حنبل
صهيب الرومي
حجير بن أبي حجير
جري الحنفي
أسامة الحنفي
أثال بن النعمان الحنفي
صعصعة بن صوحان العبدي
زيد بن صوحان
عامر بن ربيعة
عبد الله بن عامر بن ربيعة بن مالك
مثنى بن حارثة
حبان بن مندل العنزي
مندل بن علي العنزي كان يحب ان يراه المهدي وله ق
نبيح العنزي
معبد بن هلال العنزي
المثتى بن عوف العنزي
الاسود بن قيس العنزي
أيوب السختياني
أبو الحسن النيسابوري
طلق بن حبيب
ضبه بن محصن العنزي
عبد الرحمن بن حسان العنزي
محمد بن المثنى بن بن دينار العنزي وغيرهم
الفصيل بن ديسم بن هراج العنزي كان شريفاً مدحه الفرزدق الشاعر
مزيد بن عبدل الهزاني العنزي من بني حلاكة كان شريفاً
كدام بن حبان من خيار التابعين من اصحاب علي رضي الله عنهما
أذينة بن عمران بن عصام العنزي كان رأس عبدالقيس إمام عثمان بن عفان وحضر يوم الجمل مع عائشه رضي الله عنها
ميمون بن استاذ الهزاني
أبو الاخنس الهزاني
ربعي بن الافكل



تفرعات وبطون قبائل عنزة :

عنزة قبيلة عدنانية من أكبر القبائل العربية في الوقت الحاضر والماضي، فيها ملوك وأمراء وأعيان وفرسان وشجعان وقضاة وأدباء وشعراء أفذاذ، ومنازلها تمتد من نجد إلى الحجاز فوادي السرحان والجوف فالحماد فالعراق فالشام والبادية السورية والكويت والبحرين. وعنزة هي الأمتداد التاريخي لقبائل ربيعة النزارية. وعنزة اليوم اسمل يشمل كل قبائل ربيعة المعروفة في الجاهلية وهي : بكر بن وائل، وتغلب بن وئل، وعنزة بن أسد، وعبد القيس، وضبيعة، والنمر بن قاسط، وبني حنيفة وشيبان. باستثناء عنز بن وائل وأكلب بن ربيعة اللتين تيامنتا من أيام الجاهلية ولم تشتركا مع قبائل ربيعة في حرب البسوس أو ذي قار الشهيرة. ولذلك لاصحة لمن نسب قبيلة عنزة الحالية لعنز بن وائل. وقد تحالفت قبيلة عنزة بن أسد بن ربيعة مع قبيلة بكر بن وائل من قديم الزمان واشتركت معها في حرب البسوس في حلف اللهازم الشهير : يقول النسابه محمد بن أبي بكر بن عبد الله التلمساني الشهير بالبري من أهالي القرن السابع الهجري :[ واللهازم هم عنزه بن أسد وعجل بن بكر، وتيم الله وقيس وذهل بنو ثعلبه أيضا من بكر بن وائل ثم تلهزمت حنيفه بن لجيم والذهلان شيبان وذهل أبناء ثعلبه بن عكابة ] وأصبحت عنزة من أحياء بكر بن وائل : ولذلك يقول العلامه أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الأعاني :[ بكر بن وائل حيين ! وهما الذهلين واللهازم]، وقال الشاعر الفرزدق التميمي : وأرضى بحكم الحي بـكـر بـن وائل،،، أن كان في الذهلين أو في اللهازم. فهي أصبحت حي في بكر ولكنها حافظت على نسبها العنزي ولكنهم يعتبرون أنفسهم بكريين والدليل على ذلك أنهم غضبوا عندما مدح الأعشى والأصم بنوا شيبان من بكر بعد حرب ذي قار ولم يذكر اللهازم الذي شاركوا أخوتهم في الحرب فقال أحد بنو قيس بن ثعلبه : جدعتما شاعري قوم إولى حسب ،،،،حزت أنوفهما حزا بمنشار لولا الفوارس لاميل ولا عزل ،،،، من اللهازم ماقاظوا بذيقار نحن أتيناهم من عند أشملهم ،،، كما تلبس وردا بصدار...... وهذا الحلف عرف بالجاهلية واستمر بل ازداد قوة في الإسلام واشتركت عنزه وحلف اللهازم كله مع أمير المؤمنين على بن أبي طالب في معركة الجمل بقيادة شيخ اللهازم المتوج مسلم بن عبد الله العجلي وكان فارسا مغوارا وأحد أشهر رجالات ربيعه وبكر واللهازم وقتل في تلك المعركه وخلف ذرية عظيمه وهو من تنسب إليه بطون عنزه اليوم باسم ضنا مسلم. وكما ذكرنا فإن عنزة تحالفت مع بكر من قديم في حلف اللهازم، وتحالفت النمر بن قاسط مع تغلب في حرب البسوس وبقيت فيهم، وأما ضبيعه فقد تحالفت هي الأخى مع بكر في يوم التحالق الشهير وقائدهم الحارث بن عباد وفيه هزمت تغلب والنمر وانتشروا في الأرض، ونجد أن هذه التحالفات قد اشتد عودها في الإسلام فتغلب والنمر بقيتا على حلفهما في صدر الإسلام ونجد أن النمر شاركت حليفتها تغلب في حروبها مع قيس في صدر الإسلام بل أنها اندمجت كليا مع تغلب وكذا الحال مع عنزة وضبيعه في بكر فقد وقفوا جميعا مع علي في الفتنه. وأما عبد القيس فقد بقيت في البحرين حتى جاء الإسلام وحسن إسلامها ولم ترتد ومعظمهم من الحاضره اليوم في الأحساء وغيرها ومنهم الدولة العيونية في الأحساء وبالنسبة لأكلب وعنز بن وائل فهما الوحيدتان من قبائل ربيعه اللتين تيامنتا من أيام الجاهلية على اليوم. وعنزة اليوم اسمل يشمل قبائل بكر وتغلب وبني حنيفه وشيبان وقد اختفت المسميات القديمة وهي تنتسب لعمها الأكبر عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار هو عامر وسمي عنزة لأنه طعن رجلا بعنزة وهي الحربة القصير وفي السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى عنزة. أي إلى حربة اتخذها سترة. وتعتزي قبيلة عنزة بجدها الشهير وائل ربيعة وهو وائل بن قاسط بن أهنب بن أفصي بن دعمي بن جديلة بن أسد بن نزار. وبني وائل وعنزة مترادفين ويقال لهم الويلان وقد شهد لهم القاصي والداني بذلك. ومن الشواهد الشعرية :


قال الشاعر سليمان بن عفالق من قصيدة يمدح الشيخ عبدالمحسن الهزاني البدري العنزي :

بـوادي نـعـام جـعـل يـعـتـاد ربـعـه
حقوق الحيا من كـل غـرا ورايحـه
مـنـازل قـوم مـن ذوابـات وايـــــل
لهـم شرف عالي على من يناوحـه
أجـاويــد نـاس لا يـزال نـزيـلهـــم
مدى العمر مايخشامن الضد نايحه
غـزار جفان الزاد للضيف بالقـصا
اليـاعض من كالوب الأيـام قارحـه.

يقول سليم بن عبد الحي بالأميرمحمد بن سعود :

منهم تسلسل من سعود فهيدان،،، نعم بذي الوالد ونعم بالوليدي
المقرن المنجوب من نسل وطبان ،،، الوائلي طود ينجي الطريدي

.....يتبع (1)

جلال الدرعان
03/07/11, (05:18 AM)
يقول الأسمر الجويعان :


أولاد وايل كاسبين النفيله ،،، والهرج مايثبت على غير برهان


ثم ذكر بعد ذلك :


وذي قار شاهدنا وغيره مثيله ،،، أرامل المنذر حماها ابن شيبان
المنذرية يوم جتنا دخـــــــــيله ،،، حنا زبنها يوم لوذات الأذهان
جتنا تسوقها البلاوي ذليلة ،،، وعدنا لها الشرف بعد الأحزان
حنا كسرنا جيش كسرى وفيله ،،، وعما نوى حنا جزيناه حرمان


ويقول أيضا :
ومنا بطل قرمز بن دخيله ،،، وحتى عمر والزير بالأصل ويلان
ومنا المثنى قاد جند بسيله ،،، جيش عرمرم يوم تحطيم الأوثان


وهاهو الأمير محمد العبدالله الرشيد يقول للأمير محمد بن سعود آل سعود :


تلفو محمد شوق صافي الثماني ،،، ابن سعود ويفعل الزين له فن
حنا الضياغم وأصلنا بقحطاني ،،، وانتم بني وائل صحيح بلا ظن


وقول الشاعر المعروف راشد الخلاوي في مدح الشيخ سالم بن منيع من بني حنيفه الوائلية وهو من سكان وادي حنيفه يقول


خذها يسار وارد وادي حنيفه ،،، وادبه المنجوبه أولاد وايل
دار لأبو سالم فتى طال شبره ،،، شيخ الكمام ومقتدى كل سايل


وقوله أيضاً:
خذها يسار وارد وادي حنيفه ،،، وادبه المنجوبه أولاد وايل
دار لأبو سالم فتى طال شبره ،،، شيخ الكمام ومقتدى كل سايل


ومن الشعر قول ابن ملحم :


من دور وايل مالنا قط سياد ،،، نظلم سوانا ولا ظلمنا ثقل عود
متوارثين المجد من دور الأجداد ،،، ورثا ورى ورث ورى ورث بجدود


والشعر كثير وهذا غيض من فيض. وتنقسم عنزة اليوم على فرعين عظيمين وهما : ضنا مسلم وهم ينتسبون لجدهم مسلم بن عبد الله العجلي من بني عجل بن بكر بن وائل وهو شيخ اللهازم في زمانه وهو من المعاصرين لأمير المؤمنين على بن أبي طالب وقد اشتركت كل قبائل ربيعة مع علي في موقعة الجمل وخصوصا من اللهازم وبكربن وائل وقد قتل مسلم في هذه المعركة وقد خلف عددا كبيرا من الأبناء. وأما الفرع الثاني فهم : ضنا بشر وينتسبون إلى بشر بن قيس التغلبي وهو من كبار التابعين وفضلاءهم وقد سمع من أبو الدرداء ولقي معاوية وسمع منه وبشر حي معروف من أحياء تغلب وهو يوم من أيامهم المشهورة مع قيس في صدر الإسلام وهناك جبل بشر في ديار ربيعة ما زال يعرف إلى اليوم. ولكن الجميع اختار عمهم الأكبر عنزة وانتسبوا إليه لقربه من عمود النسب واختفت الأسماء القديمة كبكر وتغلب وغيرها، والجد الجامع لهذه القبيلة هو وائل بن قاسط الشهير وإن قلنا أسد بن ربيعة فهو أفضل وأشمل حيث أن قبيلة عنزة تمتاز بأنها ربعية نقية ليس فيها أحلاف مضرية فضلا عن قحطانية.



مشيخات قديمة آل طيار " وابن غبين
عنزة (والنخوة العامة لـ قبايل عنزة "عيال وايل").تنقسم عنزة إلى قسمين وهم بشر ومسلم وشيوخهم قديما الطيار وابن غبين (قائد ضنا بشر إلى اواسط بلاد الشام) وهما أقدم بيوت عنزة واعرقها تاريخاً وتذبح لهم الذبيحة سابقا فقط (في ايام الجوع نظرا لضيق الحال لدى كثير من الناس حيث انه في حال عدم حضور احدهم لايتم ذبح الذبيحه ويكتفى باي شيء)، ويعتبر الطيار من كبار مشايخ عنزه ويطلق على الطيار (أبو عنزة) وقد ذكر ابن عبار في كتابه أصدق الدلائل أن عنزة قد تحالفت مع أمير خيبر وقتها عبد العزيز بن عبد الله بن صالح الطيار المسمى الذي يرجع نسبه إلى جعفر بن أبي طالب الذي لقبه الرسول صلى الله عليه وسلم بالطيار مما أدى إلى انسحاب الاسم إلى العنوز المتحالفين معه من ضنا مفرج من ولد علي.




http://a4.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash2/36998_103037573080758_100001235470710_15208_441241 2_n.jpg
شيخ مشائخ قبيلة عنزة فهد بن عبدالمحسن بن الحميدي آل هذال



عنزة تنقسم إلى قسمين:
1- مسلم.
2- بشر.
أولاً: مسلم ينقسم إلى قسمين:
1- بنو وهب.
2- الجلاس.
بنو وهب ينقسمون إلى:
1- المنابهة.
2- ولد علي.
والجلاس ينقسمون إلى:
1- المحلف.
2- الرولة.


ثانياً: بشر
وينقسم بشر إلى قسمين:
1- سهيل (العمارات).
2- عبيد.
والعمارات تحت زعامة (ابن هذال) وتنقسم إلى:
1- الجبل: منهم (السلقا) تحت زعامة الرفدي.
2- العلي: منهم الدهامشة تحت زعامة ابن مجلاد.


وعبيد ينقسم إلى:
1- ولد سليمان: تحت زعامة العواجي.
2- الفدعان. تحت زعامة أبن مهيـد
3- السبعة تحت زعامة أبن مـرشد



.....يتبع (2)

جلال الدرعان
03/07/11, (05:20 AM)
عنزة في كتابات بوركهارد
مقدمة

يحتل جون لويس ( يوهان لودفينج) المعروف بـ ( بوركهارت) مكانة هامة بين المستشرقين ، فقد كان ادقهم وصفاً للدولة السعودية الوهابية اول نشوئها ،
وهي الدولة التي لفتت انظار الساسة في اوربا منتصف القرن الثامن عشر الهجري .
ولد بوركهارد سنة 1784م من اب سويسري واصل انجليزي ، واضطر سنة 1806م الى الانتقال الى لندن بعد احتلال الامبراطور الفرنسي نابليون لبلاده ،
وكان الجو العام في لندن مهتماً بالعالم الاسلامي ومسابقة فرنسا هناك ، والتحق بوركهارد في الجمعية الملكية المعنية بالاكتشافات الجغرافية في افريقيا.
ورغم ان اغلب نشاطات الجمعية كانت تدرس مجاهل افريقيا الا ان الدين الاسلامي كان مثيرا لبوركهارد وخاصة مع ظهور الدولة السعودية سنة 1745م ، وذيوع صيتها في ارجاء العالم بعد احتلال الحرمين الشرفين واعلانها عدم شرعية خلافة آل عثمان ،
فقرر بوركهارد ترك الجمعية ودراسة اللغة العربية في جامعة كامبردج ووفر لحيته ليرافق الحجاج الافارقة الى الشرق متنكرا بشخصية رجل مسلم الباني اسمه الحاج ابراهيم ، ووصل الى حلب وتعمق اكثر باللغة العربية واتصل بقبائل عنزة في بلاد الشام .

ثم رحل الى مصر سنة 1812م واتصل بمحمد علي باشا الذي كان يتقلد ولاية مصر للتو ، ومكلف بحرب آل سعود ، ورافقه بوركهارد لغزو جزيرة العرب وتخليصها من الوهابية على حد وصفه ،
ومكث في الحجاز من سنة 1814م الى سنة 1816م ، ولاحظ بوركهارد تعصب الترك ضد العرب الذي كان يقدرهم كثيراً ، ولم يستطع اخفاء اعجابه بالعرب وبنبالتهم وشجاعتهم وخاصة قبائل عنزة ،
وقد دون بوركهارد جميع نتائج بحوثه في كتاب اسماه ( رحلات في شبه الجزيرة العربية ) وكتاب ( تاريخ الوهابيين ) ثم ( ملاحظات على البدو الوهابيين ) ،
وفي الكتاب الاخير يصف اتباع آل سعود من قبائل العرب الوهابية ، وركز ملاحظاته بشكل تام على قبائل عنزة دون غيرها من قبائل العرب الاخرى .
وقرر بوركهارد الرحيل من جزيرة العرب الى بلاده الا انه مرض في ينبع ، وتحامل على نفسه ووصل الى جزيرة سينا ومكث بها شهرين ، ودون الكثير عن اهلها وقبائلهم ، ثم دخل مصر وتوفي فيها سنة 1817م .




قبيلة عنزة تتصدر دراسات بوركهارد

وقد طبع كتاب بوركهارد ( تاريخ الوهابيين ) وملاحظاته عن البدو الوهابيين في كتاب واحد من قبل تلاميذه ، وترجمه الدكتور محمد الاسيوطي من مصر .

ويعتبر بوركهارد أن قبائل عنزة الوائلية المثل الاعلى للعرب جميعاً والمقياس الثابت عنده في تاصيل العادات والتقاليد ، واقوى واكبر القبائل العربية في زمنه ،

-عنزة وقال عنهم :
" العنزة اكبر القبائل في سوريا ، وان اضيف اليهم اشقائهم في نجد يجب ان يعترف بانهم اقوى الكيانات البدوية في الصحاري العربية "


تبرير بوركهارد لجعله عنزة المثل الاعلى للعرب في الاصالة
يقول بوركهارد قبل حديثه عن عادات العرب الوهابيين كما وصفهم :
" الصور التالية تتعلق باكملها بحياة العنزة ، فهم القبيلة الوحيدة حقا في سورية ، بينما القبائل العربية الاخرى في نواحي هذه البلاد اقل تمثيلاً بدرجة او اخرى للحياة البدوية ، والكثير من هذه القبائل تم اخضاعه بينما لاتزال عنزة الاحرار تحكمهم ذات القواعد التي انتشرت وعمت الصحراء مع بدء العصر الاسلامي "




نمط حياة عنزة


يصف بوركهارد عنزة وانهم بدو رعاة فقط ، وليس لهم مهنة اخرى ، ولكنه يقول ان هناك قوافل تجارية بين العراق والشام ونجد وتأخذ قبائل عنزة على هذه القوافل الاتاوة بتشجيع من الامام الوهابي الذي يدينون له بالولاء العقائدي فقط على حد قول بوركهارد ، وقد ذكر ايضا ان عنزة تتقاسم مع ائمة آل سعود الأتاوة المفروض على الشام والعراق .
ثم تحدث بوركهارد عن بطون عنزة التي تصل الى العراق والشام حاملة العقيدة الوهابية ومبشرة بها ، مثيرة للرعب لكل من لايدين بمباديء الدين الاسلامي ، وبالتالي فان بوركهارد ركز ملاحظاته على هذه القبيلة بشكل خاص .



اقسام عنزة الشمالية
ومن الاقسام التي ذكرها بوركهارد:
1-مسلم ومنهم ولد علي واميرهم الطيار ، ومن الواضح ان بوركهارد كان متصلاً بشكل مباشر بعرب عنزة هناك حتى انه عرف الكثير من خصائصهم ومسمياتهم والقابهم ، فنجده يذكر ان الطيار يلقب بـ ( ابو عنزة ) وهو اهم شيوخ ولد علي وكبيرهم ، وذكر من ولد علي الطلوح ، والمشادقة الذين تنحدر منهم اسرة الطيار ، والمريخات ، والمشطا الذين كبيرهم ابن سمير كما وصف بوركهارد في زمنه ، كما ذكر بوركهارد العطيفات والحمامدة من ولد علي .
ثم عرج بوركهارد على ذكر المنابهة في الشمال ، وابتدأ بالحسنة والمصاليخ ، ثم ذكر الرولة والجلاس وقال ان مايملكونه من الخيل يتعدى ماتملكه قبائل عنزة الاخرى .
2-البشر وهم البطن الثاني الكبير من عنزة ، ذكر بوركهارد ان رؤسائهم آل هذال ، وان ابن هذال عضو مجلس الدراية في الدرعية ومن ابرز زعماء عنزة الموالين لامراء الوهابية ( آل سعود ) .
وذكر بطون البشر الاخرى مثل الفدعان ، والسبعة ، والسلقا ، وسيفصل في العمارات اكثر من ذلك ضمن عنزة نجد .
وكل هذه البطون هم من قبائل عنزة الشمالية الضاربة من حلب غرباً وحتى اطراف دجلة شرقاً .

اقسام عنزة نجد
الفقراء من المنابه من بني وهب ( الوهوب)من مسلم يسكنون الحجر
اولاد على او ولد على من بني وهب واميرهم الايداء من مسلم
ولد سليمان ومنهم الجعافرة والخمشة والغضاورة والسلمات واميرهم العواجي من بشر ومنازلهم بالقرب من خيبر
الخماعلة من وهب من مسلم
الشملان من السلقاء من بشر

دور عنزة في دعم آل سعود
وحرص بوركهارد على سؤال العرب والبدو انفسهم عن آل سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب ، فسأل عرب الحجاز ، والشام والعراق ، ورجال القوافل القادمة من والى الدرعية العاصمة .
وخلص الى ان نسب آل سعود هو المقرن من المصاليخ من ولد علي ، والمصاليخ من المنابهة ولكنه خطا بسيط وسببه التقارب بين المنابهة وولد علي من الذين يجمعهم اسم وهب .

وأبرز ممايز كتابة وتوثيق بوركهارد عن تاريخ آل سعود هو توضيحه للدور الكبير الذي لعبته قبائل عنزة الوائلية في هذه الدولة ، وهو الامر الذي تجاهله للأسف المؤرخون النجديون الذين لم يعاصرو الدولة السعودية الاولى مثل ابن عثمان بن بشر وابن عيسى .

ومن ابرز الحقائق التاريخية التي تكاد تنعدم عند ابن بشر والمؤرخين النجديين من بعده ونجدها عند بوركهارد :

1-اشارته الى ان عنزة الشمالية رفضت دفع الخوة للدرعية عنوةً ، والتزمت بدفع الزكاة الشرعية من منطلق ديني كونهم انضموا للدعوة طواعية .

2-اشارته لمكانة ابن هذال واسرة آل هذال امراء عنزة عند آل سعود ، وانهم أخروا الحملة المصرية على جزيرة العرب بسبب سطوتهم مما اضظر محمد علي باشا ان يقود الغزو شخصياً ، يقول بوركهارد وهو شاهد عيان معاصر:
" بسبب النفوذ الكبير لابن هذال زعيم البشر تاخر طوسون كثيرا في التقدم الى القصيم " أ.هـ
3-اشارته الى غزوات آل سعود الشمالية والتي تبناها سعود الكبير والدريعي الشعلان وهزيمة الاخير لجيش الباشا في العراق سنة 1809م مما جعل الدولة العثمانية تصرف نظرها عن ولاة العراق والشام حيث تاكد لديها ان هاتين الولايتين اضعف من ان يعتمد عليها في محاربة آل سعود ، والغريب ان ابن بشر المؤرخ النجدي اشار لهذه الحادثة وانها بين عنزة واهل العراق دون ان يشير لأي صلة بين الدريعي الشعلا وسعود الكبير .
4- اشارة بوركهارد الى الغزوة التي قام بها سعود الكبير الى كربلاء ، وحوران سنة 1810م ، وكيف اشتركت قبائل عنزة بها مثل الحسنة والرولة ،



-----(يتبع 3)

جلال الدرعان
03/07/11, (05:23 AM)
البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم . ومساعديه :البوفيسير آرش برونيلش . والبروفيسير فرنر كاسكل :



قبيلة عنزة :

أول قبيلة ابتدأ بها المؤلف في كتابه الآنف الذكر هي قبيلة عنزة في المجلد الأول ، وقد كتب عنها إجمالا ثم أفرد كتابات خاصة لقبائل عنزة الكبرى مثل العمارات والرولة والسبعة والفدعان والحسنة وولد علي وسوف نأتي على ذكرها تباعا أنشاءلله .



وإليكم ماقاله عن عنزة :

قبل أكثر من مائتي عام ، غادرت قبيلة بدوية شريطاً أرضياً مجدباً من الجزيرة العربية ، امتد من المدينة عبر منطقة الطفح البركاني حرّة خيبر في اتجاه الشمال الشرقي ، وبلغ أراضي المراعي الغنية ، التي تنبسط فيما وراء صحراء النفود الرملية ، وتقود إلى الأرض المحببة عند البدو : سورية وبلاد الرافدين . ملأ القادمون الجدد ، الذين سمّوا أنفسهم عنزة ، الصحراء السورية خلال بضعة عقود ، وتحولوا خلال فترة قصيرة إلى مصدر رعب بالنسبة إلى سكان الأراضي الزراعية . منذ ذلك الوقت ، شكلت عنزة أكبر قبيلة رحل في الشمال ، ودأبت على الظهور صيفاً في أرجاء سورية وبلاد الرافدين ، بصحبة قطعان جمالها ، والإنسحاب شتاء إلى جوف الصحراء ، بل والعودة – في بعض الأحيان – إلى موطنها القديم . لم تغير الحرب العالمية والمدنية الأوربية حياة عنزة إلا قليلاً .



وإذا كان اسمها قد فقد الكثير من إيحاءات الرعب التي لازمته ، فإن الحكومات ما زالت تعتبر عشائرها الكبيرة : الفدعان والرولة في الغرب ، والعمارات في الشرق ، عاملاً تحسب له ألف حساب .



تنتمي عنزة إلى أقدم قبائل الجزيرة العربية . ويمكن تتبع تاريخها إلى الحقبة الجاهلية . أما أقدم خبر عنها ، فهو حكاية خرافية تروي قصة رجل اختفى بينما كان يبحث عن القرظ ، وهي أوراق طلحية النوع تستخدم في الصباغة ، ولم يظهر له أثر بعد ذاك . هذه الحكاية تركت أصداءها في جميع اللهجات ، حتى صار يقال : " عندما يعود جامع القرظ من عنزة " ، أي عندما يأتي يوم لن يكون أبداً . يعتقد اللغويون العرب أنهم يعرفون من كان جامع القرظ هذا : إنه يَذُكر ، أحد أبناء أب القبيلة الأول . ويزعم المؤرخون أن الحكاية تجري في زمن سحيق محدد : فعندما كانت القبائل العربية تسكن موحدة في منطقة مكة ، شكل اختفاء يذكر ابن عنزة سبباً لحرب فرقتهم بعضهم عن بعض ، ونثرتهم في جزيرة العرب بأسرها . إن السياق الذي تندرج الحكاية فيه ، هو نتاج التفكير الإسلامي ، الذي أراد وضع مكة في موضع مركزي حتى خلال العصر الجاهلي . مع ذلك ، فإن افتراض قدم عنزة لا يمكن أن يستند إلى تعسف صرف ، خاصة وأن علم الأنساب يؤكده .



يدرج علم الأنساب عنزة في عداد عرب الشمال ، وأنهم من ربيعة . تقول شجرة نسب القبيلة : هو عنزة بن أسعد بن ربيعة . وتبين نظرة إلى الجدول الذي وضعه فوستنفيلد أن عنزة أقدم بستة أجيال من بكر وتغلب ، الممثلين الرئيسين لربيعة . هكذا يضفي علماء الأنساب طابعاً مشخصاً على عمر القبيلة .


أقرب معلومات متوفرة لدينا عن القبيلة تعود إلى العصر السابق مباشرة للإسلام . كانت عنزة آنذاك موزعة على منطقتين ، الأولى في الشمال الشرقي على حدود الفرات ،والثانية في اليمامة ، قلب شبه الجزيرة العرب . كانت عنزة الشمال قبائل رحلاً ، أما في وسط جزيرة العرب فكان قسم منها على الأقل مستقراً . ولم يكن للمجموعتين احتكاك سياسي فيما بينهما . كما جرى تاريخهما لاحقاً في دوائر منفصلة أيضاً ، فتحولت عنزة الشمال إلى أسلاف للقبيلة الحديثة ، وذابت عنزة اليمامة في قبائل شرق ووسط جزيرة العرب المستقرين .


كان بنو هزان القبيلة الرئيسة من عنزة في جزيرة العرب ، وكانت منطقتهم تقع جنوب المكان الذي يخترق فيه وادي حنيفة جبل طويق ، بين واحة الخرج الحالية وحريق . فيما بعد ، يرد ذكر عنزة في مناطق أبعد جنوباً ، حيث لا تزال ذكريات حكم قبيلة عنزة حية إلى اليوم في الأفلاج ، بل إن قرى عنزة وجدت إبان العصر الوسيط حتى وراء منطقة طويق ، في عمق الطائف ، وقد اندثرت تلك القرى عام 597 هـ / 1200 م


بسبب الطاعون ، عدا اثنتين منها . في حين هاجر الآخرون إلى الشاطئ الشرقي لجزيرة العرب ، وخاصة منهم فرع بني عتبة ( العتوب ) ، الموجود في الكويت وقطر وجزر البحرين ، وينتمي إليه البيتان الحاكمان في الكويت والبحرين . بالمقابل ، بقي بنو هزان تحت اسم الهزازنة في منطقتهم القديمة ، وبالتحديد في واحة حريق ، حيث يتكرر ذكرهم في الصحائف الوهابية التي تقول إنهم قاتلوا حتى عام 1913 م ضد حكام جزيرة العرب الحاليين .



يرتبط تاريخ عنزة الشمال ارتباطاً وثيقاً في الجاهلية وفجر الإسلام بتاريخ أقاربهم من قبيلة بكر . فقد كانتا تعيشان في منطقة واحدة ، إمتدت بين كربلاء الحالية ومصب الفرات في المنطقة الزراعية من العراق ، ووصلت جنوباً إلى المناطق الداخلية من شرق الجزيرة العربية مروراً بالمجرى الأدنى لوادي الرمة . كما تشاركتا سياسياً في اتحاد اللهازم ، الذي ضم عنزة وبعض قبائل بكر . ومع أن المسيحية حققت في القرن السادس تقدماً كبيراً بين قبائل الفرات الأدنى ، غير أن عنزة بقيت حتى ذلك الحين وثنية في غالبيتهم ، يعبدون الإله سعير ( سُعير ) ، ويشاركون قبائل أخرى من ربيعة عبادة المحرَّق ، الذي وجدت صورة له في السلمان ، جنوب ما عرف فيما بعد بالكوفة . لا يخبرنا التاريخ الإسلامي شيئاً عن اعتناق عنزة للإسلام ، وإن كان معروفاً أنهم شاركوا غيرهم من اللهازم في الردة في شرق الجزيرة العربية ، التي حدثت بعد فترة قصيرة من وفاة النبي ، وشكلت إحدى ظواهر الردة الجزئية : تلك الحركة الإنفصالية التي مثلت لبعض الوقت تهديداً جدياً لدولة الإسلام الفتية . إنفصلت عنزة عن بكر ، التي دخلت أفواجاً في الجيش الإسلامي وخسرتها البداوة ، بعد حروب الردة مباشرة ، بينما بقيت عنزة وفية لطريقة حياتها البدوية ، فلم يرحل غير قلة منها إلى رباط مدينة الكوفة ، مركز جيش الشرق ، التي تم تأسيسها سنة 17 هجرية / 638 ميلادية . غير أن الحملة التي اتجهت نحو الشمال مع انطلاق حروب الفتح ، تركت أثرها على عنزة أيضاً ، التي غادرت منطقة انتشارها وقدمت إلى عين التمر ، حيث واحة شثاثة قرب كربلاء ، وإلى الأنبار .



فيما بعد ، إنقطعت أخبار القبيلة طوال قرون عديدة ، قبل أن يذكرها نصر الاسكندري ( المتوفى عام 560 هـ / 1165 م ) من جديد ، فهو يقول إنها تسكن غرب جزيرة العرب في حرّة النار ، أو حرّة خيبر . ولا نعرف لماذا ذهبت القبيلة إلى هناك ، وإنما نظن أن ذهابها كان يرتبط بالهجرات أو الإنزياحات السكانية التي أحدثتها حملات القرامطة منذ عام 900م ، وخاصة منها هجرة العقيل إلى العراق ، التي أوصلت في القرن العاشر واحدة من عشائرها هي الخفاجة ، إلى منطقة انتشار عنزة قرب عين التمر والأنبار .


كانت ظروف حياة عنزة صعبة في موطنها الجديد ، لأن حرّة خيبر منطقة طمي بركاني فقيرة بالغطاء النباتي ، تخلو من أراض زراعية خارج واحة خيبر الخصبة ، حيث توجد ينابيع فجرتها البراكين . هذا الوضع ، جعل مشاركة عنزة في ملكية الواحة والحصول على جزء من محاصيلها مسألة حياة أو موت بالنسبة لها . يخبرنا ياقوت أن هذا حدث في زمنه ( توفي عام 1229م ) . وقد رسخت عنزة حقوقها بعد ذلك ، وإن اقتصرت منذ القرن الثامن عشر على تلك الأجزاء من القبيلة التي لازمت جزيرة العرب . وصف دوتي ، أحد الأوروبيين القلائل الذين زاروا الواحة العلاقة القانونية بين عنزة وفلاحي خيبر ، فقال إن ملكية القبيلة تنصب بالدرجة الأولى على نخيل التمر ، حيث يتقاسم مالكها محصوله مناصفة مع البدوي الذي يشاركه فيها ، دون أن يقدم له أي شيء بالمقابل ، ما لم يتعلق الأمر بغرس أشجار جديدة . يضيف دوتي : أن حقوق الطرفين تقبل التنازل عنها ، شريطة أن يتنازل البدوي عنها لأعضاء في القبيلة ، ويبيعها الفلاح إلى فلاحين دون غيرهم . تعتبر الينابيع ، بدورها ملك القبيلة ، أي ملك عائلات معينة منها ، يقدم أهالي خيبر لها حبوباً مقابل حق الانتفاع بها . أخيراً ، تشارك عنزة في البيوت أيضاً . هذه الظروف السائدة في زماننا أيضاً ، يمكن إرجاعها دون تحفّظ إلى العصر الوسيط ، لأنها لم تتشكل تحت حكم عنزة ، بل ترجع إلى فجر الإسلام : حين احتل النبي محمد خيبراً عام 7 للهجرة ، ألزم سكانها اليهود با عطائه نصف محصولهم .
لم يحدث أي اختلاط بين عنزة وسكان الواحة ، رغم علاقاتهم الوثيقة بهم ، لأنهم ــ وغيرهم من سكان واحات الحجاز ــ كانوا من أخلاط زنجية قوية . وإن كان دوتي يورد حكاية أسطورية تذكر سبباً آخر لانعدام التزاوج بينهما : عندما جاءت عنزة في الماضي إلى مقربة خيبر ، ذهبت ابنة الشيخ إلى المدينة تتعرف على قريناتها ، فرآها شاب ولا حقها واعتدى عليها وكان ذلك الشاب ابن زعيم خيبر . طلبت عنزة ترضية تمحو بها عارها ، فرفض الفلاحون طلبها ، بل ومنعوها من الوصول إلى ينابيع المياه . وفي صبيحة اليوم التالي ، إمتطى شيخ خيبر حصانه وجاء عنزة يدعوها إلى القتال . وعندما نشبت المعركة وقتل الشيخ وكثير من قومه ، إحتل البدو قرى المنطقة ، وأقسموا أن لا يزوجوا بناتهم من رجال خيبر ـــ لم يحم هذا القرار القبيلة من مماهاتها مع الخيبريين ، ولكن ليس مع الخبيرين الحاليين وإنما مع يهود الواحة القدماء ، الذين كانوا قد طردوا عام 20 للهجرة من جزيرة العرب . لكن العرب لا يتعاملون ، كما هو معروف ، بدقة مع الحقيقة ، حين يلصقون العيوب بجارهم العزيز وهكذا فهم يسخرون من عنزة بوصفهم " يهود خيبر " . كما أيد الأوربيون ، من جانبهم ، الأسطورة التي تجعل من العنزة يهوداً ، فزعم نيبور أن هناك ثلاث قبائل يهودية في خيبر هي : بنو مزيد وبنو عنزة وشحان ، وأخبرنا فيستشتاين عام 1865 م بسذاجة : " أن الأمير اليهودي الأخير ، الذي لا تزال أعمال النهب التي قام بها شرق سورية ملء الذاكرة ، يسمى حمدان ، وكان شيخ عشيرة عبدالله ، الذين قدموا قبل حوالي 80 إلى 90 عاماً من الحجاز إلى الصحراء السورية ، واعتبروا فرعاً من الرولة ، وأقاموا مضاربهم معها .
ثم أجبروا في مطالع القرن العشرين على التحول إلى المذهب الوهابي ، شأن جميع قبائل الرولة وولد علي ، لكنهم لم يعودوا إلى الموسوية من جديد ، حين انفصل الجميع عن المذهب من جديد بعد سقوط الدرعية " .



ليس من المعقول أن تكون منطقة انتشار عنزة قد اقتصرت على حرّة خيبر وحدها . يسجل ابن خلدون ، وابن سعد ( منتصف القرن الثالث عشر ) ، الذي يرجع ابن خلدون إليه عادة في ما يتعلق بتواريخ البدو ، أن عنزة عاشت في نجد أيضاً بجوار طي ، أي في القسم الداخلي من البلاد . ونستدل من أحد المصادر القليلة المعروفة حول تاريخ وسط الجزيرة العرب بين عصري القرامطة والوهابيين ، أن عنزة وصلت خلال القرن السادس عشر إلى القصيم . ويعتقد أن انتشارها غدا ممكناً بفضل هجرة قبيلة بني لام ، التي انتقلت آنذاك من شمال جزيرة العرب إلى العراق . بدورهم ، تقدمت عنزة في وقت مبكر إلى الشمال ، مثلما يظهر من اسم جفر عنزة ، النبع الذي ذكره ياقوت ، الواقع شرق العلا . أخيراً ، إحتلت القبيلة حوالي القرن الخامس عشر واحتين قديمتين جداً تقعان على طريق الحج هما واحة العلا




التي سبق ذكرها وواحة مدائن صالح .
تلقي المصادر من حين لآخر بعض الضوء على علاقات عنزة بالسلطات ، التي كانت قائمة آنذاك . وتقول إنها أبدت عام 666 هـ / 1267 م إستعدادها لدفع الضرائب إلى القاهرة ، لتتخلص ربما من الاتاوات التي كانت تؤديها إلى حكام آخرين ( شرفاء المدينة ؟ ) . أما في العصر العثماني ، فقد حصلت على حق الصرة ، العائد الجمركي الذي حرصت الحكومة على تأديته إلى حارسي طرق الحج ، وتلقت عام 1087 هـ / 1676م مبلغ 7116 تالر فضياً ، سدد منه 1054 تالر من الموازنة الأصلية ، ودفع الباقي في وقت لا حق . بما أن القبائل كانت تقابل تخفيض أموال الصرة أو الامتناع عن دفعها بغارات تشنها على قوافل الحج العائدة ؛ فقد نهبت عنزة عام 1112 هـ / 1703م الحجيج في منطقة الشريف الأكبر ، لأنه رفض دفع الصرة لها وألقى بعدد من أبنائها في السجن ، حيث مات قسم منهم . وقامت عامي 1115 هـ / 1703م و 1171 هـ / 1757م ، بغارات يشير موقعها ( معان ) إلى أنها كانت تتقدم آنذاك شمالاً .



بدا ت معالم توزع عنزة الجديد تظهر قبل الهجرة الكبيرة ، التي سبقت القسم الأخير من تاريخها . فقد حدد دوتي مناطق ترحال مختلف قبائلها ، وأخبرنا أن الجلاس ( الرولة ) تنقلت إلى الجنوب من حرّة خيبر ، بدءاً من المدينة مروراً بالحناكيه وصولاً إلى سميرا ، وقال إن أسماء الأماكن في محيط خيبر تحمل أسماءها ، ومنها وادي الجلاس وسوق الرولة . إلى شمال وشرق هذه المنطقة ، في منطقة وادي الرمة والقصيم ، سكن السبعة ، وسكن بعدهم العمارات : في جبال شمّر وحتى في شرق جزيرة العرب . أما مواقع قبيلة عنزة الرابعة الكبيرة ، أي الفدعان ، فهي غير معروفة ، وربما كانت تقع شمال الحرّة ، حيث يخيم الآن ولد سليمان ، المرتبطون حتى اليوم بالفدعان . إستولى ولد علي على غرب منطقة خيبر ، حيث لا يزال قسم منهم يسكن هناك إلى اليوم ، وإلى جوارهم على الأرجح الحسنة ، الذين تربطهم بهم صلة قرابة وثيقة .




لم يؤرخ أحد لا نتقال عنزة إلى سورية وبلاد الرافدين ، مع أنه أكثر أحداث تاريخ البدو الأحداث أهمية . إذا كانت المرحلة الأخيرة من حركة القبيلة ونتائجها واضحة أمام أعيننا ، فإن الغموض ما زال يلف بداياتها وأسبابها . وإذا كنا نحاول رسم تخطيط أولي لما جرى ، فلأن علينا ، بادئ ذي بدء ، تحرير أنفسنا من تصور قد يزين لنا أننا حيال حدث فريد في نوعه وخارق ، ولأننا نعلم أن ضغوط الحكام والمجاعات هي التي كانت تدفع البدوي إلى ترك موطنه ، مثلما حدث حينما كانت عنزة الحجاز ترحل من حين لآخر إلى حوران ، وكذلك آباؤهم الأولون الذين نصبوا مضاربهم وخيامهم على حدود سورية أو ضفاف الفرات ، قبل هجرتهم الكبيرة بوقت طويل . مهما يكن من أمر ، فقد فشل الأسلاف وتابعوهم في تثبيت أنفسهم بصورة خاصة ، بما أن الموالي ، الذين سيطروا على شمال الصحراء السورية ، كانوا يتقهقرون منذ نهاية القرن السابع عشر ، بينما كان الغازية يفكرون في ترك ما وراء كربلاء من أراض والانتقال إلى الجهة الأخرى من الفرات .




يرد أول الأخبار حول ظهور عنزة في الشمال بعد عام 1700م ، الذي سنعتبره أقدم فترة زمنية لهجرتها ، التي أوصلتها عام 1703م إلى معان ، وعام 1705م إلى الفرات . ومع أن مرويات القبيلة تحدد فترة أقدم بعض الشيء ، فقد ذكر شيخ الفدعان مقحم " مجحم " ابن مهيد عام 1913م أن أسلافه كانوا يسكنون خيبر قبل ثلاثمائة عام ، وعد فرحان ابن هديب عام 1899م سبعة أجيال من السبعة منذ غادرت خيبر ، فإن هذه التواريخ لا تتفق مع تواريخ ظهور القبيلة في سورية .




إستمرت الهجرة فترة تربو على القرن . كانت الحسنة والفدعان وولد علي أقدم القبائل التي بلغت الأراضي السورية . وانتهت ـــ الهجرة ـــ مؤقتاً بوصول الجلاس ( الرولة ) ، التي يجب أن تكون قد تمت في الثلث الثاني من القرن الثامن عشر ، حين استكملت القبائل الثلاث الأولى في تلك الحقبة تقريباً إحتلال مناطق انتشارها الصيفية الحالية ، فسكنت الفدعان السهب الشمالي بين حلب والفرات الأوسط ، والحسنه الفسحة بين حمص وتدمر ، وولد علي سهل حوران . أما الجلاس ، فكانوا آنذاك في الحماد ، حيث اقتصر انتشارهم على السهب بين بادية تدمر والنفود ، وإن تقدموا من حين لآخر إلى سهل حوران أو عبروا الفرات . ثم بدأت حوالي عام 1800م حقبة هجرة جديدة ، من آثارها الضغط الذي مارسه الوهابيون في الشمال منذ حوالي 1790م ، وأدى إلى فرار السبعة من وسط جزيرة العرب إلى الأراضي الواقعة شرقي حماه حيث لا زالوا إلى اليوم . وإنه لمن المشكوك فيه أن تكون القبيلة قد حققت بذلك هدفها الأصلي وهو التخلص من إزعاجات الوهابيين ، الذين وصل جباة ضرائبهم إلى الفدعان ، أبعد قبائل عنزة شمالاً ؟ . هاجرت العمارات آنذاك أيضاً من مواطنها في شرق جزيرة العرب إلى الشمال . لكن هجرتهم لم تكن هرباً ، بل قدموا تحت رايات الوهابية ، فأزاحوا الجلاس عن الفرات ، واستولوا تدريجياً على القسم الشرقي بأكمله من الصحراء السورية ، وإن بقيت أقسام قوية منهم في موطنهم القديم ، ولم تغادر القصيم موقعها إلا في ستينيات القرن التاسع عشر .
خاضت عنزة خلال تقدمها في الصحراء السورية معارك كثيرة . وهناك حكاية تصف الحرب الدموية التي اضطرت إلى خوضها ضد الموالي : سادة الشمال آنذاك .




بالمقابل ، يبدو أن احتلال سهل حوران لم يترك أي أثر يذكر في تقاليد القبيلة .
نريد الآن تصحيح ادعاء ورد أول مرة لدى فون بلنت ، ثم تسرب إلى معظم الكتابات الحديثة عن عنزة . يقول فون بلنت ، أثناء الحصار الثاني لفيينا ( 1683م ) ، وبينما كانت الحدود الجنوبية للإمبراطورية العثمانية بلا حراسة ، تقدمت شمّر من الجنوب إلى الفرات عبر الصحراء السورية . بعد عشرين عاماً ، تبعتها عنزة وطردتها بالتحالف مع الموالي إلى بلاد الرافدين ـــ لا تورد محكيات القبائل ولا إخباريات الرحالة القديمة ، سواء لدى نيبور أو بوركهاردت ، أي شيء عن هذه الأحداث ، التي تناقض كل ما نعرفه عن تاريخ القبيلتين . ذلك أن شمّر ، التي سكنت جبال شمال جزيرة العرب المركزية ، لم تعش في الحماد ولم تسكن أبداً بادية تدمر ، بل عاشت على حافة الصحراء السورية ، الممتدة على الفرات من الفلوجة إلى النفود . إلى هذا لم تدفع عنزة في القرن السابع شمّر إلى بلاد الرافدين عبر الفرات ، وإنما فعل ذلك الوهابيون حوالي عام 1800م . وسنتحدث عن ذلك بالتفصيل في الفصل القادم .




ثمة أمر واحد صحيح في أقوال فون بلنت ، هو أن شمّر وعنزة قبيلتان متعاديتان أباً عن جد ، ويرجع عداؤهما إلى الفترة التي كانتا تسكنان فيها جزيرة العرب ، وربما إلى وقت أقدم . عندما ارتحلت في وقت لا حق عنزة وقسم من شمّر نحو الشمال ، تزايدت مساحات الاحتكاك بينهما : فقد كانت الرولة حتى الأمس القريب في عداء شديد مع شمّر نجد في أقصى الجنوب بسبب منابع مياه ومراعي النفود ، واصطدام الفدعان بعيداً إلى الشمال بشمّر بلاد الرافدين ، الذين حاولوا ترسيخ وجودهم هناك . بين هذين الميدانين الرئيسيين للحرب ، الممتدين من خط جبل شمّر إلى أورفة ، كانت تحدث من حين لآخر غزوات سلب ونهب في الاتجاهين .
ثمة أعداء ألداء آخرون لعنزة هم سكان جبل حوران والصفاء ،و خاصة منهم الدروز . ولا عجب ، إذن ، أن تكون عنزة قد تبنت سلوكاً موالياً للحكومة خلال الانتفاضات التي قام بها الدروز ، ومنها ثورتهم الأخيرة على الفرنسيين عام 1925/1927م .




تقاتلت قبائل عنزة مرات عديدة بعضها ضد بعض أيضاً . ثمة صراع عام منذ أقدم الأزمنة بين البشر ، الذين ينتمي إليهم الفدعان والسبعة والعمارات ، وبين ضنا مسلم ، أي الحسنه وولد علي والجلاس ( الرولة ) ، أو بلغة جغرافية بين القبائل المخيمة على خط الفرات وتلك التي تخيم في سورية الأصلية . في المجموعة الأولى ، يشكل السبعة مجرد تابع سياسي للفدعان ، بينما يستقل العمارات بأنفسهم . لكن القبائل الثلاث هم " أصحاب " لذلك فهي لا تغزو بعضها بعضاً . في حين تخضع المجموعة الثانية لهيمنة الرولة منذ وقت طويل . بالمناسبة ، يتقاطع تجمع بشر ـــ ضنا مسلم في أحيان كثيرة مع تكوينات أخرى . من ذلك ، مثلاً ، أن تحالف السبعة ( بشر ) والرولة ( ضنا مسلم ) سيطر على موقع الحسنة في سورية .
وقد حدثت نزاعات دامية داخل الضنا مسلم
، وخاصة في الخمسينيات من القرن التاسع عشر ، عندما انتزع الرولة من ولد علي حق الرعي في سهل حوران .




عنزة بدو رحل ومربو جمال ، وإن رجحت منذ وقت طويل تربية الخراف لدى الحسنه وولد علي دون غيرهما ، وتقدمت بخطى ثابتة منذ العشرينيات لدى الفدعان والرولة ـــ يتطلب اقتصاد تربية الجمال مراعي واسعة ، يتم اجتيازها في تكرارية منتظمة تتبع وتيرة الفصول ؛ تضم منخفضاتها ووديانها الماء والمرعى شتاء ، وتقدم وديانها النهرية في بلاد الرافدين ، وأشرطتها الحدودية في المنطقة الزراعية السورية ، أماكن توقف ملائمة في مطالع العام ، وعندما تكون الشمس قد حولت السهب إلى صحراء ، تصل عنزة إلى الحقول ، وبمجرد أن يجني الفلاحون محاصيلها ، تغادرها في شهر أيلول إلى أطراف المنطقة الزراعية ، حيث تمكث بانتظار أمطار الخريف الأولى ، التي تهطل عادة خلال تشرين الأول أو الثاني ، قبل أن ترجع إلى السهب من جديد . لا تغري الحاجة إلى المراعي وحدها عنزة بالذهاب إلى الأرض الزراعية ، وإنما تقصدها أيضاً من أجل تصريف منتجاتها وشراء مؤونتها الشتوية من الحبوب ، والحصول على غذائها من التمر ، الذي تشتريه اليوم من شثاثة (( شفاثة )) ، واحة العمارات إلى الغرب من كربلاء ، وكانت تشتريه في الماضي من أماكن تقع داخل البلاد . كان الفدعان والعمارات يظهرون في مطلع القرن التاسع عشر بصورة دورية ، وكان الرولة وحتى الحسنه يظهرون من حين لآخر أمام النجف وكربلاء ، ويبعثون من هناك بقوافل ضخمة ـــ تحدث بعضهم عن أربعة آلاف جمل ـــ من أجل التسوق ، تصل حتى الحلة والديوانية .





كانت عنزة تؤجر جمالها لمن يريدون ترحيل محاصيلهم من الحقول ، ومن أجل عمليات النقل الحكومية والمشاركة في رحلات الحج . فيما بعد ، حدّ دخول وسائل النقل الحديثة من فرص الكسب هذه ، وجف منبع آخر من منابعه بعد الحرب العالمية ، هو الخوّة بأنواعها ، التي كانت تدفعها قبائل الرعاة قبل كل شيء ، المصاحبة لعنزة خلال ترحالها الشتوي ، ويؤديها كذلك قسم من السكان نصف المستقرين على تخوم الفرات الأوسط ، وقرى حوران والجولان ، والمواقع الطرفية من سورية كصدد والقريتين وتدمر . ويقال إن حمص وحماه كانتا تدفعان هذه الإتاوة أيضاً . أخيراً جف مصدر الكسب الثالث ، ألا وهو رسوم مرور القوافل ، التي كانت تدر عائدات كبيرة في القرن الثامن عشر ، بسبب ازدهار التجارة القارية . وتوقفت ، في النهاية ، موارد الصرة ، التي كانت حكراً على ولد علي .




كانت عنزة تستقل بنفسها في العصر التركي ، عندما تقوم بترحالها الشتوي ، قبل أن تعود خلال فصل الصيف إلى قبضة الحكومة ، التي كانت تستطيع عندئذ منعها من بلوغ الأسواق والمراعي ، ومنعتها من حين لآخر بالفعل ، لإجبارها على دفع الودي ( البدل ) ورسوم المراعي ة والأسواق ، ضمن مناطق معينة . أدت إقامة عنزة في الأراضي الزراعية إلى منازعات كثيرة مع السكان الأصليين ، أحجمت الحكومة عن التدخل فيها بوجه عام ، ما لم تهدد مصالحها المالية . عندئذ ، كانت الوسائل التي تستخدمها معروفة ، تقتصر أساساً على تحريض شيخ ضد آخر وقبيلة ضد أخرى ، واستدراج زعماء عنزة إلى كمائن وأفخاخ ، مع ما في ذلك من انتهاك لحقوق الضيف .
تصاعد نفوذ الحكومة على عنزة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، بحيث أخذ باشا دمشق يتحكم في ترحال الرولة الصيفي عام 1878م ، مع بروز تطلعات رسمية إلى حرمانها من حياة الترحل . صحيح أن محاولة أرسلان باشا ( متصرف دير الزور حوالي عام 1870م لتوطين السبعة قرب الدير قد أخفقت ، لكن قبيلتي ولد علي في حوران والحسنة قرب حمص بدأتا تمارسان الزراعة في نهاية القرن ، بعد أن ساد الأمن المنطقتين . وتحول عنزة الكبار جميعهم إلى ملاّك قرى وأراض أهداها إليهم السلطان عبدالحميد ، وشدتهم الحكومة إليها خلال منحهم مناصب والقاباً وقروضاً مالية .




جسد الباشاوات في نظر عنزة الدولة التركية . وجسدها كذلك أصحاب السلطة في شمال جزيرة العرب ، أي أمراء جبل شمّر من بيت ابن رشيد ، وحكام حائل منذ عام 1838م ، وملاك واحة الجوف ، الذين كانوا يستطيعون التحكم بالرولة ، لحاجتها إلى الواحة كقاعدة شتوية لها . وهكذا ، كان محمد بن رشيد ( 1896م ـــ 1838م ) يستطيع فرض سلطته على العمارات والسبعة أيضاً ، وإن كانت الصراعات الدموية التي نشبت بين أخلافه فيما بعد قد قوضت مكانة بيت آل رشيد ، بينما كانت مملكة الوهابيين ، التي خيل للبعض أنها ماتت ، قد عادت إلى الحياة من جديد في الجنوب ، بفضل عبقرية ملك جزيرة العرب الحالي ، عبدالعزيز آل سعود . فهم الشعلان ، أسرة شيوخ الرولة ، كيف يفيدون من هذا الوضع ، فاستولى نواف ، ابن الشيخ نوري ابن الشعلان ، على واحة الجوف بانقلاب أنجزه عام 1909م ، أدى إلى استعار الحرب من جديد بين عنزة وشمّر في الموقع عينه ، بعد أن كانت قد خمدت طوال عقود .




كانت القوى السياسية في الصحراء السورية وشمال جزيرة العرب موزعة قبل انفجار الحرب العالمية على النحو التالي : إستمر التناقض في الشمال بين البشر ( فدعان والسبعة ) وبين الضنا مسلم بقيادة الرولة ، وهو تناقض غذاه الأتراك وعملوا على إبقائه حاداً . وتواجه الرولة وابن رشيد في الجنوب بعدائية متعاظمة ، بينما شل آل سعود حركة ابن رشيد . في هذه الظروف ، حددت عنزة موقفها في ضوء سلوك مملكتي الواحات في الجنوب ، الذي تحدد منذ البداية بميل آل سعود إلى الإنجليز ، لأن مرفأهم عجير (( عقير )) كان في مرمى مدافع سفنهم ، وبولاء ابن رشيد للأتراك ، الذين كانوا يستطيعون قطع الامدادات ، التي تصله بواسطة سكة حديد الحجاز ، وتلك التي تأتيه من العراق . هذا الوضع ، أجبر الفدعان والسبعة على إقامة علاقة ودية مع الحكومة ، وفرض على الرولة علاقة عدائية حيالها ، عززتها أسباب شخصية : منها أن الشيخ نوري ابن الشعلان لم ينس أبداً السجن التركي الذي أجبر على قضاء عامين فيه ، وأن ابنه نواف أصيب بعدوى الدعاية القومية العربية المؤيدة من المحور . على كل حال ، تعينت سياسة الصحراء في الشمال بمشاغل شخصية مباشرة أول الأمر : وما إن دخلت تركيا الحرب في تشرين الأول من عام 1914م ، حتى فرت القبائل بأقصى سرعة من الأراضي الزراعية ، كي لا تدفع ضرائب حربية وتتعرض أملاكها لمصادرات الحكومة التي كانت قد بذلت جهوداً مكثفة استهدفت إقامة سلام عام بينها ، تستطيع معه التفرغ لحملاتها الحربية في سيناء والعراق ، وهو ما تحقق بالفعل مطلع عام 1915م . في سنوات الحرب اللاحقة ، بدأ التكوين السياسي الذي رسمنا صورته ، يؤثر في عنزة ، فانضم العمارات ، أي عنزة الفرات ، إلى الانجليز بعد استيلائهم على بغداد ( 11 آذار 1917م ) ، وتكفلت مجاعة عام 1917/1918م بإخضاع أجزاء كبيرة من الفدعان والسبعة لنفوذهم ، ولم يأت عام 1918م إلا وكان مائة ألف بدوي ينصبون خيامهم بجوار واحة شفاثة . بينما كانت منطقة عنزة الغربية قد تحولت بدورها إلى ساحة حرب ، إذ كان الحجاز في حالة عصيان تام منذ عام 1916م ، وتقدمت قوات الشريف حسين عام 1917م من مكة إلى شرق الأردن ، بقيادة ابنه فيصل ولورانس . في حمأة هذه التطورات ، إمتنعت الرولة عن الاشتراك في القتال ، ولم تنخرط في العمليات الحربية إلا في أيلول من عام 1918م ، عندما كانت المقاومة التركية قد تقوضت تماماً . وقد دخل شيخهم نوري ابن الشعلان في تشرين الثاني من العام ذاته إلى دمشق بصحبة الجيش العربي / الانجليزي .
لا حق زعماء عنزة مصالحهم بحنكة كبيرة ، أثناء لعبة الدسائس التي انصبت على تركة الإمبراطورية العثمانية ، فاتخذوا موقفاً يتسم بانعدام الثقة بمملكة فيصل الوليدة ، حتى أن ابن سُمير ، شيخ ولد علي ، منح صوته للانتداب الفرنسي خلال الإستفتاء الشعبي الذي جرى في تموز من عام 1919م ، وأخذ يتقرب من الفرنسيين ، عندما كان هؤلاء لا يزالون بعد في بيروت . أما نوري ، الذي حافظ على ولائه لفيصل ، فلم يشارك في المعركة ضد الفرنسيين على أبواب دمشق ، وأعلن بعدها مباشرة ولاءه لهم . بدورهم ، بقي العمارات موالين للانجليز ، حتى الفدعان أنفسهم حيال قرار صعب ، بسبب حرب الحدود التي نشبت عام 1920م . ووجد الفدعان أنفسهم حيال قرار صعب ، بسبب حرب الحدود التي نشبت عام 1920م بين الفرنسيين والقوميين الأتراك في شمال سورية ، حيث راهن شيخهم مقحم (( مجحم )) ابن مهيد على الورقة التركية . أخيراً ، شعر الرولة بالضيق من تقدم آل سعود ، في جنوب منطقة عنزة . عندما كانت مملكة ابن رشيد قائمة ، كان آل سعود حلفاء طبيعيين للرولة . غير أن ذوبان حائل ( سقطت مطلع تشرين الثاني من عام 1921م وإمارة شمّر في الدولة الوهابية ، غير علاقتهما ، خاصة بعد أ ن احتل ابن سعود واحة الجوف واستولى على الكاف وقرى الملح الأخرى في وادي سرحان ، التي كانت مصدر موارد مالية كبيرة بالنسبة إلى شيوخ القبيلة ، وقد زاد من حنقهم أن دعايات الأخوان الدينية أوهنت روابطها . في هذه الأجواء ، لم يجد نوري ابن الشعلان مفراً من إجراء مفاوضات شخصية مع ابن سعود ، الذي كان قد أعلن نفسه في هذه الأثناء ملكاً على الحجاز . ذهب نوري عام 1925م إلى مكة ، لكنه قوبل بجفاء ، كما يقال . لكن علاقته مع آل سعود ما لبثت أن تحسنت فيما بعد ، حتى أنه زوج قبل فترة قصيرة حفيدتيه من الملك وابنه البكر .




أدى قيام نظام الدول الجديد في الشرق الأدنى إلى توزع عنزة على منطقة الإنتداب الفرنسية في سورية ، ومملكة العراق ، وإما شرق الأردن التابعة للإنتداب الانجليزي في فلسطين ، ومملكة الحجاز ــــ نجد . ولأن مناطق انتشار القبائل المختلفة تتقاطع مع الحدود ، فقد صار الفدعان والسبعة والرولة رعايا فرنسيين ، والعمارات عراقيين . باستثناء بعض الخارجين على القبيلتين الأخيرتين ، ممن يعيشون بصورة دائمة في نجد ، ثمة اتفاقات رسمية تنظم انتقال قبائل عنزة عبر الحدود وتضمن حقوقهم التقليدية في استخدام مراعي " الخارج " . أدى هذا النظام إلى بعض الحوادث ، التي لم تكتسب أبداً أهمية تتخطى مناطقها ، إذا ما غضضنا الطرف عن حرب الحدود بين العراق ونجد ، التي تجاهلتها الحكومات عن قصد . تراقب الدول الجديدة الصحراء السورية بواسطة وسائط النقل الحديثة ، وتعتبر الطائرة سلاحاً فتاكاً ، ولا يحد من فاعليته أن عنزة صارت أفضل تجهيزاً من ذي قبل . وللعلم ، فقد تغلب الفرنسيون عام 1929م دون كبير عناء على الاستعار الأخير لنار الخلافات بين بشر وضنا مسلم القديم . وبسبب تقييد حريتهم ، يشعر زعماء القبيلة بمرارة الظروف الجديدة ، التي لا يستطيعون تغييرها ، والتي أفضت إلى إفلات زمام السلطة على الصحراء من أيديهم .



---- (يتبع 4)

جلال الدرعان
03/07/11, (05:29 AM)
فــــدعــــان


حصل الفدعان خلال الهجرة الكبيرة على مراع صيفية في المنطقة إلى الشرق من حلب وحماه . ومر حوالي مائة عام دون أن يكدر صفو امتلاكهم هذه البقعة مكدر ، ثم اجبرتهم عوامل كالنمو السكاني المتزايد والزراع المتعاظمة على النزوح نحو الشرق . اما الدافع الأول الذي حملهم على الهجرة فهو حرب الاخوة ، التي نشبت بين المجموعتين اللتين ينقسم الفدعان إليهما :اي الولد والخرصة وارغمت الأخيرة على عبور الفرات عام 1800 م والبقاء على الجانب الاخر منه ، داخل بلاد الرافدين. لكن الولد لحقت بهم مع نهاية القرن ، رغم انها لم تتخل ، مع ذلك ، عن منطقتهما السورية ، التي ما لبثت ان اخلتها شيئا فشيئا بعد الحرب العالمية. وما ان جاء عام 1935 م ، حتى كانت قبيلتا الفدعان والسبعة تقيمان مضاربهما في الجزيرة الشرقية .




يقع مركز الولد في عين عيسى ، الى الغرب من اعالي البليخ الذي يشكل مجراه حدودهم الشرقية تقريبا . بينما تتخطى الخرصة البليخ وتصل الى الخابور تقريبا . تجتاز القبيلتان مطلع ايلول من كل عام الفرات الى الصحرائ السورية .


بعبورهم الى بلاد الرافدين ، جاورت الفدعان الشمريين المقيمين هناك . صحيح انه لم يقع بينهما نزاع على مناطق الرعي ، لان شمر تنصب خيامها على الخابور بوجه عام ، لكن حالة الحرب الموروثة منذ قديم الزمن بين القبيلتين تواصلت ، وان قطعتها في بعض الاحيان اتفاقات معينة بين مجموعات خارجة عليهما –طلبت خرصة نفسها حماية شمر حين اجتازت الفرات لاول مرة .
كما تواصلت غزوات السلب والنهب المتبادلة بين الجانبين بعد الحرب العالمية ، الى ان وضعت سلطات الانتداب الفرنسية حدا لها ، حين فرضت في تشرين اول من عام 1926سلام دير الزور على القبائل .



اخذت القبائل الصغيرة على البليخ ، كالبوعساف والمشهور ، تدفع الاتاوات الى الفدعان ، وكانت الولدة والبوخميس قد سبقتها الى ذلك في سورية . بالمقابل حافظ الجيس الاقوياء (حول حران) على استقلاليتهم . اما جيرانهم الشماليون في اتحاد الملي الكردي، الذين اتخذول من ويرانشهر مركزا لهم ، فلم يجرؤ الفدعان على التحرش بهم الا نادرا .



قرر الصراع بين البشر والضنا مسلم سياسة الفدعان في سورية ، الذين جعلوا من انفسهم اعداء ألداء للرولة ، وخاضوا عام 1877م حربا ضدها – سنعرج لاحقا على صلتها بمصير شيخي الفدعان جدعان وتركي بن مهيد- انتهت الى اتفاقية سلام احتفالية عام 1900م ، ولم تحل بدورها دون وقوع غزوات متكررة بين قبيلتي عنزة هاتين ، في فترة قيامنا بحفريات تل حلف (1911-1913م) 00و مع ان الحرب العالمية ادت الى شيء من الانفراج في علاقة القبيلتين ، فان هذه ما لبثت أن تكدرت من جديد . أراد الفرنسيون تطبيق سلام دير الزور على الفدعان والرولة انضا ، لكن هذا لم يصمد طويلا . عندما حدثت اصطدامات بين الرولة والسبعة في شباط من عام 1929م، انحاز الفدعان فورا الى الاخيرين ، لذلك يستبعد ان يدوم السلام الاحدث ، الذي عقد عام 1930م بينهما ، فترة طويلة .



لم تخل حياة الفدعان من توترات سياسية داخلية ، نظرا لاستقلال الولد والخرصة ولان علاقات اسر شيوخهما ، ابن مهيد وابن قعيشيش ، ليست في احسن حالاتها . وقد مرت القبيلتان في اوضاع حربية احيانا ، كما حدث عام 1921-1923م اثناء الحرب العالمية ، انضمت مجموعة جديدة الى المجموعتين القائمتين ، تشكلت حين تبع قسم من الولد الشيخ الشاب مقحم ((مجحم)) ابن مهيد ، وبقي قسم اخر على ولاءه لخاله حاكم ((حاجم)) .



برزت المجموعات الثلاث ، في الفوضى التالية للحرب ، كمجموعات منفصلة بعضها عن بعض فانضم ولد الشيخ مقحم ((مجحم )) الذين كانوا يخيمون على الجانب الايمن من الفرات ، الى الفرنسيين ، وعندما احتل هؤلاء حلب عام 1920م .وانحاز حاكم ((حاجم)) بالمقابل الى القوميين الابراك، الذين عملوا منذ خريف عام 1919م ضد الفرنسيين شمال سورية وبلاد الرافدين . اما مهيد بن قعيشيش ، شيخ الخرصة وعدو الفرنسيين المعلن فقد حالت الغيرة القبائلية بينه وبين الانضمام الى حاكم ((حاجم)) .تمسك شيخا الولد بسياستهما فقام حاكم (حاجم) منذ بداية عام 1921م بازعاج الفرنسيين انطلاقا من معسكره في الرقة بينما غطى مقحم ((مجحم)) القوات الفرنسية الضعيفة المرابطة في موقع دير الزور البعيد . اما الشيخ مزود فقد تخلى عن موقفه المستقل والتحق في ايلول من العام ذاته بالمعسكر الفرنسي . وكانت الخرصة قد قامت قبل اشهر من ذلك باعمال عدائية ضد ولد حاكم ((حاجم)) فقد مزود احد اولاده خلالها .بعد اتفاقية انقرة (تشرين الاول عام 1921م) التي اعادت السلام من جديد الى حدود سورية الشمالية انتقل حاكم ((حاجم)) بن مهيد وانصاره الى الاراضي التركية ثم التحق في وقت لاحق بالفرنسيين ولان مجموعته خيمت فيما بعد بين قلعة جعبر وجبل عبد العزيز ، في منطقة الانتداب الفرنسية ، الى ان انحلت بموته عام 1927م.


تعززت كثيرا سلطة الحكومة على الفدعان في السنوات الاخيرة: فامكن عام 1928م استبدال ضريبة الودي (1) بضريبة عينية تدفع غنما (2) وكانت تقتصر في العصر التركي على قبائل يصف الرحل دون غيرها. فضلا عن ذلك فإن الولد يصبحون يوما بعد يوم اميل الى الهدوء والسلم بينما يحافظ الخرصة على طبيعتهم البدوية .



http://a1.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc4/36998_103036519747530_100001235470710_15194_248562 9_n.jpg
الشيخ مقجم بن تركي بن جدعان بن نايف بن مهيد (شيخ الفدعان ) عندما تم تكريمة من قبل الدولة الفرنسية بوسام الفرنسي الملكي 1926

http://a2.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc6/254507_193473354037179_100001235470710_564684_3889 239_n.jpg
من يمين الصور الشيخ محمد ب تركي بن مهيد والشيخ مقحم بن تركي بن مهيد وعمهم الشيخ حاكم بن مهيد تصوير المستشرق الالماني ماكس فون أونهايم عام 1988م


أسر شيوخ الفدعان


أسقطت أسرة ابن غبين أسرة شيوخ الفدعان القديمة ، حوالي منتصف القرن التاسع عشر . ومنذ ذلك الحين يفتقر الفدعان إلى قيادة موحدة مع أن أسرة شيوخ الولد تمارس نفوذا قويا على القبيلة بمجموعه .
ينحدر المهيد من اصول تتمتع بقدر عظيم من الاحترام . ويدينون بسلطتهم الى جد الشيخ الحالي جدعان الذي انتزع في الخمسينيات وهو شاب بعد السيطرة على الولد من جاعد بن حريميس .
امضى جدعان حياته في حروب متواصلة .فقد كان قائدا حربيا بالولادة ، اظهر حنكة خاصة خلال هجوم مباغت شنه على الاتراك عام 1857م ،ومن ثم عندما اجتاز يقبيلته وقطعانها الفرات ، وانزل ضررا شديدا بالعدو .
ثمة مسحة من الرومانسية تميز علافة جدعان بعبد الكريم ، شيخ شمر: ذلك ان ثأرا دمويا اضطر والد جدعان الى طلب الحماية في خيمة صفوق زعيم شمر ، فترعرع جدعان وعبد الكريم معا .حافظ الرجلان على اواصر الصداقة التي انعقدت في شبابهما رغم المعارك التي اضطرا الى خوضها ضد بعضهما البعض .ويحكى ان عبد الكريم اهدى جدعانا حصانا سريعا كان قد انقذ حياته خلال معركة فاشلة مع الفدعان وارفقه برسالة تقول انه سيعرف كيف يثار لهزيمته وهو ما حدث في الاشتباك التالي ، الذي نجا جدعان خلاله بفضل هدية عدوه النبيل .
بلغ جدعان اوج فوته في سبعينيات القرن حين صار قائم مقام العربان في حلب ونال لقب البيك المرتبط بهذا المنصب وتلقى قرى واراضي عديدة في جبل شبيث من الحكومة .انتهت حياة جدعان مثلما بدات بالحرب : فقد جاءت الرولة عام 1877م الى الشمال حيث تكاثرت قطعانها بفضل سنوات من الرعي الجيد وصارت منطقتها اضيق من ان تفي بحاجاتها واحتلت مراعي السبعة في حماه و، بعد ان نالت موافقة السلطان عن طريق دفعات بلغت ضعف ماكان السبعة قد حددوه من رسوم للتسوق والرعي . عندما ارادت السبعة الدخول الى المنطقة طردتهم قوات تركية مسلحة ونهبت معسكرهم. عندئذ عينوا جدعانا عقيدا لهم بسبب افتقارهم الى قادة ملائمين وبدأوا الاعمال العدائية ضد الرولة التي حاولت تكرار ماقامت به في العام المنصرم خلال رحلة ربيع عام 1878م، فوجدت الطريق مغلقا واضطرت الى التخلي عن مشروعها ولم يشهد جدعان نهاية هذه المعارك لانه توفي مطلع الثمانينيات.
واصل تركي ابن جدعان الجرب ومنذ ان كان فتى شحن صدر ابيه بالغم بسبب تخيلاته وميله الى المبالغة في تقدير نفسه(2) واثار تركي الرولة بغزواته ودفعها الى طلب دمه. وقد وجد صهره الاريب سطام بن الشعلان نفسه مكرها على القيام بهجوم معاكس وارسل الى تركي يبلغه سرا بالخطر المحدق به. لكن هذا استخف بالتحذير وقبع في معسكره ينتظر بهدوء قوى العدو المتفوقة . وقد سقط في عراك بالسلاح الابيض (1887م)وصفه شاعر الرولة خلف الاذن في ابيات مفعمة بالمبالغة ، تزعم انه هو الذي عاجله بالطعنة القاتلة . استعرت بعد موت تركي الحرب بحدة وبصورة مضاعفة ، وفشلت الرولة في اقامة السلام من بعده . ولم يعقد الصلح ويتم التغاضي عن الدم المسفوح (1900م) إلا بعد تدخل "المحايدين" من أمثال ابن مرشد وابن هذال . رفضت اخت تركي "رفعا" التنازل عن حقها في الثار .وعندما علمت ان احد قتلة تركي حل في معسكرها، انقضت عليه على خيمة الضيوف ورمته بطلقة من مسدسها فاصابته بجرح خطير .
خلف تركي وراءه ولدين صغيرين مقحم((مجحم)) ومحمد وابن عم في التاسعة عشر من عمره هو حاكم((حاجم)) الذي ترعرع في خيمته. هذا القريب نصبته اسرة مهيد شيخا لها كما اعترفت به الحكومة ايضا ثم تلقى في وقت لاحق الالقاب ذاتها التي كانت لجدعان .تتضمن وثائق تنقيباتي في تل حلف الأنطباعات التي حصلت عليها عندي زيارتي لحاكم .وقد قال جابر فيها : إن العلاقة بين حاكم((حاجم)) وقريبة الفتى الذي كان يجب ان تؤول المشيخة اليه قانونيا، كانت طيبة جدا حين زرتهم في معسكر عين عيسى (في ايار من عام( 1913م) . كان حاكم ((حاجم)) متزوجا بابنة فارس شيخ شمر بعد ان طلق زوجتين سابقتين كانتا ابنتين لتركي، فعاشتا في خيام اخوتهما.وكان رجلا متوسط القامة، له لحية سوداء مدببة وطليقة نحيف الجسم مع انحناءة خفيفة في الظهر كيس وذكي وحكيم. انه القائد السياسي بينما يحتل ابن عمه الشاب محمد موقع العقيد بمظهره الذي يدل على انه رجل حرب حقيفي . أما شقيقه الأكبر مجحم فيعطي انطباعا بأنه بارد الأعصاب إلى ابعد الحدود. وعلى رغم انه لا يشارك إلا قليلا في الحروب فان اسمه يرد كثيرا في تاريخ قبيلته والبدو الآخرين".
تولى مقحم ((مجحم)) بالاتفاق مع حاكم((حاجم)) قيادة قسم من القبيلة قبل الحرب مباشرة. وقد تكاثر انصاره بسرعة الى درجة يمكن معها اعتباره الزعيم الحقيقي للقبيلة باجمعها. وفي الوقت الذي قرر فيه حاجم خوض الحرب من اجل مملكة فيصل السورية ثم انحاز فيما بعد الى القوميين الاتراك ايد مجحم الانتداب الفرنسي(2) وتلقى وسام الشرف وعين في خريف عام 1920م زعيم عنزة حلب، أي قبيلتي الفدعان والسبعة مجتمعتين. ولم يستطع مقحم((مجحم)) انجاز المهمات التي توقعتها الحكومة منه، لجهلها التام بنفوذه الفعلي وان نجح بالمقابل في وضع مجموعة الفدعان الخاصة به تحت تصرف الفرنسيين . بقيت علاقات مقحم عادية مع حاكم ، بل إنه ارسل له خلال الحرب قوات تشد أزره وتسانده ضد الخرصة . بعد وفاة الاخير [ 31\12\1927م ] صاحر مقحم [ مجحم ] زعيم الولد الوحيد والشيخ الأكثر أهمية للفدعان . بالإضافة إلى ذلك ، تمتمع بنفوذ بيته التقليدي على السبعة ، وخاصة منهم العبيد ، واعتبرته القبائل الصغيرة قرب الباب ومنبج والتي كانت تودع قطعانها في الشتاء عند الولد ، قائدا لها . يمتلك مقحم إلى جانب ماورثه من أملاك عن جده جدعان قريتين على الفرات . وقد اشترى مؤخرا أرضا على البليخ قرب عين عيسى بنى بيتا فيها . يتمتع الشيخ بثقة حكومة الإنتداب ، التي تمده بالمال رغم انتسابه إلى الحزب القومي منذ وقت طويل . وهو اليوم [ 1937م ] كما كان في الماضي ، نائب في البرمان .
تمتلك أسرة شيوخ الخرصة [ ابن قعيشيش] كمنافسيها من أل مهيد تقاليد قديمة ، إلا اننا لا نعرف غير ثلاثة أجيال منها فقط .
قاد دحام الخرصة حوالي عام 1860م عبر الفرات(1) وحكم نايف في نهاية السبعينيات (2) وتنازل حاكم عام 1913م عن المشيخة لمذود. وتقول وثائق البعثة ما يلي حول هذه الواقعة:"عندما زرت عام 1913م الخرصة في معسكرها في عين البيضا، جنوب عرب جبل عبد العزيز كانت المشيخة لا تزال لابن عم مذود حاكم بن نايف الذي كانت مكانته قد اهتزت كثيرا انذاك. وكانت العلاقات التي اقامها مع حاكم بن مهيد، غير مقبولة في نظر الخرصة العريقين وخاصة منهم ابني عمه مذود وسليمان. اقام مذود روابط جد وطيدة مع الاتراك وفرض عام 1912م ضم الخرصة إلى دير الزور . وكانوا تابعين إلى حلب كغيرهم من الفدعان ، الأمر الذي أضعف سلطة حاكم بن مهيد وحاكم بن نايف ، يفسر هذا لماذا كانت علاقة الخرصة مع الفدعان باردة ، ولماذا تقاربت مع شمر ، لا بل أنها ذهبت عام 1912م م مع قريبها محمد الشيوخ شيخ شمر الى هترة.
خلال اقامتي في عين البيضا، تعرفت فقط على سليمان ابن قعيشيش شقيق مذود النشيط والكثير الحركة والذي كرس نفسه للشؤون الحربية. فيما بعد التقيت في الرقة بمذود وابن عمه حاكم.
منذ حصوله على المشيخة اكتسب مذود صيت قائد جسور كما يؤكد ذلك لقب "النمر" الذي لازمه. وقد تحدثنا اعلاه عن سيايته بعد الحرب .




http://a3.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc6/69438_133025006748681_100001235470710_196187_53167 36_n.jpg
راكان بن بشير بن هزاع بن سليمان المرشد

http://a2.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash2/36998_103038249747357_100001235470710_15214_647460 0_n.jpg
الشيخ فرحان بن برجس بن هديب والشيخ برجس بن هديب من شيوخ السبعة تم تصوير الصورة من قبل المستشرق الالماني ماكس فون ابونهايم سنة 1899



سبعـــــــــة :


رغم ان السبعة ليسوا اقل عددا من الفدعان فان قوتهم السياسية والعسكرية محدودة.لذلك كثيرا ماتركوا عبء المعركة للفدعان خلال الحروب التي نشبت بين الضنا مسلم والبشر. وانه لأمر ذو دلالة ان المفوض السامي الفرنسي لم يتدخل في أحدث اشبتاك نشب بين الرولة وبينهم (شباط 1929م) الا بعد انخراط الفدعان في المعركة يقترن هذا النفور من الحرب بنقص في تماسك القبيلة،التي تفتقر الى شيخ أعلى ولا تشكل مجموعتا ابن مرشد وابن هديب اللتان تسميان عادة القمصة والعبدة وحدات تقوم على رابطة الدم،كالولد والخرصه لدى الفدعان بل هي تجمعات نشأت بالاحرى بالمصادفة الصرفة.




تفوق اهمية السبعة الاقتصادية اهميتهم السياسية فهم مربو جمال وخيل موهوبون. وقد بدات القمصة تمارس مؤخرا الزراعة الحقلية وأعادت تشغيل منشآت ري قديمة شرق سلمية. تعتبر حماه سوق السبعة التي يمضون الصيف بقربها: العبدة الى شمال شرقها والقمصة الى جنوب شرقها. في الخريف ترحل السبعة من سلمية عبر اسريه وقديم الى السخنه(قمصة) او الى جبل بشري (عبدة) ومن هناك الى الصحراء السورية (وادي المياه-وادي حوران، واحيانا حتى وادي الغدف).
لا تتمتع أسرتا شيوخ السبعة من ابن مرشد وابن هديب بأية شهرة خاصة . أما أخر شيوخهم المهمين ، فهو سليمان ابن مرشد ، الذي توفي حوالي عام 1875م بسم يزعم ان حاكم دير الزور أمر بدسه له . وليس هناك الكثير مما يمكن ذكره حول خلفائه .



كان الشيخ راكان . [ وهو راكان بن بشير بن هزاع بن سليمان المرشد ] الشاب المنفتح الأفكار . وقد بذل جهودا حثيثة من أجل توطين قبيلته ، وتزوج من أحدى بنات نواف ، شيخ الحديديين السوريين ، وانتخب عام 1936م نائبا في البرلمان . ليست قبيلة ابن هديب من عنزة . إنما من حرب وتربطها صلة قرابة بأسرة الفرم



احدى اسر شيوخ هذه القبيلة الحجازية الكبيرة. هذا مايدعيه على الاقل حرب من بلاد الرافدين . يعتبر فارس اول شخص من ال "ابن هديب" الذي يورد الرحالة اسمه في تقاريرهم. وقد توفي عام1869م(1) بعد ان بلغ من العمر عتيا.اما خلفه الثاني فرحان بن معجون فكان شخصية جذابة انقلبت كياسته الى ضعف لدى ابنه الشيخ الحالي برجس بن فرحان الذي افسدته اقامة طويلة في مدرسة العشائر بالقسطنطينية وسنوات خدمة عسكرية طويلة كان خلالها ضابطا في الجيش التركي. ترك برجس انطباعا بائسا لدى موزيل، فحتى عبيده الخاصون كانوا يعصون أوامره . وقد بدد الثروة التي ورثها عن والده وبلغ من سوء حاله انه استعار في رحلته الخريفية عام1926م، الجمال التي نقلت خيمه.




عمــــــــارات

ليس في حوزتنا الكثير من اخبار العمارات. يرجع هذا الى قلة الزيارات التي قام بها الرحالة الاوروبيون الى منطقتهم في عمق هيت وكربلاء بالمقارنة مع الاجزاء الاخرى ن الصحراء السورية. تقدم الصحائف الوهابية بعض المعلومات حول تاريخ القبيلة الاقدم. وتخبرنا انهم كانوا يسكنون منطقة امتدت انذاك من النهاية الشمالية للدهناء الى سدير ومن جبال شمر الى شرق جزيرة العرب وقاتلوا منذ عام 1758م مع قبيلة بني خالد عدوة الوهابيين اللدودة. لكنهم غيروا موقفهم بمجرد ان تاكدوا من انتصار النحلة الجديدة تلك وشرعوا يقاتلون منذ علم1786م الى جانب الوهابيين.
بدأت هجرة القبيلة بعد ذلك بقليل فقد انتشرت عام 1808م لاول مرة اقوال عن وجود العمارات في الشمال. ويذكر روسو قنصل فرنسا في بغداد بان المطارفة كانوا من بين البدو الذين يفرضون ‏ضارئب على طريق قوافل بغداد-حلب وبعد عشرة اعوام من ذلك تجمعت لدى الحكومة معلومات دقيقة عن الصقور الذين "يخيمون غالبا في منطقة حلب لكنهم يتمونون كل عام في الحلة والحسكة(الديوانية)" بقيت علاقات المهاجرين بموطنهم حية لذلك قاتلت اسرة شيوخ ال هذال من عام1812 م الى1815م في الحجاز وفي القصيم خلال العشرينيات ضد قوات الاحتلال المصرية/التركية.




لم تنقطع اواصر العمارات مع جزيرة العرب الا بعد عام1860م حين غادرت مجموعة ثانية كبيرة منهم المنطقة بين القصيم والدهناء واتجهت شمالا.


منذ ذلك الوقت يمكن اعتبار (wadi el cherr) وادي الشر الذي يبدا غير بعيد عن النفود وينتهي في مستنقعات النجف حدودا جنوبية للعمارات. وان كانت بعض اقسامها(الدهامشة)تتجاوزه الى الجانب الاخر ويبدو ان الحدود السورية صارت الان مانعا امام حركتهم هم الذين كانوا يصلون في السابق الى الرقه وضواحي حلب .


تشكل اراضي غرب كربلاء مع واحتي رحالية وشثاثه منطقة العمارات المركزية الذين يمضون الشتاء في الوديان المنحدرة من السفح الشرقي لهضبة الصحراء السورية ويتوغلون في الربيع شمالا الى القعرا الذي يخليه الفدعان والسبعة في هذا الوقت ويقودهم الترحل في نهاية الصيف الى ما وراء الفرات ، بين الفلوجة وبغداد قبل ان يعودوا من هناك الى مقراتهم الشتوية مرورا بكربلاء.
تحدد موقع العمارات في تحالفي عنزة منذ ان قاموا بتقدمهم في الصحراء السورية لمنع ضنا مسلم من الوصول الى الفرات ففي اخر اصطدام بين المجموعتين وقفت العمارت الى جانب الفدعان-السبعة ضد -الرولة- لم يقم أي تماس الا نادرا بين الاتراك والعمارات لان هؤلاء كانوا يخيمون معظم السنة داخل الصحراء ويمضون اغلب وقتهم في امارة حائل.



بعد وفاة الامير محمد بن رشيد (1897) قام الشيخان فهد بن هذال وعقيل بن مجلاد بالتعاون مع بطين بن مرشد من السبعة بغزوة ضد شمر انتهت بهزيمة نكراء نزلت بهم قرب تبال ((تيبال)) (على مسيرة اربعة ايام غربي كربلاء) وسوف نتحدث عن عملية اخرى في فصل الرولة.
ينقسم العمارات الى عمارا ت بالمعنى الضيق (جبل) وهم قبيلتا صقور وسلقا اللتان يتزعمهما ابن هذال والدهامشة بزعامة ابن مجلاد. يفتقر الجبل والدهامشة كلاهما الى ارادة سياسة موحدة وقد فصم شرخ تم خلال الحرب العالمية ماكان بينهما من عرى حين التحق الشيوخ المعترف بهم فهد ابن هذال وجزاع بن (راكان) بن مجلاد بالانجليز. تبع ابن هذال اخر هو فهد بن ضغيم ومحمد بن (تركي) بن مجلاد الجانب التركي عندما نصب الانجليز بعد الحرب فهد بن هذال زعيما على مجموع العمارات. هاجر فهد بن دغيم مع انصاره وابنا مجلاد مع الدهامشة شمالا وانتقلوا في صيف عام 1920م الى منطقة الانتداب الفرنسية ومع انهم عادوا من جديد الى ماوراء الحدود في الشتاء فانهم رجعوا عام1921م مجددا الى البادية التدمرية .لكن حكومة العراق نجحت عام 1925م في اعادتهم الى اراضيها .


http://a1.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash4/263157_196588180392363_100001235470710_580449_3836 367_n.jpg

استقبال ملك العراق الملك فيصل الشريف في بيت الشيخ فهد بن عبدالمحسن الحميدي الهذال

http://a8.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc6/36998_103049273079588_100001235470710_15260_401532 0_n.jpg
الشيخ فهد بن عبدالمحسن الحميدي الهذال

أسرة شيوخ ابن هذال

يرجع التاريخ المثبت لقبيلة ابن هذال الى عام1551م فهي اذن قبيلة قديمة.أما منصب الشيخ فيبدو انه تم تناقله بالوراثه من الاب الى الابن خلال الاجيال الخمسة الاخيرة – وهذا حدث غير عادي او مالوف الى ابعد حد.عاش عبد الله في مطلع القرن التاسع عشر على الارجح وتظهره احدى حكايات كتاب فريزر:رحلات في كردستان وبلاد الرافدين ... الخ(الجزء الاول،صفحة 381)في واحد من تنقلاته في منطقة الفرات الاعلى.وبينما تميز ابنه الحميدي كقائد جيش وهابي ضد المصريين عام1812-1815م فان عبد المحسن ابن الحميدي يدخلنا الى عمق القرن التاسع عشر ويصل ابنه فهد بنا الى الزمن الحالي.كان فهد بيك سياسيا رصينا واريبا عينه الاتراك كأبيه قبله قائمقاما على الرزازة ،حيث عاشت اسرته الموسرة وقد رافق عام 1905م حملة عسكرية تركية من النجف الى القصيم، ,وقدم فيما بعد خدمات طيبة الى الانجليز الى ان مات يوم 28/8/1927م وهو في الثمانين من العمر .








......(يتبع 5 )

جلال الدرعان
03/07/11, (05:34 AM)
حسنـــــــــــــة
الحسنة هي اول قبيلة من قبائل عنزة تحصل على حق المواطنة في سورية. حدث هذا في بادية تدمر التي كانت خاضعة حتى ذلك الوقت لسيطرة الموالي.ورث الحسنه منطقة انتشار سابقيهم وحق فرض الضرائب على قوافل طريق البصرة –بغداد-دمشق وحلب وورثوا حق تقديم الجمال الى حجاج بيت الله الحرام هذه الموارد المتنوعة الى جانب تنظيمها العسكري الخاص مكنا الحسنه من تحقيق تفوق طويل الامد على ابناء قومها الذين جاؤوا المنطقة بعدها قبل ان يلعب عدد القادمين الجدد دورا رجح كفتهم بالتدريج الى ان نجح ولد على حوالي عام 1790م والفدعان و السبعة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في ازاحتها عن مواقعها منذ ذلك الوقت انحدرت الحسنة بسرعة حتى انها اعتبرت في السبعينيات "خائفة" من الحكومة واوشكت ان تذوب قبل الحرب العالمية في قبيلة ولد


علي،التي كانت تربطها بها صلة قرابة وثيقة . لكن الشيخ طراد الملحم ، زعيم القبيلة النشيط ، نجح في وقف أفولها ، مستغلا الأوضاع التي تغيرت آنذاك لصالح مربي المواشي الصغار . فيما بعد ، توحدت قبيلتا الحجاج والمصاليخ مع الحسنة من جديد . بعد أن كانتا تميلان إلى قبيلة الولد علي . ومنذ عام 1923م انضم إلى طراد أقسام من النعيم والفواعرة ، وكذلك أنصار عمر الملحم ، لا عتقادهم أن حمايته لهم تقيهم من الغزوات . وفي رحلة شتاء عام 1925م – 1926م انضم إلى الحسنة الجزء الأكبر من هاتين القبيلتين ، لكن هذا الدعم القوي خسرته القبيلة مرة أخرى عندما طالبهم طراد بدفع أتاوة مقابل حمايتهم .




لازال الحسنة في الطور الاول من التوطين. فهم رحل لكنهم يمتلكون قرى شرقي حمص، تزرع على يد ابناء القبيلة وبعض فلاحي الجوار. في الصيف يقيم جزء من الحسنة في اراضيهم وجزء اخر قرب بحيرة قطينة والى جوار بعلبك في البقاع. في ايلول وعندما تكون المراعي قد استنفدت ينقل هؤلاء خيامهم نحو الجنوب الى حسيه وصدد ليغادروا بعد شهر او شهرين المنطقة المزروعة الى الحماد عبر الحوارين والقريتين وعين البارده والهلبا. عموما لايتجوز الحسنه منطقة الطنف جنوبا وان كانوا قد اصطحبوا اعوام1925م/1926م و 1929م/1930م الرولة الى جبل عنازة .


http://a3.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc6/259910_193475837370264_100001235470710_564706_7727 377_n.jpg
الشيخ فارس سعود آل مزيد وبعض من وجهاء الحسنه :. تصوير المستشرق الالماني أوبنهايم 1899م


أسرة شيوخ الحسنة

تعتبر اسرة شيوخ الحسنة التي يحمل افرادها اسم ابن ملحم المزيد قديمة جدا. وقد حافظت على احترامها وسمعتها الطيبة رغم التراجع الذي عرفته القبيلة. عاش الشيخ فاضل الذي ترجع الاسرة اليه في القرن الثامن عشر. وكان رجلا بعيد النظر ادرك اهمية الوهابية في طور مبكر وتواصل مع مؤسس مذهبها .




أما خليفته الثالث مهنا وابناؤه فعرفوا بفضل حكاية فتى الله (fatalla) الصغير الرومانسية التي اوردها لامارتين في"رحلته الى الشرق" وذكريات رحلة الليدي ستانهوب. بعد هؤلاء يصعب ايجاد شيء يستحق الذكر حول شيوخ الاسرة ذلك ان سعود ابن ملحم صار شخصا حضريا على وجه التقريب لم ير الصحراء الداخلية الا عندما كان فتى صغيرا ثم مرة اخرى وهو شيخ عند بدء الحرب العالمية مازال فندي ابن سعود على قيد الحياة(1929م) لكنه تنازل عن منصب الشيخ لطراد الشاب الذي سبق وتحدثنا عما قدمه للحسنة من خدمات جليلة يعتبر طراد صديقا للفرنسيين وقد انتخب عام 1936م نائبا في البرلمان.




ولـــــد علي

ولد علي هي القبيلة الوحيدة من قبائل عنزة التي يمكن تحديد طريق ترحالها بدقة كبيرة. فقد تبعوا طريق الحج القديمة التي تمر بتيماء وباير وازرق وقد كانت معان أول الأمر حدهم الشمالي الذي بلغوه حوالي عام1700م ثم صار فيما بعد قلعة الزرقا واخيرا سهل حوران الذي بقي مقرهم الصيفي الى يومنا هذا يمضي ولد علي منذ وقت طويل الشتاء في الصحراء السورية وكانوا يعودون من قبل الى موطنهم القديم في هذا الوقت من العام .تفسر روابطهم هذه مع الحجاز المهمة التي تولوها في النصف الثاني من القرن الثامن عشر اعني مرافقة قافلة الحجاج حتى مدائن صالح وتامين الجمال اللازمة لذلك بهذا العمل المربح وبحق الصرة بقي ولد علي لوقت طويل القبيلة السائدة حنوب دمشق.



ولكن في منتصف القري التاسع عشر ادخل الى منطقتهم شركاء جددا هم الرولة الذين سعوا الى الحصول على حق الرعي في حوران.لا عجب اذن ان نشبت الحرب بين القبيلتين الصديقتين اللتين ربطتهما صلة قرابة وثيقة ايضا في 19 تموز من عام 1885م حاقت الهزيمة بولد علي في موقعة تل الجو خدار بالجولان لكنهم نجحوا بعد قليل في طرد العدو الى ما وراء وادي اليرموك بمساعدة سكان حوران مع ذلك لم تجد القبيلة طريقة تحمي بها نفسها من الرولة المتفوقة عدديا وتنظيميا فاضطرت اخيرا الى الاعتراف بحقها في الرعي. بسبب ما ترتب على هذا الاعتراف وعلى تعميم الزراعة مما ادى الى تقليص منطقة انتشارها بدات اعراض التدهور تظهر على ولد علي فقد بدات بالتخلي جزئيا عن تربية الجمال في السبعينيات وبدات تنتق ل الى الزراعة الحقلية في الثمانينيات وحين حرمها تشغيل خط الحجاز عام (1908م)من الامتيازات المرتبطة بالحج سقطت من صفوف قبائل الدرجة



الاولى.مع ان الشيخ رشيد ابن سمير حاول احادة احيائها فان مسعاه ذهب ادراج الرياح.ثم فقدت القبيلة بعد موته تلاحمها فلم يبق في رعايا اسرة ابن سمير غير المستقرين من ابناء القبيلة بينما تبع قسم اخر من رحلها اسرة الشيوخ الثانية اسرة الطيار وانضم قسم ثالث الى الرولة.



تقع منطفة انتشار واسقرار ولد علي القديمة والحالية في النقرة بين نوى ومزيريب وتصل في الغرب الى نهر الرقاد أي الى اراضي الجولان(4) التي تنطلق منها في شهر آب لتتبع اطراف اللجاة في طريقها الى بحيرات المروج قرب دمشق حيث يقام بين قريتي الكفرين والجديدة سوق بني سمير الذي يستمر طوال ستة اسابيع فيعود بارباح وافرة على التجار الدمشقيين، و لكنه يضايق الفلاحين الى ابعد الحدود (1) من جانبها دأبت اقسام صغيرة من ولد علي وخاصة منها الطيار على قضاء الصيف في اراضي الحسنة الى الشمال من هذه المناطق. في وقتنا الحالي تخيم مجموعة الطيار من جديد قرب الضمير شمال شرق دمشق.



http://a8.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash2/36998_103039809747201_100001235470710_15222_486465 7_n.jpg
الشيخ سطام بن قضعان آل طيار تصوير المسشترق الالماني أوبنهايم 1899 م

http://a4.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc4/36998_103039796413869_100001235470710_15220_986487 _n.jpg
الشيخ سلطان بن سطام بن قضعان آل طيار

http://a2.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc4/36797_115539738497208_100001235470710_105507_10912 87_n.jpg
الشيخ أرشيد بن محمد بن دوخي بن سمير (حريب الدولة )


اسر شيوخ ولد علي

تمتلك ولد علي اسرتي شيوخ مختلفتين مثلها في ذلك مثل الفدعان والسبعة والعمارات هما ابن سمير والطيار اللتان لا تتعامل أحداهما مع الأخرى بوصفهما قائدتين متساويتين لمجموعتين مستقلتين بهذا القدر او ذلك بل كشيوخ مشايخ وعقداء.



ذلك ماكان عليه الحال في السابق على الاقل ، اما مؤخرا فقد تطور لديهم تعايش شبيه بذلك الذي حدث عند القبائل الاخرى .
يدين ابن سمير بمكانتهم الى علاقة وطيدة تربطهم بباشاوات دمشق عامة والى العائدات التي يحصلون عليها من امتياز الحج خاصة. ليس بحوزتنا وصف للشيخ دوخي اقدم شيوخ ابن سمير. بالمقابل توجد تفاصيل كثيرة عن ابنه محمد الذي حكم ما يقارب نصف قرن اكثرها دقة ما كتبته الليدي بورتون


(حياة داخلية الجزء الاول،ص66) حول "تاليراند الاسود"الذي كان في الجزء الاخير من عمره رجلا مهيبا يبعث على الرهبة فرض احترامه حتى على الموظفين الاتراك.

توفي محمد عام 1895م ولحقه ثلاثة من ابنائه بسرعة الى الموت. اما رابعهم بندر فقد تولى الحكم عام1899م (رأيته يخيم انذاك في النقرة يجوار الرولة)
كان رشيد خليفة بندر على قدر عظيم من الاهتمام السياسي وان افتقر الى حسن التقدير وقد القى بنفسه بعد الحرب قي احضان الفرنسيين دون ان ينجح في حعل قبيلته تحتل موقع قياديا بالمقارنة مع قبيلة ابن الشعلان (الرولة) لذلك انسحب تملاؤه الخيبة الى عين ذكر قرية اسرته في الجولان حيث توفي عام 1922م اما ابنه عناد فليس اليوم اكثر من مجرد تابع لنوري ابن شعلان .



في عشرينيات القرن حاولت اسرة الطيار اضعاف سلطة آل "ابن سمير" بعد ان استقلت بمجموعة خاصة بها من القبيلة: في نهاية التسعينيات عبأ سطام ابن الطيار الذي اختلف مع فدغم ابن سمير حول اقتسام غنيمة حرب قسما من ولد علي.تدخلت الحكومة عندئذ واجبرت سطام على التنازل عن مطالبه وكلفته بمرافقة قافلة الحج بعائد قدره 60000 قرش على ان يتقاسمه مع احد اقربائه وسقط سطام عام 1901م في معركة مع الدروز تاركا وراءه ولدين هما محمد وسلطان مات اكبرهما بعد والده بقليل فتولى ثانيهما مشيخة قبيلته.



اعطى تنظيم سورية الجديد بعد الحرب العالمية سلطان الطيار فرصة متابعة خطط والده وقد اختار الوقوف الى جانب الملك فيصل وقاتل الى خريف عام 1920م ضد الفرنسيين لكنه لم يفز بانصار كثيرين الا بعد ثورة الدروز ثم اخلي سبيله بعد عام من ذلك .





عنزة [ الحجاز ]

عندما يتبع المرء طريق الحج أو الخط الحديدي الحجازي ، ويجتاز محطة المعظم ، يدخل أرض عنزة الحجاز ، أي ذلك الحزء من شعب العنزة الذي لم يشترك في الهجرة الكبيرة التي حدثت في القرن الثامن عشر ، وإنما بقي في موطن العنزة القديم . وهؤلاء هم الفقرا ، وولد علي . ويجاورهم إلى جهة الشرق ولد سليما الذي سنعالجهم هنا بسبب انتماءهم القبلي على الرغم أن منطقتهم غير تابعة للحجاز وإنما لنجد .




لايمكن مقارنة عنزة الحجاز ، لا من ناحية العدد ولا الأهمية ، بإخوانهم في سورية والعراق . فالعناصر القوية هاجرت ، ومن بقي من القبيلة يعيش حياة فقيرة في منطقة ضيقة، وقليلة الخصوبة . وينطبق هذا بشكل خاص على الفقرا وولد علي الذين تقع مراعيهم بين حرة العويرض وخيبر ، بينما يعيش ولد سليمان في منقطة ابعد نحو الداخل في ظروف معيشية افضل . إلا أن الفقرا وولد علي كانوا في الماضي يعدلون وضعهم بعض الشئ بتقاضيهم الصرة التي كانوا يستحقونها كونهم من سكان طريق الحج .



والقبائل الثلاثة لها حصص في بساتين النخيل في خيبر مما يوفر لهم موردا اقتصاديا اضافيا. والقرى الثلاثة ، التي تشكل الواحة ، تسمى باسمهم : قرية البشر ، قرية ولد علي ، قرية الفجير [ الفقير ] .
قبائل عنزة الثلاثة المذكورة مستقلة عن بعضها سياسيا . والعلاقة بين الفقرا وولد علي باردة ، بينما كانت تقوم بين ولد علي وولد سليمان حرب مكشوفة ، والتناقض السائد في الشمال بين بشر [ ولد سليمان ] وضنا مسلم [ فقرا وولد علي ] يظهر هنا أيضا .



في أوقات السلم تسمح كل قبيلة للأخرى بالدخول إلى منطقتها ، بينما تفرض على القبائل الأخرى الغريبة ضريبة قدرها مجيدي واحد عن كل خيمة . وعن الجيران الأشرار حدث ولا حرج : فهم في عداوات متباينة الدرجة مع بلي وبني عطية ، ومع شمر وحرب ، وحتى مع القبائل الغير محترمة : هتيم وشرارات .



منذ منتصف القرن الماضي كانت عنزة الحجاز تابعين لدولة ابن رشيد . أما الوقت في الوقت الحاضر فهم وهابيون ومن رعايا آل سعود . وكما في جميع أراضي نجد فقد أسست في منطقة العنزة أيضا مستوطنات زراعية وعسكرية ، مايسمى الهجر .



الفقـــــــــرا


يحد منطقة تنقل الفقرا من الشمال خط خشم صنع - تيما ومن الغرب حرة العويرض وعلى طريق الحج تمتد منطقتهم في الجنوب حتى بير غانم قرب العلا ثم حتى خيبر وفي الشرق حتى جبل برد.مصدرهم المائي الرئيسي هو العردة على بعد مسيرة يوم كامل شمال شرق الحجر حيث توجد


ايضا مقبرة القبيلة وهناك ابار اخرى مذكورة في جورنال هوبرص381، 487 ،561. في اعوام الحرب وفي فترات الصراعات السياسية يضطر الفقرا الى البحث عن الحماية والمرعى بعيدا في الشمال: ونتيجة لذلك بقيت اجزاء القبيلة في الغربة ومنها اولئك الفقرا الذين يخيمون اليوم في مؤاب القديمة تحت حماية الكرك .



كان الفقرا يتقاضون في السابق في واحتي تيما والعلا خوة قدرها مجيدي واحد عن كل بيت ومن قافلة الحج مبلغا قدره600 ليرة تركية؟ وعندما بدا تشغيل الخط الحديدي الحجازي سقطت هذه الصرة إلا انه حل محلها مبلغ مماثل لقاء حماية الخط الحديدي كان يدفع على اقساط شهرية قدرها 12 ــــ 60


مجيدي لاحد عشر شيخا من شيوخ الفقرا ونعتقد بان دخلهم من تربية المواشي كان ضئيلا جدا لان نصيب الخيمة الواحدة لم يكن يزيد وسيطا على 7رؤو س من الابل (دوتي) .
يشكل الفقرا جماعة متجانسة الى حد ما:تنتسب افخاذهم جميعها الى مجموعة الحجاج باستثناء الصقرة الذين ينحدرون من اقربائهم المصاليخ.



جد القبيلة الأول هو راشد الخميجل الذي كان ضريحه قبل بناء الخط الحديدي موجودا في مدائن صالح يقال بانه ولد في هدية محطة طريق الحج الواقعة مقابل خيبر وانه كان يفعل المعجزات ولذلك حصل على لقب"الفقير"(في اللهجة العامية الفجير) ومنه اخذت عائلة الشيوخ آل فقير اسمها ثم أعطت الاسم للقبيلة كلها.



تنتمي عائلة الشيوخ التي تسمى ايضا نسبة الى اجداد حديثين آل صالح او آل مبارك الى فرع الشفقة وتشكل تقريبا خمس الفقرا جميعهم ونحن لانعرف سوى عدد قليل من اعضاء عائلة الشيوخ وعلى راسهم مطلق بن حميدي الذي زاره دوتي في نهاية السبعينات وعندما تعرف عليه جوسن وسافنياك عام1907م كان لم يزل في منصبه مطلق الرجل الوحيد القوي البنية والمتغذي جيدا بين الفقرا الجائعين(دوتي) لم يكن يملك سوى قطيع صغير من الابل (25راسا وفي وقت لاحق 40راسا)




لكنه كان يحصل على دخل ممتاز من الصرة (120 تركية ) ومن بستانه في خيبر الذي كان يحتوي على 500 نخلة من بين15 ولدا لم يبق له سوى اثنين بالاضافة الى حفيده شهاب الذي خلفه في المنصب في عام1918م انضم شهاب الى الشريف عبد الله بعد ان التزم عبد الله بمواصلة دفع تعويض حماية الخط الحديدي آخر شيخ معروف من مشايخ الفقرا هو سلطان الفقير الذي حارب عام 1922 ضد الوهابيين.


http://a5.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash2/38838_115750548476127_100001235470710_106556_11045 61_n.jpg


ولـــــــد علـــــــي

كان ولد علي يشكلون في السابق مع الفقرا وحدة سياسية واحدة ولذلك تتطابق منطقة تنقلهم على مسافات واسعة مع منطقة الفقرا. في الجنوب فقط تمتد منطقتهم بعيدا حتى قلعة السرا المحطة الثانية على طريق الحج بعد العلا كما ان الحياة الاقتصادية للقبيلتين متشابهتين ايضا ويتقاضى ولد علي خوة في العلا مثل الفقرا ويمارسون مع الفقرا والمواهبيب (انظر الفصل القادم) في الحجر حق السوق الذي يتوجب على ابناء القبائل الغريبة دفع مجيدي للحصول عليه وبما انهم من السكان المجاورين لطريق الحج كان لهم الحق في الحصول على الصرة ولاسيما انهم كانوا يرافقون الحجاج اعتبارا من دار الحمرا




لا نعرف سوى القليل عن العلاقات الداخلية بين ولد علي.بناء على علامات الوسم المختلفة لدى القبائل الفرعية يميل المرء الى الاستنتاج بحدوث خلط شديد عند تشكيل القبيلة ولكن هذه العملية يجب ان تكون قد حدثت قبل وقت طويل من حركة الهجرة الكبيرة لان ولد علي الشماليين لهم تركيب مشابه لولدعلي الجنوبيين وكما يتبين من نسب العنزة فان ولد علي ينسبون كالفقرا الى بني وهب وكان اسمهم قديما آل علي يقابله آل نبهان لبقية بني وهب (الفقرا والخ....) .



تتمتع عائلة شيوخ ولد علي خلافا للقبيلة بسمعة محترمة وهي تحمل اسم الايدا(اليديان النسبة:ايدي) وتربطها علاقة قربى وثيقة مع القبيلة الفرعية حمامدة التي لم تعد اليوم موجودة في الحجاز.ويتالف نسب زعيم الايدا الحالي من السلسلة التالية:محمد بن فرحان بن بدر بن مطلق بن رجع بن ضيف الله بن مسعد بن حمدان بن الايدا بن علي ولقد عرف من بين اجداده رجع ومطلق على يد جورماني ودوتي وهوبر. كان مطلق شخصية محبوبة اكثر من نظيره زعيم الفقرا الذي يحمل الاسم نفسه وكان اخوه محسن كريما جدا الى درجة التضحية كان ابا حقيقيا للبدو. بعد وفاة مطلق انتقل الحكم الى


هايس الايدا الذي سجلته عام 1899م شيخا لولد علي. وبعد هايس جاء فرحان حفيد مطلق.في خريف 1917م انضم فرحان الى الشريف عبد الله وقدم له 400 خيال لكنه انفصل عنه وانضم الى الوهابيين قبل سقوط حايل (نوفمبر/تشرين الثاني 1921م) قتل عام1922م في معركة مع قائمقام الوجه عند ذلك ذهب ابنه محمد الفرحان الى الرياض فاعترف به عبد العزيز آل سعود زعيما للقبيلة.





ولـــد سليمــــان

يتالف ولد سليمان من اجزاء مختلفة جدا. نذكر منهم اولا الجعافرة الذين ينتسبون حسب راينا الى جعفر بن ابي طالب ابن عم النبي محمد اذ أن هؤلاء الجعفريين (بني جعفر)كانوا في العصور الوسطى منتشرين في هذه المنطقة وفي القرن العاشر الميلادي كانوا يملكون واحة (ذو) المروة الموجودة عند مصب وادي الجزل في وادي الحمض وفي وقت لاحق واحة خيبر لكن العنزة ضغطوا عليهم جدا هنا الى درجة انهم كانوا يقدمون لهم جزءا من محصول التمر خوة لا بل انهم قبلوا بان يحكمهم رجل من عنزة.صحيح انهم قتلوا هذا الرجل دون عقاب لكنهم لم يستطيعوا التخلص من دفع الخوة. بناء على


ذلك فليس مجرد خاطرة من بوركهاردت عندما يربط (ص 309 وما بعدها) بين جعافر الحجاز وقبيلة بدوية مصرية تحمل الاسم نفسه ولم تزل توجد حتى اليوم بقايا منها في محافظة القنا اذ ان هؤلاء الجعافرة المصريين يعيدون شجرة نسبهم حسبما يقول الؤرخ القورسطي المقريزي ايضا الى جعفر بن ابي طالب وتقول حكاية قديمة انهم جاءوا عبر البحر الاحمر الى مصر العليا. يقابل الجعافرة ثلاث قبائل فرعية هي: السلمات والغضاورة، والخمشة،يدمجها موزيل في قبيلة واحدة يسميها السليمانية (ربما ولد سليمان الاصليون؟) .



تشكل بقية القبائل الفرعية مجموعة ثالثة تربطها علاقة ضعيفة مع المجموعتين الاخريين .
في شجرة نسب العنزة يرد ذكر ولد سليمان تحت ضنا عبيد ولكنهم ينسبون في سياق اخر الى السلقا (عنمارات)وكلا النسبتين مبرر لان ولد سليمان موجودون عند جماعات الفدعان (ضنا عبيد) وعند جماعات السلقا على حد سواء وتجد هذه العلاقة المتشابكة تعبيرا لها في التسمية إذ أن ولد سليمان يسمون غالبا "بشر" وهو تعبير يشمل ضنا عبيد والعمارات.


بشر – ولد سليمان هم اقوى قبائل عنزة في وسط الجزيرة العربية وحتى شمر تخشاهم.وبصرف النظر عن حصتهم في واحة خيبر حيث استوطن بعض ابناء القبيلة فانهم يعتمدون كليا على تربية الماشية وبالتالي فان قطعان الابل التي يملكونها اكبر من قطعان الفقرا وولد علي وهم يتنقلون بين حرة خيبر والطرف الجنوبي للنفود مصدرهم المائي الرئيسي في الصيف هو بيضا نثيل (جنوب غرب حايل ) حيث نشات في الاونة الاخيرة هجرة أي مستوطنة اخوان . في الخريف يقيمون عند بئر التليثوات الى الغرب من مسما ولهم في النفود قلبان الكواكبة وفي الحرة موقع الماء "بيج" .



تنحدر عائلة شيوخ ولد سليمان آل عواجي من الجعافرة (بروكهاردت) ولا نعرف شخصيات افرادية منهم الا منذ عام 1864م الشيخ مشعل عسكر ابن الشيخ الانف الذكر ومشعان ولد عسكر الذي كان يحكم ولد سليمان عام 1915م وفي عام 1927م قيل لي ان الشيخ الحاكم هو بدر العواجي ولكنني غير متاكد من صحة هذه المعلومة




-----------------(يتبع 6)

جلال الدرعان
03/07/11, (05:40 AM)
رولة
بعد أن غادر الرولة خيبراً ، إتخذوا من الطرف الشمالي لصحراء النفوذ الرملية ، الممتد من تيماء في الغرب مروراً بواحة الجوف إلى بئر لين في الشرق ، قاعدة انتشار لهم ، شملت وادي السرحان وجنوب الصحراء السورية . وفي حين بقيت سورية مقفلة في وجههم أول الأمر ، إنفردت قبائل محلف الثلاث ( السوالمة ، والعبدالله والأشاجعة ) ، المرتبطة بصلة نسب معهم ، في الدخول إلى الحماد الشمالي . غير أن الحروب الوهابية دفعت بالرولة من جديد إلى الشمال . ومع أنهم اعتنقوا المذهب الوهابي



حوالى عام 1800م ، شأن قبائل عنزة الأخرى ، فقد حاولوا الفرار من جباة ضرائبهم ، بأن جاؤوا المنطقة التركية أو عبروا الفرات . إصطدمت الرولة عام 1809م ، بينما كانت تعبر النهر ، بقوة مسلحة تابعة لباشا بغداد وأبادتها عند مصب الخابور ، ثم أرسلت الغنائم التي وقعت في أيديها إلى الدرعية ، عاصمة الوهابيين ، مما جعلهم يسارعون إلى قبولها من جديد بين رعاياهم . وفي العام ، رافق الرولة آل سعود في غارة على حوران .



في العقود التالية ، تزايدت حاجة القبيلة إلى مراعٍ جديدة ، نتيجة تزايد قطعانها ، خاصة بعد أن حالت هجرة العمارات بينها وبين الفرات . فأين يمكن العثور على مراع كهذه ؟ . كانت أقرب المراعي تقع في النقرة ، التي كانت الرولة تشتري مؤونتها الشتوية منها ، حين كانت تنزل فيها فترة قصيرة من كل عام ضيفاً على ولد علي . بما أن بقية سورية كانت موزعة منذ وقت طويل : " البلقاء ممتلئة بأهل الشمال ، وحوران بالزبيد ، والمرج ينتشر فيه أكثر فأكثر النعيم والعقيدات ، وأسعار الحبوب المرتفعة تؤدي إلى عمران القرى القاحلة ،



وقبائل ديرة الشنبل تحمي مراعيها بالرشاشات " ، وبما أن ولد علي كانوا يرفضون منح الرولة حقوقاً إضافية ، وأبوا تقاسم منطقتهم معها ، فقد نشبت بينهما حرب طويلة إنتهت بفوز الرولة بما سعت إليه . حققت الرولة بعض التقدم في سورية بهذا الأسلوب ، ونجحت في حماية حدودها من شمّر داخل جزيرة العرب ، حيث تفاقمت تناقضات القبائل بتفاقم التنافس بين أسرتي شيوخ أبناء شعلان وأبناء رشيد ، الذين أجبروا واحات الجوف على دفع الضرائب ، بمجرد أن أقاموا إمارتهم في حائل ( 1838م) ، ثم ضموها إليهم عام 1853م ، وعينوا عليها حاكماً من



قبلهم . إعتبر أبناء الشعلان هذا الوضع انتقاصاً من حقوقهم القديمة ، رغم أنهم ظلوا كما في السابق يتلقون الخوّة من هناك . في الستينات حاولوا استعادة الجوف ولكنهم لم يحققوا نجاحات أعلاه الإمكانية لشنّ هجوم جديد .


عندما وصل نبأ مقتل الأمير سعود بن حمد بن رشيد في أيلول من عام 1908م إلى الجوف ، فر حاكمها إلى الرياض ، وأعلن أحد أكثر أعيان الواحة نفوذاً تأييد نوري ابن شعلان ، شيخ مشايخ الرولة . رفض نوري التدخل ، فما كان من ابنه نواف إلا أن لبى النداء ، وذهب مع زمرة قليلة من الرجال إلى الجوف ، ليحاصر حامية ابن رشيد التي تمترست في أحد الحصون . كان نوري لا يزال ينأى بنفسه عن التدخل ، ولم يعلن الحرب على شمّر ، وعندما احتل نواف المكان ، كان الرولة قد غادروه منذ وقت طويل إلى مناطق انتشارهم الصيفية .



عانت الرولة كثيراً من غزوات شمّر خلال الشتاء التالي ، فقرر نوري ابن شعلان القيام بإجراء حاسم ، بعد أن ضمن مساعدة فهد بن هذّال . وقد وضع خطة قانت على التقاء الرولة والعمارات عند ماء الجميمه ، في منتصف الطريق بين النجف وحائل زامل السبهان ، أخباراً عن الخطة ، فانقض دون إبطاء على مجنبة عنزة المتقدمة ، وغنم قطعان جمال عديدة انتزعها من قبيلتي الصقور والكواكبة ، اللتين كانتا جناح الحملة الخارجي .



بدأت عنزة عندئذ مطاردتها له . وحين أبلغها رجال الإستطلاع في وقت متأخر من بعد الظهر أنه في وادي الفيحان ، إقترح فهد شن هجوم ليلي ، وقرر نوري الإنتظار إلى اليوم التالي ، كي لا يتمكن العدو من الفرار . من جانبه ، سحب ابن رشيد قواته من الوادي ونشرها في التلال . حين شنت هجومها مع الفجر ، جوبهت عنزة بمقاومة شديدة من مواقع شمّر الجديدة واضطرت إلى التقهقر بعد تكبدها بعض الخسائر .



تمسك نوري وابن هذال بخطة الحرب الأصلية وأصروا على تنفيذها ، رغم كل شيء . يصف الجاسوس الانجليزي ليجمان ، الذي رأى جيش عنزة يوم 12 شباط من عام 1910م ، إنطباعاته بالكلمات التالية : كانت الصحراء تعج بكتل متموجة من البدو تترامى على مرمى البصر . وقد روى له الشيوخ أنهم لا يستطيعون تذكر مناسبة أخرى خرجت فيها عنزة بقوة مماثلة إلى الحرب . وصل الجيش إلى بركة الجميمة في الخامس عشر من الشهر . بما أن قادته خشوا أن لا يكون الماء كافياً ، فقد سمحوا باستسقاء الناس وجمال الركوب فقط ، ومنعوا تقديم الماء إلى حيوانات الحمل . حين بلغهم أن ابن رشيد يقف على مسيرة يومين إلى جنوبهم ، أعدوا معسكرهم للحرب . إنضمت إلى الجيش مجموعات قوية حسنة التسليح من المعدان ، قدمت من وادي الفرات ، فاستقبلوها بهجمات وهمية وطلقات البنادق .



أما النيران الكثيفة ، التي سمعت أصواتها بعد أيام قليلة من بلوغ الجميمه ، وعزيت إلى وصول قوات جديدة ، فقد أطلقها في حقيقة الأمر جيش ابن رشيد ، الذي كان يقترب وعلى ظهر كل واحد من جماله رجلان . فوجيء العنزة ، ووجدوا بالكاد الوقت لجمع جمالهم . وبعد أن فروا جماعات جماعات من المعسكر مخلفين وراءهم نساءهم وأطفالهم ، تقدم العدو من الجهة الأخرى مقتحماً الممرات بين الخيام ، وأحجم عن ملاحقة مقاتلي القبيلة ، بسبب هبوط الظلام . نهبت شمّر المعسكر صبيحة اليوم التالي ، وسقط عدد كبير من الأسرى في يديها ، بينها كانت تركية أرملة شيخ المشايخ السابق سطام باشا ، التي أرسلها الوصي ، زامل



السبهان ، مع كلمات استهزاء من نوري ، إلى الجوف ، مع النساء الأخريات اللواتي أعادهن إلى أزواجهن .
لم يغير انتصار ابن رشيد الوضع على الحدود . واستمرت غزوات السلب والنهب المتبادلة بين الرولة والشمّر ، إلى أن بلغت الحرب العالمية شمال الجزيرة العربية .


وقد وصفت في الصفحة 134من هذا الكتاب الوضع السياسي وموقف الرولة خلال الحرب . فبعد استيلاء الوهابيين على حائل ( تشرين الثاني 1921م ) ، إختفت مملكة شمّر التي تزعمها أبناء رشيد . وصارت جزيرة العرب ، التي توحدت من الآن فصاعداً تحت حكم آل سعود ، جار الرولة الجنوبي . في هذه الظروف المتغيرة ، إنقلبت علاقة الصداقة بين الجارين إلى نقيضها ، وبما أن



الشعلان لم يرضخوا عن طيب خاطر لآل سعود ، صارت الحرب بينهما حتمية . باغت غزو وهابي ، اجتاز في أيام قليلة مئات كثيرة من الكيلومترات تفصل مناطق جزيرة العرب الداخلية عن وادي السرحان ، الرولة قرب واحة كاف صباح 16 أيار من عام 1922م ، غير أنها صدته وكبدته خسائر فادحة . ذلك كان انتصاراً عابراً لم يمنع ضياع الجوف نهائياً في تموز من العام ذاته ، سقوط كاف ، والتنازل في اتفاقية حدّا ( 2-11-1925م ) عن كامل أراضي قبيلة ابن الشعلان الجنوبية لآل سعود .



تتمتع الرولة بتماسك تفتقر إليه قبيلة أخر ى من عنزة ، يرجع إلى الشخصيات القوية التي أنجبتها أسرة شيوخها . لكن هذا التماسك تراخى في العقود الأخيرة ، بسبب الدعاية الوهابية ، التي أثرت على الرولة أيضاً وأدت إلى تمزقها السياسي . عام 1916م ، إنضم الشيخ درزي ابن دغمي إلى آل سعود ، وتبعته قبيلته ، الدغمان ، عام 1922، حين احتل الوهابيون الجوف . ومع أن الرولة إعتنقت جميعها الوهابية بعد عام 1926م ،


فإنها لم تستطع وضع حد لانقساماتها . منذ ذلك الوقت ، لم يعد الدغمان إلى سورية من جديد . ولم يقصد الكواكبة الشمال أبداً بعد عام 1925م ، رغم المكانة الخاصة التي كانت لهم هناك ـــ ولأسباب أخرى .


يبداً ارتحال الرولة في شهر آذار من كل عام ، ويتم بصورة بطيئة جداً . وقد درجت على بلوغ مناطقها الصيفية خلال شهر حزيران ، ومغادرتها من جديد نحو الجنوب في شهر أيلول ، حيث تبقى من تشرين الثاني إلى آذار من العام التالي .



تستخدم القبيلة طريقتين في ترحالها : واحدة يستخدمها في الآونة الأخيرة عدد قليل من أفخاذها ، تقود إلى النقرة عبر وادي السرحان ، وأخرى تمر بالحماد ثم تنقسم بمحاذاة دمشق وتذهب إما إلى الشمال نحو تدمر ومن هناك إلى القريتين ـــ الضمير ، من هناك النقرة والجولان ( الشيخ مروراً بالفرقلس ، ويتوغل من حين لآخر إلى داخل البقاع .



تراجعت تربية الجمال تراجعاً شديداً منذ نهاية الحرب لدى الرولة ، لأن الطلب عليها تناقص بشدة . في السابق ، كان الرولة يبيعون من ثلاثين إلى خمسة وثلاثين ألف جمل في الجولان . بينما باعوا عام 1927م قرابة اثني عشر ألفاً منها ، قبل أن ينزل العدد إلى حوالي ثمانية الآف فقط . أما الضرائب التي كانت تجبيها ، فلدينا عنها رقمان هما : 3500 ليرة تركية عام 1907م ، و 2000 ليرة عام 1908م .



تسلحت الرولة في أعقاب الإنسحاب التركي ( 1918م ) ، ويمكن القول إنه يوجد في كل واحدة من خيامها بندقية حديثة الطراز ، فضلاً عن ثلاث رشاشات تمتلكها القبيلة ذاتها .
ثمة عروة وثقى تشد المحلف ، ( السوالمة ، والعبدالله ، والأشاجعة ) إلى الرولة . بل إن القبيلتين شكلتا إلى بداية القرن التاسع عشر قبيلة واحدة هي الجلاس . يخيم المخلف عادة إلى الشمال من الرولة .



http://a4.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc6/262064_193474094037105_100001235470710_564687_2779 394_n.jpg
الشيخ سطام بن حمد الشعلان يستضيف المستشرق الالماني في مضاربه 1899 م

http://a6.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash4/262064_193474090703772_100001235470710_564686_8029 455_n.jpg
الشيخ النوري بن هزاع بن نايف الشعلان شيخ الروله لمدة طويلة

http://a3.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash2/36998_103037563080759_100001235470710_15207_666034 _n.jpg
الشيخ سطام بن حمد النايف الشعلان تصوير المسشتر الالماني أوبنهايم 1899 م



أسرة شيوخ الرولة


غدت أسرة ابن الشعلان أكثر أسر الشيوخ شمال جزيرة العرب أهمية ، وهي مكانة لا تعود إلى نبالة موروثة ، بل ترجع إلى السمعة التي اكتسبها شيوخها فيصل ، وسطام باشا ،و النوري ، خلال حكمهم الطويل .



هناك حكاية طويلة تقول : كان شعلان راعياً فقيراً يعمل في خدمة المرعض ( ب lll1 ) . وبينما كانت الرولة تنصب خيامها ذات مرة قرب واحة في نجد تركت جمالها تلتهم الزرع ثم سرقوا خراف ومعز السكان ، ولكن سكان الواحة إستولوا على الجمال وهددوا بتركها تموت جوعاً . أراد شيخ البدو تسوية الموضوع بالحسنى ، لكن شيخ القرية رفض مفاوضة أحد غير شعلان ، الذي كان معارفه .



وافق الأول على طلب الثاني وأعطى ختمه للراعي ، الذي طلب ضمانات من الفرجة والربشان ( ب lll 3، 4ح ) بتنفيذ ما قد يتم الوصول إليه من اتفاق ، وحصل عليها بعد وقت قصير. عندئذ ، تم تبادل القطعان المسروقة ،و تخلى الفلاحون عن التعويضات التي كانوا قد طلبوها عن حقولهم المخربة . لكن شعلان احتفظ بالختم ، ثم تخلص بعد أربعة أعوام من الشيخ بمساعدة الفرجة والربشان وأهل الواحة ، وتولى قيادة الرولة . بهذة الطريقة ، إنتقلت المشيخة من القعقاع ( ب lll 4 ) إلى الشعلان .



تنقسم عشيرة الشعلان إلى خطين رئيسين : المشهور والعبدالله . وقد أزاح العبد الله المشهور في مطلع القرن التاسع عشر . ومع اننا لا نمتلك معطيات أكثر حول هذا الحادث ، فإننا نعرف انه سبب جفاءً عميقاً بين الأسرتين استمر إلى أيامنا ، وتحول في منتصف القرن التاسع إلى حرب دامية حسمتها موقعة تل الجو خدار ( 1858م ) ، التي أعقبها تخلي المشهور عن شيخهم الأكبر فيصل بن نايف ابن عبدالله ، وانضمامهم في اليوم التالي إلى ولد علي . وفي هذه الأجواء ، أمر فيصل بقتل برجس المشهور ، ثم سقط هو نفسه عام 1864م ضحية عمل ثأري .



لم يعرف الشعلان تعاقباً وراثياً ثابتاً : فقد أعقب فيصلا ابنه طلال ، ثم أخوه هزاع ، وأخيراً ابن أخيه سطام ، الذي كان والده حاكماً قبل فيصل . عرف سطام ، الذي حكم منذ أواسط السبعينات ، كيف يستخدم طريقته الرصينة للحفاظ على مصالح الرولة رغم تعاظم نفوذ الحكومة على البدو . وقد تلقى لقب الباشوية وبعض القرى هدية من السلطان عبدالحميد ، وقد زرته شخصياً عام 1899م في النقرة . مات سطام باشا في شتاء عام 1901م في فروع الوديان ، في منتصف الطريق بين دمشق ونجد ، تاركاً وراءه أربعة أبناء هم : مشعل ـــ أمه ثقلا بنت فايز بن تركي ابن مهيد ، وطراد ـــ أمه من قبيلة السرحان ـــ . تولى مشعل ، الابن الأكبر ، الحكم بموافقة الحكومة ، رغم أنه تخطى أبناء هزاع ، سلف سطام : فهد والنوري .



كان مشعل يخيم حتئذ مع فهد ونوري ، فانفصل الآن عنهما ولازم زيد والمجول ، فخذي الشعلان ، اللذين دعما ترشيحه بقوة . وقد أخفقت جميع مساعي فهد ونوري لا جتذابه من جديد إليهما .
ذهب مشعل ، ذات يوم ، إلى دمشق لأمر يخص القبيلة ، يصحبه خمسة فرسان من الرويشدات ، فتبعه نوري برفقة اثني عشر


محارباً إلى أن أدركه في اليوم الرابع عند الصيقل ، على مسير ست ساعات من الضمير . سقط مشعل في تبادل إطلاق النار الذي تم بين الجانبين ( 1902م ) ، فسارع نوري إلى العودة كي يستولي على المركب ، علامة المشيخة . لكن تركية ، أرملة سطام ، عارضته ، بدعم من زيد ومجول ، وأجبرته على الأنسحاب من المكان ، ثم سافرت إلى دمشق كي تعين ابنها خالد في منصب الشيخ . من جانبهما ، ذهب نوري وفهد إلى هناك لتمرير



مطالبهما . فرض الوالي ـــ ناظم باشا ـــ متصرف حوران ـــ إبراهيم فوزي باشا ـــ البتّ في الأمر ، لأن الرولة كانت آنذاك في مقاطعته ، فنظم استفتاءاً بين قادتها في الجوخدار ، قرر تعين فهد شيخ المشايخ وألزمه بدفع 300 ليرة تركية سنوياً كتعويض إلى منافسه خالد .



بقي فهد أعواماً ثلاثة سيداً أوحداً للقبيلة . لكنه تشاجر عام 1904/1905م مع نوري ، الذي سعى بدوره إلى الحصول على تعويض مرتفع منه . إتجه الرجلان ، بمجرد أن قادهما الصيف من جديد إلى ضواحي دمشق ، إلى الحكومة ، حيث حاول كل منهما تقديم عرض ضريبي يغريها بمبالغ أكبر ، علّه يكسب بذلك دعم الوالي ، الذي حدد من جانبه عائداً ضرائبياً إجمالياً قدره ثلاثة آلاف


ليرة تركية ، جعلهما مسؤولين كلاهما عن دفعه مناصفة ، وترك لهما اقتسام ما يفيض عنه من مدفوعات الرولة . بعد عودتهما إلى مضارب القبيلة ، دعا نوري أخاه فهد ، الذي كان قد أرسل أبناءه لجباية الضرائب ، وأمر رميح ابن المعبهل بقتل فهد خارج الخيمة عقب تناول طعام الغداء . وكان نوري قد استولى في الليلة ذاتها على المركب ووضع يده على قطعان فهد ، التي ضمت ثلاثة الآف جمل وأحد عشر حصاناً . فر أبناء القتيل إلى



رشيد ابن سُمير ، شيخ ولد علي في عين ذكر ، وذهبوا من هناك إلى دمشق لإقامة دعوى قضائية . أجبر الوالي نوري على رد قسم من الممتلكات ، لكن السلام لم يستتب بين أسرتي الأخوين ، قد حاول أبناء فهد مرات كثيرة الثأر من نوري ، لكن محاولاتهم أخفقت أول الأمر ، ثم أدت إلى هزيمته بعد بضعة أعوام .
إنفجرت عام 1909م اتفاضة درزية قمعها سامي باشا ، الذي ألزم الدروز بتسليم أسلحتهم ، ومنع ، في الوقت نفسه ، البدو من الإنقضاض عليهم ، لأنهم أصبحوا شعباً أعزل . عندما اختطفت


الرولة في شباط من عام 1910م عدداً من قطعان الدروز ، وتعرض نوري للمساءلة ، رغم أن برد الشتاء أودى بالقسم الأكبر من المواشي ، وأنه لا يستطيع ، لهذا السبب ، رد القطعان المسروقة . عندئذ ، أمر سامي باشا باعتقاله وتسليم قطعانه إلى الدروز ، وعين فارس ، الابن البكر لفهد شيخ مشايخ الرولة .



بعد موت سامي باشا ، في العام ذاته ، شعر فارس أنه لم يعد آمناً ، ففر إلى رشيد ابن سُمير ، الذي كان يتعاطف علناً مع أبناء نوري ، الذي كانوا في هذه الأثناء قد تقربوا من أبناء سطام أيضاً ، وجد فارس نفسه معزولاً كلياً . وأخيراً هرب وتخلى عن المركب " المشيخة " ، لتعود قيادة القبيلة من جديد إلى نوري ، الذي صالحه عندئذ .



وكان قد صدر عفو عن نوري عام 1912م ، قبل فترة قصيرة من نشوب حر البلقان ، توطدت مكانة نوري منذ ذلك الوقت ولم تتعرض لأي اهتزاز ، بل إنه منح لقب الباشوية فيما بعد ، ودأب في الآونة الأخيرة على أن يكنى بـ " الأمير " .


جمع نوري ثروة خاصة كبيرة ، رغم ضياع واحتي الجوف والكاف ، فهو يمتلك بيتاً في دمشق وأراضي وسيارات عديدة . وقد قدم موزيل في مواضع كثيرة من كتابه الجديد حول رحلاته ، وخاصة في البند الخاص بالرولة معلومات دقيقة عن أوضاعه المالية قبل الحرب ، تخبرنا أن مصادر دخله الرئيسة كانت واحة كاف ، حيث يوجد وكيل ينوب عنه ( هو من العبيد بطبيعة الحال ) ، يقدم له كل عام ضرائب تبلغ خمسمائة مجيدي ، مع أنه ـــ نوري ـــ لا يملك ، على ما يبدو ، أرضاً في الواحة ، بعكس أبناء عائلات



الشعلان الأخرى كعائلة سطام وطلال . وعادت الإضافة التي فرضها على ضرائب الحكومة بربح هائل عليه ، قدرته مصادر رسمية بـ 12% لكنه رفعه إلى أن بلغ قرابة خمسين بالمائة من قيمتها ، كما يقال ، وهو سلوك يقال إن الشيوخ المحليين احتذوه فيما يتعلق بالضرائب التي تؤديها قبائلهم . تلقى نوري أيضاً بعض المال من الأتراك ، الذين ما لبثوا أن زادوه كثيراً إبان حكم الملك فيصل . بالإضافة إلى ذلك ، يجب أن لا ننسى الخوّة المفروضة على المرور في وادي السرحان ، ونصيبه من الغنائم ، عائدات قطعانه ، التي كان يبيع منها كل عام من عشرين إلى ثلاثين جملاً ، ومن أربعة إلى خمسة خيول . هذه الواردات



قابلتها نفقات تصل إلى حوالي 1200 ليرة تركية ، صرفت من أجل شراء مواد غذائية وعلف خيول وثياب وخيام وذخيرة ، دون حساب نفقات الهدايا والضيوف . أخيراً ، كان نوري يدفع حصصاً من الإضافات الضريبية تذهب إلى زعماء عائلات سطام ( 150ليرة تركية ) ومجول ( 20 ليرة تركية ) ومشهور ( 50 ليرة تركية ) .



رغم دخله المرتفع ، عاش نوري حياة غير مريحة في الصحراء . ذلك أنه فقد سلطته على عائلته ، بينما انهمكت نساؤه وعبيده في سرقته ، فلم يبق لديه بالكاد أية فرصة لقضاء لحظة هانئة في خيمته ، أو لتناول طعامه بهدوء .


إستقر نوري بعد الحرب العالمية في دمشق ، حيث تعرضت صحة الشيخ الذي تخطى الثمانين إلى متاعب شديدة في سنواته الأخيرة ، حتى أن المرض كان قد فتك به عام 1929م ، عندما قابلته في بيته الدمشقي ، الذي امتنع تماماً عن الخروج منه.



لم يبق من أخلاف نوري المذكور غير حفيده فواز ، الذي كان شبابه بدوياً حقيقياً ، ثم تعلم عادات أوروبا الحسنة والقبيحة ، بعد أن زارها مرتين . وهو اليوم نائب الرولة في البرلمان .



-------------( يتبع 7)

جلال الدرعان
03/07/11, (05:53 AM)
مورس ورفاقه في مضارب قبيلة السبعة الوائلية




اسم الرحلة : البحث عن الحصان العربي (مأموريّة إلى الشرق) .
تاريخ الرحلة : 1323هـ / 1905م .
ترجمه من الإسبانية وعلّق عليه : د. عبدالله بن ابراهيم العمير.
الناشر : دارة الملك عبدالعزيز، الرياض، 1428هـ.


الرحالة هو : ل. اثبيتيا دي مورس، ضابط في الجيش الإسباني، أرسل من ضمن وفد إلى بلاد الشام، من قبل حكومة إسبانيا؛ لجلب الحصان العربي الأصيل؛ لتحسين السلالات الموجودة عندهم هناك.




قال مورس في ص 159 : أمضينا ليلة التاسع مستقبلين اليوم العاشر من شهر يوليو (تموز) بين أبناء فخذ طوقان وذلك حتى الواحدة صباحاً، حينما حللنا خيمنا وامتطينا الجياد متوجهين صوب مضارب السبعة. وبهذا فقد أصبح من الواضح من خلال تحركاتنا النشيطة أنه إذا لم نعثر على الجياد المقصودة فإن ذلك ليس بسبب تقصيرنا في البحث عنها.

عشيـرة السبعة :

إلى أن قال : في هذه المهمة أمضينا وقتاً طويلاً يتراوح بين ثماني ساعات وتسع، حتى أعمل فينا الحر عمله في الحادية عشرة صباحاً، عندها وصلنا إلى مضارب السبعة الواقعة في منخفض ضيق من الأرض - وإن كان ممتداً في طوله - ويسمى خطأ بالوادي وهو المعروف بمنخفض العويسية Ahuayes، وهو واد لا أودُّ حتى مجرد تذكّر اسمه.


ويضيف في نفس السياق : في ذلك المنخفض أقامت أسر هذه القبيلة العظيمة ما يقرب من أربعة آلاف خيمة (بيت)، شاغلة مساحة تصل إلى مد البصر في هذه المضارب الكثيرة السكان. وحين أصبحنا داخل هذه المنطقة تابعت قافلتنا مسيرتها في طابور عبر الدروب التي تكونت بين تلك الخيام التي نسجت من وبر الجمل وشعر الماعز القاتم دون أن نلحظ أي استغراب أو فضول من جانب السكان لحظة مرورنا بهم.


لا الرجال ولا النساء، ولا حتى الأطفال الذين مررنا بهم في طريقنا أبدوا أدنى اهتمام بوجودنا، متابعين طريقهم أو عملهم دونما اكتراث بنا. لا شئ من تلك النظرات العدوانية ولا الاستطلاعية؛ إن تعبيرات وجوههم كانت أشبه بتلك التي تبدو عليهم حين يمر بهم أحد جيرانهم.




استمر بنا المسير عبر دروب تلك المضارب ذات الخيام القاتمة السوداء ما يقرب من ثلاثة أرباع الساعة حتى وصلنا إلى خيمة كبير القوم التي كانت منصوبة في أحد أطراف المخيم.




كان شيخ القبيلة عجوزاً في الخامسة والستين من عمره، يسير بصعوبة، ومع ذلك، فإنه خرج في لطف لاستقبالنا بمجرد أن وطئت أقدامنا التراب وأخذ خوسيه يقدمنا إليه، فصافحنا مباشرة، فسلّم على القائد، ثم عليّ وعلى ضابط الإدارة العسكرية والطبيب البيطري، وذلك على غرار ما يمكن أن يفعله الحاجب الأكبر لبلاط ملكي عظيم.




بعد ذلك جلسنا على يمين الشيخ تحت ظل خيمته المفروشة بالسجاد والوسائد، في الوقت الذي بدأ رجال القبيلة يتوافدون علينا متجهين إلى زعيمهم للسلام عليه بإعزاز وإكبار قبل أن يفترشوا الأرض، في حين أخذ عبدٌ أسود يمعن الدق بطرقة تنم عن مهارة فائقة بيد المهراس (النجر) الذي يطحن فيه القهوة التي سيقدمها لنا. ولقد ذكر لنا خوسيه أن هذه الدقات تطلق على شرف كبار الزوار من الضيوف. ولأنني سبق أن تكلمت مراراً عن هذه القهوة بشيء من الازدراء والجفاء، فلنشاهد كيف يعدها ويقدمها هؤلاء البدو لضيوفهم.


فعلى مقربة من الخيمة وأمام ناظرينا أخذ العبد حفنة من حبوب البن التي ما إن وضعها في محماس من الحديد، حتى بدأت تنبعث منها رائحة ذكية، لولا أن الدخان المنتن الصادر من ذلك الوقود الوحيد في الصحراء يعمل على تعكير تلك الرائحة. ففي هذه الصحراء يصبح بعر الجمل الأكثر صلابة من روث الجواد، البديل الوحيد للخشب أو الفحم اللذين يغيبان عن الساحة تماماً.




وما إن تنتهي عملية حمس البن حتى يُنقل إلى المهراس (النجر) حيث يُظهر هنا العبد مهاراته في إطلاق دقات يد المهراس (النجر) ذات الإيقاع الموسيقي المتعدد، وذلك حسب الدرجة التي يتمتع بها الزوار من الضيوف.




وبعد ذلك يوضع البن في مرجل نحاسي (دلّة) فيه ماء يغلي، ويترك على هذه الحالة مدة عشر دقائق، ثم يقدم بعدها للحاضرين. ولا يضاف السكر إلى القهوة إطلاقاً، بل يوضع بدلاً منه قليل من حبات بذرة مُرّة ولاذعة يسمونها الهيل، أو قليل من الزعفران وذلك لجعل مذاقها أكثر قبولاً. ومما يلحظ أن هذا المشروب المرّ يعجب الأتراك والعرب على حدٍ سواء، وفي الوقت نفسه فإنهم يجهلون الشاي ويحتقرونه، وفي المقابل فإن المغاربة الذين يطلق عليهم الكثير خطأ العرب( ) يشربون الشاي بشكل كبير.




ولقد تناولنا أربعة فناجين أو خمسة كانت نصيبنا خلال تلك الدورات الكثيرة التي مرّ بها العبد بيننا حتى يفرغ محتوى الدلّة. وتجدر الإشارة إلى أن أول من كانت تقدم له القهوة هو رئيس الخيمة وذلك حتى يبرهن للجميع أنها لا تحتوي على السم.




وعلى مدى هذا الاستقبال الطويل الذي يحضره كل أشراف القبيلة دارت محادثات أعربوا فيها عن سعادتهم باستقبالنا، وعن حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلمه، وعن أن السلام الإلهي يكون مع الملائكة، ونحو ذلك. وعلى أية حال فقد دار الحديث عن الكثير من الأمور عدا ما جئنا نبحث عنه. ومترجمنا حاذق يعرف جيداً هذه العادات، ولن يقبل أي شيء في الدنيا مقابل كسر هذا النظام العرفي.




هؤلاء الناس الذين يبدو عليهم عدم التحضر لا يعدمون تفاصيل المجاملة. فحين أدرك زعيم القبيلة أن القوم ينصبون خيامنا في مكان ناءٍ أصدر أوامره على الفور بأن تزال خيام البدو التي كانت تحيط بخيمته كي تنصب خيامنا بجواره، ولم يسمح لنا بالخروج من خيمته إلا بعد أن قدموا لنا الطعام.




هذا الوقت الطويل أمضيته أسجل انطباعاتي في دفتر الذكريات. الأمر الذي جعلهم يعتقدون - وفقا لما قاله خوسيه - أن زيارتنا كانت تهدف إلى الكتابة عن عاداتهم، وهو أمر لا يروقهم. وهكذا فليس أمامي من حيلة إلا أن أحفظ دفتري وأنتظر.


ها هو ذا الطعام جاهز يا سادة.


أحضر أربعة من البدو صينيتين نحاسيتين كبيرتين يمسكون بكلتيهما من مقابضهما، وتبدو الاثنتان غير عميقتين، ولكن قطرهما يصل إلى المتر. فوق كل واحدة من الصينيتين وضعت كمية من الأرز المطبوخ وخروف مشوي قطع إلى أوصال صغيرة. زعيم القبيلة وابنه – ولي عهده – واثنان أو ثلاثة من علية القبيلة جلسوا معنا متحلقين حول إحدى الصينيتين. كما كانت الصينية الأخرى تلوح لنا وسط ندمائها.




ليس هناك من خوف على المائدة من الحركة، لأنه لا أحد ينتظر أن تقوم زلازل. بعد ذلك ألقى الرئيس العجوز نظرة على الحضور كي يتأكد من أن الجميع كانوا في أماكنهم، فمد يده اليمنى وتناول بها قبضة من الأرز الدسم فكبسها، وأخذ يحركها حتى أصبحت على هيئة كرة ثم رفعها إلى فمه وابتلعها كاملة كما لو كان ديكا رومياً. وبعده شرع بقية البدو يقلدونه فيما يفعل، ويواصلون ابتلاع الكريات بسهولة وسرعة مذهلتين. كان خادمنا أراكيل (Arakil) قد تنبه أن يحضر لنا معه بعض الملاعق، فأخذنا نتناول بها الأرز المطبوخ بالماء المبتل بمرق الخروف. أما قطع اللحم المشوية التي تخرج مدسوسة في الأرز فكان لها طعم طيّب ويمكن أكلها، ولكن الأمر المنفِّر هو أن يعمد البدو إلى إخراج العظم نصف المقروض من أفواههم ثم يلقون به مرة أخرى فوق الصينية حيث تختلط هذه العظام المنهوشة بالبقية التي لم تمس بعد.




بقايا هذه الوليمة سوف تكون بمثابة المائدة الثانية التي تقدم للنساء والأطفال والخدم من أهل علية القوم الذين سيجدونها مأدبة شهية.




وما إن تنتهي الوليمة حتى يحضر أحد العبيد جفنة، وصابوناً، ومنشفة وقدراً فيه ماء يصبه على أيدي الضيوف، فيغسلونها جميعاً بكل عناية ودقة، هذا بالإضافة إلى غسل الفم والأسنان التي يهتمون بها أيما اهتمام.



بعض الحاضرين من البدو تبدو على ملامحهم العظمة والوجاهة. كما تبدو فيها وفي شخصيتهم الخطوط الصحيحة للسلالة القوقازية النبيلة التي هي أصل الأوربيين المنتمين إلى هذا العرق. وهؤلاء يبدون طوال القامة، وجهاء، يمشون مشية هادئة، ولكنها سهلة، أساريرهم تحرقها الشمس، ولكن جلودهم صافية، لا تجعدات فيها. لحاهم الحريرية السوداء أو الكستنائية، وأنوفهم الحادة، وشفاههم الرقيقة، وعيونهم السوداء أو المائلة إلى الخضرة، كلها تكمل المجموع الظريف لهؤلاء البدو الرحل الذين يفدون في تواضع وأدب إلى الزيارة دون أن يكون هناك مجال يظهرون فيه ما بهم من غرائز لخيانة همجية هم على استعداد لها في كل لحظة. هنا نحن أولاء نتعرفهم تباعاً بناء على أعمالهم حتى نُكوِّن انطباعاً يكاد يكاد يكون قريباً من تحديدنا لذكائهم وأخلاقياتهم .





ذاك المساء أعاد الزيارة إلينا زعيم القبيلة فرحان باشا، يصحبه ابنه الأكبر الذي سوف يخلفه في قيادة القبيلة. هذا الوريث الذي كان في السادسة والعشرين من عمره، وذا قامة قصيرة، وبنية جسمانية ضعيفة، سبق أن أمضى وقتاً في القسطنطينية بدعوة من السلطان الذي أجزل له العطاء والمكافأة، وخلع عليه اسم قائد الجيوش السلطانية، كما خلع على أبيه لقب الباشا، وهي منح شرفية عادة ما كان يمنحها السلطان عبدالحميد لرؤساء قبائل البدو حتى يجعلهم مؤيدين له، ويدخل عليهم السعادة والغبطة.



حينما دلف الشاب الوريث إلينا وعرف منصبي نادي مترجمنا حتى يخبرني بأننا زملاء له، فقد كان هو الآخر يشغل منصب القائد. وهنا قبلت مرحباً بهذا الأمر من قبل هذا الزميل غير المعصوم، مُذكّراً إياي بأنه لا يصدر بين الأصدقاء أي نوع من المضايقة حتى ولو في الجحيم، وتعمدت أن أظهر مزيداً من الاهتمام به فجلست إلى جواره.



وشيئاً فشيئاً توافد علينا علية القوم، فجلسوا القرفصاء حول الميدان الذي تكوّن منه مخيمنا، ثم بدأ عرض أفراس هؤلاء الحضور بنظام وهدوء.



لا أدري كم كان عدد الجياد التي عايناهان لقد كانت كثيرة، ومعظمها رديء بكل صراحة، ولكن بعضها كان يستحق أن يفحص بدقة وعناية أكثر. ولكنهم بلا شك لحظوا أن اللجنة لم تظهر ذلك الاهتمام الذي ينشدونهن فانصرفوا بالجياد مباشرة بمجرد أن أنتهينا من مشاهدتها.


وهكذا انتهى العرض عند غروب الشمس، وحينما تمكنت من الاستمتاع برؤية ذلك المنظر العظيم الذي رسمته الطبيعة في عمق أفق الصحراء.



إن أذواد الجمال الكثيرة، والقَدْر الغفير من قطعان الأغنام والماعز قد بدأت تعود إلى المخيم من مراعيها البعيدة، تلفها سحابة من الغبار، وتلونها أشعة الشمس الملونة عند غروبها. وشيئاً فشيئاً بدأ الضجيج يتزايد جرّاء حركة كل هذه القطعان، فجعلنا نميز الأصوات الموزعة والملحنة التي كان الرعاة يحدون مواشيهم. كما كنا نلحظ ظلال الإبل التي كانت ترتسم بالآلاف في صفاء الشفق الغائب؛ وفي ذلك الوقت كان الرعاة يطلقون بين الحين والآخر طلقات نارية وهمية كي يُفزعوا الضباع وبنات آوى التي تختبيء بين المواشي.


تلك الموجة الحية التي تتقدم عبر بحر من الرمال كانت مهمة في تأمل تلك اللوحة الجميلة التي رسمها ظلام الليل. وحين بدأت أسرح بأفكاري، لا أدري شيئاً عن الزمان أو المكان الذي كنت فيه آنذاك، ظننت للحظة أنني حلَّقتُ في الأزمنة السحيقة ليعقوب، وانتهى بي الأمر إلى التمتمة ببعض الأدعية.
لقد قرأت ذات مرة لكاتب فرنسي على اطلاع على هذه المواقع قوله: إن الذي لا يضع أملاً في العناية الإلهية عليه أن يمضي ليلة في الصحراء.



عندما وصلت قطعان من آلاف الإبل وأسراب لا تحصى من الماعز والخراف إلى المخيم توزعت كقطعة أرض لمجلس البلدية، هنا وهناك حول خيام أصحابها بحيث تستقبلها النساء أو الأولاد الذين يداعبونها ثم يبركونها على الأرض، وهو عمل ينفذونه بكل وداعة وألفة لا تصدق. في حين يربطون واحداً أو اثنين أو ثلاثة من الجياد قرب باب الخيمة، وعدداً مماثلاً من الرماح الطويلة المغروسة في الأرض دليلاً على استعداد المحاربين من أبناء الأسرة للدفاع عن ممتلكاتها.



وقد وعدنا الباشا (زعيم) القبيلة بأنه سوف يرسل لنا مبعوثين إلى مضارب أخرى موالية له حتى نتمكن من رؤية ما لديهم من جياد. ولكن بدأت بين أعضاء اللجنة حالة من الشك (لم أكن مشاركاً فيها) في أنهم يخفون عنا السلالات الجيدة. وحتى نخرج من حالة الشك هذه اقترحت أن يقولوا لزميلي البدوي: إنني أرغب في القيام بجولة على ظهر الحصان عبر خيام قبيلته القوية، ولم يمانعنا ابن زعيم القبيلة هذا المطلب، وعرض أن نترافق في الصباح الباكر من اليوم التالي، والذي سوف نتجول فيه وبصحبتنا المترجم والطبيب البيطري عبر كل مكان.



وحين عزمنا على الانصراف طلباً للراحة في خيامنا، تقدم إلى خوسيه ثمانية من محاربي القبيلة مدججين بالسلاح، وهم يحملون سيوفاً طويلة ومحدبة، أنصالها لامعة وتتدلى من احزمة علقت على أكتافهم اليمنى؛ وتنبئ هذه السيوف بكل وضوح عن القرون الكثيرة التي مضت عليها منذ صنعها إلى اليوم. وهناك كذلك خنجران أو ثلاثة كنا نرى مقابضها فوق الزنار الذي يشدون به أوساطهم، وفوقها الكنانات الطويلة المعترضة على صدورهم وتعج بخراطيش الطلقات الخاصة بالسلاح الناري الذي كان يحمله هؤلاء المحاربون المدافعون عنا. كانوا يُمثلون الحرس الليلي الذي بعثه باشا القبيلة للمحافظة على أمننا. وعندما قدموا لنا أنفسهم توجهوا إلى أماكن حراستهم منقسمين إلى اربعة أزواج بحيث أحاطوا بخيامنا. ولقد جلسوا على الطريقة العربية قابعين على الأرض بحث تكاد تصل ركبة كل منهم إلى مستوى لحيته.



إن هذه الضيافة التي يستقبلنا بها هؤلاء البدو تعد أسطورية، فهم يُقدِّسون ضيوفهم (حسب قولهم). أما أنا فقد شعرت هنا بالأمان أكثر مما لو كنت في بيتي، وكنت على استعداد لأن أنام في هدوء (أمر كان ينقصني بحق)، في الوقت نفسه الذي بدأ فيه زوج الحرس القريب من الخيمة التي أشغلها أنا والقائد تعلو أصواتهما قليلاً بالغناء. وبشكل متواصل، بدأ رجال الحراسة القريبة منها بالغناء الذي يشبه الأناشيد الأندلسية بطريقة تحمّلتها على مضض، وهذا اضطرني لتأجيل ما انتويت غناءه لمورفيو (Morfeo) لوقت آخر.



وها هو ذا الظريف خوسيه الذي يسهر على راحتنا يأمرهما بالصمت، وأخذ يترجم لنا المعاني التي انطوت عليها تلك الأغاني التي تقول: اليقظة أيها الرفاق، اعتنوا براحتهم! السلام من عند الله وعباده يحفظونه... إلخ.



وقبل أن يطلع النهار استيقظنا حتى لا نجعل رفيق الصحراء ينتظر كثيراً. ولقد كان خادمنا يواكين (Yoaquin) (الأرمني الأصل مثل أراكيب) يظهر لي دائماً عاطفة فريدة، وذلك دون شك نوع من الامتنان لما قدمته في حلب من إكرامية يسيرة إلى والده العجوز. إذ أعدَّ لي في ذلك الصباح - مكافأة من عنده - قدحاً لذيذاً من حليب الناقة. وحين لحظ حيرتي وارتباكي ألح في إطرائه لطعم الحليب الذي - في الواقع - أعجبني كثيراً، إنه أكثر سيولة وأحلى من لبن البقر، وأكثر كثافة من لبن الأتان. وربما يكون لبن الفرس الذي ذقته في العام التالي في روسيا هو أكثر أنواع الحليب شبهاً في الكثافة والطعم بلبن الناقة، الذي بات مقبولاً من قبل جميع أعضاء اللجنة منذ ذلك اليوم.



وقبل طلوع الشمس كنا نمتطي الجياد مع ولي العهد صاحب القلب الجريء، والطبيب البيطري بييدما والمترجم خوسيه.


أمضينا حوالي خمس ساعات نجوب الطرقات التي تُكوِّنها خيام القبيلة، كانت دروباً متقاطعة ومتشابكة، وكنا نتوقف حينما نشاهد أحد الجياد المميزة هنا أو هناك. فقد كانت الأمهار والأفراس لا تذهب إلى المراعي مع بقية قطعان الماشية، بل تبقى ليل نهار مربوطة أمام أبواب الخيام حيث تأكل علف الشعير والتبن أو الحشائش، يلقونه إليها في بطانية أو على الأرض. إنه لمن المحزن والمثير للعاطفة أن يرى الإنسان هذا الحيوان النبيل مكبلاً بالحديد ومربوطاً في عمود حديدي كما لو كانت قيوداً ثقيلة، مادّةً أعناقها وثانية سيقانها في أوضاع متوازنة حتى تتمكن من الوصول إلى موضع العلف الذي تلوكه. وإذا ما كان ذلك أمراً يسيراً، فإنها تربط من إحدى أرجلها إلى وتد من الخشب أو الحديد مغروس في الأرض. أما ذلك المهر الرضيع الذي لا ينفصل عن امه فإنه يظل حراً طليقاً، ولكنه حين ينهي أمد الفطام فإنه سيلاقي هو الآخر هذا الأسر القاسي الذي تعانيه أمه. وهنا تبدو بشكل واضح وغير غريب عيوب التكوين التي نلحظها دائماً في الجياد البالغة، التي تبدو على كثير منها ملامح النبل من اصل أرستقراطي عريق؛ ولكننا أصبحنا مقتنعين بأن هذا لا يكفي. فعند رؤية أيسر العيوب في أطراف تلك الجياد كانت تُرفض بشكل قاطع من قبل لجنتنا، يا للحسرة!



إن مؤلفاً عريق التخصص في هذا المجال مثل كونت كومينخس يذكر في كتابه خيل الركوب الحكمة الآتية: إذا كنت تبحث عن حصان دون عيوب، وعن امرأة تتصف بالجمال، فإنك لن تمتلك لا حصاناً مفيداً في إصطبلاتك، ولا ملاكاً في سرير نومك .



وباختصار، فخلال هذه الجولة لم نعثر سوى على ثمانية أفراس أو تسعة يمكن عرضها هذا المساء أمام القائد للمعاينة بعد أن تأكدنا واقتنعنا بأنهم لا يخفون عنا شيئاً أفضل مما رأيناه.



وينبغي أن ألفت الانتباه إلى أنني لا أتحدث عن الأحصنة في هذا المحيط، إذ إن القبائل البدوية يفضّلون الاحتفاظ بها. فقد جرت عادة هؤلاء القوم على بيع الأمهار الصغيرة بعد فطامها مباشرة، أو بعد عامين من ولادتها على أكثر تقدير نظراً لعصبية الأحصنة وحرارة دمائها، بالإضافة إلى أنها تظل معزولة عن أمثالها من الذكور منذ ولادتها، وفي الوقت نفسه محاطة بالأفراس، وهي أمور تجعل من الحصان حيواناً ذا خطر متسماً بسرعة الغضب، وقد يصبح يُخاف منه كما يُخاف من السبع حين تقترب من أحد أبناء جنسه. ولهذا السبب، فإن البدو لا يحتفظون بالذكور من الجياد، ويأخذون إناث خيولهم ليلقحها أحد الفحول المميزة الموجودة بحوزة القبيلة أو تلك التي يجدونها خلال تجولاتهم المستمرة.



وفي مسيرنا ذاك توقفنا للحظات عند اثنتين أو ثلاث من خيام علية القوم الذين دعونا للنزول إليهم ليقدموا لنا القهوة. وأنا يا من أصبحت فاقداً للحياء تعودت أن أطلب دائما ذلك الحليب الذي يطفئ العطش ويرطب حرارة الجسد.



في إحدى الخيام التي توقفنا عندها رأيت صقراً مدرباً على صيد الغزلان، وكان أول طائر عظيم أقف أمامه بإعجاب. وها هو ذا صاحبه يتركه فوق سبابة يدي اليمنى ويدعوني لرحلة قنص إذا ما كنا سنبقى لبعض الأيام. إن الفكرة لا يمكن لها أن تكون أكثر جاذبية لمن لديه مثلي هواية عارمة للصيد؛ لينقذني الإله من هذه الهواية المغوية! فقد أودت بحياة بعض المستكشفين الذين خرجوا وحدهم مُعرِّضين أنفسهم لأخطار ذوي السطوة الطامعين. إن الرغبة في حيازة ما يحمله المرء من أسلحة، والرغبة الطامعة في أيٍّ مما يمتلكه من أغراض، كلها أسباب تحث على الجريمة دون أدنى تردد.



إنه لا مجال للدهشة هنا حينما تلافيت عمداً عدم تقديم وصف في مذكراتي عن انضباط البدو.
وعندما انتهت الجولة التي قمنا بها بين أرجاء مضارب القبيلة، لم يكن ابن الزعيم مسروراً من نتائجها، مبدياً امتعاضه لما عايناه من عدد قليل من أفراس القبيلة.



وهنا قال للمترجم: إذا ما كانت المجموعة التي اخترناها تبدو لنا رديئة، فهناك فرس أبيه التي كان يمتطيها في تلك الجولة، وتحمّلت ذلك المسير الذي استغرق 12 ساعة منذ طلوع الشمس حتى غروبها، وكانت تتحمّل العدو دون طعام أو شراب. وهنا وجدت نفسي مضطراً لإطراء كل ما رأيناه؛ ولكن الشاب قد صعدت الذبابة إلى أذنيه، وما كانت هناك من وسيلة لإخراجها منها، ولا لإخراج فرسه مما هي فيه.



كانت الساعة حينذاك العاشرة صباحاً، وحينها تعرضنا لشمس شديدة حارقة، ولقد حاولت مرتين أو ثلاث مرات همز حصاني الصغير كي يسير على نغمة أو عَدْوٍ معين لمتابعة ما إذا كان سيتبعني؛ ولكنه لم يعبأ بما فعلت. ومرة أخرى حاولت أن أتباعد شيئاً فشيئاً بهدف أن أخرج هارباً صوب خيامنا في أول عاصفة تلفني، ولكن الأمير الأنوف، رابط الجأش قد فهم الأمر، فقال لخوسيه: إن النقيب يصنع ما نصنعه نفسه نحن البدو، كنا نخرج مجتمعين حينما نتجه إلى صفقة ما، ثم يعود كل منا بمفرده إذا كانت النتائج سيئة. وهنا ناداني خوسيه في الحال، وكان عليّ أن أتحمل مدة الساعة تحت حرارة الشمس الحارقة التي بلغت 48 درجة مئوية.




وبينما كنت أنا والطبيب البيطري نتابع معاينة المواشي، حضرت مجموعة كبيرة من البدو إلى خيمة القائد ليتفحص ما بهم من مرض، فهم يعتقدون بحسن نية أن كل الأوربيين يعرفون فن المداواة جيداً.


وهكذا فإن القائد الخامس وضابط الإدارة السيد فرنانديث توافد إليه جمع كبير من القوم للمعالجة حيث أخذ يصدر لهم وصفات كثيرة لما رأوه صعب التداوي. كذلك حضر زعيم القبيلة لاستشارة القائد علّه يجد وسيلة لعلاج آلامه وعرجه الذي يعاني منه في رجله اليسرى. وقد عَنَّ للقائد أن يخبره بأنني سوف أصف له علاجاً شافياً حيث إنني متخصص في هذا المرض وعلاجه. وحين وصلت ناداني بلقب الطبيب الخصوصي، وأن عليّ أن أذهب لكي أرى وأتفحص المريض القدير. وعندما أراني العجوز الطيب ساقه التي تؤلمه، وتفحصتها جيداً وبكل دقة كما لو كنت طبيباً ماهراً. كان الرجل المسكين يعاني من ورم في الركبة وتصلب في المفاصل، كما أن رجله توشك على الجفاف وحين عاينت المرض وقرر نوعية العلاج أمرت بإحضار ماء ساخن، وطلبت قطعاً من القماش النظيف غسلته بكل عناية، ثم دهنت ركبته بمرهم مسامي للدكتور ويندر (Dr.Winder)، كنا نحمله معنا في صيدليتنا الخاصة. ثم طلبت منه أن يستريح بضعة أيام، ولعله لم يكن بمقدور أشهر أطباء البلاط الملكي أن يفعل شيئاً أكثر مما فعلته، مع الفارق الذي يشهد لي بالأفضلية، وهو أنني لم أطلب منه مقابلاً لذلك. ولقد بات مريضي في غاية السعادة، ونحن دون ذلك المرهم المسامي الذي يمكننا أن نستخدمه في مناسبة أكثر ملاءمة.



تجدر الإشارة إلى أن الكاتب بلجريف (W.G.Palgrave) الذي سوف أتحدث عنه فيما بعد، قد ألمح إلى أن الذكاء الذي يتمتع به البدو أقل بكثير من ذلك الذي يتمتع به أي طفل في أوروبا.



إن حياة هؤلاء الناس لا بد أن تكون قصيرة جداً، وذلك بالنظر إلى عدد الأفراد المسنين القلائل بين هؤلاء القوم. ويعد مرض الدرن أبرز الأمراض التي تحل بهؤلاء الناس وأخطرها، وذلك لعدم وجود العلاج المناسب بصفة مطلقة.



إن مشاغلهم المعتادة تكاد تنحصر في الترحال والتنقل أو الحروب بين النبلاء الأثرياء. وكما يحدث في كل تكتلات الشعوب، توجد في هذه القبائل درجات اجتماعية مختلفة، أدناها تلك التي تقوم بعمليات الرعي، بوصفهم خَدَماً بالأجرة أو عبيداً لأولئك المقتدرين من هذه القبائل. هؤلاء يجتمعون خلال النهار تحت سقف إحدى خيامهم ممضين وقتهم في الجدال والحكايات التي تدور حول القصص والأساطير التي تتعرض لبطولاتهم ومآثرهم في الحروب والمعارك.



ومما يلحظ هنا أن النساء البدويات يرتدين عباءة زرقاء قاتمة للغاية، ويشددن محازم على أوساطهن، كما يضعن منديلاً من اللون نفسه معصوباً على الجبهة ويتدلى حتى الكتفين والظهر، على غرار ما تفعله المصريات، وتبدو النساء ذوات قوام ممشوق، ويرى من بينهن بعض الفتيات الشابات الجميلات، ولكن شفاههن السفلية تظهر موشومة بلون أزرق بحيث يعطي انطباعاً محزناً لنا، فنحن نفضل تلك الشفاة الناعمة الحمراء في النساء الجميلات.



أما فيما يتعلق بنسوة زعيم القبيلة وعلية القوم من البدو فما كن يظهرن لأحد، ويَقَرْن دائماً في خيام كبيرة على مقربة من خيمة وليهن. ومعظم النساء يعملن بغزل الصوف أو الكتان الذي يصنعن منه الأنسجة الخاصة بالملابس والخيام.



في الثانية ظهراً - أي في الوقت الذي كان رفقائي ينامون فيه القيلولة - كان هناك أمر أود فعله أنا، ما كان بإمكاني معرفة طعم النوم لأنني أكاد أتصبب عرقاً، وأسلّي نفسي بكتابة هذه الملحوظات والانطباعات وتسجيلها، وأرقب هؤلاء القوم عبر فتحة صغيرة في خيمتي.



إنهم يسقون مواشيهم ويحلبون شياههم وماعزهم، وهي المهام التي يبدي فيها الرعاة تمرسهم الجيد في مهنتهم، الأمر الذي لا يحلم أحد منا بأن يقوم به على الإطلاق.


وعلى مرمى بصري أشاهد أمامي قطيعاً من النعاج يصل عدده إلى 300 رأس ينتظر دوره للسقي. وهناك أربع نسوة يَمْتَحن الماء من بئر قريبة ثم يسكبنها في حوضين من النحاس الأبيض، فيشرب منهما ما يقرب من ثمانية رؤوس أو عشرة، بعد ذلك تُنهر هذه وتُبعد عن الأحواض بمجرد ضربها سطحياً على رقابها، ثم يُستبدل بها مبشارة أطراف أخرى من الأغنام تُعَدُّ كي تأخذ دورها في السقي، وهكذا تتكرر العملية بشكل منتظم.



وبعد أن تنتهي جميع المواشي من السقي تنتظم في طابور مكوّن من صفين متقابلين، فتبدو بينها شيئاً من الاتحاد والالتحام، فتخرج كل نعجة رأسها من بين أعناق ما يجاورها من نعاج بالطريقة نفسها التي تتشابك فيها أصابع أيدينا. وبعد أن تصبح المواشي في هذا الترتيب يبادر اثنان من الرعاة في كل جانب بحلب الأغنام في قدح من الخشب. ولا أحد – في واقع الأمر – يستطيع أن يتخيل الوداعة التي يحرزها العرب من حيواناتهم الأليفة.



إن المواشي التي تتصف بكثرة صوفها ويملكها البدو هنا هي من أصل خاص لم أرَه حتى اللحظة التي وصلت فيها إلى سوريا. إن ما فيها من صوف يبدو ناعماً وغزيراً جداً، ولكن ما يميز هذه النعاج حقاً هي تلك الأذناب التي تُعَدُّ مستودعاً للدهن، ويزداد حجمها ووزنها بشكل فائق، خصوصاً عندما تتوافر المراعي المغذية المناسبة. أما حين تقلّ المراعي فإن هذه الحيوانات تتغذى على الدهن المتراكم في أجسادها. أما الماعز فتبدو في شكل صغير، وجميعها ذات لون أسود، وتتميز بشعرها الطويل الزاهي الحريري، كما تتميز بطول آذانها المتدلية.



ويتبين مما ذكر أن العرب البدو هم في الأصل من مربي المواشي، إذ يقفون حياتهم دائماً لتربيتها والاتجار بها، ويبيعون من أنواعها الثلاثة: الجمال والخراف والماعز؛ أصوافها ولحومها في أزمنة وأسواق قائمة منذ مُدَد بعيدة. أما فيما يتعلق بالخيول أحصنة كانت أو أفراساً فإنهم يربونها ويقدرونها وكأنها شيء ضروري، ولا غنى لهم عنه في حياتهم المتنقلة والرعوية، ولكنهم لا يتخذونها بتاتاً مصدراً للثراء ولا سبباً للمضاربة، وفي مساء هذا اليوم بالذات أصبح بمقدورنا أن ندرك حقيقة هذا الأمر الواقع.



كانت الساعة تقترب من الثالثة عصراً حين كنا نجلس تحت ظل خيمتنا الكبرى برفقة زعيم القبيلة وبعض أعيانها نتفقد الأفراس التي رايناها صباح اليوم. وحول الساحة التي نوجد فيها جلست – حسب العادة – مجموعة من خمسين بدوياً لمتابعة عملياتنا.



وفجأة بدأت تتعالى فوق تلّ قريب منا أصوات مجموعة من الشباب دفعة واحدة، متكررة وبصورة إيقاعية، ظهر اثرها في أذني بهذه الصورة: أهو – أه .. أهو – أه .. أهو – أه ..!! ولم ينته بعد آخر المقطع حتى تكررت أصوات أخى بعيدة بالعبارات نفسها، وهكذا أيضاً ترددت الأصوات من جانب إلى آخر في المخيم، وأصبحت الأصوات تتردد كما لو كانت رجع صدى في كل الوادي.



لا زعيم القبيلة ولا الذين كانوا معنا بدرت منهم أدنى إشارة تدل على استغرابهم للموقف، وظلوا جميعاً في أماكنهم غير مكترثين لما يحدث، ولكن الذين أبدوا تطفلاً في الموقف بدؤوا يختفون من الساحة دونما عجلة تذكر بحيث خرجوا واحداً تلو الآخر. وقد أشار صاحب تلك الفرس التي كنا نتفحصها بحركة من يده إلى أنه سوف ينصرف؛ ولكن صوتاً صدر عن زعيم القبيلة أوقفه مكانه مع أنه لم يُبْد رضاه لهذا الأمر.



وأمامنا مر كالبرق فارس يحمل رمحه في صدر درعه، وخلفه ثان ثم ثالث، يظهر عليهم الحماس والتصميم نفسه. وفي ثوان قليلة، وزعوا المحاربين برماحهم الطويلة حول المخيم كاشعة أطلقت في الاتجاه نفسه. وقد أدركنا أن أمراً ذا خطر قد وقع فبدأنا نسأل زعيم القبيلة عما يحدث؟ فأجابنا: "إنه العدو على مرمى البصر". وعقب ذلك، وخرقاً لكل تقليد نهضت من مقامي متجهاً إلى البدوي الذي كان أمامنا فأمسكت بلجام فرسه ورأسها وأشرت إليه بيدي أن يقفز على متنها ويتوجه صوب ساحة الوغى؛ فَعَلَت ضحكاته وابتساماته وأخذ يضرب بيديه على صدره علامة على الشكر، ثم اختفى.



ومنذ تلك اللحظة تركنا مقاعدنا جميعاً دون أن نتوصل بعد إلى تقدير الموقف، أنظل متفرجين؟ أم مشاركين أيضاً في المشهد الذي يجري أمامنا؟!



يا لها من لحظة جميلة! يا لها من لوحة عجيبة! أو كما نقول الآن: يا له من فلم مشوق! ساد المخيم كله صمت مطبق. النساء والأولاد والرجال العُزّل ظلوا صامتين هادئين، ينظرون إلى المحاربين وهم ينطلقون كالسهام إلى مكان الخطر.



في دقيقتين فقط سرى ما يقرب من أربع مئة محارب في الاتجاه نفسه دون أن ينتظر أحدهم الآخر، متفرقين ومجتمعين صوب الهدف نفسه. إن خيال أي فنان لا يحلم بأن يرسم مثل هذه اللوحة وهذا العرض الكبير. ولقد كانت هناك لحظة شعرت فيها بأنني قد انتعشت بالحماس الذي أدخله هؤلاء الفرسان في نفسي، الذين خرجوا تلفهم سحابة بيضاء من الغبار كما لو كانوا طلقات بنادق. واسفت أنني لم أكن أحمل رمحاً كي أشهره على شاكلة أولئك الفرسان.



ومن فوق ربوة عالية كنت أرقب بناظور الرحلة التحركات التي تجري دون أن أبلغ مدى ما يحدث بعيداً عنا حيث تباعد الجميع تباعاً عن المدار الذي بلغته السحابات البيضاء التي بدأت تتلاشى بعيداً. ولقد تجمع حولي ما يقرب من عشرين رجلاً أبدوا دهشتهم وفضولهم حينما رأوني أوجه المنظار صوب الأفق البعيد، ومن خلفي أرادوا أن يدخلوا رؤوسهم كي يتمكنوا من الاستكشاف كذلك.



ومشفقاً على هؤلاء بما أرى لديهم من فضول وجهل ضعفت أمامهم فسلمته لمن هم أقرب إليّ. ما كنت سأفعله قط! ومثلما تتقاتل الوحوش على الفريسة فقد سقطت على الجهاز عشرون يداً في وقت واحد، متعاصرين ومتزاحمين لو لم أتدخل وسط هذا الزحام موزعاً لكمات ودفعات بكل ما أوتيت من قوة حتى تمكنت من استعادته. هؤلاء العشرون فرداً الهائجون، الذين بمقدور أضعف رجل فيهم أن يحطمني ظلوا ذليلين وخاضعين لما قمت به كما تجري السباع الضارية أمام سياط الإنسان.



وحين لم يعد يُرى شيء في الأفق سحبت نفسي من ذلك المكان ففتحت لنفسي طريقاً بين مجموعة المتطفلين الذين تعجلوا بتركي حراً وحيداً.


ولحسن حظ ابناء عشيرة السبعة، فقد ارتد أعداؤهم من قبيلة شمّر عن المكان حين علموا باكتشاف أمرهم. وسرعان ما تطاير الخبر بين القوم فهنأنا زعيم القبيلة على هؤلاء المحاربين الشجعان الذين يتزعمهم، فرد بقوله:" إن النساء لا يقبلن مضاجعة من لايكون متمتعاً بهذه الصفة من أزواجهن".
وقبل الغروب عاد الفرسان كلهم مجتمعين، يلحنون أغاني النصر التي أخذوا يكررونها بصوت واحد في صورة ترتيلية عالية. وهكذا وقعت الغنيمة التي بلغت (80.000) بعير في أيديهم دونما نقصان!!



ها هو ذا السبب والهدف الذي يحافظ من أجله عرب الصحراء على خيولهم.

وحين تحدثنا مع باشا القبيلة عن أصول إناث الجياد التي رأيناها، أخذ يبين أسماءها التي منها : صقلاوي، وحمداني، وكحيلان، وعبيان، وغيرها. كما أضاف إلى هذه الأسماء من الأصول المعروفة أسماء أخرى أظنها من أملاك أحد أصحاب بعض الأفراس التي أعطت شهرة في هذا الأقليم أو ذاك لهذا العدد الكبير من الجياد. وهو تقليد ينبغي ألاّ يصيبنا بالدهشة، فنحن في حديثنا عن الحصان الأندلسي نسميه باسم صاحبه أو مربيه، فهناك على سبيل المثال: كورباتشوس، روميروس، ثاباتاس، ميوراس، غريروس، ونحوها، وذلك نسبة إلى اشخاص يحملون هذه الأسماء ممن يربون الخيول.




وفيما يتعلق بعراقة الدم فليست كل الجياد تتمتع بهذا الشرف، وذلك طبقاً لأقوال البدوي العجوز. فحين تبلغ المهرة سن الثانية فإنها تُدرَّب على الجري ساعات كثيرة متتالية، حتى إذا ما أصابها الإعياء وتمرغت في الرمال، فإنه يُدني منها الشعير، فإذا ما اكلته في الحال، فهذا يعني أنها عريقة الأصل. أما إذا حدث عكس ذلك، فلن يكون بمقدورها إخراج صاحبها من مأزقه حين يهم بركوبها. هذه الحكم الرفيعة لدى العرب التي تأتي مزدانة بخيال لغتهم قد ملأت الغرب ونقلها إليه المستكشفون العلميون الذين خلقوا كل هذه الهالة التي هي نوع من الأكاليل المقدسة التي يحاط بها الجواد العربي.



وفي ص 182 وفي نفس السياق السابق قال مورس : إن التشدد الذي اتبعته اللجنة في البحث عن جياد ذات مواصفات معينة قد أسفر عن نتيجة مفادها أنه من بين ما يزيد على مئة فرس عايناها، ليس هناك سوى واحدة فقط هي التي تستحق السؤال عن ثمنها. وهذه الفرس بالذات هي نفسها التي كنا نتأملها في ذلك الوقت الذي حدث فيه الإنذار بالخطر بسبب هجوم أولئك الأعداء.



إن مالكها، وهو أحد أعيان القبيلة رفض أن يبيعنا إياها، ولكن زعيم القبيلة قد أجبره على ذلك. وما إن اتفقنا على ثمنها حتى دفع الضابط المكلف من بين أعضاء اللجنة الجنيهات الذهبية التركية لمالكها في كف يده، واحداً بعد آخر، وبدأ المترجم أيضاً في عدها بالطريقة نفسها. وقد قبل البدوي المال دون أن ينظر إليه، وفجأة أعاد يده، فأوقع كل ما فيها من مال على الأرض، وانصرف على مهل من ذلك المكان.



ولقد أكد الزعيم الذي تناول طعام العشاء معنا للقائد أن الفرس سوف تكون من نصيبنا على الرغم من معارضة مالكها. ولكن هذه المعارضة وبعض الكلمات الغامضة التي أدهشناهم بها حين رأوا الوزن الذي كانت حقيبة الضابط تزنه إذ كانت مليئة بالجنيهات الذهبية، كل هذا قد ولّد لدى اللجنة الشك وعدم الثقة بأن هؤلاء الغاضبين يعدون لنا واحدة من هجماتهم الشرسة.



هذا الشك وعدم الثقة شارك فيها أيضاً العريف المسؤول عن تمويننا، وذلك من خلال بعض المؤثرات التي لحظها، ما جعله يضاعف انتباهه.


بسبب هذه الأحوال، اتُّفق على أنه في منتصف الليل سوف نطوي خيامنا وسنغادر القبيلة دون أن نوضح ذلك لي فرد كان. اهـ .




غادروا قبيلة السبعة من عنزة، وبعد عدة أيام من التجوال وصلوا إلى قبيلة الفدعان من عنزة . ولعلي في مقبل الأيام اوافيكم بما كتبه مورس عنهم إن شاء الله .

جلال الدرعان
03/07/11, (05:54 AM)
بعض الملحوظات في عجالة :




1- الشيخ المذكور هو الشيخ فرحان باشا بن هديب شيخ الموايقة من السبعة . وابنه الأكبر هو برجس الذي تخرج من الكلية الحربية في اسطنبول برتبة نقيب (كابتن) حيث كانت الدولة العثمانية تريد أن تكسب ولاء القبائل . والشيخ برجس تولى المشيخة بعد وفاة والده عام 1324هـ/1906م .




2- خيال هذه الرحالة واسع (بالحيل) جدا عندما ذكر أن الغنائم التي عادوا بها السبعة من غزو شمر 80000 الف جمل . والغزو عادة يأتي من اجل المكاسب فإذا وجد حراسة أو مقاومة شديدة فإنه يطلب النجاة مثل ما فعل غزو شمر عندما هب وفي دقيقتين 400 فارس من السبعة لملاقاتهم .



3- لا يمكن لأي قوة مهما كانت جاهزة ان تنزل إلى الميدان في دقيقتين وفعلتها قبيلة السبعة . ولنفرض جدلا أن هذا الكلام من باب المبالغة ولنقل أنها 20 دقيقة !! ايضا في هذا الزمن لا يمكن لأي قوة أن تنزل إلى الميدان في 20 دقيقة وهذا مع سرعة الاتصالات .



4- ينسب الكاتب إلى نفسه قدرات هائلة، ويصور نفسه بأنه البطل الذي لا يقهر، كما يدعي أن الآخرين يهابونه بمجرد معرفتهم أنه أوروبي (من كلام محقق الرحلة).


5- يستغرب المرء كيف يصدر الكاتب هذه الأحكام الجائرة بحق أناس استضافوه وأكرموه، فشرب من قهوتهم وأكل من ولائمهم؛ بل وقدموا له يد المساعدة والإرشاد في أكثر من مناسبة. وعلى النقيض من ذلك نجد أن السيدة آن بلنت (1295هـ/1878م) وفي أحوال أصعب من الأحوال التي مر بها الكاتب، تنوه في أكثر من مناسبة بأخلاق هؤلاء القوم وحسن معاملتهم. انظر : قبائل بدو الفرات عام 1878م، ص 142- 145،351 وغيرها (من كلام محقق الرحلة).



6- خوفهم من غدر السبعة ليس له مبرر ابدا بل نحن من سن قانون الملحة وهي الضيافة فإن من طعم معنا او شرب فهو في حمايتنا ثلاثة ايام ونصف . والذي لا يعرفه مورس إنك إذا طعمت أو شربت مع أي فرد من عنزة فأنت آمن في جميع ديار قبيلة عنزة. وكذلك إذا أعطاك الأمان أي فرد من عنزة فأنت آمن في جميع ديار قبيلة عنزة، فإننا ولله الحمد يجير علينا أدنانا.



7- (ويجب) على القاريء الكريم أن يفطن إلى أن من كتب هذه النصوص هم رحّالة، وبعضهم يختلف معنا في أشياء كثيرة، ولا يؤخذ قوله على أنه آية منزلة لا ينبغي لنا أن نتقدم عليها أو نتأخر؛ بل هي نصوص قد يفتقد بعضها الدقة، وبعضها من خيال الرحّالة الواسع. والرحالة مثلهم مثل غيرهم، منهم من هو في أعلى الرتب العلمية والثقافية، وبعضهم لا يعدو كونه سائحاً سجل مرئياته ومشاهداته، ونظرته كنظرة الطير عندما يغدو صباحاً ويروح مساء، فإننا لو جمعنا ما رآه الطير لا نجده شيئاً ذا بال!! فهي نظرات سريعة لا تعطينا الصورة كاملة كما ينبغي. وبعضهم كان رحّالة متمكناً نقل لنا الكثير من الفوائد، وهؤلاء أيضاً مع ما في كتبهم من فوائد تبقى بعض نصوصهم محل نظر.




هذا ما تيسر من قراءة هذا المقطع من هذه الرحلة ومن لديه إضافة أو تعليق فليشارك به والحمد لله اولا واخيرا .




نقلها وعلق عليها : فايز الرويلي
20 / 11 / 1430هـ






الفدعان في رحلة أحمد مبروك (رحلة إلى بلاد العرب)



هو الدكتور أحمد بن مبروك ، عمل طبيبا بيطريا في الجمعية الزراعية الملكية بمصر ، وقد أرسل إلى مهد الحصان العربي في السعودية والبحرين والكويت والعراق وسوريا عام 1355هـ/1936م ، وذلك لجلب سلالات جديدة تضم إلى الموجود في الجمعية المذكورة .






يقول الدكتور أحمد مبروك في ص 74 : وقد قابلت الشيخ مقحم بن مهيد شيخ الفدعان يوم 3 سبتمبر 1936م في حلب . اهـ .


قلت : حصلت المقابلة مع الشيخ مقحم بن مهيد في يوم الخميس 17 جمادى الثانية 1355هـ الموافق 3 أيلول / سبتمبر 1936م . وهو الشيخ مقحم بن تركي بن جدعان بن نايف بن جغثم بن تركي بن مقحم من المهيد من ضنا محمد من قبيلة الفدعان من ضنا عبيد من ضنا بشر من قبيلة عنزة الوائلية .




والشيخ تركي بن جغثم يلقب بالمحيي ، وهو أول من نادى بالعشاء [مصوّت بالعشا] ، ولقب [مصوّت بالعشا] خاص بأسرة المقحم من المهيد ، حيث كان الشيخ تركي بن جغثم بن مهيد يأمر مولاه إذا جن الليل أن يوقد ناره وينادي بأعلى صوته : هلموا إلى العشاء . ومنها عرف بـ [مصوّت بالعشا] ؛ حتى أن الملك عبد العزيز سمع أحد مواليه ينادي بالعشاء فقال له : اسكت ! فقد سبقنا عليها ابن مهيد .




ولعلنا نعطي القاريء الكريم صورة عن قبيلة الفدعان .

يطلق على قبيلة الفدعان عدد من الألقاب : [بواجة الديار] و [حمران النواظر] وذلك لشجاعتهم وشدة بأسهم ، ولقب [شرابة المغر] ولهذا الأخير قصة وهي أن أحد الفدعان نزل عليه ضيف وبعد أن أدى له واجبه المعتاد رحل الضيف فحصل له بعد ذلك حادث اعتداء إما بالضرب أو القتل ليس عندي يقين في ذلك فطالب الفدعاني بحقوقه المعروفة وهي أن الضيف بحمايته وأن طعامه الذي قدمه لضيفه لم يهضم بعد وأراد أن يثبت لهم ذلك فشرب مادة يقال لها : [المغر] فلم تخرج من بطنه نهائيا إلا بعد ثلاثة أيام ونصف فأصبحت قاعدة [ للملحة] وهي حقوق الضيافة تقضي بها العوارف وهم قضاة البادية . ومنها عرف الفدعان بشاربي المغر [شرابة المغر] .




ومن هذه القبيلة الوائلية العريقة خرج المثل : [عطية غبيني] . وابن غبين كان شيخ ضنا بشر من عنزة في زمنه وهو الذي قاد ضنا عبيد من ضنا بشر من عنزة في هجرتهم في بدايات القرن (13) الهجري أواخر القرن (18) الميلادي . ولم يرجع إلا ولد سليمان . وضنا عبيد كما هو معروف ثلاث قبائل : الفدعان والسبعة وولد سليمان .




و[عطية غبيني] كناية عن الهدية ذات القيمة والتي لا تقبل الرد في نفس الوقت . والقصة باختصار : إنه كان عند الشيخ حمدان بن عيد بن غبين فرس أصيلة فسمع بها ابن عريعـر حاكم الأحساء وشرق الجزيرة العربية في زمنه فأرسل أحدهم لأخذها بالحيلة أو بأي طريقة كانت فلم يستطع المندوب أخذها لأن الشيخ حمدان بن غبين كان حريصا عليها جدا وعندما طالت المدة اعترف المندوب بسبب مجيئة فقام الشيخ حمدان وأرسلها هدية لابن عريعـر . وفي رواية أخرى أن المندوب استطاع الحصول


عليها عندما كان مع ابن غبين في زيارة خاصة فأخذها وهرب فقال له ابن غبين : قل لابن عريعـر لا يقطع العاني . وعندما وصل المندوب بالفرس أخبر ابن عريعـر بالقصة فندم على ما كان قد بدر منه حيث أخذها وهي عزيزة عند صاحبها فقام بإرسالها إلى الشيخ حمدان بن غبين فلم يقبلها منه فحاول ابن عريعـر إقناعه بها فقال له الشيخ حمدان ابن غبين : هذه عطية غبيني . فصارت مثلا معروفا إلى اليوم .




رحلة يوليس اويتنج وهوبر من تيماء إلى تبوك ثم العودة
يوم الخميس الموافق 21- 2-1884م

في الساعة العاشرة ولم يكن معنا متاع كثير وكنا خمسة أشخاص هوبر وأنا والخادم محمود ونومان وعواد بن غنيمة شيخ الحجور وهي أحد فروع قبية الفقراء وقد كان يزمع الرحيل معنا ايضا ثلاثة أشخاص من الفقراء ولكنهم حين علموا أننا لن نعطيهم من متاعنا قرروا عدم مرافقتنا وكان مخططنا أن نسير عبر الطريق المتجه شرقا نحو جبل الطويل إلى أن نصل إلى تبوك لكن ذلك لم يتحقق لأن الشيخ عواد قال لنا : إن هذا الطريق يخترق أراضي قبيلة الشرارات المتعادية مع الفقراء مما يعني نهايتي فلن أسلك هذا الطريق حتى لو أعطيتموني حمل ذلولي ذهبا لذلك


قررنا السير عبر الطريق المتجهة نحو الشمال والشمال الغربي فانطلقنا جاعلين بقايا سور المدينة القديم الذي يمتد فوق هضاب رملية على يميننا باتجاه الشمال حيث السبخة وبعد ساعة مررنا بمركز حراسة قديم متهدم كما لاحت أمامنا من بعيد ملامح جبلين الى اليسار جبل الفروة والى اليمين جبل الضبع وفي الساعة الواحدة والنصف مررنا بمستنقع مائي يسمى خبرة الرولة ليس فيه أي نباتات وفي هذه الأثناء كانت الريح تئز بقوة آتية من الغرب وفي الساعة الثالثة والنصف خيمنا في شفا محجة 0





وفي يوم الجمعة اجتزنا سهل الجريدة ووجدنا بعض الأعشاب وأشجار الطلح وهناك أسرعنا بأعداد قرص جمر ثم ـاهبنا لمواصلة المسير وفي هذا اليوم استرحنا لوقوع هوبر من ناقته على الأرض وأقمنا في مخيمنا



وفي يوم السبت 23-2 لم أستطع النوم بسبب إحساسي بالغربة أم بسبب أكثاري من شرب القهوة وبينما كنا في الصباح نعد الخبز لطعام الأفطار قام الشيخ عواد بحلب الناقة لنا ثم انطلقنا بالمسير لمدة ساعة ونصف عبر سهل قليل النبات وارضه مملؤة باحجار غريبة منها ماهو شبيه بالجوز وآخرى سوداء أسطوانية الشكل إضافة إلى عدد كثير من الصفائح الحجرية المتىكلة بفعل التعرية وذكر لنا الشيخ عواد أنها تسمى (دودأيوب) وكان سبب التسمية أن أيوب عليه السلام حينما ابتلي خرجت الديدان من


جسمه فتحجرت مع مرور الوقت حينما وصلنا أعلى قمة هناك تمكنا من رؤية منظر شامل فأمامنا تمتد من الغرب سلسلة جبال عويرض وإلى اليمين باتجاه الشمال ترتفع قمة جبل عنز ورأس جبل أثلب وإلى الشمال منها تظهر قمم جبال وتر وشيبان وكذلك تعرجات حرة بني عطية وبينما نحن نسير لفت انتباهنا الشيخ عواد إلى آثار إحدى الحملات الهجومية التي تعرضت لها قبيلة الفقراء قبل خمسة أيام من جانب قبيلتي بني صخر والشرارات0 عندما وصلنا شعيب عناد وجدنا علفا جيدا للدواب , وبعد ذلك لم نجد أي شي ، وفجأة رأينا على الأرض أثار الخيل والجمال مما آثار مما أثار فزعنا واضحك الشيخ عواد الذي قال : هذه هي آماكن عنيبر التي نزح منها .راح عواد يقص علينا القصة تلو الأخرى ، مما جعلنا نسرع بالمسير إلى الإمام ، حيث كنا نسير بمعدل



7500 خطوة في الساعة ، وهذا ماجعل شداد جمالي يميل إلى الخلف ، فاضطررت إلى النزول عن الراحلة لتعديله، في هذه الأثناء تحولت الرياح إلى عاصفة ، وبينما كنا نسير وسط التلال الخالية من النباتات وصلنا أعلى قمة في الطريق أتاحت لنا رؤية منظر جميل ، فخلال ذلك الشعيب المملوء بحبات الرمل يمكن للمرء مشاهدة السهل الذي تتوسطه قلعة المعظم ببركتها والى جانبها شجرة الطلح الوحيدة ، وبعد نصف ساعة وصلنا القلعة واحتمينا خلف سورها المعاكس لاتجاه العاصفة القوية إما الجمال فقد سقناها بصعوبة عبر الدرج المرتفع إلى الفناء وأعطيناها العلف الذي جلبناه معنا . هنا رحب بنا قائد


القلعة – التي لم يكن فيها حامية – المدعو: سي محمد أبو عمر الشرقاوي وهو رجل كهل لطيف من فاس أحضره الأمير عبدا لقادر إلى هنا مثل سائر القلاع المغاربة عن طريق الحج وكانت له زوجتان وابنان وبرفقته صهره ورجل يدعى أحمد قدم لنا التمر والقهوة وفي المساء قدم لنا ألرز أما القلعة فقد بنيت سنة 1021هـ 1622م على شكل مربع منتظم الأضلاع وأبراج عند الزوايا تهدمت بعض قبابها ويتم إغلاق بابها بواسطة باب حديدي كبير وفي الفناء توجد قاعتان ذات أسقف مقببة وعدد من الغرف


المغلقة وإسطبل مفتوح ثم درج حجري يؤدي إلى الدور الثاني الذي يحتوي على المطبخ ومجالس الحريم وبين البرجين يمتد ممر ضيق كان يستخدم لأغراض دفاعية وفي الجهة الجنوبية يرتفع برج آخر للمراقبة والدفاع وفي خارج القلعة من ناحية الجنوب تمتد البركة بطول 60مترا وعلى جانبيها عمودان عليهما آثار كتابة تآكلت بفعل التعرية وفي الجهة الجنوبية توجد شجرة طلح واحدة 0 وبعد أن تناولنا الطعام بعد غروب الشمس أعلن أن هناك ضابطا تركيا قادما عبر طريق الحج للتفتيش وهو آت من العلا في طريقه هو الآخر إلى تبوك ومن أجل تحيته قام أحمد الذي يبدو أن خبرته العسكرية قليلة بحشو المسدسات القديمة وأطلقها في الهواء وهو يدير وجهه من الخوف إلى الوراء وسرعان ما ظهر



الضابط في الفناء وكان اسمه حسن آغا وهو قائد قلعتي تبوك وزمرد ومثله مثل جميع القادة على طريق الحج بين دمشق ومكة لديه منزل وعائلة في دمشق التي سيسافر إليها مدة ستة أشهر
وفي يوم الأحد 24-2-1884م بعد أن تناولنا القهوة مباشرة انطلقت قافلتنا نحن الخمسة على جمالنا وخلفنا ستة من الرجال ومعهم سبع مطايا وبعد ساعتين من المسير شاهدنا في أقصى وادي الرمامية بعض النقاط السوداء وحينما اقتربنا منها اتضح أنهم عرب المزايدة المنتمين لقبيلة بني عطية يسيرون برفقة بغاله وأغنامهم وكان من بينهم غلام أعمى أصيب بمرض قبيح شوه وجهه ولقد نزلنا عند الشيخ عايد أبو فحيمان حيث كان الخادم محمود يريد أن يشتري منهم السمن الذي نحتاج له جدا ولكنهم لم



يوافقوا لأن مالديهم قليل وحينما أغراهم محمود بطبق مليء بالتبغ لم يقاوموا ذلك ووافقوا على الفور وحيث أنه تم ذبح الذبائح لنا طالت إقامتنا عندهم وبدأنا بعدها بالتحرك شمالا ونزولا عند رغبة مرافقينا من البدو اضطررنا بعد ساعة من المسير إلى النزول عند بدو آخرين يقطنون وادي فسيح قدموا إليه منذ الأمس وهم من السعيد المنتمين ايضا لقبيلة بني عطية وبعد فترة من صولنا رأينا الدم على ميامين ورقاب جمالنا وعلى مؤخرتها فعرفنا على الفور أن هؤلاء المساكين حقا قاموا بذبح ذبيحة لنا كان هوبر يشكو من الآم في ظهره لذلك قررنا


عدم المسير وقد صعدت مع الشيخ عواد إلى هضبة اسمها الطويل وفي المساء قمنا بزيارة خيمة الشيخ هليل الذي نزل عنده حسن آغا مع رجاله ومن خلال الحديث تبين أن هليلا أكثر دراية من نومان ومن الشيخ عواد في معرفة الأماكن وأسمائها وفي هذه اللحظة نظرت ألى هوبر وبأشارة من أعيننا قررنا دون تردد سؤاله عما أذا كان بامكانه مرافقتنا خلال رحلتنا إلى تبوك ثم العودة معنا إلى تيماء فوافق فورا0



وفي يوم الإثنين انطلقنا وبدأ حجم قافلتنا يتزايد بالتدريج فعلاوة على الشيخ هليل وذلوله كان معنا أربعة من الضأن واثنان من الماعز أخذها الضابط التركي حسن آغا من مضيفيه ولا ندري هل دفع ثمنها أم أخذها مجانا أو قسرا وبعد المسير ساعة تجاوزنا جبل الخنزير منحرفين إلى وادي الصاني ولم يحل المساء إلا ونحن في قلعة الأخضر


وفي يوم الثلاثاء انطلقنا عند السابعة صباحا وكان برحلتنا حسن آغا وابنه كمال وبعد مسيرة ساعة استرحنا لنتناول وجبة الإفطار وبقينا نتسلق هضبة جرينات الغزال وهناك رأيت جبل المنبر وهو يقع في مقدمة سلسلة جبال شرورا وفي الجهة الغربية جبلا شيبان ووتار اللذين تعلو قمتيهما الثلوج


الكثيرة وف يوم الأربعاء مع شروق الشمس بدأنا المسير وقد شاهدنا قطعا حجرية ملونة تغطي الأرض وبعد ساعة ونصف خيمنا في وادي الأثل الذي تصب فيه أودية شيبان وتار وهو مكتظ برمال رمادية اللون واتجهنا باتجاه الشمال عبر مخيم بادية مهجور توجد فيه أكوام من فضلات الإبل وهنا سأل هوبر هليل فقال أنها مكان مخيم قديم لهم هنا0



وفي حوالي الساعة التاسعة اقتربنا من مرتفع مسطح يسمى شوهرا تعلوه هضبة مخروطية الشكل ولدهشتي رأيت هناك مجموعة كبيرة من المنازل الحجرية الصغيرة الحجم وحين اقتربنا تأكد لنا أنها مقابر قديمة لمدينة تبوك الواقعة على مسيرة تتراوح مابين 3-4 ساعات باتجاه الشمال0



وتبين من صغرها أنها أضرحة مقابر يتراوح ارتفاعها مابين 2-3 أمتار وتتناثر بشكل غير منتظم فوق السطح الذي تقدر مساحته بحوالي 3-4 كم مربع وليس عليها نقوش أو علامات تدلنا على ماهية تلك البنايات المشابهة للنواميس المعروفة في شبه جزيرة سيناء وكانت هناك بعض المباني الحجرية المندفنة تحت ركام الأتربة وفوقها العديد من الكسر الفخارية 0



ومن هنا انطلقنا مسرعين نحو تبوك التي كنا نشاهد معالمها منذ الصباح وقد كان يقع أمامنا في السهل ناحية اليمين مجموعة من جبال تسمى العريق 0 والى الشمال توجد غابة من أشجار النخيل وبينهما قلعة الحجاج المحاطة بمجموعة من بيوت الطين 0 وإلى الشمال جبل المنبر 0وهناك حوالي 50 منزلا من الطين في حالة سيئة ولا يستدل على أن مدينة تبوك قد لعبت دورا هاما في التاريخ العربي المبكر 0



يشير ذلك النقش المكتوب على قطعة من القيشاني فوق الباب إلى أن قلعة الحجاج بنيت أو جددت عام 1064هـ 1654م وهي تقع وسط بستان نخيل مهمل وفي منطقة ينهل ماؤها من عين جارية لاتصلح للشرب وفي فناء القلعة هناك بئر عذب تسحب منه المياه0
واثناء تناول القهوة أخذ الحديث مجرى ينم عن أننا الآن في وسط اجتماعي شبه متحضر حيث دار الحديث حول الأحداث في دمشق وشرق الأردن ومعان وحينما جاء الحديث عن وادي موسى والبتراء الواقعة على مقربة مناحاولت بصعوبة بالغة أن اكبح مشاعر


شوقي لرؤية عاصمة الأنباط وهي أمنية لم تحقق فالطريق إلى هناك يمر عبر مناطق سكنى الحويطات المتعادية مع قبائل رفاق رحلتنا:
فنومان من شمر والشيخ عواد بن غنيمة من الفقراء والشيخ هليل من بني عطية وفي هذه الأثناء ذكر لنا قائد تبوك أن الشيخ محمد بن عطية استطاع قبل أيام أن يوجه غارة موفقة على بعض أفراد قبيلة الحويطات سلبهم كل ممتلكاتهم ولم ينج منهم سوى ستة من الخيالة مثل ذلك يمكن أن يكون مصيري في حالة أي مواجهة مع قبيلة الحويطات خاصة وأنها تستعد للأخذ بثأرها وفي المساء عزف المغربي عبد السلام على قيثارته المغربية فقد كانت تا×ذ طابع الموسيقي الغربية على العكس من غناء البدوي الذي يتسم بطابع الحزن والرتابة0



وفي يوم الخميس كان مقررا أن نتجه الى تفقد اطلال مدينة تقع على مسيرة 2-3 ساعات باتجاه الغرب من هنا لكن هبوب الرياح العنيفة والباردة جدا جعلتنا نتراجع عن الفكرة وبدأنا ننظم يومياتنا حيث سيغادر حسن آغا ورفاقه يوم الغد إلى دمشق قمنا بكتابة رسالة ليأخذها معه الى محمد سعيد باشا رئيس قافلة الحج من دمشق الى مكة نشكره فيها على حسن استقباله لنا في القلاع الواقعة في طريقالحج



وفي يوم الجمعة توجهنا بعد الظهر الى جبل العريق ولم نكتشف أي اثر غير ماوجدناه من النقوش القديمة ورسمة صخرية لرجل يحمل أنواعا متعددة من السلاح وأخرى لفتاة منقوضة الشعر والى اليسار واليمين منها صورة لمقصين وفي اتجاه الغرب شاهدنا جبلا عاليا يتلألأ من سقوط الجليد عليه قال لنا هليل أن اسمه الدبغ 0



وفي يوم السبت بدأنا رحلة العودة إلى تيماء حيث انطلقنا مدة ساعة نحو الجنوب ثم استرحنا عند نبع يسمى الرائس وكانت هناك مجموعة من الأثل كونت شكلا بديعا فوق فتحتي المياه بصورة لم أشاهد لها مثيلا من قبل في رحلتي إلى جزيرة العرب ومن هنا اتجهنا مرة آخرى نحو مدينة الموتى شوهر حيث قمنا هناك بإجراء حفرية في برجين حتى اصطدمنا بالأرض الصخرية دون أن نتمكن من الحصول على معلومات عن الفترة الزمنية أو حتى صاحب القبر وكل ماعثرنا عليه يتمثل فقط في آثار أقدام ضبعة وبعض بقايا الطعام وانطلقنا نحو الشرق عبر وادي الأثيلي في وادي الغضى 0



وفي يوم الأحد أيقظنا هليل قبل الفجر لكي يبلغنا أنه سمع من الجنوب أصوات رغاء الإبل وسرعان ماركب ليأتي بالخبر اليقين قائلا أنهم قبيلته بني عطيه الذين جاءوا البارحة من الأخضر لكي يستقروا هنا فكان علينا أن نقبل استضافتهم لنا ونتجه إلى مخيمهم وفي طريقنا إلى هناك شاهدنا العديد من الأبل التي تم حلبها لنا بناء على أمر من هليل حيث قدم لنا الحليب الطازج ولم نصل المخيم إلا والنساء انتهت من نصب العديد من الخيام وقد اخترنا أحسن الخيام وتوقفنا عندها وبدأ الناس يتوافدون علينا لكي يرحبوا بنا أو على الأقل لكي يشاهدونا وكان علي مرارا أن أظهر هم صورة مفرج لأن الكل قد سمع عنها



ويرغب في رؤيتها وفي حوالي الظهر وصلت خيمة شيخ القبيلة ثم جاء بعدها بقليل واسمه صقر أبو علي وهو شقيق صديقنا القديم محمد بن عطية وقد عرفت للتو أن محمد بن عطية ليس هو شيخ القبيلة كما قيل لي رغم مايبدو عليه من مظاهر تخوله لزعامة القبيلة وعندما قمت لأتفقد ركائبنا اكتشفت أن شخصا منهم قام بقطع سير جلدي وحلقة معدنية من الشداد وسرقهما وبعد أن اخبرت الشيخ صقر بذلك انزعج كثيرا وردد قائلا ياللخجل ولكن ماذا يمكن للمرء لأن يفعل بمثل هذه الحالة فكيف يمكن معرفة السارق ومن ذا الذي يريد فضح سره000




وفي اليوم الآخر حضر محمد بن عطية وجلسنا معه ساعتين
وفي يوم الإثنين تابعنا رحلتنا إلى تيماء مع ان محمد بن عطية يقنعنا بالبقاء يوما آخر وأعطينا الشيخ هليل 8 مجيديات حوالي 30 ماركا نظير ماقام به خلال مرافقتنا وودعنا الجميع ولكن الشيخ هليل لم يقبل أن يتركنا وأصر على الرجوع معنا وإيصالنا حتى تيماء وقد مررنا بنفس طريقنا الذي سلكناه قبل أيام ووصلنا دود أيوب وبين مرافقينا يؤدون صلاة العصر أحضر لي سعيد حفنة من الأحجار الصغيرة ذات الشكل البيضاوي واللون البنفسجي وأخذنا منها ولاحظت أننا كاما اقتربنا من قلعة الأخضر قل العشب وذلك بسبب مرور بني عطية خلال هذه المنطة 0
وفي أثناء مسيرنا عبر الطريق قال لي الخادم محمود انتبه



أمامنا مراغة ولكني بسبب شدة الريح وعدم استيعابي لمصطلح المراغة التفت إليه وسألته عما يقول في هذه اللحظة بركت ناقتي فجأة مما جعلني أطير من فوق ظهرها بشكل قوس وأسثقط مسافة مترين فنهضت دون أن يصيبني مكروه وبدأت أضرب الناقة التي طرحت نفسها على الأرض وراحت تحرك جسمها ذات اليمين وذات الشمال مما أحدث أضرارا فادح في الأمتعة من خلال ضغطها عليها وعند الساعة الثالثة وصلت قلعة الأخضر والتي كتب عليها أنها شيدت في عام ـ 1522م ويتوسطها بئر يستخرج ماؤها الذي ينقل الى ثلاث برك مسورة في الخارج عن طريق ساقية يجرها حماران
ويوم الثلاثاء اشترى مرافقنا عواد خمس قطع قماش ذات لون أزرق غامق كلفت الواحد منها مجيدي واحد



وانطلقنا حوالي الساعة السابعة ونصف وكنا نريد أن نعبر وادي الصاني ولكن الشيخ هليل نصحنا بعدم المسير من خلاله دون أن يبرر السبب وقال يمكن أن يكون هناك قطاع طرق فقلت له أن نسير خلال تلك الأراضي واضعين البنادق بأيدينا ولكن الشيخ هليل انفعل فقال أن الصوص يكمنوا في مكان غير ملحوظ خلف قطع الأحجار البركانية الكبيرة ويتركوننا نسير إلى الإمام بهدوء ومن ثم يطلقون النار في ظهورنا كما اضاف أنه سمع أثناء وجودنا في تبوك أن حسن أبو ذراع ومعه ثمانية من أفراد قبيلة بلي يجولون في الأرض للبحث عنا كي يسلبوا كل شيء معنا


واتجهنا إلى اليسار ولقد كان محقا الشيخ هليل في مشورته حيث عرفنا ذلك في تيماء حينما وصلنا بأنهم كانوا يترصدون لنا 0
ويوم الأربعاء عند ذلك الطريق المنبسط لهضبة البياضية التي تركناها على يسارنا فضلات بقر الوحش وهو غزال أبيض كبير ذو قرون حادة وهنا للمرء أن يلاحظ آثار أقدام خيل قبائل


الحويطات وبني صخر المتحالفة حينما أغاروا على عنيبر بن عطية قبل تسعة أسابيع وسلبوه كل مايملك وأثناء الطريق توقفنا لعمل الخبز في منطقة يتكاثر بها نبات الكحلة الذي يسمى ايضا الرحيلة وقبل أن نقترب من جبل الفروة نزلنا إلى واد صغير يسمى وادي باؤود واجتزنا حتى وصلنا مدخل وادي حصاة القنيص وقد عانينا من شدة العطش فالقرب ليس فيها مايزيد على لتر واحد فقط إلا أننا لم نجروء على الذهاب لأحضار الماء


تخوفا من حسن أبو ذراع ولم يكن أمامنا إلا خيارين أما نقسمه بيننا او نستخدمه لصنع القهوة فاتفق الجميع على الأمر الثاني وبعد ذلك رقدنا ويد فيها سيف والآخرى بندقية ولقد تناوب رفاقنا البدو على الحراسة ليلا وأصبحنا بخير ولكن لاأدري هل هم لم يلاحظونا أم أنهم افتقدوا الشجاعة لمهاجمتنا0




وفي يوم الخميس 6-3-1884م يوافق اليوم عيد ميلاد حاكم بلادي الملك كارل فون فرتمبرج مما جعلني أتذكر وطني بقلب مفعم بالحنان والشوق ولكني رغم ذلك مضيت صامتا أقطع الفيافي تحت وطأة العطش وغترتي ملفوفة على فمي وخشمي أترقب فقط ظهور خبرة الرولة أمامنا ولكن الساعات تمضي والطريق يطول وصلنا إلى الخبرة لكننا لم نجد فيها الماء كما مررناها سابقا وسألنا نومان أن كان يوجد غيرها فأجاب بفظاظة إذا لم يوجد الماء في هذه الخبرة الكبيرة فالأمل ضعيف بوجود الماء في


مكان آخر وواصلنا مسرنا وبعد 8 ساعات ظهر أمامنا جبل غنيم الذي يرتفع شاهقا فوق واحة تيماء وحين بلغ قيظ الظهيرة أوجه صاح هليل فجأة هناك ماء أمامنا وتناولت الأناء النحاسي وقذفت نفسي من فوق ظهر الناقة وشربنا وملأنا القرب ثم جاء دور الجمال التي انطلقت تتزاحم حيث الماء وبعد أن شربت أطلقت عنان رؤوسها إلى السماء بكل سرور وأصبح علينا أن نصل تيماء قبل حلول الليل وأخذ نومان ينشد الأغنية تلو الآخرى ابتهاجا بقرب وصوله مسقط رأسه وعلى مسافة قريبة وجدنا برجا يسمى



القصير اكتشفت على سوره حجرا صغيرا مكتوبا عليه نقش عربي قديم فانتزعته وحملته كما شاهدت إلى جانبه ايضا حجرا آخرا نحت عليه مايشبه شخصين ممسكين بحراثة يجرها ثور للإمام وبعد أن حل الظلام بسلام إلى مقر عامل الأمير في تيماء عبدالعزيز العنقري الذي لم يتحمس لوصولنا ولم يسرع بالنهوض من مكانه لتحيتنا ولعله خلال فترة غيابنا حصل على خطاب تأنيب من أمير حائل ردا على الخطاب الذي بعثناه إليه نشكو فيه من سوء معاملة عامله بتيماء لنا 0 على أي حال أن صح ذلك فقد أدى الخطاب مفعوله حيث قام بأعداد وليمة تكريما لقدومنا 00




------- يتبع 8

جلال الدرعان
03/07/11, (06:04 AM)
ماقاله الرحالة ابتون عن قبيلة السبعة من عنزة


الرحالة روجر أبتون

ضابط في سلاح الفرسان البريطاني كتب مذكرات عن رحلته في البحث عن الخيول العربية عرفت بمذكرات الكبتن ابتون وله كذلك كتاب مشاهدات في بوادي العرب وفي هذا الكتاب كثيرا من أخبار فرسان البادية العربية وذكر في هذا الكتاب كثيرا عن قبيلة السبعة من قبيلة عنزة ومما قاله ابتون :




ومن السبعة القمصة والعبدة والدوام والموايقة والشفيع والمسكا وغيرهم والقمصة بينهم يشكلون مجموعة بدوية رائعة كثيرة الإبل والغنم وكانوا بقيادة الشيخ سليمان ابن مرشد الشيخ الكبير الذي يملك الصدق والصراحة وصاحب النفوذ والمكانة في البادية الشمالية بل أرشحه لأن يكون أقوى شيوخ القبائل هناك فهو الذي كان ينظم حركة وارتحال القبيلة وله علاقة حميمة مع جدعان ابن مهيد أمير الفدعان من عنزة .



ويقول ابتون في وصف الشيخ سليمان ابن مرشد :

كان سليمان ابن مرشد بلباس متواضع يدخن ويشرب القهوة والماء ويتناول التمر باستمرار لم يحلق شعره ولم أجد بدويا يحلق ذقنه أو يقص شعره الا في ظروف خاصة فمن يوم ولادتهم وحتى مماتهم شعورهم تنمو على الطبيعة ويجد الشبان الشعر على شكل ضفائر تتدلى على جانبي الجسم كعرف الفرس الأصيل ولا أجدهم يلبسون طرابيش الأتراك والرسالون من القمصة يشتهرون بتربية الخيول العربية الأصيلة فمنهم نواق صاحب الكحيلة النواقية السلالة المشهورة في ديار العرب .




ولحكمة في سليمان ابن مرشد كان على اتصال دائم مع ولاة الحكومة العثمانية لحل مشاكل قبيلته معها ولتدارس القضايا العامة في البلاد وقد سمعنا ان سليمان ابن مرشد كان من انصار قيام حكومة عربية تكون برئاسة شريف مكة ولصدقه لم يدع السبعة يبرمون أي صفقة مذلة للقبيلة مع الأتراك الا ان الأتراك سمو ابن مرشد عندما كان في ضيافة الوالي التركي حيث قدم له فنجان من القهوة فمات مسموما في الطريق وحصلت القطيعة بين السبعة والحكومة التركية وعين بدل منه الشيخ الفجيجي .



وذكر ابتون :

ان العبدة من السبعة خيامهم اقل من خيام القمصة ولهم نفس القدرة والأهمية والدوم من السبعة عددهم لايستهان به يقودهم الشيخ الفجيجي والفجيجي عقيد حرب معروف ويعتبر من أفضل القادة في بدو السبعة اما المسكة من السبعة فكانوا أغنيا بشكل ملحوظ ومن فرسان السبعة محمد بن كردوش ومحمد بن رجاء ويعد السبعة والعمارات والفدعان من ضنا بشر من قبيلة عنزة .



ووصف الكبتن ابتون كرم وضيافة الشيخ ابن مرشد :

والان علي أن أصف مضافة سليمان بن مرشد فعندما قدمنا الى مضارب السبعة في البادية وجدنا رجالهم يروون الإبل من الآبار تحت حراسة كوكبة من الفرسان بينما وقفت النساء والأطفال يراقبون الغرباء القادمين الى السبعة بدهشة واستغراب فشربنا من ماء الآبار قبل أن نصل المضارب حيث كنا نشاهد على مدى الأفق الخيام السود تتوسطها خيمة الشيخ سليمان ابن مرشد انها خيمة كبيرة أكبر خيمة شاهدناها قد نصبت في البادية يتجمهر حولها خلق كثير وعندما اقتربنا منها استقبلنا في مقدمتها الشاب مشهور ابن مرشد على ظهر جواد ومن خلفه كان يمشي لاستقبالنا الشيخ سليمان ولما وصلنا فرح بنا الشيخ وقادنا الى مكان فسيح في الخيمة كان يجلس فيه الشيخ جدعان ابن فهيد شيخ الفدعان ومجموعة من الشيوخ فاحضرت الوسائد والشداد فورا وقدمت القهوة العربية وفقا لتقاليد ابناء الصحراء .



ولا أبالغ عندما أقول كان يجلس معنا بهدوء أكثر من مائة شخص قدمت لهم القهوة جميعا في خيمة كبيرة طولها مائة وخمسة وستون قدما مقسمة الى ثلاثة أقسام لقد وجدنا أنفسنا نجلس وجها لوجه مع أشهر قائد حربي في الصحراء هو الشيخ جدعان ابن مهيد فتبادلنا الأحاديث عن رحلتنا وعن الوجهة التي نريد الذهاب اليها وعلى الرغم من الجو الحار كانت النار مشتعلة في الموقد المخصص لاعداد القهوة .



وعندما وصلت أمتعتنا الى مضارب السبعة في قافلة منفصلة حدد رجال سليمان بن مرشد مكانا لنصب خيمتنا على أن لاتبعد كثيرا عن خيمة الشيخ .


مر من أمامنا مهر من الخيل لم نشاهد مثله في الجمال والروعة العنق مقوس دقيق الأذنين ممشوق القوام ويستحيل على اي فنان أن يصوره بريشته لجماله وتعدد مواصفاته .


كان المهر للشيخ جدعان ابن مهيد جلب اليه الشعير بنفسه في عليقة دس فمه فيها وعلقها في رأسه وربت على عنقه .


ولم تكن هذه الرحلة دون فائدة لقد شاهدنا الكرم العربي والسلوك العربي وأدب استقبال الضيوف فأداب السلوك وطريقة الاستقبال كانت بمنتهى الأدب والروعة




" نص رحلة البارون ادوارد نولده مبعوث روسيا إلى نجد عام 1893 م / 1310 هـ


(( 1 ) )

"" سرنا إلى كاف عبوراً بقرية أثرى كانت الأرض مرة أخرى تتشكل من نفس الصحراء الموحشة ويغلب عليها الطابع الجبلي الصخري الذي يتغير أحياناً إلى تلال ، وهذه المنطقة كلها تماثل أحد سهول قبيلة الرولة التي تشمل تقريباً نصف كل شمال الجزيرة العربية مابين دمشق وبغداد ، وكصديق شخصي لكبير مشايخ الرولة من عنزة الشيخ صطام ابن شعلان فلم أكن أخشى أي شيء من الجزء الأكبر من هؤلاء البدو ، ويقف صطام في قمة قوته على رأس خمسة عشر ألف مقاتل وهو عدد كبير جداً في الجزيرة العربية ، وللأسف علمت فيما بعد أن هذا العربي القوي والسامي قد قتل في صيف 1893 اثر عودته من رحلة الى القسطنطينية حيث تم استقباله هناك إستقبالاً حافلاً "" إنتهى كلامه .



(( 2 ) )

يتكلم عن الحيانية "" أما البئران الموجودتان في الحيانية فماؤهما طيب الطعم جداً ووفير وخاصة البئر الرئيسية الموجودة على بضع خطوات من باب القصر وفي الوقت الحاضر يصل عمقها من 140 إلى 170 متراً ، وهي مبنية بطريقة ممتازة بل بطريقة قوية جداً وذلك بقدر مااستطعت أن أرى بنفسي عن طريق إنزال عيدان كبيرة مشتعلة في سلة إلى عمق البئر ، وقد لاحظت أن أجزاء منها مبنية من الصخور الطبيعية ، وأجزاء أخرى مبنية من الحجار المنحوتة والمسواة في شكل مربعات ، وجدت الحيانية وزدحمة بآلاف الإبل التي يمتلكها الرولة الذين يستخدمون النفود كأرض رعي في فصل الشتاء اذ بإمكانهم سقي قطعان أبلهم من وقت لآخر من آبار الجوف وسكاكا والحيانية وجبة ، وهذا الوضع يجعل من الواضح ان ابن رشيد لم يكن يشعر أنه سيد النفود الوحيد "" إنتهى كلامه




الرحاله الاوروبي لويس موسيل( موسى الرويلي


يعد لويس موسيل من اهم الرحاله العلماء الذين رحلوا وجالوا في مناطق شمال الجزيزه العربيه وكانت مهماته العلميه تاخذ بعض الاحيان جوانب سياسيه ولكنه يعتبر بحق من الرواد الغربيين الاوائل الذين بغض النظر عن اهدافهم ادوا خدمات علميه جديره بالاحترام والتقدير وخصوصا فيما يتعلق بكتاباته التاريخيه وتحقيقاته الرائده فيما يتعلق بشمال الجزيره العربيه وتاريخها القديم .
ولد موسيل عام 1868م في جمهورية التشيك وبدات علاقته بالبلاد العربيه مبكرا حيث تم ارساله في بعثه دراسيه الى القدس في المدرسه التوراتيه ثم انقتل الى جامعه في بيروت التي انتقل منها الى التعرف على البلاد المجاوره مثل دمشق وتدمر وغزه.




تركزت اهداف رحلته الاولى على البحث عن القصور الامويه في صحراء الاردن ورسم الخرائط , اتم موسيل رحلته ونشر نتائجها في مجلدين وبعد ذلك اشتهر اسمه بين المستشرقين مما دعا وزير خارجية بريطانيالطلب موسيل تقديم مذكرة حول مسألة الحدود المصريه الفلسطينيه عام 1906م .



يذكر موسيل ان اكتشافاته مابين عام 1896م – 1902م قادته الى الحدود الشماليه لبلاد العرب والى الحدود الغربيه لبلاد العرب الصحراويه واثارة الرغبه لديه في الاستمرار في دراساته.
لذلك عقد النيه على التغلغل فيها والبقاء لوقت طويل لرسم خريطه جغرافيه لتحقيقاته التاريخيه ودراساته لحياة سكان هذه المنطقه.


وبما ان قبيلة الروله كانت اقوى القبائل في تلك المنطقه فانه حاول الحصول على حماية شيخ القبيله وتحقق مراده بعد ان حصل موسيل على حماية الشيخ النورى الشعلان واعتباره شيخا من شيوخ الروله تسمى باسم موسى الرويلي ورافق القبيله في حلها وترحالها ودرس عاداتها وتقاليدها وتنقل في كافة المناطق الشماليه الصحراويه فقام في عام 1908/1909م بالتجوال في المناطق اصحراويه لاكمال رسم خريطته للمنطقه فزار وادي السرحان والجوف وسجل احداثا مهمه حصلت في المنطقه في هذه الفتره.


وفي عام 1910م دعته الحكومه التركيه الى استنبول وعقدت معه مفاوضات للقيام برحله الى شمال الحجاز لمسح اجزاء اساسيه من خط سكة حديد الحجاز ومعرفة توجهات شيوخ القبائل السياسيه وبعد هذه الرحله توجه موسيل في عام 1912م الى منطقة وسط الفرات وجنوب الهلال الخصيب .


في عام 1914م بعد بدء الحرب العالميه الاولى قررت المانيا ارسال بعثه الى الجزيره العربيه للعمل على توحيد القبائل الموجوده بها والعمل على تكتلها ضد الانجليز واختير لويس موسيل رئسيا للبعثه.


ترأس موسيل بعد ذلك العديد من البعثات الغربيه للبلاد العربيه ونظرا لخدماته المتميزه عين عضوا في المجلس الشورى الامبراطوري واوكلت له مهمة تعليم الطلبه العثمانيين في المؤسسات النمساويه بصفته سكرتيرا عاما للجمعيه النمساويه للشرق وعبر البحار وفي عام 1920م انتقل موسيل الى براغ كأستاذ في جامعتها وتفرغ للعمل العلمي وبدأ بنشر اعماله واخبار رحلاته ( شمال الحجاز – الصحراء العربيه – وسط الفرات – تدمر – شمال نجد – قبيلة الروله ).


وكان محذرا من خطرا الصهيونيه التي كان ضدها خلال الحرب العالميه الاولى وقام بتأليف 13 كتابا ضمن سلسلة ((الشرق الجديد)) في الفتره من عام 1934-1941م ونال الكثير من التكريم وانتخب عضوا في المجلس الاسلامي الاعلى في القدس وتوفي عام 1944م.





يوميات الجزيرة العربية (1) ـ
«بنت الصحراء» تعشق تسلق الجبال الجليدية، «المس بيل» تترك للعالم 1600 رسالة وسبعة آلاف صورة نادرة..
جرترود بيل



وصفت جرترود بيل بأنها بنت الصحراء، وملكة العراق غير المتوجة فقد كانت امرأة من أكثر نساء عصرها نفوذاً في الامبراطورية البريطانية. فهي مغامرة، ومستعربة، وعالمة آثار، ومستشارة للملوك ورؤساء الوزراء، مقربة من السياسي المحنك ونستون تشرشل ورجل الدولة اللامع لويد جورج، والصديقة المخلصة لتي. إي لورانس (أو لورانس العرب) وجون فيلبي، والصديقة المفضلة لدى الكثير من القادة العرب.



لقد كتبت جرترود بيل ذات مرة تقول: «لحظات الابتهاج قليلة، مثل تلك اللحظات التي تأتي وكأنما يقف الانسان على عتبة رحلة غامضة» لقد كانت «المس بيل» كما بقيت دائما تحب الترحال والسفر. ففي سويسرا كانت تتسلق ذرى القمم الجليدية، التي لم يسبق أن اقتحمها أحد من قبلها، وفي تركيا تزور المعالم الأثرية البعيدة، وفي بلاد مابين النهرين تدرس العربية وتتربع علي سنم الجمل عابرة الصحراء. وعرفها العرب بـ «بنت الصحراء» وفي الحرب العالمية الأولى كانت تعد مصدراً حيوياً للمعلومات بالنسبة للانجليز لقد رسمت خرائط لمناطق صحراوية غير مطروحة حددت خلالها معالم آبار المياه وخطوط السكك الحديدية. واكثر من ذلك فقد كانت تخمن من هو الصديق ومن هو العدو بالنسبة للبريطانيين، وفي الخلاصة فقد كانت المرأة الوحيدة التي جندت عميلة للاستخبارات في المكتب العربي في القاهرة.


وظلت المعلومات المهمة التي تقدمها «المس بيل» عن العراق وايران مادة بالغة الاهمية خلال سنوات ما بعد الحرب. وعندما عين ونستون تشرشل وزيراً للمستعمرات في 1921 استدعى كبار مستشاريه في شئون الشرق الاوسط الى مؤتمر عقد في مصر لتحديد مستقبل بلاد الرافدين. ودعا للمؤتمر 39 رجلاً وامرأة واحدة هي «المس بيل» ولعبت دوراً رئيساً في رسم حدود العراق الجديد وفي اختيار حاكمها الأول، وهو الأمير فيصل وطوال سنوات كانت أقرب شخص إليه ومستشارة سياسية له، وهو المنصب الذي منحها لقب «ملكة العراق غير المتوجة».


لقد كتبت في احدى المرات تقول «لا آبه للاقامة في لندن على الاطلاق فأنا احب بغداد والعراق بأسره انه عين الشرق، ويثير فيّ أحاسيس كثيرة كل الاحداث تقع هناك، إن كل أجوائه الرومانسية تلمس شغاف قلبي وتغمرني» ولدت جرترود مارجريت لوثيان بيل في الرابع عشر من يوليو 1868 في واشنطن هول في مقاطعة دورهام بانجلترا بدأت تعليمها في البيت بعدها اخذت تحضر في ليدي مارجريت هول واصبحت أول امرأة تحصل على رتبة الشرف الأولى، وامضت زمناً طويلاً تدرس الظواهر الاجتماعية في لندن ويوركشاير، وأخذت تطوف ارجاء أوروبا، وقامت بزيارة ايران، واستمرت رحلاتها في جولتين حول العالم بين العامين 1897 ـ 1898والعامين 1902 ـ 1903 وكانت تعشق تسلق الجبال، واستغلت زيارتها لسويسرا في تحقيق تلك الهواية.


وادت معرفتها بالمنطقة الى تقديم خدماتها للاستخبارات البريطانية خلال الحرب العالمية الثانية وخلال اقامتها في القدس في الفترة من 1899 الى 1900 تعلمت اللغة العربية، ودرست مواقع أثرية عربية عديدة، وشاركت في الحملة العسكرية البريطانية الاستطلاعية في البصرة وبغداد.


وعندما واجهت المرض والوحدة قبيل غروب شمس عمرها تناولت جرعة قاتلة من اقراص منومة، ورحلت عن عالمنا في 12 يوليو 1926 في بغداد بالعراق. وبعد مرور عام على وفاتها نشرت رسائلها التي يصل اجماليها الى 1600 رسالة موجهة لوالديها وللصحافة. وقد احتفظت بهذه الرسائل طوال رحلاتها فضلاً عن اغراض متنوعة.


كما التقطت نحو 7000 صورة خلال الفترة ما بين 1900 ـ 1918. وتعود اهمية الصور الخاصة بالمواقع الاثرية الى ان الآثار التي صورتها طرأ عليها منذ ذلك الحين بعض التغييرات، وبعضها اختفى الى الأبد.
على الطريق..


في السادس عشر من يناير 1914 كانت حملة استطلاعية تتجه جنوبا من دمشق نحو الجزيرة العربية وتوقفت ليلا. وانتهزت جرترود بيل آخر شعاع للشمس، وجلست بجوار خيمتها، وبدأت في تسطير مذكرات خاصة بالميجور تشارلز هوتهام مونتاجو دوتي ويلي، وهو شخص متزوج تعلقت به عاطفياً.


وفي صفحاتها رسمت صورة استثنائية وعجيبة لامرأة مستكشفة خلال رحلتها الأعظم. سيدة انجليزية عبرت حاجز النوع والقيود الاجتماعية للوصول الى قمة الشهرة في الشرق الأوسط. كما أنها احترفت علم الآثار، وأصبحت معلقة وخبيرة في الشئون العربية التركية. وغدت في عقد العشرينيات من القرن العشرين وزيرة مفوضة للشئون الشرقية لدى المندوب السامي البريطاني في بغداد. وفي اطار ذلك الدور تركت أثراً مهما في تشكيل العراق الحديث.


لقد احبت جرترود السفر والترحال كثيراً وفي 1913 شرعت في رحلة صعبة وخطيرة الى نجد، وهي منطقة لم يكن لها وجود على خارطة المنطقة الشمالية من الجزيرة العربية. واعتقد انها الى حد ما قادرة على رسم مقاربات جديدة لواحة حائل، في جبل شمر، حيث ستقوم بإجراء لقاء مع حاكم المدينة. لو أنها نجحت لكانت ألفت كتاباً حول المنطقة لدى عودتها الى بريطانيا، لكن حافزاً شخصياً أقوى كان يكمن وراء تلك المذكرات والرسائل التي يضمها الكتاب الذي نناقشه هنا.


لقد اصبح الشرق بالنسبة لجرترود ملاذاً وعشقاً، مفضلته على بريطانيا البرجوازية وعلى اسرتها وأصدقائها هناك. لقد عشقت الحرية وتاقت اليها في الجزيرة العربية. وسافرت عبر الصحارى لاستطلاع الشرق الغامض الذي كان مثيراً بالنسبة لكل اطفال العصر الفيكتوري من خلال اقاصيص ألف ليلة وليلة. لقد واكبها الحظ متمثلاً في قدرتها على الاستفادة من نماذج نساء فاتهن قطار الزواج في العصر الفيكتوري أولئك اللواتي استخدمن طاقتهن وذكاءهن لصياغة حياتهن المستقلة. لقد أمضت جرترود بيل سحابة عمرها في عالم الرجال، لكنها مع ذلك لم تفقد انوثتها واهتمامها بالملابس النسائية والاعتناء بحديقة منزلها.


ولاشك انها كانت تتساءل عن احوال من يعيشون في حائل عندما ظهرت أخيراً وسطهم في شتاء ولاشك ايضا ان المحيط الذي ولدت فيه اسهم في بناء ثقتها بنفسها، ولابد أنها 1914امتدحت جدها اسحق بيل لمكانته الرائعة في الساحة الاجتماعية.


في سن السابعة لم تكن جرترود قادرة على بلورة مشاعر محدودة تجاه زوجة ابيها الباريسية فلورانس أوليف التي انضمت في عام 1877 الى بيت العائلة وكانت تتسم بالصرامة التي تحاكي شدة المشد الذي كانت ترتديه. ولم تكن امرأة جميلة، لكنها كانت متقدة فكريا، واعتزمت ان تغذي عقل تلك الطفلة جرترود بمفاهيم الواجب والعناية بالمظهر، خاصة بعد أن سمعت انها فوضوية. ولم يكن من العدل أبداً أن تشن حربا ضد فلورانس بيل بأن تتهمها بأنها زوجة أب يخلو قلبها من الرحمة. كما تصور ادبيات العصر الفيكتوري امرأة الأب. وتركت فلورانس بصفتها كاتبة قصص اطفال قامت بدراسة عن العمال في مصانع بيل تحت عنوان «في مجالات العمل»، أثراً عميقاً على حياة جرترود الأدبية، وفي حقيقة الأمر فإن فلورانس بيل حملت علامات الكفاح من أجل المرأة منذ بداية حياتها، ولكنها لم تكن تؤثر اصطلاح مناضلة من أجل حقوق المرأة وليس من المبالغة افتراض ان اهتمام جرترود بيل بتعلم المرأة العراقية في العشرينيات من القرن العشرين ينبع من الفترة التي كانت تصطحبها فيها زوجة أبيها في جولاتها في منازل عمال الحديد والصلب، حيث كانت تقوم بإجراء لقاءات مع زوجات العمال. وعندما لاحظت المتاعب التي يعاني منها أفراد الطبقة العاملة كانت تنظم المحاضرات المخصصة للتوعية الصحية ولأساليب ادارة المنزل، فضلاً عن موضوعات عديدة أخرى.


في عام 1884 بعث والدها بها الى كوينز كوليج في لندن، ومن هناك كتبت رسالة تحبب لوالدها، الذي كان منشغلا بإدارة مشروعات بيل، واوضحت في رسائلها انها لم تخش اراء والدها، وبالمقابل كانت تعرب عن اشمئزازها من محاضرات زوجة أبيها الخاصة بسلوكها.
في كامبردج..


خلال هذه الفترة كانت التغيرات تسير بخطى حثيثة في مجال تعليم المرأة. ومنذ أن فتحت كامبردج أبوابها للنساء في 1863 كانت النساء بصورة روتينية يتحدين الافتراضات القائلة ان مستوى ذكائهن أقل من الرجال. ورأى اساتذة بيل في كوينز كوليدج املاً عظيماً في نشاطها المدرسي، وحثوها على مواصلة تعليمها الجامعي، لكن الجانب الخطير في تعليمها لم يكن جزءاً من الخطة التي اعدتها امنا لنا، كما تقول اختها غير الشقيقة مولي. في الحقيقة فإن معظم الفيكتوريين عرف عنهم خشيتهم على صحة الأنثى التي تعلمت، ووصلت لمستويات تعليمية جيدة، واعتقدت انها لن تكون أماً جيدة. ومع ذلك انتقدت مواقف جرترود بيل بلا شك، لان والدها نادراً ما كان يرفض تحقيق أي مطلب لها.
وامتلأت رسائلها الى أهلها بوصف مدهش لحياة الكلية. كتبت في احدى الرسائل تقول ان محاضراً اصيب بارتباك شديد بسبب وجود شابات في فصله «حتى انه وضعنا في مقاعد وظهرنا له .


وقد أكدت رسائل لاحقة تأثير الجامعة وبصورة خاصة النظريات الخاصة بالتطور السياسي باعتبارها عملية استمرار من المؤسسات الاولى الى المرحلة الأعلى للدولة. وهي فكرة كانت مهيمنة على ما يسمى بالمؤرخين المحافظين في العصر الفيكتوري.


وتركت الجامعة في نفسها إرثاً آخر ، وهو التدخين الذي اصبح عادة مستمرة لديها. وكانت تجري حول الحرم الجامعي بملابس رثة غير مهندمة، وهي طفرة سريعة في حياة ارتداء ألبسة الموضة واحدث الازياء. ما كانت فلورنس بيل لتفكر فيها ازاء تظاهرات التمرد هذه.


في نهاية عامين كانا حافلين بالسلوكيات غير التقليدية أو المنافية للعرف، عرفت أنها ستحصل على المركز الأول في التاريخ المعاصر، وهو انتصار للمدرسة ايضاً.
وغادرت جرترود الكلية وسط حفل صاخب يضم الجنسين من الطلبة. لقد كان التباين واضحاً ما بين الامكانات الجامحة للاستقلال، التي استمتعت بها في الكلية والاعمال الروتينية الهادئة التي لاشك انها عقلانية وحكيمة.


والحقيقة ان الحرية التي منحت للطلبة لا يمكن تطبيقها بصورة مماثلة في دار عائلتها ورحلة الى لندن تتطلب مرافقة ترعاها جيداً. فالنزهات في حدائق ومتنزهات لندن مع الرجال غير مسموح بها، حتى وإن كان الرجل والمرأة صديقين، وقد امضت بضع سنوات وهي تدرس الجيل الصغير من عائلة بيل، ولم تكن تريحها سوى الفترات التي كانت تقضيها في الخارج.


وفي صباح يوم حافل بالاحداث العام 1892 حمل البريد رسالة الى فلورانس بيل من شقيقتها ماري لاسل التي كان زوجها قد عين للتو في طهران وتساءلت: هل تسافر شقيقتي جرترود الى طهران للزيارة؟


واقسمت بيل أن هذا هو المكان الذي طالما تمنت رؤيته، وفي الحال طلبت قواميس باللغتين الفارسية والعربية. وفي ابريل صعدت الى قطار الشرق السريع وبصحبتها عمتها وابنة عمها فلورانس وخادمتين وتحرك القطار ببطء شرقاً إلى باريس، والى الضاحية المضاءة، وبعد ذلك الى الظلام.


صور فارسية..

بعد رحلة دامت أسابيع عديدة براً وبحراً لمحت عيناها تلك المدينة المسورة بجوار طيني والواقعة في منطقة شبه صحراوية. وكانت الحدائق تنبثق منها اعداد لا تحصى من الازهار والورود التي تفتحت واضفت على ذلك المشهد الصحراوي مظهراً غير عادي. ومن غرفة نومها كانت تسمع بوضوح الهنادل وهي تصدح. لن تغير هذا العالم رأساً على عقب بالنسبة لصبية لاتتجاوز الرابعة والعشرين ربيعاً وخلال النزهات اليومية التي كانت تقوم بها جرترود هي وابنة عمها كان بصحبتها سكرتير وسيم يدعى جيرالد كادوجان. ولم يمض وقت طويل حتى كانا يقرآن معا الشعر ويتجولان في العثور الصيفية، حيث كانا يأكلان الدراق والتين، ويتحدثان عن المستقبل، وما لبثا أن قررا الزواج.


وكما في السابق، تسرعت جرترود بيل في اتخاذ القرار وبداية تقبلت العرض، وبعدها بعثت ببرقية الى والديها فحواها موضوع عرض الزواج. لكن والديها لم يقبلا الفكرة، فقد علما ان كادوجان ليس سوى مغامر ربما يتطلع الى ثروة زوجته المقبلة. واستدعيت جرترود الى بريطانيا ولم يمض وقت طويل حتى كان القدر يرسم مصيراً ميلودراميا للخطيب. فقد اصيب بالحمى، ولم يلبث ان لفظ انفاسه الاخيرة.وشعرت جيرترود بالعزلة، ولكن حيويتها وعنفوانها الطبيعيين انقذاها في النهاية، واكتشفت ان باستطاعتها الكتابة. وفي 1894 ظهر كتابها بعنوان «صور فارسية» وبعد ثلاث سنوات كان قلبها لايزال يتوق لحدائق الورود الفارسية، ونشرت ترجمة قديرة لقصائد شاعر القرن الرابع عشر الشهير حافظ.وانسجم تمثيلها للحياة الفارسية مع الكثير من التفاصيل ذات المواقف المزدرية للغربيين ما يخص سكان المستعمرات في الخارج. ووصفت في «صور فارسية» طاعوناً اجتاح طهران خلال زيارتها لها في 1892 وكأنه


زائر يطرق كل باب، وقالت ان ابناء البلاد اصيبت حياتهم بشلل كامل. ولم يبذلوا اي جهد لعزل المرض أو دفن الموتى، تاركين المصابين في الشوارع يلغطون انفاسهم ويتسببون في نقل العدوى. وعزت هذا الاهمال الى ما اسمته بالقدرية الشرقية، ورأت انها تمنع الناس من القبض على زمام امورهم بأنفسهم.


وصورت جرترود ايضا الحياة الناهضة للشرق على أنها وجود مختلف تماماً وكثير الغموض وغير واقعي ويصعب فهمه وإدراكه في كل الاحوال. حياة رتيبة ولا يطرأ عليها أي تغيير من جيل لآخر، ولا تمثل اي سمة خاصة بما يكفي لترك انطباع يقتصر على تصور غامض لاسترخاء وكسل تحولا الى حالة ركود ونوم.


لم تكن الكتابة سلواها الوحيدة فقط بعد تجربتها الفارسية لانها في تلك الفترة بدأت سلسلة من حملات تسلق جبال الألب وفي 1902 نجت بشق الأنفس من كارثة خلال عاصفة عنيفة ضربت فينسترا هورن، تشبثت خلالها لجبل يربط رفاقها العديدين من الذين تمسكوا جميعاً بالمنحدر الجليدي. لقد كانت مغامراتها، بالطبع، وسيلة للتخص من الملك، ام تراها كانت مؤشراً لأمنية اخرى؟ ولم يكن بالمستطاع استبعاد فكرة السلوك الانتحاري في موت بيل الناجم عن تناول جرعة اضافية من الاقراص المنومة في بغداد في 1926. وبعيداً عن سلوكها المتهور احياناً والجريء، فمن المحتمل اكتشاف مؤشرات، على الرغم من ندرتها، تدل على حالات اكتئاب، وهو ما يكتشفه القاريء في ثنايا كتاباتها، وستكشف الايام المقبلة من حياتها ايضا، عن عواطف بريطانية تختفي تحت تلك الشخصية الهادئة ذات النمط الانجليزي. والحقيقة هي انها كانت تخفي شخصية ذات وجود انفعالي.
ظلال العنوسة..


في ذروة تلك الاحداث لم تكن العنوسة توفر الكثير من الرضا الانفعالي، وبعيداً عن مغريات وحسرات عطلات نهاية الاسبوع، حيث مداعبات مجموعة ذكية اضفت حرارة على جولات الجسر والصيد وبعض المواعيد العاطفية، وتركت بيل كي تتصرف وكأنها شخصية مصدر ولع بالنسبة لاقاربها الاصغر منها وتعثر على فتات الحياة الاجتماعية بين الاصدقاء المتزوجين، ولذلك فقد سعت الى القيام بمغامرات خارجية بعد أن أيقظت انوثتها في فارس! وبعد تجربة فينسترا هورن لاحظت بسرور «أتي زمن اعتقدت فيه انه كان لابد أن نلقى حتفنا»، وبدت بيل وكأنها ترى في الخطر نوع من الاثارة العاطفية.


وهكذا بينما اطل القرن الجديد على الرفاهية المستمرة لبريطانيا وامبراطوريتها المترامية وصلت جرترود بيل الى عقد الثلاثينيات وهي تبحث عن نفسها.
وبدأ السفر بالنسبة للنساء يشكل منحى جذاباً للثريات منهن لان توسع الامبراطورية البريطانية سهل تلك الرحلات، ومع قدوم عام 1900 اتخذت جيرترود دوراً جديداً، وهو شيء غير متوقع بالنسبة للنساء من طبقتها، ودمجت بين الرحلات المهذبة وشكل ظاهري من جمع المعلومات.
في ذلك الوقت اعتبرت الجاسوسية مهنة خسيسة، ولم يؤسس مكتب للخدمة السرية في لندن الا في 1908 عندما أثارت طموحات المانيا قلق البريطانيين.



وحتى ذلك الحين كانت وزارة الخارجية البريطانية تستخدم هواة يقدمون خدمات مجانية أو مغامرين يسعون للارتزاق، وهؤلاء جميعاً كانوا يبعثون بمشاهداتهم التي رصدوها في الخارج. وأفلح هذا النظام في الاقطار الاستوائية، حيث كان يتم تكليف ضباط انجليز بمهام عديدة الا ان اماكن معزولة قليلة السكان، مثل صحاري الشرق الاوسط، كانت تمثل بالنسبة إليهم صعوبات خطيرة. واستدعت المكانة التجارية لبريطانيا في الخليج، الذي كانت تندر فيه مكاتب ارسال البرقيات واستقبالها وكانت تستخدم فيه معابر الجمال بدلاً من الطرقات الممهدة، ولم يكن يتحدث العربية سوى النذر القليل من المسافرين الأجانب، الاستفادة من اهتمامات جرترود وقدراتها اللغوية.
ويرجح ان بيل كانت تدين بمكانتها كعميلة سرية، غير رسمية، للاصدقاء المخلصين للامبراطورية، مثل وزير الخارجية البريطاني ادوارد جيراي.



وتؤكد الوثائق الموجودة قبل 1915 عندما انضمت رسمياً الى الاستخبارات البريطانية في المكتب العربي في القاهرة انها كانت تعمل بلا مقابل في قسم الاستخبارات التابع للادميرالية.
ولا يهم هنا سوى النذر القليل اذا كان هناك ميل لاطلاق صفة جاسوسة فعليه على جرترود ومنذ العام 1900 وحتى الحرب العظمى كانت تراقب نبض ما يسمى بـ «تركيا العربية» في خيام الشيوخ العرب النافذين وفي دواوين العثمانيين، حيث قضت هناك ساعات طويلة، وهي تحتسي القهوة، وتطرح الاسئلة، وتنظر بعين ثاقبة الى شئون الدولة. ووفقا للافكار الاجتماعية لذاك الوقت، لم يكن احد يشتبه في أن ضيفتهم الموقرة لم تكن سوى عميلة لحساب مكاتب الجاسوسية البريطانية.



وخلال حفل شاي لعلماء آثار من جامعة بريستول في دمشق في العام 1956 لم تثر اي شبهات حول امكانية تورطها في التجسس. بل على العكس فقد تركت انطباعاً لدى مضيفتها بأن سلوكها لا يتوفر الا لدى النساء المنحدرات من ارقى الفئات الاجتماعية.


الآثار والجاسوسية..
لقد اكتشفت ان اهتماهما بالآثار يوفر لها غطاء لوجودها في جنوبي مابين النهرين (العراق الحديث) حيث كان يتوافر مكتشفو آثار المان يقومون بأعمال الاكتشافات وطورت معرفة وخبرات جيدة في الهندسة المعمارية الاسلامية الاولى ونشرت نتائجها في كتب ومجلات تقنية.



في 1909 استفادت من اساليب الحفر الالمانية لدراسة موقع في الصحراء غربي الفرات بالقرب من بابل، ووصفت المكان بأنه ممتع، وطوال عدة سنوات انشغلت برسوماتها وصورها الفوتوغرافية وبذلت جهدها لترميم الموقع الذي اعتقدت انه من المساجد التي شيدت في اوائل مرحلة دخول الاسلام الى بلاد الرافدين.



وبالتأكيد فان الاحساس الرومانسي بالطبيعة المتحولة للزمان والعالم ايقظ فضولها ازاء الماضي المنسي، وكتبت في 1911 تقول «معظمنا كانت لديه فرصة كي نتعرف جيداً على موقع كان في الماضي مسرحاً لحضارة بادت، ومررنا بساعات من التخيل الذي لا طائل تحته، ولاستعادة مشهد الشارع والسوق والكنيسة والمعبد التي تقف دليلاً على الارض، وحتى انبعاث الألوف من المعضلات من دون حل، كنت اجد نفسي تواقة لساعة مجتزأة من التاريخ القديم، وقد يكون اشباعي في تلك الجدران التي هوت، وأطأ بقدمي صورة عالم ميت لا تمحى من الذاكرة ابداً.ودعت الصورة المتخيلة رومانسياً الى المقارنة بين الحاضر المؤسف، خاصة سلبيات ونواقص الادارة التركية في البلدان التابعة لها من الوطن العربي. فليست هناك حكومة مركزية في الصحراء ومن هنا ليست هناك سلطة مركزية للحفاظ على النظام. بل كانت الحروب بين العشائر هي أسلوب عيش وطريقة سفك دماء وفوضى لا تتوقف. اما السكان فهم يعيشون في فقر وجهل، وكتبت تقول ان موقف السلطان هو موقف اي غريب يحكم بحفنة من الجنود وبكيس خاو من المال وبتشكيلة من الرعية المعادية له والمعادية بدورها بعضها للبعض الآخر.



وبعيداً عن تحسين الوضع، فقد ضاعفت الاطاحة بالبيروقراطية الفاسدة في اسطنبول 1908، عن طريق النخبة المثقفة ذات العقلية الاصلاحية والضباط الأتراك الشبان. غضب العرب. وقد أكدت في كتابها على الحاجة الى ادارة بريطانية مماثلة لتلك القائمة في مصر.
وخلال رحلاتها في الشرق الأوسط، التقت بيل انجليزيين نشيطين سيؤدي مصيرهما الى حدوث تحول في حياة بيل. الاول سيقوم بتمهيد الطريق لها للارتقاء كنفوذ سياسي في العراق قبل أن يحقق شهرة بنفسه كظاهرة امبريالية في الشرق الأوسط وكأنموذج للقدرة على إثار الحيرة والفضول هذا الرجل هو توماس ادوارد لورانس، الابن الثاني غير الشرعي لبارون ايرلندي فقير ومربيه كانت ترعى اطفاله وقد هرب الاثنان الى اكسفورد، واتخذا لقب لورانس اسماً لعائلتهما وهكذا فقد منحا هذا اللقب لابنهما، الذي اصبح اسمه فيما بعد «تل» و«لورانس العرب» والطيار «روس» والجندي «شو» وهو ارباك مؤثر في الهويات واصبح تل وجرترود صديقين بعد لقائهما الاول في موقع اثري في جنوبي تركيا العام 1911 وتلاقيا في اطار يقين مشترك حول مصير الامبريالية البريطانية في الشرق الاوسط.



اما العلاقة القدرية بالشخص الثاني فقد بدأت في قونية، حيث توقفت هناك لجمع رسائلها في طريق العودة الى بريطانيا آتية من سوريا في 1906. وحدث ان كانت تلك الفترة غير مستقرة، بالنسبة لحظوظ بريطانيا في الامبراطورية العثمانية وقونية عاصمة سلجوقية قديمة كانت مفصلاً مهما لخط سكة حديد بغداد برلين وكان الاتراك منحوا شركة نقل السكة الحديد العمومية الارض على طول امتداد الخط الحديدي وحقوق التنقيب عن الآثار.
وبهذه الطريقة شدد السلطان قبضته على الريف العربي واحكم سلطته على الجيش المتمركز بعيداً عن اسطنبول.
واستخدمت المانيا بدورها التنقيب عن الآثار، بين امور اخرى، لادخال النفوذ الالماني والثقافة الالمانية الى المنطقة والمنقبين عن الآثار كوسيلة لتوفير المعلومات لألمانيا.



وقامت بيل بزيارة القنصل البريطاني في قونية ونظر اليها بحاجبيه البارزين اللذين شعرت انهما مفتاح للطبيعة الغامضة. كان الرجل ويدعى تشارلز (ديك) دوني ويلي اصلع وبشارب مسترسل وفي عمرها بالضبط، وهو حصيلة تعليم من وينشستر وساند هيرست، وكانت اسرته من ريف سافولك، وكان عمه هو الرحالة العظيم تشارلز دوتي. وكان كل منهما يعرف الاخر حسب شهرته. فقد عرفها من خلال كتبها. اما هي فقد سمعت بالأوسمة التي حصل عليها نتيجة لجولاته في الصين وجنوب افريقيا. وفي قونية استقبلا لفيفاً من الضيوف على مائدتهما، وكانت بيل بينهم وفشلت في ملاحظة تحكم مضيفتها بزوجها.


ومع اندلاع حرب البلقان في العام 1912 ارسلت عائلة دوتي ويلي الى اسطنبول لمساعدة الصليب الاحمر البريطاني على تنظيم الوحدات الطبية للعناية بالمصابين الاتراك. وفي اوائل العام 1913 عاد ديك وحيداً الى شقة العزوبية في شارع هاف مون في لندن انتظاراً لتكليفه بمهام اخرى وجدد هو وجرترود تعارضهما. ولو كانت بيل روائية لاستطاعت اكتشاف حبكة مألوفة تصلح لقصة ميلودرامية اثناء غرامها بديك، وسرعان ما انجذبا الى بعضهما بسبب شعور كل منهما بالوحدة وايماناً منها بأنه يمكن ان يكون شريك حياتها المثالي. ومرة ثانية كما حدث معها قبل 20 عاماً اصبحت متيمة حتى النخاع. وكما حدث في السابق فإن الوضع كان مستحيلاً. وكتبت بيل لصديقة قبل مغادرتها الى البلاد العربية في نوفمبر 1913 تظنين ان الاصح بالنسبة لي ان اجرب وأجد المخرج» ولا شك فإنها ستجد في الصحراء مواساة لها. وكذلك فإن تزايد رفض العرب للحكم التركي كان اغراء جديداً يضاف لحياتها.ومرة ثانية فإن الاندماج مع الحياة السياسية العربية برحلة الى حائل عرضت عليها طريقة مثالية للخروج من الازمة. وعملت من كل النصائح


واصرت على تنفيذ خططها الخاصة. وقال صديقها وزميلها في التنقيب عن الآثار ديفيد هوجارت: كانت لها اسبابها لتعرف بأن مشروعها لن يلقى دعماً من كل من السلطات العثمانية او الممثل الرئيسي لبريطانيا العظمى في تركيا. وشكل ذاك الحافز الاضافي للمحظور جاذبية اكبر للرحلة».


في خريف ذاك العام كتب ديك قائلاً «عزيزتي .. اريد رؤيتك لكن ذلك لن يتحقق مالم يشأ الله. عزيزتي.. اتمنى لك اسعد الحظ في مغامرتك، واتمنى ان تكون الامور سهلة.. ربما نلتقي يوماً ما».

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ

يوميات الجزيرة العربية (2) ـ
جيرترود تبدأ أولى مغامراتها في أعماق الجزيرة العربية، أسيرة حائل تقطع رحلتها وتعود لبغداد بوسام ذهبي..


كانت برودة الطبع جزءا لا يتجزأ من الثقافة البريطانية الأدواردية لفترة ما قبل الحرب العالمية الاولى وفي الحقيقة فقد كانت تتجه جرترود الى عالم تكتنفه الحرب القبلية ومكان تجرأت على الدخول اليه حفنة من الغربيين وحدث ذلك فقط عندما كانت المهام المهمة تفرض عليهم ذلك.


الحرب القبلية المتأججة في نجد كانت حربا بالنيابة تخوضها قبيلتان رئيسيتان نيابة عن تركيا وبريطانيا في العام 1913. وكانت تركيا تخلت منذ امد بعيد عن هيمنتها على نجد، واحد الاسباب لذلك كانت المناوشات الدائمة بين البدو للهيمنة على المنطقة. ونجحت عائلة آل سعود في بسط نفوذها على أجزاء واسعة من المنطقة في ثلاثينيات القرن التاسع عشر ونجح آل سعود في تأسيس عاصمة دولتهم في الرياض.


في الوقت الذي طلب من بيل اختراق نجد كان آل سعود قد سيطروا على الجزيرة العربية وهرع الكابتن وليم شكسبير من قاعدته في الكويت الى الرياض لمناقشة مضاعفة الدعم البريطاني. وكان يأمل في الحيلولة دون اندلاع حرب قبلية واسعة. وما يدعو الى السخرية ان شكسبير قتل بعد 15 شهرا خلال معركة كان يخوضها فرسان آل سعود. وفي خريف العام 1913 كان الوقت عصيبا بالنسبة لامرأة حزمت امتعتها واستعدت الى رحلة لعبور اعماق الجزيرة العربية.


والحقيقة ان الليدي آن بلنت كانت المرأة الوحيدة التي قامت بزيارة حائل قبل بيل بثلاثين سنة. وكانت قد جاءت الى الجزيرة العربية لشراء خيول عربية.


وكان تشارلز دوتي عم ديك دوتي العالم الجيولوجي قد غادر دمشق في اوائل سبعينيات القرن التاسع عشر في قافلة حج في جولة استغرقت عامين بين سوريا وصحراء الجزيرة العربية وقام خلالها بزيارتين لحائل وكتبت الليدي بلنت ودوتي عن تجربتهما في الجزيرة العربية وعكفت بيل على قراءتهما بالحماس نفسه الذي اظهرته في استطلاع الاثار الاسلامية القديمة.


واتسم كتاب دوتي «الصحراء العربية» بالاسلوب الغريب ووصف تي اي لورانس اللغة بأنها شديدة جدا في كلماتها وجملها حتى انها ارادت قارئا نزيها» اما بالنسبة لبيل فقد تحول الكتاب الى مصدر لايحاءاتها ومرشدا، وفي احدى الفقرات لم يكن دوتي واثقا في انه سيلقى الترحيب المناسب. ويقول في هذه الفقرة «جلست.. في وسط حائل.. وفي غضون ذلك كانوا يتناقشون ربما حول حياتي هناك وراء الجدران الطينية للحصن».


وافترضت الليدي بلنت انها وزوجها سيحظيان بالاحترام المناسب بسبب وضعهما المرموق وانتمائهما لطبقة نبيلة بريطانية. ولكن بعد سوء فهم صغير مع حاكم حائل لاحظت في كتابها الحج الى نجد» انه «كان درسا وتحذيرا، درسا بأننا ـ الاوروبيين ـ لا نزال بين الاسيويين وهو تحذير بأن حائل لاتزال عرينا للاسود، على اننا لحسن الحظ كلنا اصدقاء للاسود». جرترود بيل من جهتها لم تعترف قط بأنها تخشى من أي اسد.


رهينة في حائل..
اكتست دمشق بحلة الخريف وبدت بلون واحد واستدعت بيل اصدقاءها وتجولت في اسواق المدينة لشراء اغراضها ولابتياع الجمال من اجل الرحلة المهمة.
لقد كان تنظيم القافلة فناً بحد ذاته وعرضا مكلفا ايضا. ونصحت جرترود باصطحاب 16 جملا في رحلتها وكان الجمل الواحد يكلف 16 جنيها استرلينيا بما في ذلك المحمل وكان لابد ان تحسب انها بحاجة الى الطعام وخصصت 50 جنيها استرلينيا لذلك و50 جنيها للهدايا مثل العباءات والكوفيات والقماش القطني.


كانت القافلة صغيرة بالمقارنة مع قوافل التقليديين او قوافل الحجاج، وحزمت بيل ايضا وسط حاجات السفر طقما من الصحون ومشغولات فضية واقمشة كتانية وأعمال شكبير الكاملة وكتبا اخرى. وحملت معها ايضا خيمة ومغطسا للاستحمام وعدستي تصوير ومنظارا ومساحيق تجميل وادوية لكل الحالات الطارئة وحملت معها كرسيا يمكن طيه ومقعدا ومسدسات واجهزة مسح زودتها بها الجمعية الجغرافية الملكية.


كان هناك عنصران حيويان لنجاح اي رحلة استطلاعية. اولهما وجود قائد للقافلة وطاقمه. واحتاجت جرترود بيل لاستئجار نحو سبعة رجال، ولسوء الحظ فان خادمها فتوح الذي جاء من حلب لاصطحابها في الصحراء اصيب بالحمى، وخشية التأجيل قررت ان تغادر بدونه على ان تلقاه لاحقا في عمان.


وانتهى بحث بيل عن مرشد ذي خبرة بعشاء في احد مطاعم دمشق في اوائل ديسمبر عندما التقت برجل يدعى محمد المعراوي واستأجرته.


وجاء محملا بأرفع التوصيات وأكثر من ذلك فقد كان يعرف أمير آل رشيد التي كانت تأمل ان تلتقيه. واصبح المعراوي جزءا حيويا من طاقمها باعتباره قائدا للقافلة.


وتأكد من ان الرجال يعرفون اتيكيت الشرطة الشخصية وادب السلوك والمجاملة عند البدو وكانت لديه كل اصناف الخبرة في مواجهة المخاطر وقاد القافلة على دروب الصحراء الرملية، واراضي الحماد في البادية السورية وصحراء النفوذ التي لم توضع لها اي خرائط والحواجز الجبلية المكونة من الكثبان الرملية الحمراء العالية التي يصعب المرور عبرها وهي التي تفصل نجد عن سوريا.
والماء كان يوازي ذلك اهمية لبقاء القافلة على قيد الحياة والحقيقة ان صحراء نجد، مقارنة ببيئة جنوب سوريا ذات البيئة المعتدلة، لم تكن تنبئ بوجود اي مياه او خضرة باستثناء تلك الاعشاب التي تنمو بعد هطول الامطار وبالكاد توجد اي تجمعات بشرية حيث يمكن العثور على الغذاء والعلف. ومن الارث الذي خلفه الرومان في سوريا التي كانت تابعة للامبراطورية الرومانية تلك الحصون العسكرية عند مصادر المياه المهمة في الصحراء.


وحتى وان كانت اثار متفتتة فانها لا تزال تقوم بوظيفتها كمراكز للتجمع لأي شخص يعاني العطش، وتمثل طرق القوافل سلسلة مترابطة من الطرق التي تربط بئرا بالبئر الذي يليه على الدرب وهي نسخ مبكرة للطرق الرئيسية المعاصرة، ومع الاتجاه لمسافات ابعد جنوبا تنتهي تلك الدروب الى لا شيء او الى العدم.


وأخذا بالاشاعات المتناقضة حول حالة الحرب القبلية قررت بيل الخروج من دمشق في صبيحة يوم الثلاثاء السادس عشر من ديسمبر العام 1913. ووضعت اخر رسائل ديك دوتي في سلتها. وحتى وان احرق جميع رسائلها فانها اثرت الاحتفاظ برسائله. يتساءل دوتي في احدى رسائله يا ليتنا نكون رجلا وامرأة كما خلقنا الله ونكون سعداء، اعلم ما تشعرين به وماذا ستفعلين ولماذا لا تفعلين ولكنك مع ذلك لا تزالين لا تعلمين وفي ذاك الطريق يكمن شيء عظيم ورائع، ولكن بالنسبة لك فان ذلك يشكل كل انواع المخاطر».
وما ان خرجت من دمشق للقاء مجموعتها عند نقطة الانطلاق رأت «المشمش ملفوفا بالورق الذهبي والذرة يخرج من بين الاكمام الورقية الخضراء تحت اشجار الزيتون الوارفة الظلال بينما المزارعون يجنون موسم الزيتون». كانت الايام الاولى للرحلة الشتوية مضطربة. وغذت القافلة سيرها على طول الارض البركانية الباردة ونادرا ما التقت بأي انسان او شيء يتنفس.



ولكن سماع حركة او رؤية سحابة دخان عند خط الافق كان سببا لاثارة الاهتمام او القلق اذ ان اي عابر للصحراء يخشى الآخر.
وعزز توقعها طلق ناري مر من فوق رأسها في صبيحة ذات يوم وجاء رجل ممتطيا فرسا من وراء كثب رملي ودار حول فريقها وكأنه رجل مسه جنون، مجردا سيفه من غمده محاولا ان يسلب رجالها من مسدساتهم وذخيرتهم.



ولولا ظهور اثنين من الشيوخ الودودين لكانت عادت ادراجها من حيث اتت. وافادت هذه البداية التي كان طالعها السوء فقط كتذكير بأن البدو ورغم كل التزامهم بقواعد النبل والشرف ينشأون وهم يعتبرون ان الغزو هو نشاط طبيعي. لكن في العموم فان الفضل يعود الى توظيف وسطاء قبليين جعلوا المسافرين يأمنون الكمائن او حتى القتل.



وتابعت القافلة سيرها في منتصف ديسمبر تحت المطر والضباب..
وأمضت المجموعة مساء اعياد الميلاد في حلقة مهجورة وهي قصر بوركو وهو موقع مجهول يمكن ان تكون اثاره رومانية، وتحولت الآن الى ركام من الصخور الداكنة المصطفة على طول حافة حفرة مائية، وكانت تلك الليلة ذات جمال خاص، فضوء النجوم يغسل اثار برج داكن ويحوله الى مصدر لراحة النفس وكان مخيمها يلفه الهدوء.
وفي صبيحة اليوم التالي نهضت بيل باكرا دون اسف على ضياع فرصة الاحتفال بعيد الميلاد في موطنها وطفقت تتجول بين الاثار وتقيس وتصور..



بدأ العام الجديد بتوجسات جديدة، استدارت نحو الشرق حيث تقع محطة زازا لسكة حديد الحجاز، حيث خططت للقاء فتوح. وأملت ان تتجنب الالتقاء بالجنود الاتراك يقومون بدوريات في المنطقة وكان موقف البدو تجاه الاجانب وديا بصورة عامة اذا كانوا بصحبة ادلاء او مرشدين ولكن لم يكن المسئولون الاتراك ليوافقوا على مرورهم دون تحقيق.
في المقام الأول كان السلطان زعيما دينيا لكل المسلمين. ولم يكن الاتراك يسهلون النفاذ والمرور عبر الاقاليم الصحراوية. وكان الحاكم العام للمدن المستقرة يتمتع بامتياز حرمان المسافرين من أي حق في المرور، واما بيل فقد كانت كلها أمل بأن تزحزح اي احد عن موقفه اذا ألح في طلبه ان يرى اوراقا لا تحملها او ليست بحيازتها ولسوء الحظ، فلدى عودتها الى مخيمها بعد ان احضرت فتوح وجدت ثلاثة جنود في انتظارهما وما لبثت ان احصت عددا اخر من الجنود الخيالة الذين كانوا يتجهون اليها.



كان مشهدا محيرا فقد طارت البرقيات الى اسطنبول فيما يخص المرأة الاجنبية. وتعامل معها المسئولون الاتراك المحليون برفق وهم لا يعلمون ما اذا كانوا سيرجعونها من حيث اتت ام يسمحون لها بمواصلة طريقها. واما هي فقد كانت واثقة انه لو غادرت بدون ان يؤذن لها فان الجنود الاتراك لن يوغلوا وراءها عندما تواصل السير في عمق الصحراء.



وفي عصر ذات اليوم وخلال فترة توقف حضرت بيل عرسا وشاهدت وكلها دهشة الضيفات يرتدين الالبسة المزركشة ويرقصن على انغام الموسيقى التي كانت تصدر عن جهاز الاوكورديون بينما كان اخر يقيس الوقت بحركات نظامية مستخدما عصاتين. بعد ذلك اخذت الى بيت اخر حيث كانت العروس مغطاة وبقيت قابعة في الداخل بعيدا عن الاحتفالات اذ حسب العادات فان العروس لم تكن لتظهر الا عندما يهبط الظلام.



في تلك الليلة بالذات وقعت بيل وثيقة يتبرأ فيها كل شخص من مسئولية سلامتها وفي صبيحة اليوم التالي غادرت عمان وهي تشعر بأنها طليقة حرة. وكتبت تقول انها شعرت بالراحة لأنها اصبحت الآن خارج نطاق القانون.
وكانت الصحراء تمتد امامها متثائبة وعلى امتداد البصر لا عوائق فيها لكنها تحمل في طياتها اشياء قد تثير الفزع في النفس. وفتحت بيل دفتر ملاحظاتها، وهي غير قادرة حينها على الاتصال بدوتي وبيلي وبعد ان بعثت برسائلها الاخيرة الى بقية العالم، وبدأت ملاحظاتها اليومية الخاصة بديك عن الليالي المختلفة.



واستخدمت ملاحظاتها اليومية المختصرة لانعاش ذاكرتها بأحداث الرحلة العادية وكأصوات طلقات الرصاص التي قد تعكس نوايا خبيثة لقبيلة معادية او شجيرة صحراوية مزهرة او بركة مليئة بالماء. او تصف له السماء الصافية ليلا والمتلألئة بالنجوم. وقد حولت هذه الصور الدقيقة الى حكايات ترقى لأعظم ما كتب في ادبيات الرحلات والسفر.في الليل وبعد نصب الخيام وربط الجمال وتناول طعام العشاء كانت تنضم الى الرجال فتجلس أمام نار تحضير القهوة لسماع الحكايات والسير الماضية عن المعارك او الاحداث المشهورة في التاريخ وقصص ابطال العرب الذين يقدمون صورة صادقة عن العرب.



ولا شك ان بيل كانت تفضل صحبة الرجال اينما كانت. فقد كانت تقاسم اهتماماتهم وافكارهم ولم تدع ان النساء كن يلفتن انتباهها في العادة. ولا غرابة، في ضوء طبيعتها المغايرة، ان تنضم الى الحملة المناهضة لحق المرأة في الانتخابات في انجلترا. وفي الجزيرة العربية كانت تجلس لفترات طويلة في ركن الحريم البدو وهو المكان المخصص للنساء. وخلال الاسبوع الاخير من يناير عام 1914 عندما حلت ضيفة على مخيم عشيرة الحويطات سجلت بعض الاحاديث مع نساء العشيرة.



واسرت اليها النساء بمشاق الحياة بعد ان لمسن فيها تعاطفا واذنا مصيغة لهن. فهن كن يعشن حياة الترحال ويتناولن وجبات طعام تقتصر في الغالب على التمر والحليب ويعانين من الجوع في ايام الشتاء القارصة وكانت مهامهن تقتصر على رفع الخيام ونصبها وملء الماء واعداد الطعام. ويجمعن روث الجمال لاستخدامها في اشعال النار ودائما يتحملن مشاق ومعاناة تربية الاولاد.
وسجلت بيل بعضا من اللقطات للنساء للاحتفاظ بالصور في ارشيفها الخاص. وعلى الرغم من حقيقة ان صورها كانت بصورة عامة وصفية وليست مركبة كما يمكن ان يتوقع الانسان ازاء الوثائق المعدة بالمقام الاول لاغراض الاثار، الا انها كانت تمتلك عينين ثاقبتين للتكوين وامكانات جمالية لتفعيل الانسجام ما بين الابيض والاسود.



وفي احدى صور حريم شيخ الحويطات في طور الطبق كان هناك توازن ما بين ألبسة النساء الداكنة وبقع الضياء ويقف ثقب في اقصى وسط الخيمة مقابل الاشرطة المنخفضة للنسيج الخاص بقطع الخيمة الداكنة. وكان على اليسار يتوارى رأس شيخ القبيلة وتظهر ثيابه المتطورة مختلفة عن زي الحريم ويقف الشيخ دافعا بعباءته جانبا ليكشف حزامه المشغول بالوانه الجميلة. وتظهر هذه الصورة الحياة الضيقة للمرأة البدوية. اما الشيخ فقد بدا غير مقيد بحدود عبر الابعاد الضئيلة للخيمة بينما تجلس النساء القرفصاء على جانب واحد يحملقن بالعدسة الى ما لا نهاية.



مضى على بيل الآن ثلاثة اشهر وهي في رحلتها، ولا تزال تسجل مذكراتها اليومية حول الاراضي التي تعبرها والعشائر التي تلتقيها. ولا شك ان تلك الملاحظات كانت مهمة جدا بالنسبة للجغرافيين مسئولي الحكومة الذين لم يطأوا هذه الارض قط وقد ملأت مياه الامطار الحفر الارضية بالمياه على طول الطريق، وهو مشهد لابد انه فتنها وملأ قلبها سعادة. لكن بدلا من ذلك بدأ اكتئاب يحدق بروحها لانها شعرت بوحدة سريعة واحست في اعماقها بأن اللعبة لا تستحق تلك الجهود. ودعتها واقعيتها الى التفكير بأن اليأس في تلك اللحظات لم يكن فقط بدون جدوى بل خطرا ايضا.



لو انها تلقت رسائل من ديك وواكبتها في الصحراء فلا شك ان مزاجها الكئيب كان تلاشى وارتفعت معنوياتها. لقد كتب لها ديك في نهاية ديسمبر يقول «لقد منحتني حياة جديدة لقد اعطيتني المفتاح الى قلب» على الرغم من ان لدي اصدقاء بعضهم من النساء وحتى زوجتي فقد خرجوا من الحديقة التي تجولنا فيها لقد تنبهت الى العالم وشعرت بالوحدة ولجأت الى الاحلام والفلسفة وعشق الموت الصامت».


ووعد ديك بيل، وهو يتأمل اثناء وحدته، التي كان يقضيها عشية عيد رأس السنة مع والده في الريف، في خيالاته، ان «اجلس معك في خيمتك وعندما تجلسين على صهوة الجمل وترحلين سأترك قلبي بجوارك».


في اواسط فبراير دخلت بيل ذلك الجزء المعزول وغير الوارد على الخريطة في منطقة النفوذ حيث قامت باجراء بعض القياسات الطبوغرافية المهمة، وعند الظهيرة في التاسع عشر من فبراير قررت حرف طريقها قليلا نحو الاتجاه الجنوبي الشرقي وعندئذ واجهت اول اختبار للتحمل وهي في مواجهة رياح عاتية. ورأت مشهدا مفزعا مجسدا بالعزلة وارض ايباب تتناثر فيها الصخور الداكنة وتنساب على جانب دربها. وصرخ احد الرجال قائلا «يا الهي ان هذه جهنم بعينها».



ولعبت هذه الجغرافية الكابوسية دور المقدمة لاحتجازها في حائل والذي دام نحو احد عشر يوما.
في الخامس والعشرين من فبراير قادها احد المضيفين ويدعى ابراهيم الى مساكن في العقد الصيفي عند السور الجنوبي للبلدة. ولم يتجاوز عمر الامير السادسة عشرة ويعد الحلقة الاخيرة الضعيفة في سلسلة من الامراء الذين لقوا حتفهم.


وكان غائبا في احدى حملات الغزو ضد جيرانه رفض ابراهيم تقديم اي تطمينات حول الموعد الذي يمكن للضيفة ان تغادر المكان فيه.


ومضى اسبوع وكانت صديقاتها الوحيدات هن الحريم التي اصبحت واحدة منهن صديقة حميمة لها. كان اسمها تركية لانها تنحدر من اصول تركية، واتسم حديثها بنوعية قريبة الشبه بأحاديث شهرزاد، لقد روت وبمناسبات عدة قصة حياتها. لقد اختطفت عندما كانت صبية صغيرة وبيعت في سوق النخاسة وما لبث الحاكم ان زوجها من رجل طيب. وكان من مهامها ان تنقل الى فاطمة جدة الامير كل ما كان من الممكن ان تعرفه عن بيل. وبقيت تلك العجوز الغامضة مختبئة في مكان ما وسط الحريم ولكن جرترود شكت، كما شك احد العبيد ويدعى سعيد، بأنها كانت السلطة القوية وراء الأمير.



في احدى الليالي الحالكة الظلام غادرت بيل برفقة العديد من العبيد عبر ازقة حائل الضيقة لزيارة القصر. واستقبلها ابراهيم في قاعة فسيحة تمتلئ بالسجاد وتتناثر فيها الارائك هنا وهناك.


وكانت جرترود منشغلة بالاستمتاع في الاصغاء الى قصصه حول تأسيس امارة «آل رشيد» واخيرا وبعد تدخل اثنين من الزوار وتوصية تركية بها عند فاطمة ابلغها سعيد بأن قافلتها حرة في المغادرة. وما لبث ابراهيم ان قضى نحبه طعنا نجنجر فيما يبدو ان السبب هو خلاف بينه وبين فاطمة حول مصير السجينة. لقد بقي سؤال يعذبها وظل بدون اي اجابة: هل حياة بيل في خطر؟ في بغداد في نهاية مارس


حزمت مذكراتها الخاصة بديك وبعثت بها اليه في اديس ابابا حيث كان يمثل بريطانيا في لجنة ترسيم الحدود الجنوبية لاثيوبيا. ورد على تلك المذكرات بحماس شديد فقال: «عزيزتي لقد قرأت مذكراتك عن الرحلة باهتمام شديد وبالطبع ستكتبين عن هذه الرحلة النادرة لانها تمثل بطولة عظيمة. بالنسبة لي فهي عمل رائع وتم تأديته بصورة ممتازة وتم التغلب على المصاعب والمخاطر».



وعلى الرغم من مديح ديك فقد وجدت ان بقية الرحلة كانت مملة وتحملت الرحلة غربي بغداد بفارغ الصبر، وعندما وصلت في النهاية إلى دمشق في مايو لم تكن بعد واثقة من الانجازات التي حققتها بل كانت منهكة بالكامل. وحتى بعد ان نشدت الراحة في منزل صديقاتها ازعجتها احلام صور جمال مضطربة وهي تجري على غير هدى في الصحراء.
على الرغم من منح الجمعية الجغرافية الملكية


البريطانية لبيل ميدالية ذهبية بسبب الانجازات التي حققتها فان اي معيار للنجاح في اي نوع من الرحلات كان ينطبق فقط على الرجال. ولم تكن هناك اي ميداليات مخصصة للنساء على أنهن بطلات. ولكن وفقا لأي معيار حازت بيل على هذا اللقب. فقد سافرت الى اماكن بعيدة ومعزولة ومجهولة وحافظت ظاهريا على اعصابها في لحظات حالكة وفي المواقف العصيبة. وحظيت باحترام فريقها وحصلت على معلومات حول الجزيرة العربية اثبتت انها ذات قيمة بالنسبة لبلادها في وقت

جلال الدرعان
03/07/11, (06:22 AM)
الحرب.
ومن الناحية الشخصية فقد ارضت حاجتها للعمل وتعرفت على دوافعها ومشاعرها.


ولكن شيئا واحدا لم يتغير.. توقها واشتياقها لديك. ولدى عودتها الى انجلترا في يونيو العام 1914وبينما كان الريف الانجليزي يغط في هدوئه الاخير، نحت مشروع وضع كتاب عن الجزيرة العربية جانبا وكان دوتي ويلي لايزال بعيدا في اديس ابابا. وكتب دوتي في احدى المناسبات يقول: «ماذا افعل لاراك تجلسين قبالتي في هذا البيت الذي تحيط به كله اجواء العزلة».



لم يكن مفاجأة اندلاع الحرب في ذاك الخريف، وسألته «هل تعلم ماذا سيحدث في هذه الحرب؟
اعتقد انه ستحدث نكسة ولا اعتقد ايا من الطرفين المتحاربين سيفوز طريق مسدود، شجاعة عقيمة وجهد خاسر».


لا شك فأن تشاؤمها كانت له مبرراته ففي اكتوبر من عام 1914 اجتاحت القوات الالمانية اراضي بفلاندرز وتم توجيه قوة استطلاعية بريطانية لعرقلة تقدم الالمان في ايبريس لكنها ابيدت بالكامل.


وتراكم عدد المصابين على مراسي السفن وفي محطات القطارات في بولون حيث نشطت بيل وعدد اخر من متطوعي الصليب الاحمر الذين عملوا ليل نهار وهم يسجلون قوائم بأسماء الجرحى والموتى ويعدون تقارير لارسالها الى وزارة الحرب البريطانية. وبينما كانت زوجة ديك في فرنسا ايضا تقوم


بتنظيم المستشفى العسكري كان هو يكتب الى بيل.
في يناير 1915 تلقت بيل برقية تقول ان ديك سيغادر اديس ابابا ويتوقع ان يصل الى مرسيليا في التاسع من فبراير. لقد التقيا وافترقا فدوتي ويلي ذهب الى الحرب تلاحقه رسائل جرترود المترعة بمشاعر الاشتياق التي كتبت على خلفية الانباء المفزعة الاتية من جبهات القتال دون ان تلوح في الافق أية بوادر لنهايتها.


كتبت جرترود يوم السابع من مارس 1915 تقول: اجلس مع وحدتي وحيدة معك ووحيدة على الرغم من ذلك، اجتاحتني هذه المشاعر كأمواج البحر. اغمر نفسي بتأثيراتها لفترة ولكني لا ألبث ان اطفو لأعوام على الذكريات وعلي اصداء جملة واصعد الى السطح لألتقط مشهدا عبر تلك اللحة المريرة ويعلق بصري بأرض فردوسية حيث اوقن انني سأفوز هناك وانني لا شك سأفوز، تلك الارض افكر وافكر بها ولا ادري ماذا سيكون مصيرها عندما اصل اليها.في التاسع من مارس 1915 كتبت بيل تقول وقد ملأها


الشوق اليه «اه يا ديك ارجوك ان تكتب لي. اثق واؤمن انك ستكترث بي دعني اقف وقامتي منتصبة عندئذ سيغفرون لي ولك، كل اولئك الاناس الذين لهم صلة بنا سيغفرون لنا. ولكن انت من ينبغي ان يقول ذلك وينبغي ان تقولها الآن، ولست انا، اما انا فلن اقولها لأحد».


ثم يوم العاشر من مارس 1915 خاطبته قائلة: «ابلغك اقدس واعمق اسرار حياتي، وهي ما تكشفت لي اخيرا بعشوائية، اصغ الي، اقول لك باجلال بأن الثمن لم يكن كبيرا بالنسبة لتلك الساعات التي قضيتها معك، نقول ان العاطفة المتأججة ستأكل نفسها. ستنام ولكن بين جوانحي سيخفق لك القلب. هو شعوري الحالي الذي اعيشه في كل لحظة.


ثم في 12 مارس 1915 قالت له «لقد عشت ساعات عظيمة يمكنني ان اموت عليها وانا سعيدة ولكنك انت، لم تحصل على ما كنت تتمناه».
وما لبث ديك ان اجابها على تلك الفورة العاطفية بما لا تتمنى: «اما بالنسبة للأمور التي ذكرتها عن المستقبل في اماكن بعيدة، فهي ضرب من الحلم، حلم امرأة لا غير، ينبغي ان نسير على طول


الطريق، ان ذاك الجنون هو للشعراء والحالمين ليس لنا الا بما يقاس وفقا لاحلام المحبين. تلك امور لا يستطيع الانسان ان يتناولها بالجدل. فهي مشاعر تنمو كالليل ولا تلبث ان تغمرنا.
واحسب انك لا تعجبين بمنطق الفلسفة او ان تكوني فيلسوفة، واعني ان اللذة هي اللذة وليس الخوف والشك والتردد ليست سوى طريق شائكة تقفز منها السعادة واللذة.


جاءتها هذه الرسالة ردا على خطابها المفعم بالحيوية في الخامس عشر من ابريل ورجاها ان تكف عن تلك المشاعر المنغمسة بالاشتياق لأن روحه ستكون في ذاك العالم البعيد اشد حزنا. ولكن ما يثير السخرية ان زوجته هددت بطريقة مماثلة انها ستلجأ الى فورة المشاعر تلك ان هو غادر هذه


الحياة.وفي العشرين من ابريل كتب لها يقول «غدا سأستقل سفينة انزال من الناحية السياسية، وحتى من الوجهة العسكرية، اعتقد ان هناك فرصا عديدة جدا، فاذا فشلنا ستكون هناك كارثة سياسية».
وفي السادس والعشرين وبعد ان قاد كتيبة انزال على الشاطئ اصيب دوتي برصاصة في رأسه ولفظ انفاسه على الفور على مرتفعات مطلة على


جاليبولي، ومنح وسام فكتوريا ولم تكن جرترود تعرف انها تكتب رسائلها للريح وواصلت الكتابة حتى تلقت نبأ مصرعه.




يوميات الجزيرة العربية (3) ـ
الحكومة العثمانية تخلي مسئوليتها والإنجليز ينفضون أيديهم، مغامرة خارجة على القانون تعبر الرمال وصولاً إلى صحراء النفوذ..


لم يمض وقت طويل حتى تلقت جرترود رسائل ديك الذي لقي مصرعه في جاليبولي. ولاسدال الستار على ذلك الفصل في حياتها تأكد لها انه من الضروري ايجاد وسيلة كي تنسى الماضي.في نوفمبر عام 1915 تم تعيينها في المكتب العربي في القاهرة، وهي وكالها تم تأسيسها لجمع وتوزيع المعلومات الاستخبارية عن الشرق الاوسط.



وفي غضون ذلك كانت القوات البريطانية تحارب على جبهتين صحراويتين، وقد تزعزعت خطوط الاتصالات على جبهة دجلة من قبل عشائر آل رشيد وتعرضت للتهديد أيضاً على جهة قناة السويس حيث كانت القوات التركية مكونة من مجندين عرب. في مارس 1916 ونتيجة لتدخل لورانس انضمت لهيئة موظفي السير بيرسي كوكس المسئول السياسي الاول في العراق. وفي العام نفسه اصبحت سكرتيرة كوكس للشئون


الآسيوية، وهي اول امرأة تعمل في خدمة التاج البريطاني. واصبح الشرق منزلها وموطنها الدائم لتصهر جاذبيتها العميقة للجمال الخشن، للارض واناسها، باهتمامها بالسياسة.


وتبرز انشطة عدة تأثير بيل ونفوذها في العراق. ففي عام 1920 تم تأسيس اول مجلس عربي برئاسة نقيب جيلاني وحسب رأيها فإن ذلك كان نموذجاً لقدرتها على ممارسة سلطتها من خلال تقديم الاقتراحات.


وفي صيف العام 1921 ساعدت على تنفيذ السياسة البريطانية عن طريق اقناع القبائل العربية بضرورة التصويت لفيصل رفيق لورانس في سنوات الحرب وعندما بات ملكاً للعراق وعد العرب بالحصول على الاستقلال.


ثالثاً، بصفتها الصلة الاستخبارية بين بغداد ولندن، فقد كان صوتها هو الذي تحدث لحكومتها حول التطورات السياسية في العراق. وبأوامر من السير كوكس قامت بترسيم الحدود المتنازع عليها بين العراق والسعودية والكويت. واخيراً قامت بانشاء المتحف الوطني للآثار واختارت افضل القطع الاثرية من مواقع اثرية مختلفة وافتتح بعد الحرب العالمية الاولى ومنحت العراقيين سياقاً جديداً لفهم ماضيهم. وضم المتحف ايضاً مجموعتها الشخصية التي تضم آلافاً عدة من الكتب، وهي اداة لا تقدر بثمن من أجل اعمال البحث في الادب والتاريخ العربي.



والواقع ان التاريخ ليس لطيفاً مع اولئك الذين تفشل تجاربهم وفي العام 1923 بدأت بيل بالتشكك في النوايا البريطانية في العراق. وكانت المشاعر القومية العربية اخذة في النمو في تلك الفترة. وباتت من حقائق الحياة في العراق. ولم يكن الملك يحظى بأي شعبية كما لم تول القبائل العربية اهتماماً كبيراً في المؤسسات الاجنبية. وبذلت بيل جهداً كبيراً لاقناع الوفود العراقية


للموافقة على تصويت عصبة الامم على منح بريطانيا حق الانتداب على العراق. ولكن مملكة العراق لم تعمر طويلاً فقد سقط النظام الملكي على اثر انقلاب عسكري في العام 1958، ربما للافتقار إلى نموذج افضل للحكم. واستمر الحكم الملكي سبعة وثلاثين عاماً قبل ان يتقوض وسط ألسنة اللهب.


لقد تجمعت الموضوعات الرئيسية في حياة جرترود وهي الانجذاب إلى رجال غير عاديين والمخاطر وحبها وعشقها للحاية السياسية ومواهبها الادبية الذكية في كتاب مذكراتها العربية. لم تسرد هذه المذكرات توقها للحرية الشخصية وتصميمها القوي في التغلب على العقبات بل تحيي إلى درجة غير عادية معبراً إلى العالم المجهول.ولو ان روح بيل ترفرف فوق أي مكان فلا شك انها قد تشعر بالراحة عندما تعلم ان كتابها حول الجزيرة العربية قد نشر في النهاية.


يوميات دوتي ـ 1914
عدت اليوم إلى الصحراء واثناء توجهي مررت بمحطة (جيزة) زيزا توقفت وسألت ما اذا كانت رسائلك المفقودة قد وصلت هناك بمحض الصدفة. لكن لم توجد هناك اي رسالة وعبرت خط السكة الحديد الصيفي الذي يربطني هنا بالعالم الخارجي، قطعت ذلك الخط الضيق ومن الآن لن استطيع ان اسمع منك ولا من اي شخص آخر واكثر من ذلك هل تعلم أنني خارجة على القانون.


لقد ابلغني السفير لويس موليت انني اذا مضيت في طريقي إلى نجد فإن حكومتي تغسل يديها مني وقد قدمت اخلاء مسئولية للدولة العثمانية قائلة انني سأواصل طريقي متحملة المخاطر ذاك هو الثمن الذي دفعته لانني احتجزت في الجيزة (زيزا). ونظراً لانني أسافر بدون حارس فإن الحماية البريطانية ليس لها قيمة كبيرة في هذه الاراضي الكاحلة.
ولا اعتقد، اذا ما تعرضت للسلب وسرقت مني حوائجي الخاصة، ان ويلي تيريل سيسير جيشاً لاستعادة حاجياتي الشخصية.



لم ابتعد كثيراً عن عمان حتى وصلت إلى مزرعة فيها بعض المسيحيين، وهي لا تبعد سوى 3 ساعات عن محطة جيزة إلى الشمال في ذاك المكان الذي احتجزت فيه وخرج جميع اصدقائي الذين عرفتهم قبل 9 سنوات لاستقبالي وقضيت الليل معهم. لقد كان مضيفي رجال عراض المناكب ضخام الاجسام وخشنو الاصوات مستعدين لتحدي جميع الصعاب التي تعترض طريقهم.في صبيحة اليوم التالي ارسلوا معي فارسين لرفقتي وعادا إلى المزرعة وأكملت طريقي حيث امضيت ساعتين قبل الوصول إلى مخيمي. وما إن جاء صباح اليوم التالي حتى بدأت الرحلة إلى نجد.



يناير18
امضينا يومين رائعين ونحن نغذ السير في اراضي شمر وبدأت حقيقة اجد متعة في الرحلة. ولابد ان اقول لك الآن ان الجزء الاول في الرحلة لم يرق لي سوى بصورة ضيئلة حتى انني كنت على وشك ان اعود. فهناك البرد الشديد القارس وغياب فتوح ويجتمع امر على آخر ليكون جبل من الآفات والشرور. لم اكن افعل شيئاً سوى التفكير بينما كانت عنياي تستديران دائماً إلى الخلف. ولكن بعد ان مضى يومان على الرحلة فصلت نفسي عن المدنية ولكنني شعرت انني القيت عن كاهلي كل الاعباء. ولم اعد افعل شيئاً الآن سوى النظر إلى الامام حتى الغد وحتى اليوم الذي يليه.



وفوق كل شيء استمتع في كل لحظة وهي تمر ولابد ان توثق معرفتك بأعضاء الرحلة. وبداية هناك محمد المعراوي الكبير في السن رفيق السيد كاروثر. ففي شبابه كان يركب الخيل مع الرجاجيل من امثال محمد آل رشيد وفي الايام الأكثر حكمة كان يشتري ويبيع الجمال من نجد لكنه الآن يعيش سنوات عجافاً ويتقبل اية اعمال وضيعة يمكن ان تعرض عليه. وهو يعرف العرب في اي مكان حط فيه. الآباء والاجداد لجميع الشيوخ، الاصدقاء منهم والاعداء.



وكانت حكاياته حول الحرب والمغامرات لا تنتهي سواء اثناء الركوب او الاستراحة حول موقد النار في الليل. وكان الشخص الثاني في القافلة سليم ابن شقيقه، الرجل الثاني الذي اعتمد عليه. كان يعتني بي ويساعد فتوح وهو ابن العاصمة. لقد كان خادماً ممتازاً، متعلماً وحسن السلوك.



ويأتي بعده علي وهو شاب شجاع كالأسد وفي ساعات الخطر كان يبدو رابط الجأش لا ترتعش فرائصه. لم يغادرنا قط على عكس ثلاثة من العجيلات استأجرتهم لقيادة الجمال. كان هؤلاء مترددين في الذهاب معي او العودة. واخيراً قرروا العودة ولحسن الحظ فقد جاء شخص آخر هنا، وهو من دمشق وابن شقيق محمد وكان كنزاً فعلياً وهو سعيد وكان على رأس قيادة الجمال. ولم يبد عليه انه يبالي وقام بعمله كرجل.


ومن ثم فقد كان هناك زنجي رافقني منذ البداية ويدعى فلاح. وبداية كان مسئولا عن الرعي فقط لكنه يعمل الآن في خيمة الرجال وهو دمث الاخلاق يحبه الجميع واخيراً هناك فتوح وهو البداية والنهاية لكل من معي وكانت عيناه تراقب الجميع على الرغم من انه لم يرفعهما عني.


وفي الوقت الراهن لدينا رفيقان شيراري وهو لم اره كثيراً والضحاري وصياح وهو الاكثر عذوبة بين جميع رفاق السفر. فقد كانت لغة هؤلاء عذبة وواضحة وينتمي هؤلاء إلى قبيلة الصخور وكان هذا الاخير يوفر لي كل المعلومات حول القبائل.
واخيراً حل برفقتنا الليلة الماضية ضيف شاب


ينتمي إلى الصخور وهو ابن عم هثمل الذي نحن بصدد الذهاب اليه وانضم الينا هو وعبد له واقام معنا الليلة الماضية. وابدى رغبة قوية في صحبتنا حتى نهاية العالم. وفي صبيحة اليوم التالي مضى لحاله. واليوم عبرنا منطقة تفصل البحر الميت عن مياه سرحان. وهي منطقة صخرية كانت تمتليء بالنوق وهي ترعي وتملكها قبيلتا الجبور والصخور ووصلنا إلى وادي جداف وإلى القصر الاموي في طوبة الذي التقطت له صوراً كثيرة.


وتناولت اول طعام لي في الهواء الطلق. خيمنا في الواقع داخل اطلال القصر واليوم نحن في ضيافة الملوك وشعرت بالفرحة كوني متلقية لهذا الكرم. بعد ثلاثة ايام غيرنا طريقنا لانه على ما يبدو ان هذه البقعة في البلاد لا تتلقى اي مطر وقررنا ان هثمال لابد انه تحرك شرفاً وخشيناً اننا لو تحركنا إلى مضاربة في هلبة الا يكون هناك والا نجده ولا شك اننا سنقاسي لو ابتعدنا عن آبار مياه الهوسة دائمة المياه، خاصة واننا بدأنا منذ الليلة نشعر ان مياه الشرب بدأت تنضب ولا مياه دائمة طوال العام سوى مياه الهوسة.


واحمد الله اننا تخلصنا من هضبة تمتليء بحجارة الصوان. ونظرت عبر منظاري المكبر ورأيت جروف ثور الطبيق إلى الجنوب (جبل طبيق) وانحدرنا إلى واد فسيح وانطلقنا نحو الجنوب الشرقي.
ورأينا على الرمال آثاراً لجمال وعرفنا ان العرب لابد انهم من حولنا وقال: «الليلة سوف نسمع كلامهم». ويبنما لم نعرف من هؤلاء فعلاً قمنا بالاتجاه إلى كتف الوادي وعسكرنا في منخفض من الارض بحيث لا يرى احد نيران موقدنا وعندما استقربنا الحال صعدت انا وعلى وصياح إلى هضبة مجاورة لاستطلاع المناطق المحيطة بنا ودفعتنا الجرأة إلى صعود مرتفع اعلى حيث اطل على مشهد عظيم.



في الاسفل كانت تقع منحدرات رملية في منخفض «الجارة» ويتفرع إلى الجنوب والغرب فيما تتناثر التلال والجروف المتفتتة وكانت الرمال التي تتقاذفها الرياح تصعد إلى سفوحها.


واخذت اتعجب عن الاسباب التي تجعل الانسان يعجب ويمتليء قلبه بالسرور لرؤية هذه المشاهد. وتبقى الحقيقة ان الانسان يسر لهذه المشاهد. فلو كنت هنا لاعجبت بهذا المشهد مثلي تماما.


في اليوم التالي ما لبث صياح ان صرخ على علي: «يا علي هناك دخان». وما ان قطعنا شوطاً حتى قال احد سائقي الجمال: «حظها حلو» وشمت الجمال رطوبة الارض وما لبثت ان عثرت على الماء حتى ارتوت بينما تركنا الرجال يملؤون القرب الجلدية وما ان ارتوت الجمال حتى شرعنا انا ومحمد وعلي وصياح ثانية سعياً للعثور على مصدر النار. وانتهى بنا الامر إلى عدد قليل من الرعاة وتأكد لنا اننا وصلنا مراعي الحويطات وشعرنا ان مضاربهم لن تكون بعيدة عناً.


وتقدم الينا الرعاة ليزفوا لنا النبأ والحقيقة ان الصخور كانوا قد اتجهوا شرقاً. اذن لن يكون باستطاعتنا رؤية هثمل ولاناسه.
وجاءت مغادرتهم على عجل بعد حادث مؤسف ادى إلى مصرع احد رجال الحويطات ويبدو ان صياح احس بالقلق خاصة وانه ينتمي إلى الصخور. واتجهنا جنوباً حيث هناك احد شيوخ الحويطات ويدعى حارب وغطت السهل، بدءاً من الخبرة حيث ارتوت الجمال وسقينا، نباتات قصيرة وفي جهات كثيرة كانت خضراء. وكانت خضرتها التي لم تعتد عليها أعيننا لفترة طويلة مذهلة وبراقة وفشلنا في العثور على حارب في تلك الليلة، بل عثرنا فقط على آثار اقدام.


في ذلك اليوم تحركت مضاربه لكن كان هناك بعض الحويطات بالجوار وقاموا بزيارتنا. وبالامس لحقنا بحارب ووجدناه يخيم في منطقة التلال. واستقبلنا بود وترحاب كبير حتى انه رحب بصياح على الرغم من ان ضيوفا من الضمور قاموا الليلة الماضية بمهاجمة مضارب الحويطات وقتلوا نحو 3 رجال وفقد احد رجالهم ولجأوا إلى هثمل.
حدث كل ذلك ليس بعيدا عن المكان الذي خيمنا فيه. ونحر حارب خروفاً من اجلي وفي الليل كنا نتناول العشاء ووصل عندئذ ضيف آخر هو محمد ابوتايه ابن عم الشيخ «العود» وهو شخص يتسم بضخامة جسمه الصلب كالحجارة واوضح ما فيه عيناه الثاقبتان على نقيض شخصية البدوي نحيل الجسم. بدت عيناه قلقتان لا تعرفان الاستقرار وبداية تحلى بالادب الجم ولكن الحديث اتخذ منحى غريباً عما اذا كنت حصلت على اذن من الحكومة، ام لا وما اذا كان البدو يحبون رؤية الاجانب في ديرتهم.
عند هذا الحد نهضت وتوجهت إلى سريري تاركة الأمر لمحمد المعراوي ليهديء الامور. وهو ما فعله


بنجاح كبير. ولكن العرب انخرطوا في نزاع وصياح حول شأن يخصهم هم والقيت بنفسي في السرير وانا اصغي وكلي قلق وخشيت انهم يتعاركون مع صياح الرجل الطيب. ولكن هذا القلق تبدد في الصباح. فلم يكن ذاك الصياح سوى امر عادي على الرغم من الضجيج الهائل الذي كان يصدر عنهم في


الليل.امضيت اليوم مع الشيخ حارب ولم يكن هناك ماء سوى تلك البركة اسفل منا وتبعد 3 ساعات سيراً وكان علينا ملء قربنا الجلدية قبل ان نواصل الطريق. وتحدثت إلى حارب وشربنا القهوة وتحدثنا ثانية والتقطنا صوراً وبدا النهار طويلاً ومنحت ريشاً وبيضة نعام كهدية.


اريدك ان تعلم ان السمات التي تتطلبها الحاجة عند السفر بين العرب ليست الشجاعة بل الصبر وهو ما افتقر اليه كما تعلم. ولكنني تعلمت هذه السمة من قبل انتهاء هذه الرحلة وفي هذا الصباح تجمع رفيق جديد لنا والشيخ حارب وشقيقه وابن عمه ابوتايه، وهو الشخص نفسه الذي جلب لي بيضة النعامة، في خيمة الرجال وحذروني من ان الطريق محفوف بالمخاطر.



غادر الحويطات الديرة وتوجهوا غرباً لقد كانت صحراء قاحلة ولكنها ملك للغزاة من امثال الهيثم والغجر والعطية. وكانت نصيحة الجميع ان اتجه شرقاً إلى وادي سرحان وبعدها شرقاً. ولو انني وافقت شقيق حارب فإن عواد سيراني آمنة وفي سلام في الوادي. واكثر من ذلك فإن رجالي كانوا يتوجسون ضيفة من الاتجاه على الطريق الجنوبي حتى علي لم يخف توجسه ولم لم اتبع تلك النصيحة لكان ذلك ضرباً في الجنون.



انطلقنا اليوم مع شقيق حارب عواد كرفيق درب وسرنا فوق التلال الرملية ووصلنا إلى خيمة ابوتاية الضخمة. وعلمنا انه غير موجود لانه يقوم بغزو الشمر. ولكنني توقفت مدة نصف ساعة حيث شربت القهوة والتقطت بعض الصور لخيمته ونسائه خاصة شقيقته الحسناء علياء وتلقينا النبأ بأن قبيلة الرولة يخيمون في غرب سرحان.


ولم يكن يعنيني نبأ أين يقيمون مضاربهم ولكن كان يعني ذلك الكثير بالنسبة لعواد لان اي رجل في الرولة سنلتقي به سيقوم بذبحه دون تردد ولو للحظة. وبات رفيقنا عديم الفائدة واسقط بأيدينا.


واتجهنا إلى طريقنا وتناقشنا حول ما يمكننا عمله وفي النهاية ارسلناه إلى خيام محمد التي كانت قريبة منا حتى يرسل لنا بديلاً.

وما لبث محمد ان جاءنا نفسه ومعه عواد وآخرون من بيت الشيخ وحملوا لي حملاً صغيراً مرقطاً بالابيض والاسود وكان علامة على الصداقة الحميمة لكنني لم اكن اتحمل فكرة نحره وفي الوقت ذاته لا يمكنني حمله مثل اوزة بايرون. كما جلبوا لي جلد نعامة جميلاً ملوناً بالابيض والاسود ايضاً. وكان يرغب محمد في البقاء حتى اليوم التالي لكنني آثرت الانطلاق لانني اقمت ما يكفي هنا.



لم تكن تلك الايام التي قضيتها في مضارب الحويطات مضيعة للوقت. لقد تعلمت الكثير عن الصحراء وقاطنيها وكان محمد يحتفظ ببعض الظباء الصغيرة في خيمته، تلك المخلوقات الصغيرة والجميلة الفاتنة. وكان محمد يمثل قبيلته لدى الحكومة فهو شيخ «الذويلة» ويسلم ضريبة الجمال إلى قائمقام معان.



لقد ادى خط السكة الحديد (خط الحجاز) إلى وصول الحكومة إلى كل القبائل. لكن قبيلة الرولة بقيت مستقلة، وسأرى هؤلاء عما قريب بدون ادنى شك في طريق العودة وكذلك نجد. وما ان حل الصباح حتى انطلقنا ثانية ومعنا رفيق جديد. ولا شك اننا كنا نبعد عن حائل مسيرة عشرين ليلة.



تخطينا التلال ووصلنا إلى حافتها الجنوبية حيث تنحدر سريعاً لتصل إلى تلال صغيرة حمراء تبدو بلا نهاية وتتبعها امتدادات لا حدود لها من الرمال تنتشر امامنا بلا نهاية. وعند سفح جبل طبيق قمنا بضرب خيامنا وبدا النهار قصيراً. وعند العصر تسلقت تلالا رملية وكانت السماء مغطاة بالسحب وداكنة ولكن عن بعد كانت الكثبان الرملية الصفراء تتلألأ تحت وهج الشمس بينما تضفي التلال الحمراء لوناً ودفئاً على المشهد.وبدت مناطق مهجورة واعتقد ان احداً لن يستطيع العبور هنا والعودة كما اتى. ولم تكن تلك الامتدادات


الصفراء صحراء بل كانت مليئة بالاعشاب. ففي هذا الفصل من السنة تزدهر بالنباتات وتصبح جنة بالنسبة للقبائل التي تقوم بنصب خيامها فيها، وهي ممتازة ايضاً بالنسبة لجمالنا وحملنا مياه لمسيرة ثلاثة ايام وشربنا ايضاً عند آبار حيزان (بئر حيزان).

جلال الدرعان
03/07/11, (06:26 AM)
يبدو ان الامير ليس في حائل ولكنه يخيم إلى الشمال مع قطيعه من الجمال.
وخشيت ان يكون ذلك متعباً بالنسبة لي وكنت اتمنى التعامل معه بدلا من التعامل مع وكيله وتشير التقارير ايضاً انه ابلغ جميع رجاله بأنني قادمة. ولا اعلم اكان ذلك للترحيب بي او لتوقيفي. لا اعلم ولم اعلم ايضاً ما اذا كان ذاك النبأ صحيحاً ام لا.
13 فبراير 1914 قطعنا مسيرة يومين في صحراء النفوذ ولانزال نخيم وسط رمالها. لا تزال الرحلة بطيئة صعودا وهبوطا عبر التلال الرملية، لكنني احببت ذلك. فالنباتات كانت ممتعة كما ان التلال الرملية كانت ممتعة أيضاً وعند انتصاف النهار امس وصلت إلى مرتفع وصعدت اليه بدون عناء شديد ومن القمة رأيت اول جبال نجد وعرنان وإلى الغرب ارتفعت التلال فوق تيماء وانتشرت من حول القفار الرملية.
ولدى هبوطي علمت ان احد جمالي اصيب بمرض وانه تخلف مسيرة عشر دقائق. وعدت انا ومحمد والفتى الزنجي (فلاح) لنرى ما يمكننا عمله له ولكن ما ان وصلنا اليها حتى كان في النزع الاخير.
وقال محمد «لقد مات». وقلت «هل ننحره لقد كان الافضل» ورفع سكينه قائلاً «بسم الله والله اكبر» وذبحه وطوال الطريق كانت الارض تمتلئ بآثار ابقار وحشية، وقد رأى الرفاق 3 بقرات لكنهم لم يقتربوا منها.واتجه الرفاق لرؤية من هناك وعادوا ومعهم عودة بن هبرون وهو شيخ العويجة.
واعرب عن استعداده لصحبتنا وبدا شخصاً مستساغاً ومقبولاً.وصلنا مساء الى بئر، وهي من الآبار النادرة عند حافة النفوذ وتوجهت لرؤية السقاية. ولم تكن بئر حيزان سوى منخفض شديد محاط بالتلال الرملية شديدة الانحدار وكذلك فالبئر ذاتها عميقة جداً، وقال الرجال إنها من صنع الأولين بمعنى اجدادهم الاوائل وبالطبع فلم يكن اي بدوي اليوم يستطيع حفر مثل هذه البئر في الصخر وبناء جدار جاف من حولها.ولكن من يقول كم عمر هذه البئر؟ لا توجد هناك اية اثار دالة على تاريخها الا الرمال والحفرة السحيقة. ورأينا عدداً من العرب يسقون جمالهم وهم من قبيلة العنزة من العواجي كانوا يضربون خيامهم بالقرب منا. شاهدت هؤلاء العرب يعملون بجد كبير والتقطت لهم صوراً وتركوني دون ان يتحرشوا بي على الرغم من ان احدهم لم يشاهد اوروبياً من اي نوع.
وبداية احتج واحد او اثنان منهم على التصوير ولكن الشمري في صحبتي طمأنهم وواصلت عملي بسلامة. ومضينا في مسيرتنا يومين اخرين عبر النفوذ لأنه قيل لنا ان الطريق هو الاكثر اماناً وقد امتلأت برغبة الا اتوقف الان الا بالقرب من حائل. كانت مسيرتي نحو جبل ميسمة الذي لا يبعد سوى مسيرة يوم عن ابن الرشيد.
وكنت اود ان انتهي من هذه المغامرة بخاتمة مثمرة لأننا اصبحنا الان في رعاية الله وحفظه فقط.
16فبراير 1914
عانيت من نوبة شديدة من الاكتئاب اليوم ونبع هذا الشعور من شكوكي العميقة ما اذا كانت كل تلك المعاناة والرحلة تستحق تلك المكابدة. وبدأت اتساءل ما هي الفائدة التي سأجنيها من كل ذلك ولا ادري ما هو العرض الذي سيقدمه آل رشيد لي عندما اصل، واشك ما إذا كانوا سيسمحون لي بالسفر الى بغداد فلم تعد لهم السلطة القوية التي كانوا يتمتعون بها فيما مضى.والطريق الى بغداد كانت مطروقة كثيراً فيما مضى. والحقيقة ان الرحلة الى نجد بمقياس اي فائدة حقيقية او اي اضافة حقيقية للمعرفة لم تكن لتضيف الشيء الكثير. وبدت تلوح لي الحقيقة بوضوح ان ذلك هو كل ما كنت استطيع تحقيقه. هناك طريقان لمرحلة مفيدة الى الجزيرة العربية.
احداها هي طريقة «الصحراء العربية» اي معايشة الناس هنا والعيش مثلهم لشهور واعوام معهم. وبهذه الطريقة يمكنك تعلم شيء ما هنا. والواضح بالنسبة لي انني لم اكن استطيع القيام بذلك.اما الوسيلة الاخرى فهي طريقة ليخمان، اي ان تعبر هذه الفيافي وبيدك بوصلة من اجل رسم خارطة وليس لشيء اخر. والنتيجة الختامية هي كما اعتقد لابد انني اكثر نفعاً اذا ما عملت في وظيفة في بلدان اكثر مدنية حيث اعرف ما انا فاعلة، وكيف ادون تجربتي.
ولو كان هناك اي شيء يستحق التسجيل فلن تجده او تصل اليه. والواقع ان كل مشاهداتي على الطريق سواء قابلنا قبيلة معادية او كان الطريق شحيحاً وليس فيه ماء أو اي شيء من هذا القبيل لم تكن تستحق العناء والذكر. بئران كما اشرت من قبل، وفي الحقيقة لا استطيع التفكير بأي شيء اخر.
قبيل الغروب وقفت على قمة تلال رملية ورأيت اطراف الامطار وهي تغسل عرنان وتغادر جبل ميسمة. بعدها تسير الغيوم مسرعة فوق الرمال ومرة ثانية كانت الامطار تحيط بنا وتبللنا. ولم نعد نخاف الان من نقص الماء.
24فبراير1914
أصبحنا اليوم على مشارف حائل وكان من الممكن ان أواصل رحلتي ولكنني آثرت ارسال اثنين من رجالي في صبيحة اليوم الباكر وهما محمد وعلي وأقوم في هذه الاثناء بضرب خيامي خارج البلدة، ورغم الارهاق فإن اقامة مخيمي فوق جبل كان شيئاً جذاباً. تسلقت الصخور وعثرت على زهور في شقوق الصخور، وهو ليس بالشيء الكثير، ولكنه منظر أخاذ بالنسبة للعيون في هذه البقعة.
وفي اليوم الثاني والعشرين وقعت أعيننا على أول قرية بعد «جيزة» وتبعد عنا مسيرة خمس أو ست ساعات وشاهدنا حقلاً أو حقلين من الذرة وبعض أشجار الأثيل في احد وديان النفوذ.
وخرج الرجال شاهرين بنادقهم وهم يظنون اننا غزاة، ولكن عندما اكتشفوا اننا لسنا مصدر ايذاء أو ضرر عادوا ادراجهم وجلبوا لنا قربة جلدية مملوءة باللبن الممتاز.وبالامس مررنا بقريتين أخريين. ومن احداها كانت هناك أشجار الخوخ، كم كان مشهداً جميلاً وخلاباً! واليوم وصلنا الى مشهد جبل عجا الجرانيتي الداكن وحططنا رحالنا في سهل حائل. وكنت من مرتفع اشاهد أرض وأبراج وحدائق حائل والسفيلي وهي تنبسط أمامنا وكلها ذكرت في كتاب «الصحراء العربية» وأحسست كما لو انني كنت أقوم بنوع من الحج وأقوم بزيارة أماكن مقدسة. وكلما كنت أشاهد المزيد من هذه الاركان كنت أشعر بقيمة الانجاز الذي حققته في هذه المرحلة، ولكن أليس ممتعاً انه كان علينا ان نعبر أراضي نجد بتلك السهولة، كما لو اننا كنا نتنزه في البيكاديللي.
2مارس1914
استقبلت في حائل استقبالاً حافلاً وخرج العبيد يرحبون بي وجاءوا راكبين للقائي وطمأنوني ان ابراهيم وكيل الأمير مسرور جداً بزيارتي، والتففنا حول سور البلدة ودخلنا من البوابة الجنوبية وليس بعيداً من مدخل البوابة، مشينا الى فناء فسيح لمنزل بناء محمد بن رشيد لقضاء الصيف فيه.وفي هذا المكان تقع منطقة ضخمة كانت فيما مضى بساتين وحقول ذرة ولكنها الآن أصبحت متروكة بدون سقاية أو زراعة. استخدم الحجاج من فارس في الماضي هذا المكان للاقامة فيه وحط رحالهم.وما ان رحل عني الرجال للعناية بالجمال والاهتمام بالخيام حتى ظهرت سيدتان، كانت الأولى أرملة عجوزاً تدعى لولوة وهي ناظرة تتولى الاشراف على المنزل وتقيم في هذا المنزل مع عبدة تلازمها وابن الأخيرة.
أما السيدة الاخرى فقد كانت مرحة وتعدى تركية وهي شركسية تخص محمد الرشيد وهي المحظية لديه. وأرسلت من القصر لاستقبالي واضفاء البهجة على قلبي، وهو واجب كانت تتقن القيام به، وعند العصر حضر ابراهيم (الوكيل) وكله أبهة وترتسم على وجهه ابتسامة عريضة، كان ذكياً ومتعلماً بصورة مبهرة وبقي معنا حتى صلاة العصر، وعندما خرج أبلغ محمد المعراوي استياء العلماء من وجودي هنا!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ

يوميات الجزيرة العربية (4) ـ
حائل الشمرية وتاريخ حافل بالصراعات، الرحلة إلى كربلاء والنجف.. طريق المخاطر..
في اليوم التالي على قدومها حائل ارسلت جرترود الى ابراهيم رسالة مفادها انها ترغب في ان ترد له زيارته ودعاها كي تحل عليه ضيفة بعد هبوط الظلام فأرسل لها مهرة وزوجين من العبيد. توجهت على مهرتها عبر الظلام والشوارع الفارغة واستقبلت في الروشان الكبير التابع للقصر.
والروشان مكان عظيم ورائع ترفعه أعمدة حجرية عظيمة يغطيها سقف هائل مرتفع وطليت الجدران باللون الابيض والارضية بالجص الابيض الذي رصّ جيدا حتى يظن من يراه انه صقل جيدا وكانت بصحبة كثيرين.. تقول جرترود: جلسنا جميعا على اطراف الجدار على السجاجيد والوسائد. وكان مكاني الجانب الايمن بجوار ابراهيم وتحدث عن تاريخ شمر بصورة عامة وعن آل رشيد على نحو خاص. وعرض ابراهيم الكثير عن التاريخ أما أنا فقد كنت اصغي باهتمام. وبينما كنا نتحدث كان الصبية من العبيد يطوفون علينا بفناجين الشاي والقهوة وفيما بعد جلبوا البخور والعطور وطافوا به علينا ثلاث مرات.
ولم يكن ذلك سوى علامة على أن الاستقبال قد انتهى ونهضت وغادرتهم.
وبعدها تتالت الأيام متعبة مرهقة خالية من أي شيء يمكن القيام به. وفي احد الايام ارسل لي ابراهيم مهرا وطفت به حول البلدة وزرت احد بساتينها، وهي جنة فاكهة ناضجة في البرية. وبعثت تركية الشركسية ورائي في اليوم التالي وجلس معي عبيدي الاثنين وكانا يجلسان ويحكيان لي القصص عن الغزو وعن الافراح في الايام المثيرة ايام عبدالعزيز ابن شقيق محمد.
وجاء رجالي لينقلوا لي ثرثرات الأهالي. وأخيرا ارسلت في طلب نوقي التي كان ينبغي ان اطلبها قبل أيام لو لم تكن بحاجة ملحة الى الراحة. ولا استطيع منحها المزيد من الراحة لأنني اصبحت مفلسة وجلبت معي رسالة توصية لآل رشيد من وكيلهم في دمشق ورفض ابراهيم الاعتراف بالرسالة في غياب الأمير.
ولو لم أبع بعض متاعي لكنت اصبحت الآن بدون أي نقود للمغادرة. وسرت الشائعات تقول ان وراء كل احتجازنا وعدم السماح لنا بالمغادرة هي جدة الأمير فاطمة التي ترتعد فرائص ابراهيم منها. والحقيقة فان قتل انسان في حائل لا يزيد في خطورته عن اهراق حليب وليس هناك احد من الشيوخ يستطيع ان يشعر ان رأسه ثابت فوق كتفيه.وفي غياب الامير تستلم هي زمام الامور والمال. وطلبت ان تسمح لي باللقاء بها ولكنها لم تصغ لطلبي قط, لكن لعلها لا تملك من كل ذاك النفوذ شيئا.
ولا اخفيك انني كنت اعيش ساعات من الحيرة والقلق. فالحرب كانت مستقرة من حولنا. والأمير يقوم بغزو الجوف الى الشمال من حائل.
كما ان ابن سعود يحشد قواته في الجنوب ويظن انه يعد لغزو الامير. فلو ان ابراهيم اختار احتجازي ومنعي من المغادرة حتى عودة الأمير (وهو ما كنت اخشاه) فان وضعي هنا سيكون غير مريح.
وأمضيت ليلة طويلة اضع في رأسي خطط الفرار اذا تدهورت الامور.
على اي حال فقد كان لدي صديقان نافذان في حائل وهما شيخان في العنزة كان يأمل آل رشيد ان يتم لهم استعادة البلدة بمساعدتهما. لم أرهما ولم يتجرآ على زيارتي ولكنهما اعربا عن احتجاجهما ضد المعاملة التي تعرضت لها. وأدين لمساعدتهما لحقيقة ان ابن عمهما كان معي وهو «علي الساعي» الذي جاء معي قبل ثلاث سنوات عبر الحماد.
وفي الامس طلبت الاجتماع الى ابراهيم واستقبلت مرة ثانية في الليل في القاعة العليا للقصر وأبلغته انني لن ابقى هنا لفترة اطول وان احتجاز المال الخاص بي تسبب لي في حرج شديد وينبغي الآن ان اطلب منه رفيقا للذهاب معي الى مضارب العنزة.
تميز بالادب الجم وطمأنني ان الرفيق جاهز ولم يبد انهم يعتزمون وضع اي عقبات في طريقي. وكانت خطتي هي اختيار افضل نوقي وان اخذ معي فتوح وعلي والصبي الاسود فلاح للذهاب الى النجف واما الشاميون فطلبت منهم العودة الى دمشق بضعة ايام اخرى وبعد سينضمان الى اية قافلة متجهة الى المدينة وهي رحلة تستغرق عشرة ايام. ومن المدينة سيستقلان القطار الى دمشق.
ونظرا لأنني لم أكن امتلك المال فان الحل الوحيد هو التوجه الى بغداد لكن ما كان يطمئنني انني لن اتمكن من القيام بنشاط آخر بعد ذلك في العام الحالي. ولن اتمكن من السفر جنوبا من هنا فالقبائل هناك مستقرة والطريق مغلق وقد سمعنا ان ابن سعود استولى على الاحساء وطرد القوات التركية واعتقد انه من المرجح ان يتجه للاستيلاء على حائل، واذا لم ينجح الامير في غزو حائل (الجوف) فان مستقبل شمر سيكون حالكا في الحقيقة.
ويقوم المسئولون الاتراك بتغذيتهم بالسلاح وقد توجهت قافلة الى مدائن صالح لجلب السلاح. ولكنني اعتقد ان نجم ابن سعود يسير الى التألق. واعتقد انه اذا تحالف مع ابن شعلان (رولا عنزة) فان ابن رشيد سيصبح بين فكي كماشة او بين السندان والمطرقة. واشعر كما لو أنني اعيش فصلا منتزعا من صفحات ألف ليلة وليلة خلال الاسبوع الاخير.
فها هي المرأة الشركسية والعبيد والشك والقلق وفاطمة تحيك المؤامرات وراء جدران القصر. وها هو ابراهيم تعلو وجهه ابتسامة بينما عيناه تنتقلان من هنا لهناك في حيرة وارتباك فيما تنتظر كل البلدة ان تسمع عن مصير الجيش الذي غادر مع الامير لغزو الجوف، اما من جهة الاحساس الروحي ان المكان يعبق برائحة الخطر.. فمنذ ان كان خليل هنا احتكم آل رشيد فيما بينهم بحد السيف. وكل الحكايات والقصص التي يتداولها الناس الملتفون حول موقدي تدور حول القتل كما ان المكان يهمس لك برائحة الاغتيالات. لا شك ان اعصابك ستتلف وأنت تنتظر بين الجدران الطينية اليوم تلو الاخر واحمد الله لقد بقيت متوترة الأعصاب وساهرة في ليلة واحدة فقط.
مارس1914
لم تكن تلك الاوضاع سوى مشهد هزلي وهي بالفعل كذلك ولا استطيع ان اجد تفسيرا لكل ذلك فمن يستطيع ان يغوص في اعماق ادمغتهم. في الثالث من مارس ظهر العبد سعيد في الصباح الذي يتمتع بأهمية كبيرة وكان بصحبته شخص اخر وابلغني انه لا يمكنني السفر ولن يستطيعوا اعطائي أي مال حتى يصل مراسل من قبل الأمير.
وقمت بارسال رسائل فورية الى اعمام علي واستؤنفت المقاومة مرة ثانية بشدة اكبر وفي اليوم التالي جاءت كلمة من أم الأمير تدعوني لزيارتهم في ذلك المساء. ذهبت وأنا أركب ناقتي بوجل عبر الشوارع الصامتة التي لا يضيئها سوى ضوء القمر وأمضيت ساعتين مع نساء القصر.
أتخيل أن هناك أماكن مميزة يمكنك ان ترى فيها الشرق نقيا في عاداته التي توارثوها عبر قرون طويلة وقرون وأظن ان حائل هي واحدة من تلك الاماكن. وها هي اولئك النسوة ملتفحات بالاقمشة الحريرية الهندية ويزين جيدهن وآذانهن بالاقراط المجوهرات ويطوف حولهن القيان ولم يكن هناك اي شيء حولهن لا يشي بأنهن لا ينتمين لأوروبا أو لسن اوروبيات.وكنت امثل الاستثناء بعض النساء في منزل المشيخة كن جميلات خاصة والدة الامير التي كانت فاتنة جدا. وامضيت اليوم التالي حبيسة وحدتي. ولعلك تفهم لقد كنت سجينة في هذا البيت الفسيح الذي قدموه لي. وجاءت اليوم دعوة من صبيين وهما أبناء عم الامير. ودعيت لزيارتهما في بستانهما. وتوجهت الى البستان بعد صلاة الظهر ومكثت هناك حتى العصر.ومرة ثانية كانت الاجواء شرقية وممتعة وكان هناك خمسة اطفال وجميعهم ابناء عمومته يرتدون جلاليب ذهبية مطرزة وبدت عليهم الرزانة والهدوء. واخذوا يحدقون بي وكان مضيفاي، وهما صبيان لا يتجاوز اعمارهما الثالثة عشرة والرابعة عشرة، قد بدت على وجه احدهما ملامح البشاشة فيما بدت ملامح وجه الاخر فاقدة كل انفعال وقدم لنا العبيد الشاي والقهوة والفاكهة.
بعد ان تجولنا في اركان البستان وابلغني الصبيان بكل حذر اسماء كل الاشجار، جلسنا ثانية وشربنا المزيد من القهوة والشاي.
ومرة ثانية اعربت عن رغبتي في مغادرة حائل ومرة ثانية قوبلت بردود سلبية: لن اغادر ما لم يصل رسول الامير.
ولم اكن اعرف او اي شخص اخر متى يحضر الرسول. ولم اكن ادري ايضا ماذا يخفيان وراء اجابتهما. وجاء سعيد الينا بعد العصر وتحدث الي الصبي الكبير بحدة اكبر، لكنه انهى الحديث سريعا بالوقوف ومغادرة المكان. واعتقدت انني كنت متسرعة جدا ولكن اقول لك الحق فانني شعرت بالحيرة بعد ساعة جلبت نوقي وعند حلول الظلام جاءني سعيد ثانية ومعه كيس من الذهب واذن كامل بالتوجه الى اي مكان اشاء ومتى اشاء، ولا استطيع التخمين لماذا الآن بالتحديد وافقوا على السماح لي بالمغادرة وليس من قبل.
ولكن في كل الاحوال فقد اصبحت الان حرة طليقة وبت وقلبي مطمئن بل أخذ يدق من الانفعال.
لم اغادر حائل سوى في الثامن من مارس. وطلبت ان اتجول في المدينة والقصر في عز النهار وحصلت على طلبي الذي حرمت من حق الحصول عليه سابقا. لقد منحت الحرية كاملة في تصوير أي شيء أشاء وهو ما اسعدني جدا لقد كان الجميع يبتسمون ويبشون وكنت افكر طوال الوقت بخليل يأتي الى هنا لتناول قهوته. لقد كان مشهد البلدة والناس مذهلا بصورة غير عادية ولم يخالجني أي شك ان القصر يحتفظ بكل دقائق وسمات القصور العربية الصميمة والعريقة التي بنيت واستمرت في شكلها منذ عصور الجاهلية.
واخذت اقول: انشاء الله سيأتي يوم وتشاهدون صوري. وأثناء عودتي الى بيتي تلقيت رسالة من تركية، صديقتي القوقازية، تدعوني لتناول فنجان شاي معها في منزلها.
وذهبت اليها والتقطت صورا لحائل من فوق سطح منزلها وودعتها بحرارة. وكان ذاك الوداع الاخير ما عدا الذكريات التي بقيت عالقة في ذهني. وفيما كنت عائدة الى منزلي تجمهر الناس لرؤيتي.
وهكذا انتهت زيارتي الغريبة لحائل بعد احد عشر يوما من الاحتجاز الذي يرفع الانسان الى درجة التمجيد. اردت بعدها ان اشق طريقي الى النجف عبر طريق الحج القديم «درب زبيدة» ولكن عند فجر صباح مغادرتي جاءني عبد من القصر، رجل صبغ لحيته بالحناء وبعينين سوداوين مخيفتين، واحضر لي رسالة كان محتواها في رأيي لضمان سلامتي وهي تعبر عن قلق الامير علي، وكانت تحثني على اتخاذ الطريق الغربي لأن الطريق الشرقي «خلاء» اي خال من القبائل وتتعرض للغزو من قبل اعدائهم وقبلت بذلك، رغم انه لم يكن لدي اهتمام كبير بذلك وتساءلت عن غرضهم من ذلك.
وعلمنا لاحقا ان رجال شمر كانوا منتشرين على طول الطريق الشرقي ويعني ذلك ان الطريق الشرقي كان آمنا كأي طريق اخر وتخيلت انهم يريدون ارسالي الى الامير، واصدروا اوامرهم وهم واثقين انه في الطريق الغربي، كما تبين لاحقا فانني كنت سألتقي به حتما لو اوخذت «درب زبيدة» وعلمنا من العرب انه كان امامي وعندما وصلنا الى المكان الذي توقع مرشدي ان يكون فيه الامير كان قد اتجه شرقا للتو.
ان اتباع مثل تلك النصيحة كان يشبه اتباع جرادة واعتزمت الا اغير طريقي من اجله وفي النهاية لم اره، ومن اليوم الثاني من مغادرتي لحائل التقيت برسله الذين استوقفونا وحيونا وقالوا ان الامير يتوقع رؤيتي، وابلغوني انه استولى على الجوف وانه طرد الرولة دون ان تطلق رصاصة واحدة وبعد يومين جاء «رجاجيله» الى مخيمنا عند المساء وهم في طريقهم الى حائل وأبلغونا الاخبار ذاتها حول الجوف مع الكثير من التفاصيل حول الاستيلاء عليها.
عبرنا النفوذ خلال اربعة ايام مرهقة، وطوال الطريق كان الاقحوان يتناثر على امتداد السهول المنبسطة. واتبعنا طريقا لم يساورني اي شك انه قديم مستهلك ومطروق عبر الرمال.
بعدها خرجنا الى سهول عظيمة غطتها الورود ايضا. وامتلأت الصحراء بهجة في هذا الوقت من السنة حيث تزهر كل الاعشاب البرية.
كنا نمشي نحو 15 ساعة يوميا ولا نقطع خلالها مسافات طويلة لكننا كنا مرهقين جدا حتى اعماق الروح في هذا الايقاع الرتيب حتى انني كلما حططت رحالي مع هبوط الظلام كنت اشعر بالنصب وبالدوار. وعلى أية حال لابد ان اشعر بالسعادة للوصول الى مناطق مدنية مرة ثانية، ولاخذ راحة ليوم او اثنين.
قبل يومين تخليت عن مرشدنا من حائل واستعنا بشمري اخر. وهذا الرجل كان قد رافق الامير في حملته الاخيرة. وامضى اليوم الاول وهو يروي لنا بالكامل ما حدث دون ان يأخذ في الحسبان انني علمت بتفاصيلها قبل يومين وابلغنا بها كما ابلغ بها العالم.
توقفت على بعد مسافة قصيرة من قرية محصنة تبعد مسافة قصيرة عن الجوف واجبرتنا حامية ابن شعلان على التراجع وتغيير الطريق. والآن سأحكي لك فكرة عامة عن سياسات العرب :
فقد منحتني حائل انطباعا مشؤوما لا يعجبني حكم النساء العبيد ,<<الحملة غير الناجحة ضد ابن شعلان ومحاولة تغطية اثارهم بتقارير زائفة لم تؤد الى تعديل او تغيير رأيي.>> اعتقد ان نجم آل رشيد بدأ يأفل فلم يبق منهم راشد على قيد الحياة فالأمير نفسه لا يتجاوز السابعة عشرة من عمره ومعظم الآخرين ليسوا سوى اطفال ولذلك فان الاسرة تحاول الكفاح بقوة للبقاء.
ولم أرى زامل شقيق ابراهيم والمستشار الرئيسي للامير ولكن كما اتخيل فهو لا يمتلك الكثير من الذكاء.وليس هناك بينهم شخص له هيئته واعتقد ان لا مستقبل بات لابن سعود.
واذا كان هذا صحيحا فقد سمعنا انه طرد الاتراك من الاحساء، فهو خصم منيع لا يستهان به، ولكن الشمر الذين خلفوا حكما دام 80 عاما كانوا يقومون ببعض الغزوات. فلو ان ابن سعود وجه ضربة حاسمة فان جميع العنزة كانوا تقاسموا الغنائم وكانت حائل قد خصصت لهم، لا ادري كيف يبدو ابن سعود. في المرة المقبلة ستكون رحلتي مخصصة له وقد ارسيت خططي لتنفيذ ذلك.
اليوم وصلنا الى حدود شمر ونزلنا ضيوفا على قبائل الشيعة في النجف وامضينا ساعة مهمة في خيمة الشيخ وما كان واضحا ما اذا كان سيرحب بنا او يقضي علينا. واخيرا وبعد القيام بالكثير من الدبلوماسية مال الميزان لصالحنا ونصبنا خيامنا بالقرب من خيمته ووعد في صباح اليوم التالي انه سيزورنا بدليل. هؤلاء الناس ليسوا بدوا ولهم سمعة مخيفة ولكن ما ان توصلنا الى تفاهم معهم وأكلنا الرطب والسمن في خيمة الشيخ اصبحوا ودودين وامضوا كل فترة العصر حول خيامنا. كما ارتدوا افضل ثيابهم وقاموا برقصة غريبة قادها السيد المعمم بقماش اخر في حين كنت اقوم بتصويرهم. وانشدوا تحية لسيدهم.
الى بغداد..
كيف كانت طبيعة تلك الايام التي توجهنا فيها الى النجف. لقد كانت من اصعب الايام التي واجهناها في رحلتنا كلها وانا مستعدة ان اقسم على ذلك. وفي اليوم التالي شرعنا في رحلتنا ورافقني اثنان من المرشدين، ولم نر في طريقنا اي مضارب وكان الطريق خلاء، اي خاليا من اي انسان. وبعد ان مشينا ساعتين في اليوم التالي رأى هذان قطعانا وخياما واسقط في ايديهم من شدة انفعالاتهم.فهل سيكون هناك من رجال العشائر من يمكن ان يقتلوهما ما ان يروهما، ام ان ذلك لن يكون حقيقيا؟ انتظرنا في منخفض وذهبا لاستطلاع من يكون اصحاب تلك المضارب.
فقد قمنا بذلك غالبا. وفي تحليل لمشاعري توصلت الى استنتاج بأنني بت اخاف في هذه الاوقات. لا شك ان ذاك هو الخوف وهو التململ الحرون للدفاع مثل اي فرس جديد على الفروسية يتململ من اللجام ولا يلبث ان يتخلص منها فورا.
كما تعلم هذه المشاعر تشبه اضطرابات النبض ويقوم بها احد خيولي في الوطن وهو فرس جامح جدا. وتجتاحني من ثم مشاعر الرغبة في ان اكون آمنة في الساعة التالية. نعم انه الخوف ما المتعة في ان اكتب لك تفاصيل ذلك. حسبي انك لا تعرف اضطرابات النبض في الدماغ، ولكن ما هو الغريب هو انني اشعر بمتعة عندما يتملكني ذلك الشعور، مثيرا، ويشعر كل شخص وكأنني اتخيل او احلم.
كفى الآن خوفا فليس هناك وقت للخوف فقد عاد المرشدان ومعهما فارسان وكانا من بني سلامة، العشيرة المتحالفة مع بني حسن، وكانا يرغبان المجيء معنا. ولم يكن هناك من شك ازاء مشاعر بني حسن، فلم يكن الرجلان يرغبان في مواصلة الرحلة معنا. وواصلنا رحلتنا مع الفارسين في بني سلامة طوال 6 ساعات وفجأة رأينا اغناما.
وقلت: لا اعتقد ان ذلك يثير اي مخاوف؟ ولكن كان ذلك يثير مخاوف حقيقية فقبل ساعة فقط كانا يقولان انهما سيواصلان الرحلة معنا لكنهما قالا انهما لن يستطيعا الاقامة في مخيمنا في تلك الليلة.
وكررا كالعادة عبارة غامضة تعني في الصحراء «بدهم يذبحونا» وعند رؤيتهم للفخ قال «بدهم يذبحونا» فهل نخيم هنا ام نواصل رحلتنا ونبحث عن الخيام.المشكلة حلت بعد مشاهدتنا لخيامنا وهي في منطقة قريبة واصبح الامر مؤكدا انهم سيروننا. وينبغي علينا مواصلة الطريق وقد اصبحنا شواخص بارزة، فنحن على الجمال في محيط يتكون من حمير فقط. لأن هؤلاء العرب ليست لديهم جمال، فالجمال تخص البدو فقط. وهؤلاء لديهم اغنام ويحملون خيامهم على الحمير.
ففي حال رؤيتهم لنا فسنكون وليمة غزو صغيرة للبدو او حفلة صغيرة لتجار قادمين من حائل. وفي كلا الحالين سيقومون بذبحنا اذا تمكنوا منا. بعد ذلك اقنعنا احد فرساننا «وكان مترددا» في ان يسير نحو الخيام، ولحقنا به ببطء، ولم اكن اخشى أي شيء في ذلك الوقت لأنني بدأت اصاب بالملل.
هبط الرجل عند الخيمة واخذ يحاور صاحب الخيمة عندما رأى اننا تقدمنا على الفور لنصب خيامنا وكنا على خير ما يرام وعاد الرجل ليقول انهم الغزالات. ونظر علي وانا كل في وجه الاخر وقلنا «الحمد لله».
فالغزالات يتميزون بالقوة اكثر بكثير من الاخرين واذا حصلنا على دليل منهم فاننا عندئذ سننعم بالسلام. وسارت الامور على هذا الشكل وحصلنا منهم على دليل رائع وكان اسمه داوي وكان دليلا لآل رشيد عندما كانوا يحضرون الى النجف لشراء الرز. وهو رجل معروف وشجاع وصامت وله لحية مجعدة ووجه دقيق ورائع. لقد وجدنا لؤلؤة وسط الوحول، وهو حظنا الذي كنا نواجهه دائما. فرغ منا الماء الذي كنا نحمله، وهذه الليلة الخامسة التي كنا نحمل فيها الماء ونتقصد في شربه.
لم استحم منذ فترة طويلة وكانت حالتي مفزعة وفي اليوم التالي كان علينا ملء قربنا الجلدية. وفعلنا ذلك من برك راكدة ذات رائحة مقززة في هوة كبيرة. وهنا وجدنا عددا من العرب يقومون بملء الماء. وعرضوا على داوي بعض المال لاغرائه كي يتركنا ولكنه رفض. وفي غضون ذلك فان اولئك كانوا مرحين معنا وقمنا بتصويرهم.
وواصلنا رحلتنا واختفى أي اثر للناس. وفي اليوم التالي وصلنا الى «درب زبيدة» الطريق الرئيسي في الصحراء من حائل وكان هو الطريق الذي كنت ارغب في اخذه وشعرت اننا اصبحنا في سلام، ولكن الخطر كان دائما قريبا كما يقولون.
وفي العصر قابلنا جمهورا كبيرا من العرب قادمين من النجف وفي خلال فترة قصيرة كنا محاصرين كانوا شديدي البنية وخرج معظمهم، وهم يرتدون عمائم خضراء، علينا من كل حدب وصوب وامسكوا بجمالنا وارادوا ان يقعدوها ولكن داوي صرخ بأعلى صوته، وفي لحظة تغيرت الأمور «هل هو السيد الذي يستولي على الذلول».
وكانت هذه الناقة واحدة من النوق التي تحمل متاعنا وابتعد السيد وعبرنا الى طريقنا. وما ان عبرنا حتى قال «يا علي كانوا ينوون تشليحكم. ألست ابن العراق؟» .
لم تكن تلك النهاية وانحرفنا عن الطريق الرئيسي واتجهنا الى مكان يعرف باسم عين السيد في اليوم التالي وما ان استدرنا الى الخلف حتى شاهدنا قافلة ضخمة على الطريق الذي خلفناه وسمعنا بعدها اطلاق نار في الوادي الكبير الذي ابتعدنا عنه، وبعدها شاهدنا رجالا يلحقون بنا يعدون على ظهور الحمير. ولم يكن من المفيد الابتعاد دون ان نعلم مرادهم، وجعلنا داوي يترجل ويمضي اليهم ليتحرى مرادهم. بعد ان اعطيناه بندقية لقد جرت الامور كالعادة لقد كانوا هم الخائفون، لقد ظنوا اننا غزو وكان لديهم خراف في الوادي، اما الطلقات فقد كانت للممازحة ورأيت انه على ما يبدو ان اعدادهم كانت اكبر.أنزلنا متاعنا وضربنا خيامنا، ولم يكن الرجال يشعرون بالسعادة لكن النوم غلبني، وكنا في ذلك اليوم قد مشينا احدى عشرة ساعة ولذلك ما ان وضعت رأسي على الوسادة حتى اغمضت عيني واعتقدت انهم ان ارادوا ذبحنا في تلك الليلة فان ذلك سيكون نصيبنا، لكنهم لم يفعلوا ذلك وكنا نبعد 3 ساعات عن عين السيد وتبعد عين السيد 6 ساعات عن النجف.
وكانت فيما مضى تسمى قرقسية وقرب هذه القرية انتصر المسلمون على جيش كسرى. وفر كسرى الى كتيسيفون وهزم هناك ثانية الى ان انتهى. وفي القرقسية تغير وجه التاريخ.
كانت رغبتي ان اتفحص المكان جيدا واضافة الى ذلك قد تكون هناك اثار قديمة، وكنت متأكدة من وجود حصن هناك وقرية ومن الاراضي الفسيحة المنبسطة شاهدنا القرية والاثار وقطعان الاغنام ولكننا في هذه المرة لم ننتبه حتى مرت رصاصة بين سيقان الجمال. لقد سمعنا الرصاصة بين سيقان الجمال. لقد سمعنا الرصاصة فعلا وجاءت من احد الرعاة، كانت رصاصة تحذيرية بلا ادنى شك ولم تكن مصوبة جيدا. وأنخى داوي جمله في الحال حتى لا تكون الرصاصة الثانية صائبة، وامتشق بندقيته وهرول لايضاح الموقف.
كان اثنان او ثلاثة رعاة مع القطيع، اصاب علي الغضب وتساءل «هل يأتي العدو في وضح النهار ام يزحف على الارض في منتصف الليل؟» واذا كنتم خائفين فان العادة هي اطلاق رصاصة فوق رؤس الراكبين للتأكد مما اذا كانوا اصدقاء أو اعداء». واعترف الرعاة بأنهم خالفوا العادات والتقاليد ولم يطلق علينا احد رصاصا الا مرة واحدة قبل وصولنا لعين السيد وكانت الطلقة بعيدة جدا ولم يكن هناك سوى نبع كبير ومرتفعات القرية القديمة وتلالها الصغيرة وقلعة وليس من شك ان كل شيء قديم هنا.
لكن لم يمض على بناء القرية أكثر من ثلاثمئة عام. واعني انني لن اذهب الى النجف بل اسير عبر الصحراء الي كربلاء وألمس الحضارة هناك واتجنب بذلك الطريق المهلك والصعب من النجف الى كربلاء.كان رجالي مضطربين بسبب التجارب التي مروا بها في الايام القليلة الماضية، ولم يعد هناك أي سبب وجيه لعبور الصحراء ثانية ولذلك تخليت عن موقفي وتوجهنا الى النجف واصبحنا قادرين على رؤية القباب المذهبة وهي تلمع في الافق وقررنا نصب خيامنا قبل الوصول الى البلدة.
لقد خيمت في النجف مرة، ولم يكن الوضع مشجعا، فلم يكن هناك مكان مناسب لنصب الخيام، كما ان المكان يعج باللصوص كما لا يوجد مكان مناسب لضرب الخيام بجوار البلدة لأنها مليئة بالقبور، لكن لا تتوفر هناك اشجار تتيح الفرصة للجمال لتناول الطعام قبل التوجه الى النجف، وهي تقع على مسيرة 3 ساعات.
ولذلك فقد خيمنا عند حدود الاشجار في الساعة الواحدة في السبخة وهي اراض ملحية تنمو فيها اشجار النخيل وكانت اراضي قبيحة يمتليء فيها الذباب الرملي ولم استطع النوم بسبب ذباب الرمل وشرعت ادون ملاحظاتي طوال ساعتين ووضعت خلالها عناوين مغامراتنا وعندئذ طرأ على ذهني ان اذهب واسأل علي ما اذا كنا في امن وسلام في هذا المكان وينبغي ان اذكر انه اختار المكان بنفسه.
وتبين لي انه مثلي لا يظن اننا في مأمن على الاطلاق وابعد ما يكون المكان عن كونه آمناً، لقد كنا قريبين جدا من الطريق وفي الليل لا يعرف هؤلاء الملاعين ان معنا ذوي، ومختصر الحديث فإن علي كان يشعر بالقلق وهكذا وبعد تبادل اطراف الحديث كنت افكر انه من السخف ان نتعرض لحادث ونحن على مقربة من النجف، وخلال نصف ساعة كنا جمعنا متاعنا ووضعنا طعامنا الذي كنا طهوناه وشرعنا في رحلتنا ولم يتبق سوى ساعة وربع الساعة على موعد مغيب الشمس، لقد كان حادثاً سخيفاً لم يستخدم فيه التعقل والحكمة، لكن علي وفتوح شعرا بفرحة غامرة ازاء القرار الذي اتخذته ووصلنا قبيل الغروب الى قرية صغيرة ذات اكواخ وزراعة، كانت تمتد حقول الذرة على مد النظر والقنوات المائية التي لا يمكن الاستغناء عنها، وربما تكون بلا جسور وقد ننزلق فيها ونتعثر بسبب هبوط الظلام، توقفنا ونصبنا خيامنا قرب القرية، وكان مكاناً آمناً في النهاية، ونهض فتوح بعد منتصف الليل وركب الى النجف بصحبة دليل لتوفير عربة لي، وقررت عدم عبور الطريق الرئيسي وتبعنا فتوح في الفجر، ووصلنا الى النجف بسلام، بعد ذلك لم نعثر على فتوح وبحثنا عنه في كل انحاء البلدة، ذهبت الى السوق واكتشفت انه استأجر العربة ورحل بها قبل وقت قليل وبحثنا ثانية وذهبنا الى السوق وكان جميع الناس لطفاء وفي النهاية علمت انه ذهب الى المصلى المرحلة الاولى على الطريق.
لم اكن اعرف ما هي دوافعه، ولكننا اضعنا 3 ساعات في الحر والشقاء، اشتريت برتقالاً تلك الفاكهة اللذيذة اكلت 6 برتقالات على التوالي وامتطينا جمالنا وشرعنا في الرحلة على طريق المصلى وبعد ساعة عثرنا على فتوح. ساخنا ومغطى بالاوساخ، ايها المسكين العزيز ويعتريه ضيق شديد وكان عائداً ادراجه للبحث عنا، ترك العربة وكانت عربة بريد ولم يكن يفترض ان نتوقف لاحد في المصلى ولم يكن يثق ماذا كانت ستنتظر ولكنها انتظرت ووصلنا المصلى في الساعة الواحدة وكنت خيمت هنا قبل ثلاث سنوات وحياني الكثير من معارفي، رتبنا حوائجي في عربة البريد وصعدت بدوري اليها في النهاية وانطلقت العربة وكانت الطريق تستغرق 6 ساعات للوصول الى كربلاء مع تغيير حصانين للعربة وجاءنا الدرك وتحدثوا الينا اثناء تغيير الخيول، وكان يوجد في كل نقطة بريد من 3 الى 4 درك. وشعرت بالراحة لرؤيتهم وتحدثت معهم عن مساويء العربان على الطريق وكيف ان تفكيرهم وحياتهم هي حمل البنادق والمسدسات والسكاكين واطلاق النار.
لقد وقعت الفوضى ثانية فلم يعد من الممكن السيطرة على القبائل، فالجميع مسلحون ورأيتهم يمتشقون البنادق في اسواق النجف تركيا تتحرك ولكن بدون اي نتيجة وقد اتينا الى الجانب المظلم من القمر، واصبحت الامور ميئوسة، وقد ارسلوا والياً جديداً للتو الى هنا واسمه جاويد لعلك تعرفه؟ ويقال انه الجنرال الوحيد الذي لم يهزم في حرب البلقان قط ولا اعتقد انه سيسعى الى زرع مخافة الله في قلوبهم، وكانت عربة البريد تعرضت للسطو قبل اسبوع او اثنين وتم الاستيلاء على 4000 من اموال الحكومة ولم تكن عربة بريد النجف قد تعرضت للسطو من قبل وصلنا الى كربلاء تحت جنح الظلام بعد مواجهة بعض المشكلات مع قنوات الري.
وتحدثت على قنصلنا في النجف ويدعى محمد حسين خان وهو هندي ضئيل الحجم، استقبلني بحرارة ودعاني لوجبة عشاء شهية واعد لي عربة للسفر الى بغداد

جلال الدرعان
03/07/11, (06:28 AM)
يوميات الجزيرة العربية (6) -
حشد من المخاطر عند كل منعطف، عشرة أيام في الطريق الطويل عبر بادية الشام
على الرغم من اننا كنا نبعد نحو ست ساعات أو أكثر عن أبو جير، فإن سحابة داكنة من الدخان الاسود كانت ترتفع في الأفق امامنا، والى هذا الاتجاه وجهت بوصلتي، ولم أعد أشعر بالانزعاج، ارجوك، يا عزيز، حاول أن تفكر بي كبطلة، بغض النظر عن كل المضايقات لم يكن ذلك انسانيا، ولذلك خذ الامور كما هي عليه وعلى أي حال فإنني اشعر بالراحة عندما اشكو لك.
عصفت الرياح الليلة الماضية الساعة الثامنة، موحية بالجنون، وتراكمت علينا الرمال ولكن بفضل معجزة ما ثبتت خيامنا بالارض، ولكن الرياح هدأت في النهاية، واصبح الجو اكثر برودة واغتسلت وآويت الى السرير، والحمد لله انني نمت. اليوم كان الطقس حاراً، ولكنه اقل تسببا في الازعاج. مشينا غرباً لمدة ست ساعات، ووصلنا الى مكان مشهور جداً، كما يقول العرب واسم المكان «ويزة» وهو مكان فريد من نوعه عبارة عن حصن صغير تحول الى ركام كنت خططت لالتقاط الصور له، وعلى بعد مئة خطوة تقع حفرة صخرية عظيمة في الأرض، هبطنا نحو مئة قدم، ودخلنا ممراً صخرياً ملتويا ومليئا بالمنعطفات وزودنا جيداً بالشموع، ومشينا بكل جرأة عبر هذا الشرخ في الصخر. واحيانا كانت الطريق تؤدي الى قاعة فسيحة أو تصبح منخفضة فنجبر على السير زحفاً، وننبطح على الرمال، وفي النهاية وصلنا الى بركة ماء نقية، وباردة، يغذيها نبع في الصخور.
وخضنا في الماء، وملأنا كل قربنا الجلدية وقد تركنا شموعاً على طول طريق الممر الصخري، ولكن المكان كان غريباً، وكأنه بوابة، واطل علينا في النهاية ضياء النهار، ولم نشعر بأسف لرؤيتنا ذلك الضياء الطبيعي ثانية وقال: فتوح «هه هـ هـ هذا ضياء الدينا من جديد!» وعدنا ادراجنا الى عالم الانسان، حاملين معنا كنزاً هو المياه النقية، الباردة. وأمضينا تحت الارض قرابة ساعة. وكانت في القلعة بئر معدة جيداً، ولكنها طمرت ويقال انها تقع فوق ذلك النبع تحت الارض، ولابد ان ما يقولونه صحيح، وان القلعة تحمي المياه، وهي قلعة كالقلاع المنتشرة في البادية السورية. ولابد ان اطبع الصور عندما أعود. لا يمكنني تأريخ تلك القلاع، وهي تتراوح ما بين القرن التاسع الى القرن الرابع عشر الميلادي وهو افتراض، واقسم كل واحد من الرجال انه لن يذهب الواحد فيهم لوحده داخل المغارة خشية ان يضل طريقه، حتى لو مات الواحد منهم من العطش. عدوان يجمع ضريبة الاغنام للحكومة، وقد ارتفعت الضريبة العام الحالي من 3 قروش الى اكثر من 4 قروش علي سليمان مسئول عن الطريق من هنا الى الفالوجة، وفي طرق الجزيرة فإن شيوخ الشمر هم المسئولون.
17ابريل1914
اليوم الطقس بارد بالمقارنة بالأيام الماضية واستفدنا من الحالة الجوية الرائعة، ومشينا اكثر من عشر ساعات من دون ان نصاب بالانهاك. ووصلنا الى الجزء المضجر من الصحراء. عتبات منحلة تودي بنا الى نجد عال اعتقد اننا خلفنا حرارة بلاد ما بين النهرين، وتبدو السماء على وشك ان تمطر، في كل الاحوال فإن المطر سيغرقنا لاننا هبطنا الى منطقة منخفضة. وتحت الخيام لم تكن سماكة الخيش كافية. اليوم لاحظنا وجود آثار لسنابك الخيل على الرمال وكانت حديثة. وقال عدوان انهم فرسان من شمر الجزيرة بينهم وبين العنزة عداوة. وهم يأتون الى الرافدين للبحث عن خصومهم. لم أشعر بالاضطراب ولا بالضيق لاحتمال ان يكون هناك غزو طالما عدوان معي. فهو رجل ينتمي لبيت شيخ دوليم العود، وهو قريبه وموظف في الدولة مهمته جمع الضرائب عن المواشي، من الصعب العثور على دليل اكثر ضمانا وطمأنينة منه. فعندما أفترق عنه تبدأ الكوميديا والمفارقات، ولكن ربما لا يحدث ذلك فالشامية آمنة بالكامل. وفي كل الاحوال لا أشعر باضطراب على الاطلاق. لقد قمنا بزيارة اماكن اسوأ من هذه وخرجنا منها سالمين وبصحة جيدة.
وحل بي تعب الرحلة كلها واصبحت لا أكثر من الكلام خلال الرحلة، وحالما كنت اتحدث كان عدوان يقابلني بابتسامة وبأجوبة ملاطفة. احب سكان الصحاري هؤلاء، فهم فجأة يصبحون جزءا من حياتك ومستقبلك، وبعد ذلك تغادرهم فماذا يعلق في ذاكرتهم فيما بعد؟ اعتقد أن لديهم ذاكرة جميلة وممتعة عن الخدمة يحتفظون بها وحميمية تلك الايام القليلة التي امضوها معي في الرحلة. فأحد الأدلاء الذين رافقوني موجود هناك عند الطرف الآخر من النفور، وهو قال مرة عند موقد النار في مضرب خيام كنا اقمناه «في كل السنين التي سنأتي خلالها لهذا المكان سنقول: هنا اتينا معها، وهنا اقمنا الخيام معها. سيكون شيئاً نتحدث عنه: غزوك! سنسأل يوماً عن الاخبار وسنتحدث عن رحلتك وسنبلغ الناس بأنك اتيت الى هنا».
أتوقع انهم سيفعلون ذلك وهذا ما جعلني تواقة بشكل مثير الى ألا يتحدثوا عن شيء سوى الامور الطيبة التي حدثت لانهم سيحكمون على كل شعبي وعرقي عن طريقي أنا. تلك الذكرى غالباً ما تحكم على الكلمات المتسرعة التي أنطق بها، عندما أكون مرهقة واشعر بالغضب او الملل يا إلهي كم كنت اشعر بالممل والغضب والارهاق في بعض الاحيان. واحاول التذكر ماذا سيقولونه عن أساليبي في التصرف معهم! لقد كان الدوليم يقضون صيفهم على الشاطيء، لكن بعضهم الآخر يقضون الصيف عند الآبار في أبو جير وفي الثيميل وفي أصيلة وفي عين الارنب وفي اماكن اخرى. لقد اعتاد علي سليمان على الغزو خلال حياة والده اما الان فقد اقلع عن تلك العادة، فلم يعد يغزو. لقد كان عدوان يغزو شمر الجزيرة السورية لأن هناك عداوة بين قبيلته وشمر وسألت عدوان: «هل كنت تجد متعة في الغزو؟ هل كنت تجد متعة في مباغتة العدو؟ رد قائلا: اي والله! وقال عدوان عبدالله آل رشيد كان مرة في عانة وتزوج امرأة من هناك، وانجبت له ولدا ولايزال من انحدروا من نسله هنا في عانة. لقد كانت ليلة سيئة.
18ابريل1914
كانت وهاد الحماد متعبة ومنبسطة، وهي منبسطة على حد النظر مع ارتفاع بمقدار خمسة أقدام فوق السراب الذي يمتد لأميال بعيدة، وبعد ذلك يهبط كلما اقتربنا وجلسنا في حماد ثانية ولا يعلو الحماد عن الاراضي السابقة سوى خمسة اقدام. وشاهدنا آثار قصر آميج، وهي قلعة تقع على اليمين وبعد قليل تنحدر الارض باتجاه طريق البريد الذي لم يعد يستخدم باعتباره كذلك، ولم يعد هنا بريد صحراوي. وهنا التقينا بأحد افراد العنزة من العمارات، وتقصينا منه الأخبار.. ماذا يحدث في البادية السورية؟ لقد كان الغزو، كما ظهر من آثار سنابك الخيول في الامس، وكما خمنا، كان الشمر قد استولوا على 40 جملاً هذا الصباح، وولوا فارين، لكنهم لم يلمسوا احداً منا، اعتقد انني اشعر بالسعادة لانني لم اشهد غزوا خلال رحلتي، وتوقعت ان فهد بك شيخ العمارات العود، الذي كنا نأمل في رؤيته والحديث معه ليس موجوداً هناك، لقد كان موجودا لكنه من المرجح جداً أنه غادر، كما هي عاداتهم. لكن هناك ابن عمه، وهو يخيم في مكان ليس بعيداً عن موقعنا. غادرنا عدوان لرؤيته ربما نأخذ دليلاً من العنزة، اذا نجحنا في الحصول على واحد منهم، لم اكن اكترث كثيراً بمصاعب البادية السورية، لكن كان من الأفضل عدم التعامل معها بهذه الاستهانة وكان لابد من التعامل معها بالاحترام الذي تستحقه ومن الواضح انه لابد من الحصول على دليل من العنزة. لاشك انك تعي ما انا مشغولة فيه؟ انه نصف الطريق القديم من دمشق الى الفرات وهو الذي أبحث عنه، واتبعت النصف الثاني من مهيوير الى الفرات. كان ذلك في عام الثلج. سنصل الى المهيوير غداً. اما الطريق الى الغرب فلم أكن اعرفه. لكنني سمعت عن وجود موقعين اثريين صغيرين هناك وهو ما كنت اطمح الى رؤيته. سرنا بخطوات سريعة اليوم ولساعات طويلة. نجحت في النوم على ناقتي، وهو ما لم أفعله من قبل نصف ساعة كاملة قضيتها نائمة على ظهر ناقتي. شعرت باعتزاز عندما استيقظت ونظرت الى ساعتي. لم تكن هناك أي متاعب في الطريق، لأنه كان طريق البريد الذي يتجه بخط مستقيم الى المهيوير وإلا ما كنت نمت. ابن شعلان كان يقوم بالغزو وكذلك فهد بك كان يفعل ذلك ايضاً، آمل انهما سيسعدان بغزو كل منهما الآخر ولا يلتفت احدهما الينا.
وقال الرجل من العنزة ان الشيخ فهد بك كان يغزو ولد علي بينما ابن شعلان كان يغزو السباع لكنه لم يستفد من الغزو. وعاد الآن الى مكان قرب الجوف. اما الرولة فهم يغزون شمر نجد، واستولوا على الكثير. حاولنا استئجار الرجل كي يأتي معنا كدليل، لكنه رفض المضي معنا بشروطنا. وغادرنا عدوان لرؤية جدعان ابن شقيق الشيخ فهد، ولكنه ليس جدعان الذي رأيته قبل خمس سنوات في الجزيرة جدعان الذي أعرفه توفي. لقد كان على ما أظن ابن عم الشيخ فهد.
19ابريل1914
عاد عدوان متأخراً الليلة الماضية ومعه وعد من الشيخ جدعان بأنه سيمنحنا دليلاً، وكل ما تمنيته قال انه مستعد لتقديمه لي. ولكن هل احضر اليه لرؤيته في الصباح؟ هذا ما فعلته وذهبت على استحياء وعدم رغبة، لرؤيته في الصباح لأنني لم أنم كثيراً وبدت الأميال العشرة الإضافية مرهقة (كانت مضاربه لا تبعد سوى خمسة أميال فقط). ولكن ماذا سأفعل هنا؟ خرجنا نعدو تاركين الرجال والجمال الاضافية تذهب بحالها على الطريق وبينما كانت الشمس تصعد الى كبد السماء وصلنا الى مضارب جدعان الممتدة، وكانت الخيام كلها متقاربة من بعضها لأن العمارات كانوا فزعين من غزو الأمس. وهرع رجل الينا، واوضح لنا الموقف :
لقد تابعوا غزو الشمر واشتبكوا معهم، واستولوا على 10 من جيادهم، وقتلوا جوادين، وأصيب احد المغيرين برصاصة وذبحناه. وتساءلت «هل بقي زملاؤه لدفنه؟» وطرأت على خاطري صورة ذاك الرجل ذبيحاً في عراء الحماد. واجاب «لا والله تركوه حتى تأكله الكلاب». لم أدرك ما يقوله. فلم أتخيل ما يقول.. وهو أن الذبيح يظل ملقى في العراء حتى تأتي الكلاب في النهاية وتنهش لحمه. فتنهي المهمة. لقد كان جدعان ينقل مضاربه جلسنا داخل خيمته وشربنا القهوة في حين كانت النسوة تحمل النوق. واعتقد ان العمل سيسير بصورة سرمدية وبلا نهاية وبدت الأحاديث بطيئة ومملة وكنت مثقلة بالشقاء والمتاعب والافكار السوداء. وحسبت الأمر وكأنه مسيرة طويلة بلا نهاية، وباتت روحي غير قادرة على تحمل كل ذلك. وتساءلت ما إذا كنت خائفة، وتساءلت عما إذا كان ينبغي عليّ أن أصرخ من الارهاق وان أترك دموعي تنساب في موقد القهوة.
يا عزيزي ديك، لا تكشف هذا الامر لأحد، ان سمعتي كرحالة ستتضرر ولكني لا يضرني أن أروي لك ذلك، لانني اعرف انك مررت مثلي بمثل هذه الظروف الحالكة. عندما يكون كل الذي يقوم به الانسان يبدو مجرد عبث أو تفاهة وشقاء. عندئذ نظر جدعان إلي وقال «لا تقلقي فإن كل شيء سيسير وفق ما تشائين ويشرفنا ان نكون في خدمتك!».
كان جدعان رجل مروءة ولطف اما بالنسبة للعرب فهو صاحب همة. حصلت على دليل يدعى «عاصف» واعجبت به. سيأخذنا الى بوهارة بالقرب من تدمر، اذا رغبت في ذلك واعتقد أن تلك العقبة الثانية التي سنتحملها. وبهذه المرحلة كان عليّ وداع عدوان، وقمت بذلك على استيحاء لأنه كان رفيقاً رائعاً طوال الطريق، وأحببت وجهه الباسم، وجهه الجميل جداً، وهو ما يجعل الانسان يشعر بالفرحة عند النظر اليه. قبل يدي وأسرع في طريقه. وجاء دورنا لجمع النوق والركوب والانطلاق بسرعتنا القصوى، ولكن على الرغم من كل تسرعنا فقد كانت الطريق تبعد 11 ساعة. طريق طويلة بالنسبة إلينا، وبينما كنا نقترب من وادي حوران الكبير فاجأنا شخصان يركبان جملين. واخرج فتوح وعاصف بندقيتيهما ولقماهما وجاءنا الرجلان غاضبين، وهما يطرحان الاسئلة، ولكن كل شيء كان على ما يرام، وكانا من رجال ابن مجلاد، وهما من فخذ آخر من العنزة، واصبحا صديقين، حالما اكتشفا انه لا خوف يخشى منا، واقمنا مضاربنا على مرمى حجر من مياه المهيوير العذبة الطيبة وها قد جاءنا ضيف راكبا الجمل ينبغي ان اذهب لأرى من هو. انه عجوز مصاب بالصمم، يعرج، وعليه اثمال بالية، وهو ينتمي الى فخذ آخر من العنزة، من السويلمة، ويسعدني انه وكل ما جلب معه لن يقم في خيمتي، في هذه الليلة باردة والممطرة.
في خيمة جدعان، كانت هناك ظبية، احضروها لي، ووضعوها في حجري، حيث نامت وهي ملتفة على نفسها، كقطعة العاج، نامت، كما لو ان احاديثنا البطيئة قد خدرتها. وخلال ذلك مضيت اقلب بصري في أعين الرجال الذين تحلقوا حول ركوة القهوة، واتذكر وجهي القلق، معتقدة انه من بين كل اولئك الرجال لم يكن أحد يخلو قلبه من الخوف، باستثناء تلك الظبية الصغيرة التي خلدت للنوم في حجري، وعلى ركبتي، تلك الثقة الصغيرة النائمة كانت تشحن نفسي بالشجاعة.
لقد كان العجوز يبحث عن مهرة شاردة بالقرب من حمض، وقد ضاع هو الان بعد المهرة وها هو يبحث عن عشيرته.
وكان عدوان قبل أن يغادر قد صلى في خيمة جدعان وتحدث مع الأخرين عن حياة الشقاء التي يعيشها البدو، وعن الخوف والجوع. واتفق المتحدثون على ان افضل شيء هو العيش مثل فهد بك، الذي يأخذ أتاوة من الجميع.
20ابريل1914
هطلت امطار غزيرة جداً الليلة الماضية، امطار الشتاء، وليست امطار الربيع، واسرع الرجال لحفر أخدود حول خيمتي، واحتملت الخيمة، ولم تسمح لاي نقطة مطر بالدخول الى خيمتي، واليوم تراجع ميزان الحرارة وسجل عشرين درجة مئوية. مبارك هذا التغير وتبعاً لذلك تحسنت أحوالي، وينتظر اليوم وهم شديد للغاية. عندما نزلنا الى بركة المهيوير النقية التي اعتقدت انها نبع كانت قد جفت . لم تكن سوى شق مليء بالماء. لقد كانت هناك مياه في سهل حوران لكن يا لهذه المياه! كانت رائحتها فظيعة بسبب الجمال حفرنا جورا على حافة عالية من الرمال، فاكتشفنا وجود مياه فيها، وملأنا قربة او اثنتين من المياه العذبة التي تكفينا لمواصلة الطريق لاغراض الشرب، وهي كافية ليومين، لقد كانت البادية السورية مليئة بالجمال، وكأن جمال العالم اجتمعت هنا، والقطعان الاعظم هي للعنزة بعد ان عبرنا وادي حوران، وخرجنا ثانية الى المستويات العظيمة خرجت امامنا تعدو بالألوف وهي ترعى، كانت أشبه بنهر بطيء عظيم، أعشق رؤية الجمال، ومن حين لآخر كان الرعاة يمرون بجوارنا، ويتواصل مرور القطيع نصف ساعة ويعرف الرعاة منا الأخبار لقد كان عاصف حريصاً على أن يروي لهم كل شيء وانني مقبلة من حائل، فينفعلون ويثور فضولهم فيقولون: «والله!» إنه كالطائر الذي يزف البشارات. ويثرثر بلا نهاية أو يغني. وعلق بعض هؤلاء الرفاق الذين لم تدم رفقتهم اكثر من نصف ساعة على صغر حجم قافلتنا فقلت: «تكفينا القافلة بهذا الحجم» واكد احد الرجال «اتمنى لكم السعادة وافضل حال!» واسمع الان انني في الصحراء ثانية مع أناس صحراويين حقيقيين «البدو» الذين لم يعرفوا حياة الاستقرار. لكن تلك هي المرة الاولى التي اكون فيها وحيدة معهم من دون ان يكون هناك احد معين لي، ففتوح هنا غريب، كما انا غريبة مع هؤلاء الرجال وكان علي ان اتكلم مباشرة بنفسي من دون اي وسيط يعجبني ذلك، ويعجبني ان اؤدي الدور بنفسي، وحتى الان سارت كل الامور على ما يرام. ولا عجب ان عاصف اصبح وكأنه واحد منا منذ البداية وبحماس، وقد وعدته نصف وعد، ان أخذه معي الى انجلترا لابحث له عن وظيفة راع هناك. وعند العصر ما لبث الحماد أن انتهى، وكلها خطوات مشيناها ووصلنا الى جوف جارا.
انت تعرف معنى جوف، اليس كذلك؟ انها الارض الواطئة المنخفضة) عند حافتها القينا مضاربنا، بعد يوم من المسير، وكان يوماً قصيراً أقل من العادة وباتت النوق جائعة ومنهكة. وفي هذا الليل جاءنا ضيف آخر، وهو متوجه الى فهد بك انه يمكن ان يأخذنا الى جارا، ولكني لا أهتم بذلك لان لدي دليلا جديداً. كل قطعان العنزة هذه تعني اننا لا نزال في امان شديد في الوقت الراهن حيث تنتشر خيام العنزة في كل مكان.
22ابريل1914
كنت منشغلاً امس مع شيخ ومع المطر وحدث انهما تزامنا معا، الشيخ كان فهد بك، ولكن علي أن ابلغك من هو، اقول لك ان قبيلة العنزة الجنوبية تتبع ديرة ابن سعود، اما العنزة الشمالية فهي تنقسم الى شقين احدهما يحكمه ابن شعلان والثاني ابن هذال. وهو يقيم مضاربه في السهل تحت جرف صخري منخفض يطوق الجارا. وأحصيت نحو 150 خيمة قربه وهناك اعداد مماثلة من الخيام خلف الاطراف العشبية التي تنتشر الى منتصف الطريق على طول جارا. ويلاحظ أن مضارب العشائر تحتل مساحة واسعة من الارض وبينما يقرفص راكبوا الجمال وينيخون نوقهم الذلول أمام خيمتي منهم يترجلون ويدخلون دون ان ينبثوا ببنت شفا ليتناولوا العشاء وينامون، هكذا انحنت ناقتي امام مضافة الشيخ فهد بك بجوار خيمة تقديم القهوة وتقدمت الى الخيمة، وجلست بجوار الموقد. وتلقاني بلطف ابوي، واحببت ان اكون بجواره. انه رجل بلغ السبعين من عمره على ما اعتقد، مركز قيادته يقع بالقرب من كربلاء، حيث يمتلك بساتين التمر، ولكنه يخرج الى الصحراء مع جماله وعشيرته كل سنة. اما ابنه متعب فهو يتولى عمليات الغزو، ونشر سجاداً جميلاً، جلسنا عليه واستند الى سرج جمل اما صقره فكان يقف على منقلة مرتفعة خلفنا بينما كان كلبه السلوقي يقف بجوار الصقر تحدثنا وشربنا القهوة وذهبت بعدئذ الى خيمة الحريم، وقمت بتحية احدث زوجاته رأيت صغرى ابنائه، بعد ذلك توجهت الى خيمتي حيث تناولت الطعام وركبت ناقتي وأخذت اعدو ولم يبق بيني وبين الآثار سوى مسيرة ساعة، وكانت مختلفة عن أي اثار اخرى رأيتها في الشامية لقد كانت بلدة بحالها، تخيل! بلدة في قلب البادية السورية، ولكنها بلدة كانت ذات طابع بدائي اصيل جداً.
وهي تقع فوق جرف على نوع من شبه جزيرة تشكلت بواسطة وادي حلقوم الملتوي العريض وكان الطريق الوحيد إليه من المستوى الاعلى عنقاً ضيقاً كان محصناً بجدار برجي، وثانية اقول ان كل شيء كان من النمط البدائي وكانت كل الآثار مدمرة. وعلى أي حال فها هو جدار وأبراج تحرس الطريق الى مساحة غير منتظمة من أكوام حطام الآثار غير المنظمة الشكل. وكانت هناك آبار مياه غير محدودة في اسفل الوادي، وكان الطريق اليها درجاً ضيقا يتجه الى اسفل الجرف، ولا استطيع ان احدد عمرها وليست لدي أي فكرة عنها. ولكن أليس ذلك يثير الفضول؟ ورسمت خارطة وصورت بوابة الجدار، ولا اشك انني كنت اميل الى وضع خاطرة لشبه الجزيرة التي تقع عليها البلدة ولكن في هذه اللحظات تتكاثف سحب داكنه حالكة اللون وكان واضحاً ان لدي الوقت الكافي للوصول الى خيمتي قبل أن تهطل هذه الغيوم برداً ومطراً. والواقع اننا وصلنا قبل أن تهطل زخات كثيفة وقبل أن تتساقط موجات من البرد. وعندما انتهى المطر ارسل الشيخ فهد اليّ يقول انه يأمل ان يأتي لزيارتي. وجلس في خيمتي طوال ما تبقى من المساء. وقدم لنا العشاء هناك في خيمتي. وصراحة فإن العشاء الذي قدمه الشيخ فهد كان الافضل الذي قدمه لي شيخ عربي. وتناولنا العشاء وهبط المساء وعادت الامطار لتهطل من جديد وكنا لانزال نتحدث عن احوال الطرق ومستقبل تركيا وعن اصدقائنا في بغداد حتى غادرني في النهاية في الساعة الثامنة وآويت الى الفراش. وفي صبيحة هذا اليوم، شربت القهوة معه ومع ابنه متعب، وغادرت وسط بركاتهم التي انهالت عليّ وبموجب نصيحة من الشيخ فهد اصطحبت دليلاً آخر هو رجل من الرولة، من عشيرة ابن شعلان الذي صادف أنه موجود في خيام فهد. وهكذا اصبحت آمنة من كل العنزة ولكن البادية حتى بوخارا كانت خلاء وخاوية على الرغم من انني احببت الخلاء. واحب الصحراء لأخلو لنفسي لا أنكر انه ليس هناك امان كامل فيها. وانخفضت الحرارة جداً هذا الصباح واحسسنا بالبرد في اسناننا وهبت عواصف ممطرة عظيمة من حولنا وكانت تدفعنا لشدتها من حين لآخر وصارعنا الريح والبرد والمطر طوال ثماني ساعات ونصف الساعة وعبرنا جارا ووصلنا الى اكثر الاجزاء عزلة في البلاد حيث لا تتوفر فيها التلال الا بنسب قليلة. وكنت متعبة ومنهكة جداً، وخلدت الى النوم لمدة ساعة. الان اصبحت افضل وجاءنا اثنان من الصلوبا هذه الليلة مع حميرهم وخرافهم، اتعلم من هؤلاء؟ قبيلة الصيادين والحدادين غريبة الاطوار، وقد حيكت حولهم الحكايات والقصص الكثيرة.
وفي الصباح خاف الرويلي الذي جاء معنا كدليل وآثر العودة من حيث أتى، وقال انه يخاف طوال الطريق، ويرغب في العودة الى عشيرته، اعتقد أن الرياح والامطار لم ترقه، وثبطت عزيمته، وقلنا له انه من العيب ان يحنث الانسان بوعوده ويتخلى عمن وثقوا به، فعاد عما كان قد عقد العزم عليه واتوقع انه ندم على ذلك، وخلال الليل عصفت ريح هوجاء وتساقط المطر مع الريح واذا كان البدوي يرتجف في هذه الاجواء فإنني احبها، ولا شك في ان هذه الامطار ستؤدي الى انتشار الاوراق والاعشاب الخضراء من جديد، لا أحد يحب الريح ونمت على الارض. تذكرت ذلك، وتساءلت ما اذا كان شعري سينظف يوما ما، لقد اصبح لون شعري رماديا من شدة الغبار لقد مضت علينا عشرة ايام بعد مغادرتنا بغداد ولاتزال امامنا الطريق طويلة ولكنني آمل ان تكون نهاية الطريق.

جلال الدرعان
03/07/11, (06:29 AM)
من مذكرات (فريدريك روزن )قنصل المانيا في بغداد سنة 1898م

يقول فيها انه أراد زيارة كربلاء..ويقول إثناء سيرنا بهرنا منظر عدد كبير من الجمال البيض ترعي في السهل . وهذا الجمع غير الاعتيادي من الجمال كان سببه وجود " فهد بك " الرئيس الأكبر لبدو ( عنزة ) في المنطقة

ويقول فريدريك ... وتترحل ( عنزة ) في امتداد الأراضي علي الضفة اليمني من الفرات ....بيمنا ( شمر ) تسكن الجزيرة بين الفرات ودجلة ...وهي عدوة العنزة ...

كما يقول .....كانا بطبيعة الحال نتطلع رؤية ( فهد ) الذي سمعنا عنه كثيراً من القصص والأوصاف فوجدناه جالساً في مضيفة وهي خيمة – أو بالاحري سقف خيمة مصنوعة من شعر الماعز الأسود .يسندها عمود أفقي يمكن تطويله بحسب عدد( الضيوف )...
ولقد كان مضيف فهد بك يمتد أكثر من 30 ذراعا وعرضه 5 اذرع فقط ، وتحته كان يجلس القرفصاء صفان من أبناء الصحراء الذين كان من بينهم فهد بك كمضيف لهم ، وفي نفس الوقت كان يقضي بينهم .

وحين أعلن القواسون الذين كانوا برفقتي قدومي ، نهض لاستقبالنا وقادنا إلي خيمة تركية صغيرة بيضاء ، فرشت حالاً علي الجانب الضليل منها السجاد لنجلس عليها معه ، وأمر بإحضار عدد من سروج الجمال المزينة بمسامير ذهبية توضع في جوانبها لنسند إليها أيدينا ،

وقد جلب انتباهي أن فهد بك لم يكتفي بقبول لقبه << بك >> التركي فقط ، بل كان يحرص كثيراً علي التحدث بالتركية إلي خادمة الخاص. وفي محادثة معنا تكلم العربية فقط .. وقد أبدي آراء صائبة وسال أسئلة وجيهة جداً ..وبعد أن أستفهم عن معدل النفقات السنوية للقنصلية الألمانية ببغداد ... كانت النتيجة التي خرج بها انه لايجد فيها من الفوائد مايعادل كلفتها ولم أكن قادرا علي دحض حججه .

وبعد أن قدم لنا وجبة من اللحم ...تمشينا خلال مضاربة وأبدينا إعجابنا بأبله ، وكانت من جنسين مختلفين : ( الذلول ) هي الإبل الراكضة ، و ( الإبل ) وهي التي تحمل عليها ... انتهي كلام فريد ريك


في البدايه إليكم بعض ماقاله الكولونيل سانكي في قبيلة عنزة



في 25 تموز من عام 1857 ارسل القنصل سكين في المدينه الى السفير في الاستانه والى وزارة الخارجيه تقريرا ورد اليه من الكولونيل سانكي عن حالة البدو والباديه ، سأذكر ماكتبه الكولونيل سانكي عن قبيلة عنزة.
يقول سانكي :

((إن عرب عنزةم فرسان ممتازون ولديهم أحسن الخيول في العالم . وهم لايستعملون اللجام ولا الركابات بل يركبون على سرج غير محكم الرباط . يعتمدون على خيلهم ويقدرونها ويعزونها ولا يحبون ان يتخلو عنها . ويقال ان الخديوي عباس باشا في مصر دفع اموالا طائلة ثمنا لافراس من عنزة . ان احتمال هذه الحيوانات لامر عجيب فقد عرف عنها انها تجري ثلاثين ساعه دون توقف او استراحة . ولما كان الاتصال بالبدو ممنوعا من قبل السلطة التركية , وهم لايفلحون ولا يحرثون الارض , فانهم لذلك لا يشترون الشعير لخيلهم , وليس عندهم لها إلا العشب اليابس من نبات الشيح , وهم يعتمدون في طعامهم على حليب الابل ويعزو البدو قوة عظامهم الى ذلك . وان قليلا منهم يستعمل البنادق فسلاحهم المحبب هو الرمح الذي يصد اي سياف من اعدائهم)) .
======

أهم مافي المحفوظات الملكيه المصريه من الاخبار عن البدو في الصحراء نشرها الدكتور أسد رستم في اربع مجلدات بأرقم
متسلسله تبعا لتاريخ ورودها ابتداء من سنة 1230هـ \ 1816 م حتى 1255 \ 1839 م :

* رقم 47 من مجهول الى محمد علي باشا يذكر له ان عرب عنزة تعتذر عن تقديم العدد المطلوب من الجمال لاجل الحملة على الحجاز ، ويعود مندوب العزيز خائبا 11 رمضان 1231 \ 1816 .

* رقم 1790 من ابراهيم يكن باشا إلى ابراهيم باشا عن عرب عنزة واعتدائهم على حجاج ايران وتعيين محمد بك رئيسا على عشيرة الموالي 16 ربيع الاخر 1248 \ 1832 .

* رقم 2977 من مجهول الى ابراهيم باشا يرفع الى مقر القيادة العليا بيانا بأخبار عنزة واحوال قبائلها الذين اجتازو نهر الصحراء . غير مؤرخ ولكنه ورد في الوثائق تحت سنة 1248 \ 1832 – 33 .

* رقم 3893 من محمد منيب بك ( قائد ألاي الفرسان الحادي عشر ) الى ابراهيم باشا يذكر فيه ان عرب صفوق ( شيخ شمر ) وعربان عنزة يتقاتلون في صحراء النفود 2 شعبان 1250 \ 1834 – 35 .

* رقم 5502 من محمد شريف باشا الى ابراهيم باشا عن عرب السلوط ومسيرهم الى اللجاه وأن عددهم بين 250 و 260 وأنهم يخشون سطوة عنزة ولهذا فهم لايغادرون اللجاه فإذا نزلو على ابار القسطل فإنهم يتسلطون على الطرق البريه وهو يتطلب ارسال قوة من الفرسان للمحافظة على الطريق 1254 هـ .

* رقم 5781 من محمد بك ( معجون اغاسي ) الى ابراهيم باشا ويرفع الى الاعتاب العسكريه أنباء القبائل البدويه في جهات الجزيرة العربية فيفيد ان الشيخ صفوق الجربا ( شيخ شمر ) وجميع رجاله وعرب الفدعان قاموا من رأس البليخ بالقرب من الرها ... وإن عربان السبعه وجماعة من العشائر نزلوا في مكان يقع بين عانه وجب دخينه 21 صفر 1255 \ 1839 – 1840 .

* رقم 5950 من محمد بك معجون اغاسي الى ابراهيم باشا يرفع الى مقر القيادة العليا خبر قيام عشائر صفوق والفدعان والسبعه على العشائر الشامية فيه خبر الموقعه التي دارت بين "ماوى" ( كذا ) وجماعته من جهة وبعض هؤلاء العربان من جهة اخرى ويفيد انه يدرس امكانية الزحف عليهم . وعلى ظهر هذه الرسالة العبارة التالية : " اذهب واضرب " 24 جمادى
الاولى 1255 \ 1839 - 40 .

* رقم 1951 رسالة اخرى تحمل التاريخ نفسه من محمد بك الى ابراهيم باشا يذكر فيها : ان عرب عنزة اغارو على قافلة
بغداد بينما كانت سائرة في طريقها الى هناك .


من وثائق وزارة الخارجيه البريطانيه عن البدو ، مما نقله المؤلف من اللغه العربيه الى اللغه الانجليزيه وفي الوثيقه الثانيه وهي الكتاب من القنصل الى حكومته يخبرها فيه عن تنقل بعض من قبائل عنزة ، وتاريخه تشرين الاول 1835 , يلحقه بعد اكثر من شهر بكتاب اخر تاريخه 3 كانون الاول 1835 الى وزارة الخارجيه يذكر فيه ان عرب عنزة هم في نزاع مع قبيلة شمر , وان الوادي هو الحد الفاصل بين القبيلتين تستقر قبيلة عنزة في الجانب الأيمن وتستقر شمر في الجانب الأيسر .ويشير في الكتاب نفسه الى ان قبيلة عنزة هي اقوى قبيله في الباديه وهي اكثر القبائل حبا للحرب والغزو , وقد اخذت بالفعل تقوم بالغارات على المناطق المتاخمه للباديه بين شمال اليادية والطريق الى أواسطها وهي على اتفاق مع الوهابيين .

وكتب القنصل في 17 ايلول 1841 مشيرا الى ان قبائل عنزة اخذت تتسرب باعداد كبيرة الى تخوم الوديان , وأنه باشرت هجوما على حدود البادية بقوة من نحو ستة الاف رجل , فسيرت السلطة لإخضاعهم جيشا على رأسه احمد باشا , فاحتك بهم
في جبول , ولما أطلق عليهم اول قنبلة من مدفع هربوا وعبروا الفرات , غير انهم عادوا يتسللون بأعداد كثيرة وعبروا إلى قلب الصحراء , وتقدموا الى شرقي جنوب الوديان , وشرعوا يحتلون مناطق كانت تحتلها قبائل اقل بئسا ومكانه منهم تخضع للباشا , ولهذ اخذت القبائل الضعيفه تنسحب امام عنزة وتلتجىء الى الاراضي القريبه من المدينه لحماية نفسها من عنزة . ويخشى القنصل من كتابه ان تتقدم عنزة اكثر قرب المدينه ويمتد تقدمها في اول الربيع فيصعب على الباشا صدها , وبالتالي يهددون خط المواصلات بين المدينه وبقية المناطق . بل ربما يهددون ايضا الخطوط البريه الأخرى.
ويزعم ان هؤلاء البدو ( عنزة ) سينتشرون في كل جهه ويضطر الفلاحون الى ان يهجروا مزارعهم ويهربوا من امامهم
ويصبح الموسم فريسه سهله للبدو ( عنزة ). ويذكر ان المكاريه انفسهم اخذوا يمتنعون من تأجير جمالهم لنقل الحاجيات
خوفا من البدو الذين اخذوا بالفعل يهددون الطريق العام بين بقية المدن, وقد قتلو بعض المسافرين , وسلبوا اخرين
واصبحت الطريق غير امنه .

ثم يكتب القنصل في 21 تشرين الثاني 1867 ان الوالي هو جودت باشا , وكتب في 3 كانون الول 1867 أن ألفا من
الفرسان البداة هاجمو في 29 تشرين الثاني عرب الرعية ( أي أصحاب الغنم ) , قرب قرية قيارة (حافر) وهي على خمسة وعشرين ميلا شرقي تواجدهم , ونهبوا ألف رأس من الغنم و ثلاثين فرسا , وقتلوا سبعة رجال وجرحوا اثني عشر رجلا .
وكان قائد الحملة الغازيه ابن مرشد رئيس القمصة وهم فرع من عرب السبعه , وهم من عنزة ولم يجرح من الغزاة سوى عبد اسود للشيخ , وقد رجع مع سيده . وهكذا فإن المصاريف التي تتكبدها الدولة لشراء الهجن و البغال لحمل المحاربين
الموكلين لصد هجمات البدو لم تنفع شيئا . وقد سار نحو خمسين فارسا بقيادة نايف بن حجي بطران لقتال بن مرشد فردهم
خائبين لا جئين الى حصن في قرية مجاورة ..................

وكتب في 4 تشرين الاول 1854 يخبر عن كمين أقامه البدو من عرب السبعه لجماعة من جند يوسف باشا غير النظامي
قرب تديف , وأنه قتل في تلك المصادمات شيخ تديف ورئيس الجيش وجرح كرد يوسف أغا , ووصف كيف تم الكمين بنزول بعض البدو وانسحابهم , ثم مهاجمة المتعقبين لهم من قبل الكمين وفتكهم بهم , وأشار الى فشل حملة يوسف باشا
المذكورة ...........

وفي 18 اذار كتب قنصل جديد وهو مستر نيوتن واستلم العمل بعد مستر سكين , واول كتاب منه في شيء عن الباديه
وعلاقة الانجليز بها ارسل في 17 اب 1875 , وفيه يذكر عن رحلة له الى الباديه لشراء الخيل . وهو كتاب طويل يذكر فيه محاولة الاتراك اخضاع البدو ويتحدث عن انشاء ادارة حكوميه في المدينه منذ ست سنوات مستقله عن الرئيسيه وذلك لارغام
البدو الرحل على الاستقرار و التحضر بحيث يصبحون مزارعين وحراثا يحرثون الارض ويستغلونها . وقد افلحت الادارة
بحمل بعض فقراء البدو بطريق الاقناع على ذلك , ولكنها حين اخذت تعمد الى القوة فشلت , واصبح الكل بدوا , وهم يعارضون جمع اي ضريبه او زكاة منهم ويقولون ان الارض ارضهم قبل ان يظهر الاتراك , وان الباديه لم تفتح ولم تخضع من قبل . ويذكر في كتابه هذا ان جدعان شيخ الفدعان بعد موت عمه دهام اصبح شيخ الخرصة
والشيخ الاخر هو سليمان بن مرشد وزعامته على قبائل السبعه وكلا الشيخين قدير وذكي . ويقدر عدد اتباعهما بنحو اربعين
الفا من العائلات , ويستطيعان ان ينزلا في اي لحظه في الميدان بقوة تناهز عشرة الاف فارس منتخب ويتركان نحو نصف
هذا العدد في المضارب لحمايتها او للنفير اذا لزم الامر . ويذكر ان عدد جمالهم وغنهم مدهش , وقد عددت حول مضرب من مضارب القمصه مؤلف من مئة خيمه نحو عشرين الف جمل بوجه التقريب , وهي اذا ثمنت بثمن بخس اي بنحو خمس
ليرات للجمل الواحد تكون كل عائله كأنما هي تملك ألف ليرة انجليزيه هذا عدا الخيل وعدا الغنم التي عددها اكثر من الجمال .

وكتب في 3 نيسان 1869 يقول ان في اليوم الذي عادت فيه الحملة ظهر جدعان وهو من الزعماء الثائرين في قرية حافر
على بعد 25 ميلا من المدينه , ومعه تسعمئة فارس , وتهدد السلطه بكتاب يقول فيه انه سيمحق المقاطعه من طرف الى طرف
وان كان باستطاعهم ان يردوه فليفعلوا . فعادت الحملة الى الباديه للتصدي له , ولكن جدعان كان في هذه الاثناء قد نهب 15000 نعجه من عرب التويمات والبوخميس , وهما عشيرتان من عرب الحديديين المخلصين للحكومه والموكلين بغنم الفلاحين والمزارعين وسكان المدينه . ونهب ايضا 30 خيمه من التويمات , و20 من البوخميس , وهاجم عشيرة اخرى واخذ خيلها ونقودها . واسر اربع من شيوخ بدو شمر ومنهم عبدالكريم الذي كان في خدمة السلطه , وفي الوقت نفسه ظهر زعيمان
من شيوخ العجاجره وهما طلال بن حماجم وخريمس واقتربا من جوار المنطقه ومعهما 350 فارسا فنهبوا 2350 نعجه من قبيلة القيار مما يخص اهالي المدينه .

جلال الدرعان
03/07/11, (06:30 AM)
الرحالة البريطانية الليدي آن بلنت وزوجها ولفرد يزوروان الصحراء عام 1878م

الرحالة البريطانية الليدي آن بلنت وزوجها ولفرد يزوروان الصحراء عام 1878م ويكتبان مشاهدات يومية في عام 1298هـ - 1878م قامت الرحالة الليدي آن بلنت برفقة زوجها ولفرد برحلة إلى الجزيرة العربية وكانت وسيلة المواصلات هي الإبل والخيل وكتبت الكثير من التفاصيل عن حياة سكان الجزيرة العربية وخاصة سكان البادية (البدو) حيث ذهبت إليهم في بواديهم وعايشتهم وكتبت عنهم ومما قالت عنهم نقتطف ما يلي :

بدت لنا خيام (بيوت شعر) على بعد عدة أميال أنها بالتأكيد خيام عنزة لأن بقع السواد كانت تغطي مساحة واسعة تمتد من الشرق إلى الغرب وأقربها إلينا كانت الجنوبية وعلى الرغم من الحرارة الكبيرة وتعب النظر في الأرض الجرداء تقدمنا بمعنويات عالية وصلنا بعد ساعات إلى إبل ترعى فعلمنا من رعاتها بأنها تعود إلى المهيد - قبيلة الفدعان - عنزة وإننا في طريقنا إلى خيامهم مباشرة ويبدو أننا أول أناس من العالم الخارجي يشاهدون مثل هذا الربيع إلا أن القوم لم يعبروا عن أية دهشة أو استغراب لأحداث وجودنا واعتبروا وصولنا من الأمور الاعتيادية جداً ولم يتدخل أحد بشؤوننا وعندما سألنا عن خيمة جدعان دلونا عليها بتهذيب وهكذا مررنا بقطعان هائلة من الجمال ونحن في مسيرة ساعة حتى وصلنا إلى الخيام فمشينا بينها إذ وجدنا خيمة الشيخ قد نصبت في أقصى المخيم وسط بقعة من نبات المنثور البري وحولها عدد من الخيول والأمهار ترعى بهدوء ثم أخبرنا بأن جدعان في مضافته وها هو يركب باتجاهنا أنه رجل في العقد الأوسط من عمره يركب على فرس رمادية فرحب بنا بينما كانت عيناه رائعتين تشعان ببريق خاص تحت حاجبين بارزين بوضوح.

رد على تحياتنا بوقار وسار معنا في صمت إلى خيمته. إنه جدعان نفسه القائد الكبير لعنزة الذي يجلونه ويشرفونه ويطلقون عليه لقب أمير العرب. وأول ما تفوه به بعد تبادل التحيات العادية سؤاله عن نسب فرسي شريفة التي كانت تفتن العيون برأسها البارع الجميل إن الشيخ جدعان رجل حرب وسياسة وجاءت شجاعته الفائقة وفروسيته اللامعة لكي تجعل منه رجلا مشهورا في قومه المحاربين الأشداء وهكذا انتخبوه شيخهم.

قدم لنا العشاء في خيمتنا لحم خروف وكمأ ولبن وتمر أما الماء فكان عكراً جداً ولكنه بطعم حلو جيء به من بعض برك ماء المطر في منطقة مجاورة وفي المساء زارنا على التوالي: تركي بن جدعان الولد الوحيد لجدعان وفارس بن مزيد شيخ الحسنة والذي أخبرنا عنه بأنه من أنبل الناس في الجزيرة العربية كلها.

في الخامس من نيسان كانوا عنزة في طريقهم إلى الشمال والشمال الغربي لأنهم لا يبقون أكثر من ليلتين في المكان نفسه ولهذا اقتلعت الخيام في هذا الصباح وجدعان ينتظر منا على سبيل المجاملة أن نفعل مثل ما فعل القوم حتى يرمي خيمته أرضاً وبعد ساعتين من شروق الشمس كان كل شخص يسير في مشهد رائع لأن مخيمات المهيد غطت أميالا عديدة من الأرض حيث تبعثرت على شكل مجموعات في الواحدة منها من عشرة خيام إلى عشرين خيمة وسارت على مراحل مقدار كل مرحلة ربع ميل على الأقل ولهذا من المستحيل تقدير عددها الكلي إلا أن رتل الجمال امتد على مد الرؤية ويقال إن تعداد القبيلة يبلغ ألف خيمة.

ركب جدعان معنا طبعاً لأنه اليوم الأول لزيارتنا فعزف نشيد البدو على شرفنا (حداء الخيل) كما فعله فارس الجرباء وقومه من قبل لقد سررت على أية حال عندما رأيت جدعان راكباً على اعتبار أنه أشهر فارس في البادية ويمتطي ظهر جواده العملاق وبالتأكيد سوف يعطي الانطباع الرائع عن براعة البدوي وقدراته في الفروسية فمقعده على صهوة الحصان يثير الإعجاب.

وحصان جدعان ذائع الصيت في القبيلة قوي البنية في السنة الرابعة من عمره ويرتفع خمسة عشرة قبضة من سلالة كحيلان الأخرس وهو فرس قتال أكثر من كونه فرساً للسباق.

انضم إلى الركب تركي ولد جدعان وأخذ يشارك في مناورات الخيل وركب معنا محمد أعزل وكيل جدعان بن مهيد والطبيب الحلبي والعلامة عبدالرحمن العطار والذي كان يتمتع بنفوذ ملحوظ بين عنزة لا لمهنته الدينية فقط بل لأن والده كان تاجر خيل تربطه صلات حميمة معهم وأخبرنا بأن عبدالرحمن هذا هو رجل مثقف يتقن الشرع الإسلامي كانت القافلة تسير على غير انتظام. ففي المقدمة مجموعة الخيالة الذين لا يأخذون خطاً محدداً في السير فهم يذهبون في هذا الاتجاه ثم يغيرونه إما لعدم المقدرة عند البدوي في السير على خط مستقيم أو للبحث عن المرعى المناسب وأماكن تصلح لنصب الخيام وعند كل ميل يقطعونه يترجلون للتشاور وانتظار قدوم الجمال التي كانت تتهادى ببطء خلفهم وترعى وهي سائرة وفي كل مرة نظن أنهم سوف يخيمون يتابعون المسير استمر الأمر هكذا حتى الساعة الواحدة عندها شك تركي رمحه أخيراً في الأرض ليخبرنا أن مكان المخيم ها هنا كان المكان بقعة في واد عميق يدعى وادي الحلبة إذ يبلغ عمقه أربعين قدماً تحت مستوى السهل ويشكل مرتعاً واسعاً من الشعب والأزهار وكنا نستدير طوال اليوم حول جبل الغراب إلا أنه لا يزال عند حد الأفق على بعد خمسة أو ستة أميال إلى الشمال والشمال الشرقي ما إن وصلنا إلى مكان التوقف حتى نصبت الخيام وخرجنا نطلب الماء لخيولنا وما إن سرنا ثلاثة أميال حتى وجدنا بركة ضخمة من ماء المطر ينتصب خلفها مخيم للبدو.

كانت الخيام تعود إلى الموايقة إحدى فرق السبعة وعندما شبعت الخيول ذهبنا لزيارة شيخهم فوجدناهم ينصبون الخيام ولم تكن خيمة الشيخ قد نصبت فاستقبلنا في خيمة عمه علي .. إنه فرحان بن هديب شاب في الثالثة أو الثانية والعشرين من عمره صاحب الأخلاق الحميدة الرائعة التي تميزه عن كل البدو الذين قابلناهم قصير القامة يميل إلى النحافة قال فرحان الكمأ خبزنا وهو أفضل من خبز المدينة إن هؤلاء القوم في منتهى الأدب وفرحان يعتبر أصله من الأصول المفضلة.

جلال الدرعان
03/07/11, (06:31 AM)
المستشرق الفنلندي جورج أوغست وقبيلة عنزة

المستشرق الفنلندي جورج أوغست فلين الملقّب بـ «عبدالولي» يعتبر من أكثر المستشرقين الاسكندنافيين شهرة، وقد ولد عام 1811م وتابع حياته ودراسته في هلسنكي، حيث درَس اللغات الشرقية واللغة العربية وحضارتها بشكل خاص، فكتب أطروحته الأولى «مقارنات في العربية بين الفصحى والعامية» ومن اشهر كتبه اللذي ترجم للعربية صُو ر من شمالي جزيرة العرب في منتصف القرن التاسع عشر
وهو يحكي عن يومياته وعن قبائل تلك المنطقه ومعيشتهم وحياتهم اليوميه

ويعتر من اول الرحالة الاوربين اللذين زارو الجوف واعتبرها من نجد ووصفها وصف دقيق واثنى على اهلها وطيبهم وتكلم عن الروله وعن الشعلان والنايف بيت الاماره فيهم

ومن المناطق اللتي زارها تيماء وكتب عنها ووصفها بانها حديقه من البساتين وان أكثر البدو المقيمين في جوار تيماء من قبيلة عنزة وأعظم بطونها: الفقراء، ولد علي، ولد سليمان، والبِشر. ويقيم «الفقراء» بين الحجر وتبوك وخيبر وتيماء، وفخذهم الرئيس بنو وهب. ويقيم ولد علي وولد سليمان في الأجزاء الجنوبية من النفوذ إلى الشرق من تيماء. أما البِشر، والعواجي فخذهم الرئيس، فمنتشرون في النفوذ شرقاً حتى القصيم في الأراضي المغطاة بالحصى التي تلي النفود


جوتليب شومخر باحث طبغرافي إنكليزي من اصل ألماني كلفه السلطان العثماني بإجراء دراسة طبغرافية

شومخر باحث طبغرافي إنكليزي من اصل ألماني كلفه السلطان العثماني بإجراء دراسة طبغرافية – ديمغرافية - اجتماعية في مناطق حوران والجولان والأردن إثناء التخطيط لتنفيذ مشروع مد سكة حديد تربط حيفا بمدينتي بصرى ودمشق .
فبدأ بانجاز مهمته في آب من سنة 1884م واصدر كتاباً باللغة الإنكليزية بعنوان رحلة عبر الأردن ( across of gorden ) . صنفها بعدة فصول .
جاء الفصل الثالث من دراسته بعنوان :
... القبائل البدوية في حوران الغربية .
وتحدث في هذا الفصل عن بدو عنزة وذكر أسماء القبائل العنزية التي قابلها في حوران الغربية سنة 1884 وخص منها قبيلة ولد علي وفقاً لما يلي ( بتصرف ) :
قبيلة ولد علي تسكن الجزء الغربي من منطقة حوران والجزء الشرقي من منطقة الجولان وجزء كبير من منطقة عجلون . يعيش بدو ولد علي على الغزو ومن منتجات حيواناتهم ومن مصادر إضافية أيضا تتمثل بأخذ الخوة من أهل الأرياف في حوران والجولان والأردن ومن ما تخصصه الدولة العثمانية من رواتب الصر لهم لقاء أشرافهم وحمايتهم لقوافل الحج والتجارة التي تمر من مناطق سكنهم .
خاضت قبيلة ولد علي معركة شرسة مع إحدى قبائل عنزة في منطقة تل الجموع غربي نوى واستطاعت قبيلة ولد علي أن تجعل تل الجموع وما حوله مناطق مراعي ونفوذ لها .
فقد كان يرتفع على قمة تل الجموع علم خاص بقبيلة ولد علي يُحرم على القبائل البدوية أو القوات الحكومية تجاوزه دون إذن رسمي من شيخ قبيلة ولد علي محمد بن دوخي السمير . ( وتل الجموع هو التل الذي تجمعت عنده الجيوش العربية الإسلامية في معركة اليرموك الشهيرة ) .
ولشيخ قبيلة ولد علي محمد بن سمير مركزان رئيسيان للأمارة الأول في عين ذكر من الجولان الشرقية .والثاني في تل الأشعري الذي يقع بين المزيريب وتل السمن في حوران الغربية .
وقد قابلت الشيخ محمد السمير مرتان الأولى في متصرفية حوران وقد راعني الأسلوب الموقر الذي قابله به متصرف حوران لما فيه من إمارات التبجيل والاحترام والترحيب لهذا الأمير البدوي . فأيقنت بداخل نفسي المكانة والنفوذ الكبيرين لهذا الزعيم البدوي .
وبعد عودتي إلى مخيمي زارني الشيخ محمد بن سمير وكان معه مجموعة من الخيالة المسلحين . أيضا لفت انتباهي طريقة التبجيل ولاحترام الكبير التي يتعامل بها جماعته معه .
كان محمد بن سمير في الخامسة والخمسين من عمره ذو لحية بيضاء وعينان سوداوين مثل عيون الغزلان في جمال بريقهما ورونقهما ولاحظت أن يده اليمنى مبتورة ، وعندما سألته عن السبب قال لي فقدت يدي في معركة فاصلة وشرسة خضتها برجال قبيلتي الشجعان مع الدروز سكان جبل حوران، وكان يتكلم ببطء ويشدد على الجمل الهامة في الحديث ، وهو جدي للغاية في طريقة تعامله مع الآخرين وتبدو عليه بوضوح علامات الفروسية والوقار والأمارة وليس فيه أي مظهر من مظاهر التكبر والغطرسة .
سألني الشيخ ابن سمير هل تعرفني يا بيك ؟ . قلت لا فأدار وجهه نحوي وهو يستغرب جوابي وقال لي : ألم تسمع ولو بطريقة الصدفة عن القبيلة المنتصرة للعنزة سليلة الأمير علي السمير رحمه الله سليل الأسرة الشريفة من قبيلة قريش التي كان نبينا الأعظم محمد صل الله عليه وسلم منها .
فقلت له نعم عندها رفع رأسه بفخر واعتزاز وقال لي إذا أنا هو يا أخ ؛ محمد بن دوخي السمير شيخ قبيلة ولد علي من عنزة وهنا أضاف أحد رجاله بصوت هادئ و ( سلطان البر ) يا بيك .
وبعد أن تحدثنا سوية في أمور سياسة البلاد وعن موضوع واهداف رحلتنا وجدته أكثر ثقة بي . ومن الغريب أنه وافق على سياسة تنفيذ مشروع مد سكة الحديد بديرته مُضحياً بمساحات واسعة من مراعي قبيلته .
عندها أدركت أن هذا الزعيم ذو سياسة بدوية ومدنية قوية وصاحب بصيرة بعيدة بمستقبل البلاد .
دعاني الشيخ محمد السمير إلى زيارته في مضاربه .
بعد يومين زرته في مكان أقامته بالقرب من جسر الهرير فشاهدت بعيني كيف تتوزع خيام قبيلته السوداء التي يتجاوز عددها الخمسمائة خيمة وكانت خيمة الشيخ هي الأكبر حجما فيها .وتربط أمامها جياد الشيخ الأصيلة ، و تتوزع حول خيمته خيام أفراد عائلته .
استقبلني الشيخ محمد السمير بالسلام البدوي الحار أدخلني في قسم الضيافة بخيمته . وهو القسم المُعد مجلساً لقبيلة ولد علي وبعد زمن قصير امتلأت خيمة لشيخ بكبار رجال القبيلة ودارت بيننا أحاديث عديدة عن حياتهم في الرحيل والصيد والحرب والسلم والقضاء والكرم والإبل والخيول والماشية والخوة وغيرها .
وصرح لي الشيخ محمد أن عدد خيام قبيلته الإجمالي هو ستة آلاف خيمة موزعة في بوادي الجولان وحوران والبلقاء ويقيم في هذه الخيام خمس وثلاثين ألف شخص (35000 ) بين طفل ورجل وامرأة .ثم أكد لي أن إفراد قبيلة عنزة يتجاوز الثلاثمائة آلف شخص ( 300000 ). وانه المرشد الرسمي لحجاج مكة من دمشق وعلى طول طريق الحج عبرالصحراء إلى أن يوصلهم إلى ديار شيخ بدوي آخر هو ابن رشيد وهو من يتولى أمور حمايتهم قيما بعد .
ولقاء ذلك تدفع الحكومة العثمانية للشيخ محمد السمير مبلغ من المال قدره ثلاثمائة آلف قرش و لهذا فهو الأمير البدوي المحبوب عند الحكومة العثمانية وهو المسموح له بامتلاك السلاح الحديث.
وبذلك فسرت سبب امتلاك أبنائه أنواع عديدة من قطع السلاح الممتاز . ومحمد ابن سمير عدو لدود للدروز ويكفي مجرد ذكرهم حتى يسشيط غضباً .
ونساء ولد علي لهن الحرية في اختيار أزواجهن وفقاً لعادات وتقاليد القبيلة حسب ما ذكر لي ا بن سمير وهذا دليل على المكانة العليا والمرموقة التي تحضى بها المرأة البدوية في قبيلة ولد علي .
وذُكر لي فيما بعد من شيوخ البدو في سوريا أن نساء قبيلة ولد علي وخاصة بنات أسرة آل سمير هن من ذوات : القامة الطويلة الممشوقة ولهن شهرة واسعة في الجمال والنبل في عراقة الأصل عند سكان البادية قاطبةً.
وجدت أن بدو ولد علي لديهم درجة عالية من الحضارة واعتقد أن سبب ذلك هو اختلاطهم المستمر بأفراد القوافل التي تمر من ديارهم .ولقربهم من مراكز الحكم الإداري للدولة .
وبعد أن تناولنا الطعام في خيمة ابن سمير أمر الشيخ محمد السمير كاتبه أن يسجل اسمي لأن الشيخ لا يعرف الكتابة والقراءة .
ثم حدثني عن زيارة إمبراطور النمسا له في مضاربه هذه وعن الأوسمة العاليا التي قلدها له كهدايا تليق بمكانة ابن سمير الكبيرة في البادية فهو صديقه المفضل الذي رافقته إلى البحر العظيم عند مغادرته لمضارب قبيلته ولد علي .
ثم حدثني عن دعوة صديقه إمبراطور النمسا له كي يزوره في بلاط حكمه في النمسا وطلب مني مرافقته إلى هناك كي أترجم له مشاعره و طبيعة حياة قبيلته ولد علي والعنزة لأنه لا يجيد التكلم بلغة الفرنجة .
وبعد ذلك رافقني ابن سمير إلى أمام الخيمة وقال لي بعد أن ودعني بحفاوة : بأذن الله سأحفظ حياتك مادمت في ديرتي ولن أنسى اسمك أبدا .
لقد بدا لي محمد السمير رجلاً حكيماً ذو شخصية نبيلة بالفطرة يفوق بنبالته العديد من النبلاء الذين في مجتمع اكثر تطوراً وحضارة .


رحلة الكابتن سادلير

أدب الرحلات له أهمية كبيرة من حيث قيمته التاريخية فهو تسجيل حي من قبل الكاتب عما رآه وما سمعه فهو أشبه بالوثيقة التاريخية بشرط تحري الحقيقة والانتقاء من المصادر الموثوقة. ويزخر تاريخنا العربي والإسلامي بهذا الأدب و أعتنى به علماء الغرب, كذلك المستشرقين قاموا برحلات وجولات كانت ذات طابع ديني و علمي وسياسي في بعض الاحيان. ومن هذه الرحلات رحلة الكابتن سادلير من القطيف إلى ينبع وقد طبعت هذه الرحلة من قبل حكومة الهند أيام الاستعمار البريطاني بعنوان يوميات رحلة من القطيف على الخليج الفارسي إلى ينبع على البحر الأحمر خلال عام 1819م بقلم الكابتن جورج فورستر سادلير من الفيلق الملكي السابع والاربعين, وقد صدرت ترجمة عربية لهذا الكتاب في الكويت عام 1984م على يد السيد العجمي. وسبب هذه الرحلة أن الحكومة البريطانية وجدت القوات العثمانية في نجد والحجاز فرصة لتوريطهم في حمله ضد القواسم الموالين لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب والذين اكثروا التعرض للاسطول البريطاني في الخليج العربي. وقد مر سادلير من عمان إلى القطيف ثم الدرعية ومن ثم واصل رحلته إلى حيث يوجد ابراهيم باشا. الشاهد من هذه الرحلة هو تسجيل سادلير بعض المواطن للقبائل والتي من بينها قبيلة عنزة وذلك أثناء حديثه عن مدينة عنيزة حيث يقول " هنا المكان كان قد تحول إلى حطام كامل, وافلتت بعض زراعات النخيل من التخريب وهي تقع في واد ومزودة جيدا بمياه الآبار وتعتبر المدينة الرئيسية في هذه المنطقة فهي بحكم موقعها الجغرافي مركز التجارة فالقوافل التي تمر بها سنويا من من البصرة والكويت والقطيف والاحساء والدرعية تمنحها درجة عالية من الازدهار كما أنها تحتل موقعا مناسبا بالنسبة للمدينة المنورة والبحر الاحمر وكذلك بالنسبة لجبل شمر فكانت دائما حلقة الاتصال بين الخليج والبحر الاحمر. وتوجد حامية في عنيزة سببت المتاعب لقبيلة عنزة تلك القبيلة التي تحتل الصحراء إلى الشمال الشرقي حتى حدود أراضي مطير التي تمتد إلى شرقي شقرا في اتجاه الكويت ومن هناك تجاه الخليج تنتشر قبيلة بني خالد إلى الجنوب حتى الأحساء أما جنوبي الأحساء فيتمركز قبيلة العجمان المتمردة ولكنها ليست بالقوة الكافية لتنازع بني خالد وتوجد قبيلة عتيبة جنوب غربي الدرعية وكادت تبيد تماما وإلى الغرب من عنيزة توجد قبائل حرب ومزروع التي تحتل جزءاً من منطقة الحج بين الرس والمدينة " هذا الذي استطعت ان احصل عليه من كتابة هذه الرحلة والتي نشر منها في مجلة الدارة العدد الثالث السنة العاشرة عام 1984م. ذكر في هذه الرحلة بعض مواطن قبيلة عنزة وقوتها واثبات تواجدها في تلك الفترة والمقصود بعنزة في كتابة سادلير العمارات ولكن ليس كلها. ويظهر من هذه الرحلة احتكاك عنزة بقبائل حرب ومطير مع تواجد بسيط لقبائل عتيبة في نجد وذلك في بداية ظهورهم

جلال الدرعان
03/07/11, (06:32 AM)
بينما الحرب تدق طبولها سنة 1914م
السائح الروسي واسكندر الحايك يتجولان في البادية


كانت الحروب العالمية الأولى على الأبواب عندما تعرف مثقف لبنان يدعى (اسكندريوسف الحايك )في القاهرة على رجل مهم من رجال البلاط القيصري الروسي يدعى (باسيل كورباه) يرغب في التجوال في البادية العربية لغاية خمن الحايك انها سياسية وكان يبحث عمن يرافقة في هذه الرحلة التي رفضت جميع الشركات السياحة مساعدته فيها , لما فيها من مسئولية واخطار
اتفق الحايك من كورباه على القيام بدور المرافق والمترجم والمرشد السياحي ,وسافر من القاهرة الى في11مارس 1914م باتجاه بورسعيد , ومنها استقلا الباخرة الى بيروت التي وصلاها في اليوم الثاني , وخيما في منطقة (فرن الشباك ) بمساعدة اخ الحايك يدعة يوحنا

ومن بيروت ركب الحايك ورفيقه الروسي القطار الحديدي باتجاه دمشق وكان يتجولان في اثار كل منطقة ومدينة يمران بها ويجهزان أ نفسهم للرحلة الموعودة الى البادية

وفي 22مارس بدأت الرحلة بمغادرة الحايك وكورباه وخدمه دمشق على ضهور الخيل والبغال , وبدأوا بالتنقل في القرى القريبة حتى كان لقاؤهما الأول في نزل بالقريتين

بأحد شيوخ البادية وهو الشيخ (محمد الملحم شيخ الحسنة من عنزه) الذي كان عائدا من احد غزواته , وقال لهما . ( قضيت على ظهر جوادي نحوا من 48ساعة , ولكني عدت مسرورا غانما ورابحا) اماقصة هذا الغزو فذكر الملحم ( كان بعض رعاة مواشينا في البرية فسطا عليهم 25 فارسا من العربان, وسلبوا منهم خمسين بعيرا انتهي الي الخبر , وكنت في القبيلة وحدي , وكانا فرساننا بأجمعهم بعيدين عني , فامتطيت جوادي مصطحبا هذا العبد الذي ترونه , ومازلنا نتعقب أولئك الفرسان الى ان ادركناهم , فارسترجعنا الحلال حيث فروا حالما وقعت ابصارهم علي تاركين المسروق بين أيدينا )

وقام الشيخ محمد الملحم بدعوة كورباه والحايك لزيارة القبيلة , وبالفعل توجهها لزيارة الحسنة , وقد فصل الحايك ما راه من كرم الضيافه واحتفالات , وسجل الاسئلة والمعلومات التي استقاها من الشيخ وعوارف القبيلة عن امور الغزو و الموار المالية والعلا قة بالا تراك ,وغير ذلك مماكان الرحالة الروسي يحرص على معرفته.

ويصف الحايك مأدبة الطعام التي قدمت لهملدى الحسنة على الصورة الا تية

صينية من النحاس مملوءة من لحم الغنم , وفوق اللحم اربعة رؤوس من غنم كاملة .
ثلاث صينيات صغيرة مملوءة سمنا ساخنا
صحن كبير جدا مملوءة لبنا يشبه الجبن , وخبز محمص على حرارة الشمس .

وبعد توديع الحسنة , وقيام الشيخ الملحم بتقديم جواد اصيل للحايك على سبيل الهدية

_________ هنا انتهى اللقاء ومشاهدة السائح الروسي كورباه واسكندر الحايك قبيلة الحسنة وشيخها الملحم



الرحالة بتلر .. في ضيافة قبيلة عنزة سنة 1908م

الرحالة بتلر كان ضمن الرحالة الذين انتدبوا بمهام في مناطق نفوذ الإمبراطورية العثمانية أوائل القرن الماضي حيث كان يعمل وقتها في الاستخبارات البريطانية.
وفي احدى مهامه الى شرق أفريقيا قرر العودة عن طريق الخليج ثم بغداد الى دمشق وبدلا من اتخاذ الطريق المعتاد الموازي لنهر الفرات اتجه غربا الى وسط الجزيرة العربية على الحد الشمالي للنفود الكبرى في مهمة علميه بحته للتعرف على عادات وتقاليد القبائل العربية ورافق احدى قوافل التجارة العائدة من هناك حيث بقي في ضيافة بعض القبائل المعروفة في الشمال وقدم وصفا لحياتهم اليومية وعاداتهم بل وفند تقسيمات القبائل التي ليست بالضرورة ان تكون دقيقة
ومن بين تلك القبائل واشهرها وأكبرها في جزيرة العرب قبيـلة عنزة

يقول :

غادرنا بغداد في يناير عام 1908م مع صديقنا ودليلنا محمد الماضي الى ان دخلنا الصحراء الى مضارب بن مجلاد شيخ الدهامشة كان دليلنا غير متأكد من مكان وجود قبيلته ولكنه يعرف انها في مكانا ما في اتجاه جنوب غرب الى ان تم العثور عليهم بعد أربعة ايام في منطقة عواج.

ان ما يمكن ملاحظته هو وجوده في المنطقة بين كبيسة ومنخفض الجوف هو وجود عدد من الرجوم (جمع رجم) وهي نتؤات صخرية تعتبر بمثابة علامات للحدود بين سلطات مختلف شيوخ البدو.

في اليوم الخامس منذ مغادرتنا كبيسه كما قلت وصلنا الى خيام دليلنا وخلال إقامتنا معه لمدة أربعة ايام عوملنا معاملة حسنة ولم يكن هو الوحيد الذي عاملنا باحترام بل آخرون، منهم الشيخ ابن مجلاد وجميع أفراد القبيلة الذين قابلناهم.

ان قبيلة عنزة التي ينتمي إليها تنقسم الى قسمين: البشر وهم الذين يسودون تقريبا في شمال وشرق الصحراء السورية الكبيرة، وضنا مسلم والذين يسودون الجزء الغربي منها. بعض العشائر الرئيسية المتفرعة من فرع البشر فمنهم،السبعة، الفدعان، العمارات (الدهامشة فرعا منهم) اما ضنا مسلم فمنهم الرولة، السوالمة، ولد علي، والاشاجعة. فيما يتعلق بعدد أفراد القبيلة وجدنا انه من المستحيل الوصول الى تقدير مقنع لتعدد التقديرات التي أخبرونا بها ولكن بجانب خيمة بن مجلاد حيث خيمنا احصينا ما يقارب 250خيمة.

كانت إقامتنا مع عنزة لمدة أربعة ايام هي الأكثر إثارة حيث أتيحت لنا الفرصة لنأخذ صورة ممتازة عن حياة البدو في الصحراء، خلال هذه المدة انتقلنا معهم مرتين بحثا عن الماء والمرعى. النساء في هذه المناسبات (مناسبات الرحيل) بشكل عام يركبن في هوادج يضللهن غطاء كبير يسمى (شطاب) والرجال المسنون من القبيلة وأيضا الرجال الأصغر سنا يبدون ملتزمين دينيا أكثر من غيرهم.

انهم ليسوا كبار البنية ولكنهم رشيقون ونحيلون وسحناتهم أكثر سمرة من الحضر المستوطنين في حائل والجوف. خلقتهم حسنة وعيونهم داكنة اللون. وجميعهم يضفرون شعورهم في جديلتين، كل جديلة منهما على جانب من جوانب الوجه. وبعد سنين من وجودنا في إفريقيا. الجميع من هؤلاء البدو رجالا ونساء يمكن وصفهم بالوسامة والجمال، واعتقد ان اغلب الناس يعتبرونهم كذلك، النساء في هذه القبيلة رغم أنهن بشكل عام يبقين في المحارم ولا يشاركن في النقاشات مع الرجال حول موقد القهوة الا أنهن أكثر تحررا من نساء بعض القبائل بحيث يقمن بمعظم الأعمال في عمليات الرحيل والتحطيب وغيرها من الأعمال، الخيول قليلة عندهم والإبل هي الوسيلة المستخدمة للركوب وخصوصا النياق منها لأنهم يعتبرون ركوب الجمال أمر غير مناسب.

ان من المثير هنا ملاحظة ان الصوت المستخدم لمناداة الناقة غير ذلك المستخدم لمناداة الجمل وقد كانت تجربتي تتلخص في انه اذا تم استخدام النداء الخاطئ فقد لا يلقى النداء اهتماما، الصوت المستخدم للناقة هو (هاي) ويبدو الصوت منخفضا ويرتفع بحدة اما بالنسبة للجمل فالصوت هو(زا - ها) وان تكون نبرة الصوت أعلى في القسم الأخير واقصر في الجزء الأول.

ان حياة البدو بشكل عام تعبر عن أقصى حالة من حالات البطالة حيث انهم لا يفعلون شيئا على الإطلاق عدا التنقل من يوم لآخر مع قطعان ما شيتهم، كبار السن منهم يمضون أوقاتهم جالسين بالقرب من موقد النار يشربون القهوة اما الأصغر سنا فهم بالمثل أيضا يعيشون حياة رتيبة ما عدا شهور الشتاء عند ما يذهبون في الغزو للسيطرة على ماشية وخيام أعدائهم. ان مطالب وحاجيات البدو قليلة جدا فأقصى رغبتهم هو الحصول على بندقية أو مسدس أو منظار أما طعامهم وملابسهم فهي بسيطة جدا يتكون الأكل بشكل أساسي من الرز والطحين والتمر وحليب النياق والقهوة وفي بعض الأحيان اللحم، اما ملابسهم فتتكون من عباءة وثوب (زبون) وسروال وكوفيه وعقال.

لا يبدو ان هؤلاء البدو بصحة جيدة فعدد منهم يعانون من سعال قوي وكثيرا منهم يشتكون من صعوبة في الهضم كما ان بعضهم يشتكون من عيونهم بسبب الإكثار من شرب القهوة حسب قولهم.



الرحالة روجر أبتون:

ضابط في سلاح الفرسان البريطاني كتب مذكرات عن رحلته في البحث عن الخيول العربية عرفت بمذكرات الكبتن ابتون وله كذلك كتاب مشاهدات في بوادي العرب وفي هذا الكتاب كثيرا من أخبار فرسان البادية العربيةوذكر في هذا الكتاب كثيرا عن قبيلةالسبعة من قبيلة عنزة ومما قاله ابتون ومن السبعة القمصة والعبدة والدوام والموايقة والشفيع والمسكا وغيرهم والقمصة بينهم يشكلون مجموعة بدوية رائعة كثيرة الإبل والغنم وكانوا بقيادة الشيخ سليمان ابن مرشد الشيخ الكبير الذي يملك الصدق والصراحة وصاحب النفوذ والمكانة في البادية الشمالية بل أرشحه لأن يكون أقوى شيوخ القبائل هناك فهو الذي كان ينظم حركة وارتحال القبيلة وله علاقة حميمة مع جدعان ابن مهيد أمير الفدعان من عنزة وعندما نقارن بين الرجلين من حيث المزاج والشخصية أجد الشيخ سليمان ابن مرشد هادئا غيورا عميق التفكير جيد التخطيط ومسلما محافظا يصلي ولكن من دون تبجح أو رياء مقننا على نفسه في الطعام والشراب وكانه من الزهاد، اما جدعان بن مهيد فهو شيخ الحرب المندفع الثائر طوال يومه.

وعاد ووصف الشيخ سليمان ابن مرشد فقال كان سليمان ابن مرشد بلباس متواضع يدخن ويشرب القهوة والماء ويتناول التمر باستمرار لم يحلق شعره ولم أجد بدويا يحلق ذقنه أو يقص شعره الا في ظروف خاصة فمن يوم ولاتهم وحتى مماتهم شعورهم تنمو على الطبيعة ويجد الشبان الشعر على شكل ضفائر تتدلى على جانبي الجسم كعرف الفرس الأصيل ولا أجدهم يلبسون طرابيش الأتراك والرسالون من القمصة يشتهرون بتربية الخيول العربية الأصيلة فمنهم نواق صاحب الكحيلة النواقية السلالة المشهورة في ديار العرب.

ولحكمة في سليمان ابن مرشد كان على اتصال دائم مع ولاة الحكومة العثمانية لحل مشاكل قبيلته معها ولتدارس القضايا العامة في البلاد وقد سمعنا ان سليمان ابن مرشد كان من انصار قيام حكومة عربية تكون برئاسة شريف مكة ولصدقه لم يدع السبعة يبرمون أي صفقة مذلة للقبيلة مع الأتراك الا ان الأتراك سمو ابن مرشد عندما كان في ضيافة الوالي التركي حيث قدم له فنجان من القهوة فمات مسموما في الطريق وحصلت القطيعة بين السبعة والحكومة التركية وعين بدل منه الشيخ الفققي.

وذكر ابتون ان العبدة من السبعة خيامهم اقل من خيام القمصة ولهم نفس القدرة والأهمية والدوم من السبعة عددهم لايستهان به يقودهم الشيخ الفققي والفققي عقيد حرب معروف ويعتبر من أفضل القادة في بدو السبعة اما المسكة من السبعة فكانوا أغنيا بشكل ملحوظ ومن فرسان السبعة محمد بن كردوش ومحمد بن رجاء ويعد السبعة والعمارات والفدعان من ضنا بشر من قبيلة عنزة.

ووصف الكبتن ابتون كرم وضيافة الشيخ ابن مرشد فقال:

والان علي أن أصف مضافة سليمان بن مرشد فعندما قدمنا الى مضارب السبعة في البادية وحدنا رجالهم يروون الإبل من الآبار تحت حراسة كوكبة من الفرسان بينما وقفت النساء والأطفال يراقبون الغرباء القادمين الى السبعة بدهشة واستغراب فشربنا من ماء الآبار قبل أن نصل المضارب حيث كنا نشاهد على مدى الأفق الخيام السود تتوسطها خيمة الشيخ سليمان ابن مرشد انها خيمة كبيرة أكبر خيمة شاهدناها قد نصبت في البادية يتجمهر حولها خلق كثير وعندما اقتربنا منها استقبلنا في مقدمتها الشاب مشهور ابن مرشد على ظهر جواد ومن خلفه كان يمشي لاستقبالنا الشيخ سليمان ولما وصلنا فرح بنا الشيخ وقادنا الى مكان فسيح في الخيمة كان يجلس فيه الشيخ جدعان ابن فهيد شيخ الفدعان ومجموعة من الشيوخ فاحضرت الوسائد والشداد فورا وقدمت القهوة العربية وفقا لتقاليد ابناء الصحراء.

ولا أبالغ عندما أقول كان يجلس معنا بهدوء أكثر من مئة شخص قدمت لهم القهوة جميعا في خيمة كبيرة طولها مائة وخمسة وستون قدما مقسمة الى ثلاثة أقسام لقد وجدنا أنفسنا نجلس وجها لوجه مع أشهر قائد حربي في الصحراء هو الشيخ جدعان ابن مهيد فتبادلنا الأحاديث عن رحلتنا وعن الوجهة التي نريد الذهاب اليها وعلى الرغم من الجو الحار كانت النار مشتعلة في الموقد المخصص لاعداد القهوة.

وعندما وصلت أمتعتنا الى مضارب السبعة في قافلة منفصلة حدد رجال سليمان بن مرشد مكانا لنصب خيمتنا على أن لاتبعد كثيرا عن خيمة الشيخ مر من أمامنا مهر من الخيل لم نشاهد مثله في الجمال والروعة العنق مقوس دقيق الأذنين ممشوق القوام ويستحيل على اي فنان أن يصوره بريشته لجماله وتعدد مواصفاته كان المهر للشيخ جدعان ابن مهيد جلب اليه الشعير بنفسه في عليقة دس فمه فيها وعلقها في رأسه وربت على عنقه.

ولم تكن هذه الرحلة دون فائدة لقد شاهدنا الكرم العربي والسلوك العربي وأدب استقبال الضيوف فأداب السلوك وطريقة الاستقبال كانت بمنتهى الأدب والروعة.

وهناك العديد والعديد من الرحالة امثال الليدي ان بلنت الذين جابوا صحراء الجزيرة العربية للبحث عن الخيول العربية لدى ابناء القبائل واقتنائها وان ابحاث أبيتون وغوارماني لها فضل كبير في لفت انتباه أهل الغرب الى أهمية الخيول العربية في ميدان الفروسية فهبوا لشراء أفضلها فنقلت اليهم ومنها الى امريكا التي جعلت في ديارها جمعية تسمى جمعية السلالات العربية الخمس

جلال الدرعان
03/07/11, (06:35 AM)
رحلة يوليوس أويتنج إلى الحجر-العلا

من تيماء إلى الحجر- العلا

الخميس 13/3/1884م

كانت الشمس قد بدأت تميل نحو الغروب حينما انطلقت قافلتنا الصغيرة تاركة المدينة خلفها، لقد كنا أربعة أشخاص، ونمتطي أربعة جمال هوبر وأنا، والخادم محمود، والدليل نومان، وبينما كنت أتمايل على ظهر راحلتي خالجني شعور ينم عن الفرح والسرور، وحين تركنا آخر بيوت المدينة خلف ظهورنا، وبدأنا نظرب في الصحراء وذلك العالم الفسيح شعرت بانتفاخ صدري من جراء التفكير بأنني مع كل خطوة إلى الأمام أتقدم نحو الهدف الحقيقي الذي قدمت من أجله، نعم سأصل خلال الأيام القادمة الأماكن التي طالما تطلعت إلى رؤيتها، تلك هي مقابر الحجر المنحوته في الصخر، وأطلال بلدة العلا القديمة. لقد جعلني هذا الشعور المبهج لا أبالي حينما
قال لنا نومان: إننا سنصل بعد يومين من السير الجاد إلى منطقة غير آمنة، حقا لقد كنت في تلك اللحظة مشحونا بطاقة لا تقبل المزيد ومستعدا لتحمل الصعاب، واجتياز الأخطار مهما كان نوعها. امتد طريقنا من حوض تيماء التي يطل عليها جبل غنيم من الجهة الجنوبية الشرقية، آخذا بالارتفاع التدريجي حتى 100 متر تقريبا، إلى ذلك السهل المنبسط بعرض كيل واحد تقريبا، وطول يتراوح ما بين ثلاثة الى أربعة كيلومترات، والمكتظ بأكوام الأحجار المصفوفة خلف بعضها البعض، وهناك يمكن للمرء أيضا رؤية بيوت صغيرة مبنية من الحجر بشكل مربع ومنخفض، وهي تشابه تلك التي رأيناها في مدينة الموتى شوهر. وتمنيت كثيرا لو أن أهالي تيماء أخبروني عن هذه المقابر القديمة فربما تمكنت من زيارتها بدلا من تضييع الوقت في تيماء، فمن المؤكد أن في هذا المكان دلائل وإشارات عن سكان تيماء القدماء. على أي حال لم يكن في وسعي سوى إلقاء سؤال على نفسي مؤداه: هل من الممكن أن يكون في هذه المقبرة شاهد قبر أو حجر منقوش؟ في الحقيقة كنت أتمنى لو نزلت من راحلتي، ووقفت عن كثب على هذه القبور، ولكن هوبر رفض أي خروج عن مسار الرحلة، فكان لزاما علي أن أقبل تعاليمه على مضض، استمرت مسيرتنا خلال ظلام الليل، وبعد ساعة من ظهور القمر أي حوالي الساعة التاسعة أقمنا مخيمنا في منطقة آمنة تسمى الخبو.

الجمعة 14/3/1884م
انطلقنا مع شروق الشمس، واستمر سيرنا مدة أربع ساعات متتالية عبر سهل اللبيدة المكتظ بالصخور الرملية الصغيرة والمخيفة في الوقت نفسه، حيث أخذت تلك الصخور أشكالا عجيبة بفعل هبوب الرياح الرملية التي أدت نتيجة لقوتها إلى تآكل طبقات الصخور الرقيقة، بينما تحولت القاسية منها إلى صفائح وأشكال تبعث على الغرابة.

عند الظهر مررنا بمنطقة الدغش التي رسم على صفحات جبالها البنية العديد من أشكال الحيوانات والكتابات الثمودية، ولكننا لم نتمكن من البقاء هناك طويلا بسبب خطورة المنطقة، كما أن شدة الرياح جعلت من الصعب استنساخ تلك الكتابات، وعند غروب الشمس ومع تزايد شدة الرياح اقتربنا من منطقة يوجد فيها موقعان للماء: أحدهما يتكون من 12 بئرا ويسمى رحيان، والثاني يقع خلف جبل رسوبي يسمى العشر، وهو عبارة عن بئر لها ثلاث فتحات، وتعلوها زرانيق تسمى الثمايل، وهنا استرحنا لإعداد بعض الطعام، ولكي تتمتع الجمال بالعشب الوفير، وحيث كان من الخطورة بمكان المبيت بالقرب من موقع المياه، لذلك قررنا أن نواصل السير خلال الليل عدة ساعات، حيث امتد أمامنا أحد المنخفضات المكون سطحه من الأحجار الرملية الملساء، وخلال وقت قصير ازدادت قتامة الليل، فالقمر لم يظهر إلا بعد التاسعة والنصف، على أي حال يمكن للمرء أن يتوقع- كما قيل لي في حائل- أن تكون تلك الصفائح الجبلية الملساء والمتعامدة مكتظة بالنقوش والرسوم الصخرية، وحيث لم يكن بمقدوري عمل أي شيء حاولت أن أقنع نفسي بافتعال بعض الأسباب الآتية:

1- عدم توافر الضوء خلال ذلك الظلام الدامس.
2- عدم استحسان نزول المرء في المناطق الخطرة.
3- يمكن عد التعب الذي أصابنا من جراء سير اثنتي عشر ساعة واحدا من هذه الأعذار.

وعند الساعة الثانية عشرة ليلا، نزلنا عن رواحلنا، وتجمعنا مدة نصف ساعة حول نار هادئة، كي لا يراها أحد، ويكتشف مكاننا، ثم استلقينا ونحن متعبون للنوم.

السبت 15/3/1884م
قبل شروق الشمس بنصف ساعة كنا نجلس بالفعل على أشدة الجمال، وبينما كان طريقنا ينحدر عبر ممر واسع إلى الأسفل شاهدنا فجأة إلى اليسار أمامنا بدويا يحمل بندقية، وحينما ناديناه لم يتوقف، بل صعد إلى قمة أحد الجبال وأشار بيده نحو الشرق، فقمنا بتجهيز السلاح، وأرسلنا في الوقت نفسه نومان على قدميه بدون سلاح، لكي يخبره بحسن نوايانا، وقد اتضح أنه من معارف نومان، وينتمي إلى قبيلة الفقراء تلك القبيلة التي لم تخضع لسلطة أمير حائل إلا قبل وقت قصير، ولا يزال ولاؤهم له غير موثوق به، وفي محاولة منا لتشجيعه على النزول وعدم إرهابه انطلقنا في هدوء نحو الأمام، حيث نزل مع نومان ليلحقا بنا، ثم سار معنا مسافة قصيرة، وقد كان يرتدي ثوبا ومعطفا جلديا وغترة ويحمل بندقية من نوع (لونتن)، وبدلا من الرمح استعاض بخطاف خشبي. بعد ذلك بوقت قصير شاهدنا من خلال الصخور ومن مسافة 3- 4 أكيال في اتجاه الشرق خيام قبيلة الفقراء وسط قطيع من الإبل يزيد عددها على الألف، وما هي إلا برهة من الوقت حتى ظهر علينا ثلاثة منهم لدعوتنا إلى النزول عندهم، ولكننا رفضنا تلك الدعوة شاكرين. وبعد . أن أشبعوا فضولهم وتمكنوا من رؤية أسلحتنا، انصرفوا بعد ربع ساعة تقريبا، وهم بلا شك نادمون على عدم قدرتهم على السطو علينا، وسلب هؤلاء الموسرين كما يعتقدون، ولم يكن يمنعهم من ذلك سوى مرافقة نومان لنا الذي ينتمي إلى قبيلة شمر المتآخية مع قبيلتهم. وحيث إننا نملك من الأسباب ما يخولنا بعدم الثقة بهم اضطررنا من أجل إيهامهم لسلوك طريق غير مباشر يتجه نحو اليسار، وينحدر بقوة نحو الأسفل آخذا في الارتفاع مرة أخرى عبر تل رملي في سفح أحد الجبال، ثم سرنا مدة خمس ساعات متتالية خلال صحراء ترتفع جبالها إلى حوالي 150 مترا، وهي بمثابة منطقة جبلية رائعة تكثر فيها المراعي الوفيرة بالأعشاب، ولو قدر لهذا المكان أن يكون في أوروبا لأصبح مكتظا بالسياح. على أي حال لقد ضيعنا هنا الكثير من الوقت، بسبب مسيرنا عبر طريق خاطئ، مما اضطرنا إلى النزول من خلال منخفض خطير إلى أحد الشعبان، وبينما كانت الجمال تهبط عبر ذلك المنخفض نزل رفاقنا من على ظهور جمالهم حذرا من السقوط، أما أنا بوزني الذي لا يتعدى 99 رطلا فقد تجرأت على البقاء فوق ظهر الناقة، وحينما وصلت إلى الأسفل كان الشداد والأمتعة قد مالت نحو الأمام مما اضطرني إلى إنزالها وإعادتها من جديد بصورة معتدلة على ظهر الناقة.

كنا نسير عبر تلك الشعاب الموحشة والمملوءة بالرمال المتلألأة بألوانها الذهبية الصفراء والأسلحة بأيدينا على أهبة الاستعداد، ولم نكن نشاهد فيها سوى بعض الغربان الجائعة التي كانت تحوم فوقنا بين الفينة والأخرى، وهي تنعق بأصواتها المفجعة كما لو كانت تطمع بنقر أعين أحدنا. منذ غروب شمس أمس لم نأكل شيئا قط، لذلك سعدنا كثيرا حينما قال لنا نومان، ونحن نخرج من الشعيب، هنا ليس هناك ما يخشاه المرء، فكان بمقدورنا النزول، وعمل قرص جمر (خبز)؟ لنأكله مع ما بحوزتنا من تمر. وفي هذه الأثناء بشرتنا الطيور الكثيرة هناك بقربنا من الحجر والعلا اللتين اشتهرتا بكثرة طيورهما، وفي حوالي العصر انطلقنا عبر ذلك السهل الذي تظهر في وسطه قلعة الحجاج الحديثة في مدائن صالح بنخيلها الثلاث، ومن خلفها إلى اليسار تبدو الصخور المخروطية الشكل والمقابر وغيرها من بقايا مدينة الحجر القديمة.

استقبلنا في القلعة بترحاب نائب قائدها المدعو حميد، والحاج مبروك والحاج حسن والحاج مصطفى، وهم من المغرب العربي وبالتحديد من الجزائر وتونس وطرابلس، أما قائد القلعة المدعو محمد علي الذي سطا على داوتي أثناء إقامته هنا، وسلب منه بندقيته فقد كان في أثناء ذلك في دمشق. إضافة إلى أولئك كان هناك أيضا بدوي يدعى محمد الأزرق من قبيلة الفقراء. بعد ذلك قدم للجمال العلف الوفير، وذبح لنا. أما أنا فقد كنت أتحرق شوقا لرؤية تلك المقابر المنحوتة في الصخر، والتي لا يبعد بعضها عنا سوى بضع مئات الخطا. وقد كنت قد قرأت كل ما جمعه الرحالة عنها من معلومات ولم يفتني شيء، سوى أنني لم أتنبه للخط و اللغة التي كتبت بها النقوش هناك. لقد ذهبت إلى الموضع برفقة شخصين لحمايتي، وقد شعرت بارتياح يفوق الوصف حينما عرفت أن تلك النقوش كتبها الأنباط الذين تبؤوا مكانة تجارية كبيرة في العالم القديم. لم يمض سوى أقل من نصف ساعة حتى كنا قد انتهينا من جولتنا، وعدنا والشمس تميل نحو الغروب إلى فناء القلعة التي كنا نسمع من داخل حجراتها أصوات بكاء الأطفال وثغاء الضأن ومأمأة التيوس الجائعة. وبينما كنا ننتظر قدوم الأكل ظل أحد أقرباء الحاج مصطفى، وهو من أتباع الطريقة السنوسية يتسلى بملاعبة سبحته بين أصابع يديه محركا إياها مئات المرات بالشكل والأسلوب نفسه، وخلال الليل عاود الكرة مرتين مع ذلك التسبيح الذي اعتبرته عادة سيئة ونوعا من العبث، وهنا لم يكن أمامي بد من الثناء على مسابح أهل التبت الأقل إزعاجا.

بسبب الحرارة والثرثرة حول النار، وكذلك فقدان الأمل بأن يتزحزح الحاج مصطفى من مكانه لم أفرش فراشي في قاعة الأقواس التي اتخذت كديوان (مجلس)، ولكنني فرشته في ممر القلعة.

وفي هذه المنطقة ينمو نبات الطرثوث بكثرة، وهو عبارة عن نبات غليظ ذي جذور عميقة تتخللها خيوط ذات ألوان أرجوانية غامقة، ولها سيقان يصل ارتفاعها قدمين.
الأحد 16/3/1884م
انطلقنا من شروق الشمس دون أن نأخذ ذلك السلم الذي ظللنا نسحبه معنا طوال تسعة أشهر متتالية، حيث رأى هوبر أن لا ضرورة له في العلا. كان يرافقنا خلال هذه المسيرة الحاج حسن والحاج مصطفى ومحمد الأزرق، وبدوي آخر انتظر مدة ليرافقنا خلال الطريق الذي يتطلب ثلاث ساعات من المسير كيلا يتعرض بمفرده للسلب. ونظرا لخشيتنا من أن يكون أفراد قبيلة بلي قد لاحظوا وصولنا في عصر يوم أمس قلعة مدائن صالح اخترنا الذهاب عبر طريق غير مباشر ويزيد مسافة ساعة عن الطريق المعتاد، حيث سرنا عبر شعيب يمكن للأطلال الموجودة فيه أن توفر مخبأ مناسبا للصوص وقطاع الطريق، ثم اتجهنا بشكل قوس نحو الشرق، وفي هذه الأثناء كان مرافقونا يتقدمون أمامنا حاملين بنادقهم قبل كل مرتفع لكي يراقبوا الطريق ويتأكدوا من أنه آمن. بعد أن تجاوزت الساعة العاشرة وصلنا والسعادة تغمرنا نهاية الشعيب الذي اجتزناه كما ينبغي. وقد قيل لنا فيما بعد: إن مجموعة من الغلمان ترصدوا ليلة البارحة منتظرين قدومنا كي يهجموا علينا، ولكنهم لم يوفقوا ولله الحمد. وبعد ربع ساعة لمحنا بساتين بلدة العلا تتوسطها أكوام حجرية تمثل أطلال المدينة القديمة، أما على صفحات الجبال الواقعة على يسارنا فكان يوجد بعض المقابر المنحوتة في الصخر تعلوها النقوش القديمة. في حوالي الساعة العاشرة والنصف وصلنا بلدة العلا الواقعة في واد منخفض تحيط به جبال الصخور الرملية العالية من كل جهة. والبلدة غنية بالنخيل وتكثر فيها المياه، لذلك فهي مرتع للحمى، كما يكثرفيها الذباب بشكل يفوق التصور، وذلك نتيجة لضيق بيوتها والتصاق بعضها ببعض، ومن الطبيعي والحال كذلك أن تكثر فيها الأتربة والأوساخ، أما منازلها فتتكون من طابقين يصل المرء الطابق الثاني من خلال سلم في القهوة (الديوان)، ومنه يصعد المرء إلى سطح صغير. وفي وسط البلدة تقع هضبة صخرية شيدت فوقها قلعة قديمة، وحينما يصعد المرء إليها سيرى أن بيوت المدينة مبنية من ثلاثة طوابق، الأسفل بمثابة الطابق الأرضي، وفوقه الطابق الثاني، ثم السطوح التي تبدو كأنها متلاصقة مع بعضها البعض وخاصة أن أكثر أزقة البلدة مسقوفة، أما البيوت فيتم بناؤها عادة من الحجارة التي من بينها أحجار مهذبة تعلوها الزخارف والنقوش مما يؤكد أن هذه الأحجار تعود إلى العصور القديمة أعيد استخدامها في بناء المنازل الحديثة، وقد تمكنت هناك من بصم ونسخ اثني عشر نقشا كلها حميرية، ماعدا نقشا واحدا فهو نبطي.
يتراوح عدد سكان البلدة ما بين 1000- 1200 نسمة من بينهم العديد من السود، وهو أيضا لون نائب الأمير المدعو سعيد، ومن كبار رجال البلدة هناك القاضي موسى، وشخص يدعى عبد الله وهو مولود في دمشق ويمارس التجارة، ثم شخص كثير القراءة حدثني عن حملات هرقل وعن القياصرة والقسطنطينية. ويلاحظ المرء هناك أن عادة سكان البلدة السود المتمثلة بولعهم بالزينة والنظافة قد أثرت في لباس الرجال والنساء هناك، فالرجال يرتدون ثيابا زرقاء لا تختلف عن ملابس النساء سوى أن لها فتحة طويلة من الأمام ذات أزارير نحاسية، ويرتدون فوقها عباءة ذات ألوان زرقاء وبيضاء ومخايطها حمراء، أما النساء فيزين أنوفهن وآذانهن بحلقات معدنية رائعة، بعضها تدلى منها قطع العملة، وغطاء رؤوسهن مزين بقطع كثيرة من الصدف. أما بالنسبة إلى السكان فهم في العادة وحسب المستطاع مسلحون، نظرا لخوفهم من أفراد قبيلة بلي الذين يترصدون أمام أبواب البلدة مباشرة متحينين الفرصة لسلب كل مقتنياتها، حقا لقد سمعنا اليوم عن امرأة ذهبت عند الساعة الثالثة عصرا لتحضر بعض العلف من صدر أحد بساتين النخيل، وهناك سلب منها كل شيء حتى ثيابها، وآخر تسبب كيس التمر الذي يمتلكه بقتله ضربا حتى الموت من قبل قطاع الطرق، ليس ذلك فحسب، فقد حدثني هوبر أنه رأى خلال زيارته الأولى للعلا أحد أبناء شيوخ البلدة، والبالغ من العمر اثني عشر عاما يحمل سيفه ويلعب مع أقرانه أمام الباب لعبة تسمى (13 خطوة)، وحينما غابت الشمس انصرف الأطفال إلى بيوتهم، أما ابن الشيخ فقد تأخر عنهم بضع خطوات، وعلى حين فجأة هاجمه غلامان أملا في أخذ سيفه، وحيث كان ممسكا به في يده، قام أحدهم بعض إصبعه حتى انفصل اللحم عن العظم، وسلبوا منه السيف، وجردوه حتى من ملابسه.

فيما يخص الضريبة فليس هناك من يدفعها سوى سكان البلدة نفسها، أما أفراد قبيلة الفقراء القاطنون إلى الشرق منها، فهم منقسمون إلى جزأين: جزء يدفع الضريبة. والقسم الآخر لا يزالون غير خاضعين لسلطة الأمير، أما أفراد قبيلة بلي القاطنون غرب البلدة فسيتوجه الأمير لاحقا لإخضاعهم، بعد أن أتم إخضاع جيرانهم الشماليين بني عطية،
وبالنسبة لأفراد عشيرة الأيدا المنتمين لقبيلة بني وهب القاطنين جنوب المدينة فقد تم نهبهم، واخضاعهم قبل عامين.

الترحال، فبعضهم يحاولون منذ وقت طويل الرحيل إلى سورية وبالذات إلى دمشق، وبعضهم الآخر إلى إستنبول. لذلك وجه إلينا شخص طاعن في السن منهم، ونحن جالسون في القهوة سؤالا عما إذا كنا سنواصل مسيرتنا إلى إستنبول، وحينما قلنا له ربما بعد سنة من الآن، رد فورا بصورة ساذجة قائلا سترون بالتأكيد ابني هناك، وسأعطيكم رسالة تحملونها إليه. عندما اقتربنا من المنطقة السكنية أسرع إلينا كل الفضوليين من أبناء البلدة، حاملين بنادقهم، فأحاطوا بنا من الأمام ومن الخلف، مما جعلنا نسير خلال الأزقة المسقوفة والضيقة في زحام شديد. وبعد ذلك نزلنا في فناء صغير لا يكاد يتسع لجمالنا الأربعة، ثم قدمنا التحية إلى عامل الأمير في العلا المدعو سعيد ذو البشرة السوداء، وهو شخص مختلف تماما عن العنقري البخيل في تيماء، والذي لم نحصل منه على شيء قط، بل إنه كاد يميتنا جوعا. وبينما حملت أمتعتنا إلى منزل آيل للسقوط، ذهبنا نحن إلى الديوان الذي كان في تلك الأثناء مكتظا بالضيوف، وبعد أن شربنا القهوة صعدنا الدرج إلى أعلى، حيث قدم لنا هناك الزبد والتمر الجيد، وفي أثناء ذلك وقف أحد الخدم ليقوم بطرد الذباب من أمام أفواهنا، ولكن على الرغم من ذلك سقط العديد منها في اللبن الذي أحضر قبل خمس دقائق فقط.

كان سعيد ينتظرنا منذ وقت طويل، لذلك فقد سر بقدومنا، وكان على استعداد دائم لخدمتنا، حيث جهز فورا كل ما طلبناه من مؤونة للرحلة. وبعد ظهر هذا اليوم صرح لي هوبر بخبر ظل يؤجله مدة طويلة دون سبب مقنع، مما جعلني أفاجأ به، ذلك هو أن الأمير لا يرغب في عودتي إلى حائل. لذلك فإنه يريد أن ينفصل عني، ويعود بمفرده إلى هناك من أجل إحضار الأشياء التي تركناها قبل مدة في تيماء. على أي حال يبدو أن غانم بن باني أخبر حمودا بتصريحاتي الغاضبة، مما سبب غضب حمود مني، وجعله يحاول بكل ما يستطيع أن يوعز للأمير بأن يطردني بطريقة مهذبة، ولو أن هوبر أخبرني بذلك حينما كنت في حائل لما فوجئت من ذلك، ولتمكنت من أخذ ممتلكاتي التي تركتها هناك معي في حينه. والآن ينوي هوبر الاتجاه من هنا إلى خيبر مرورا بنواحي المدينة إلى جدة، حيث نلتقي هناك مرة أخرى، بينما أذهب أنا من هنا إلى الحجر (مدائن صالح) برفقة شيخ من قبيلة بلي الذي سيحضر إلي بعد حين، وهناك أقوم باستنساخ النقوش، بعد ذلك أعود إلى العلا، ثم أتجه برفقة ذلك الشيخ نحو الغرب عبر مناطق سكنى قبيلة بلي إلى الوجه، ومن ميناء تلك البلدة الخاضعة للسلطة المصرية ستسنح لي بالسفر مع إحدى البواخر إلى جدة، ومن هناك ربما أتمكن من القيام برحلة إلى الطائف، أو أعود مباشرة عبر السويس إلى بيروت، أما هوبر فكان يريد أن يعود من جدة إلى حائل، ثم عبر العراق إلى دمشق، ولكن ذلك كله كان من أحلام المستقبل التي لم تتحقق.

كان علينا الآن أن نفكر بترتيب مناسب لانفصالنا، حيث قمنا في البداية بتقسيم النقود التي معنا، فحصل كل منا على 270 مجيديا، ثم قسمنا السجائر فحصل كل واحد منا على 25 قطعة، حيث إننا لم نكن ندخن خلال الفترة الأخيرة سوى قطعة واحدة كل ستة أو سبعة أيام من ذلك التبغ الغالي، أما من المواد الغذائية، فقد حصل كل منا على علبة ساردين ونصف كمية الشاي، وقد قمت بشراء دلة القهوة والخرج (حقيبة مزدوجة توضع على شداد الجمل)، أما الورق، ومسحوق الحمى، والحبر، ونحو ذلك فقد قسمناه بيننا.

قدم لنا في المساء عشاء وفير، وخلال الأكل أضيء المكان بواسطة شعلة من سعف النخيل، كما قام أحدهم بطرد الذباب مستخدما مهفة صغيرة، وأخيرا صعدنا السطح، حيث أشعلت النار، وأصبح بمقدورنا من جديد استنشاق الهواء الطلق.

الاثنين 17/3/1884 م
باشرت مع بداية هذا اليوم العمل، فالنقوش الغالية على نفسي لم تدع لي مجالا للراحة، وكما ذكرت من قبل فإن هناك في العلا كمية كبيرة من الأحجار التي تحمل نقوشا أعيد استخدامها في بناء المنازل و الأسوار، لذلك ظللت أتجول طوال اليوم في أنحاء المدينة، حتى تمكنت من العثور على الكثير منها، وما أشد دهشتي حينما رأيت أنها كتبت بحروف الخط الحميري! وقد قمت في الحال بطبع جميع النقوش التي وجدتها هناك، أما سير العمل فلم يكن شاقا إلى حد ما، إذ لم أتمكن اليوم سوى من نسخ تلك النقوش القريبة من الأرض، ولكن العمل في يوم الغد سيكون بالتأكيد أفضل مما هو عليه اليوم. خلال جولتي تلك كان يرافقني العديد من الناس، كما كانوا يتزاحمون حولي بشدة حينما أقوم بعملية بصم (طبع) النقوش، لكن ذلك كان بالنسبة لي أمرا طبيعيا، فلم يحظ حتى الحكام برفقة مثل تلك الجموع من الناس. في المساء وصل حيلان الذي بعثه الأمير برسالة إلى تيماء وأماكن أخرى، ليبشر بالنصر الذي حققه مؤخرا، وقد كان يرتدي ملابس كثيرة، تمثلت في ثوبين وزبونين وعباءتين وأربع غتر على رأسه، في هذه الأثناء اكتظت القهوة بالناس، مما اضطر بعضهم إلى الوقوف في الفناء، لكي يتأكدوا من سماع أخبار النصر بأنفسهم من فم خادمنا محمود الذي تولى قراءة الرسالة كان فحوى الرسالة التي قام هوبر بتكليف محمود بنسخها له يقول (لقد خرج الأمير من حائل ومعه حوالي مائتين وسبعين جوادا وحوالي خمسة آلاف شمري بجمالهم في حملة، كان يبدو في أول الأمر أنها موجهة نحو الشمال، ولكنه ظهر فجأة في المجمعة الواقعة إلى الشرق من جبال طويق، ثم غير وجهته نحو الجنوب. وبالقرب من الزلفي في وادي الرمة تقابل مع سبعة وعشرين من عيون الخصم، فقام بمحاصرتهم وقتلهم على الفور، ولم يسلم منهم سوى اثنين تركهم على قيد الحياة، لكي يذهبوا إلى معسكرهم ويخبروه بما حدث. وفي مكان ليس ببعيد من سابقه هجموا مع طلوع الشمس على معسكر جماعة ابن سعود، حيث قتلوا ثلاثة من أعمامه، وغنموا منهم حمولة سبعة جمال من البنادق، وسبعة وثلاثين جوادا، وست عشرة خيمة، وذودين من الجمال، كل واحد منهما يصل تعداده إلى مائتي جمل. كما أغاروا أيضا على عتيبة الذين فروا من أمامهم في شهر نوفمبر الماضي، وغنموا منهم ثمانية أذواد من الجمال، وخياما وعددا كثير ا من الضأن، وعبيدا، وسبع رايات أمر الأمير بإرسال اثنتين منها إلى بريدة وعنيزة ليراها أهل القصيم، وواحدة إلى قبيلة الرولة، أما الأربع الباقية فقد ركزت في ساحة المسحب في حائل، وبعد هذا النصر ستضطر الآن قبيلة عتيبة بأكملها إلى الخضوع).

الثلاثاء 18/3/1884 م
في الصباح شربنا القهوة عند القاضي موسى، ثم كتبت بضعة أشياء، ولكنني لم أتمكن من مواصلة الكتابة فقد كنت أفكر كثيرا في النقوش والكتابات الحجرية، لذلك عدت إلى عملية نسخها من جديد، ولكنني من خلال ذلك العمل تأكدت من حجم الصعوبات والمشاق التي يواجهها من يتصدى لمثل هذا العمل في جزيرة العرب، إلا أن الحماسة لهذا الفن والتطلع إلى البحث العلمي يهونان من شأن تلك المصاعب، فالمرء حينما يحمل غنيمته من الورق عائدا إلى بلاده يكون أكثر سعادة وزهوا من الصياد الذي ينجح في اصطياد فريسته.

حقا إن عمل بصمة (طبعة، كليشة) في متاحف بلادي ليس فيه شيء من التعب، فهناك يقف الشخص أمام الحجر المنصوب باعتدال، ويتناول الورق والماء والفرشاة بكل راحة وهدوء، فليس هناك ريح قوية تؤدي إلى تطاير الورق من بين يديه، ولا يوجد حوله مئات من أولئك الذين يطأطئون رؤوسهم الشاهدة سير العمل باهتمام بالغ. على أي حال بعد أن ارتكبت حماقة لسماعي نصيحة هوبر بترك السلم في مدائن صالح اضطررت من أجل عمل بصمة للنقوش المكتوبة على الأحجار المثبتة في أعالي الجدران، إما أن أركب على ظهر خادمنا محمود، أو على جذع نخلة مسند على الجدار. وفي أحد البيوت الواقع فوق ممر يرتفع ثمانية أمتار تقريبا كانت توجد نافذة يعلوها حجر مكتوب عليه نقش بالخط الحميري. ونظرا لضيق فتحة النافذة فقد احترت في كيفية الوصول إليه، ولكنني استأذنت من صاحب ذلك البيت المظلم، وصعدت إلى الطابق الثاني حيث النافذة، وبينما كنت أسير هناك كادت الغرفة والنافذة آن تسقطا على الآرض، وهناك تبين لي آن باب النافدة لا ينفتح سوى إلى الداخل ونحو الزاوية اليمنى، وارتفاعها لا يتعدى الخمسين أو الستين سنتمترا، ولا يسمح بدخول جسم الإنسان بسهولة من خلالها، لذلك اضطررت في البداية إلى الانبطاح على بطني، وزحفت داخل النافذة حتى منتصف جسمي، ثم انقلبت على ظهري. وهنا بدأ مرافقي عبد الله بن إسماعيل مويش بوضع الورق المبلل بالماء على صدري فآخذه وأقوم بلصقه على الحجر المنقوش، وفي الوقت نفسه يجب علي أخذ الفرشة الموضوعة على صدري أيضا لكي أتم عملي كما ينبغي. هكذا وبينما كان مرافقي يجلس طوال الوقت فوق رجلي خوفا من أن أفقد توازني وأسقط من خلال النافذة أنهيت عمل ثلاث بصمات (كليشات) للنقش. وخلال ذلك العمل كان أهالي بلدة العلا الطيبون يهزون رؤوسهم معتبرين ذلك الصنيع نوعا من العبث، ولابد أنهم تصوروا أن تلك الأحجار التي قمت بنسخها تساوي وزنها ذهبا وفضة. بعد أن أتممت عملي عدت والسعادة تغمرني إلى البيت.

في هذا اليوم وبينما كانت القهوة مكتظة بالناس حدث جلسة محاكمة ساخنة، وعلى حين فجأة دخل عدد من الأشخاص وصعدوا فورا عبر الدرج إلى أعلى، وهناك في الطابق الثاني بدأ الصراخ بصوت مرتفع، حيث بدأت هناك جلسة محاكمة لذلك الشخص الذي رفض دفع الضرائب، معللا ذلك بأن أمير حائل ليس له حق بمطالبته بأي شيء، لكونه ليس أميرا عليه، وإنما أميره شخص آخر، ولكي يشددوا عليه ويخيفوه أحضروا الخشبة أو ما يسمى بالحبس، وبالفعل أبدى ذلك الشخص استعداده للدفع قائلا: إن النقود في المنزل، فقاموا بإرسال جنديين لمرافقته، ولكنه حينما اقترب من الباب انطلق هاربا، وحيال ذلك فلا بد أن القضية ستطول، فبمجرد القبض عليه سيوضع في الحبس حتى يدفع المبلغ المطلوب منه.

دعينا في المساء للعشاء عند شخص يدعى عبد الله، حيث قدم لنا أكلة محلية معروفة هناك تتكون من الأرز وفوقها البصل المحمر وقطع من البيض ولحم الماعز، بعد ذلك ذهبت إلى سطح منزلنا وجلست في الهواء الطلق أدخن واحدة من تلك السجائر الخمس والعشرين التي بقيت في حوزتي، وقد كنت أتطلع إلى دخانها المتصاعد بحسرة، واضعا في حسابي أنه لم يبق معي منها سوى أربع وعشرين سيجارة.

الأربعاء 19/3/1884 في الصباح كان كل شيء جاهزا من أجل رحيل هوبر وحيلان الذي سيسلك الطريق نفسه الذي سيسير عبره هوبر. ذهبنا بصحبة عدد كبير من الأهالي إلى البوابة، وهناك ودع بعضنا بعضا، وتمنيت لهوبر من أعماق قلبي أن ينهي رحلته الخطرة تلك بكل سلام، نعم إن من المؤلم حقا أن يرى المرء صاحبا رافقه في الغربة وقاسمه السعادة والتعاسة يغادر إلى مكان مجهول. ماذا تراه سيواجه؟ وماذا سيحدث لي؟ فعلى حين تهددنا الأخطار من كل جانب أصبح كل منا الآن يعتمد على نفسه. ومن المؤسف أن أمنياتي تلك لهوبر لم تتحقق، فقد قتل في يوم التاسع والعشرين من يوليو من العام نفسه. في حين إن ما تمنيته لنفسي بأن تنتهي هذه الرحلة إلى الجزيرة العربية بسلام قد تحقق ولله الحمد. لا أريد الآن أن أطيل الحديث هنا وأستبق سرد الأحداث فسأذكرها في حينها. بعد أن ودعت هوبر عدت إلى سطح منزلنا، وبدأت أنظم يومياتي.

بعد الظهر أنزلت أمتعتي من السطح إلى داخل المنزل، لأن سعيدا أصبح يعتقد أنها لم تعد في مأمن هناك وربما تسرق خلال الليل. وفي حوالي الساعة الواحدة ظهرا تسللت برفقة الخادم مرزوق دون أن يرانا أحد إلى الهضبة الصخرية الواقعة في وسط البلدة التي تسمى أم ناصر، وهناك عملت بصمة (كليشة) لنقش كتب بخط حميري، وأثناء نزولي حاملا البصمة عبر ذلك الطريق الخطر وجدت أربعة نقوش جديدة خلف بعضها البعض، من بينها واحد كتب بالخط النبطي ومؤرخ في السنة الأولى لحكم حارثة ملك الأنباط. بينما كان مرافقي الخادم مرزوق يساعدني بكل مهارة ودقة ظلت تضايقنا جموع الأهالي من مختلف الأعمار بفضولها ووقاحتها، ليس ذلك فحسب بل إنهم طالبوني بإعطائهم بخشيشا ، تلك الكلمة التي سمعتها لأول مرة ونحن نسير عبر درب الحج، ولم أسمعها بعد ذلك ولله الحمد منذ وقت طويل، ومن المدهش أن واحدا منهم طلب مني بخشيشا مدعيا القول بأنه من بلاد النصارى، فما كان مني إلا أن بصقت على الأرض وقلت له: إنك لست من بلاد النصارى، بل أنت واحد من أولئك الكذابين. وفي مساء هذا اليوم تناولت عند سعيد عشاء عاديا تكون من الخبز والتمر

الخميس 20/3/1884 م
في كل صباح يسمع المرء هنا في الجبال أهازيج الرعاة التي تبدو من خلال الأذن الأوربية وكأنها رنين موسيقى، لدرجة أن المرء يشعر وكأنه في منطقة التيرول ، ولعل الطبيعة الجبلية للمنطقة هي التي تملي على سكانها مثل هذا النوع من الغناء. في الغالب تؤدي الأمطار التي تسقط على أطلال بلدة العلا القديمة التي تسمى الخريبة إلى إظهار بعض القطع الأثرية فوق سطح التربة، ونتيجة للأمطار التي هطلت هناك مؤخرا فقد أحضر لي في صباح هذا اليوم إناء من الفخار وجد هناك. تناولت اليوم طعام الإفطار في منزل شخص لا أعرفه، ثم شربت القهوة كالعادة في مرات عديدة عند القاضي موسى، بعد ذلك توجهت محاولا العثور على ملابس لذلك المسكين مرزوق الذي عمل معي يوم أمس بجد وإخلاص، فهو- على الأقل بالنسبة لي- يستحق المساعدة لكونه يسير وهو مرتدي قطعة قماش شفافة، لذلك قمت بشراء ثوب له كلفني مجيديا واحدا.

جاء بعد الظهر شخص بلوي أي من قبيلة بلي يحمل أخبار غزو انطلق في الأمس من الشمال إلى هذه الأنحاء، فورا تذكرت هوبر وحيلان، وتمنيت ألا يقعا في أيدي قطاع الطرق، وسرعان ما انتشرت الإشاعات المختلفة حول ذلك الغزو، ففي البداية قيل: إن حيلان ورفيقه المدعو شملاني تعرضا لهجوم من قبل أفراد قبيلة بلي، وسلبوا منهم إبلهم وكل أمتعتهم، بعد ذلك سمعنا أن شملانيا هذا هو الشيخ سليمان بن رفادة المنتمي لقبيلة بلي ويسكن في بلدة الوجه، ثم ظهرت إشاعة أخرى مفادها أن أولئك اللصوص ردوا على حيلان كل أمتعته ماعدا ناقته، لأنها تحمل وسما لقبيلة هتيم، وأخيرا قيل لنا: إن هذا الخبر الأخير غير صحيح. وفيما يتعلق بمصير هوبر
فسنذكره أثناء حديثنا عن أحداث يوم الخامس والعشرين من شهر مارس. توجهت فيما بعد لأتجول في البلدة باحثا عن النقوش، حيث عثرت على ثمانية نقوش جديدة حصيلة لهذا اليوم، ولكن اثنين منها- يا للعنة- كتبا على حجرين مثبتين في أعلى الجدار، ولن أستطيع الوصول إليهما دون سلم.

انزلت أمتعتي خلال النهار مرة أخرى من سطح المنزل، لأنها لم تعد هناك في مأمن من اللصوص الذين يقفزون فوق السطوح، وحتى لا يكون مصيري مثل ذلك التاجر الذي قدم إلى هنا من دمشق قبل بضع سنوات، فسرقت منه حمولة جملين من الأسلحة كان قد وضعها فوق سطح المنزل. كانت ليلة البارحة تمر ثقيلة جدا على خلوة امرأة سعيد، فقد أنجبت قبل حوالي أربعة أو خمسة أسابيع طفلا، ومن جراء ذلك ظلت تعاني من ألم شديد في الجهة اليسرى من بطنها، وقبل أن يرحل هوبر من هنا بوقت قصير أعطاها علاجا لا يتناسب مع طبيعة مرضها، وبعد أن سمحت لي اليوم بأن أكشف عليها بدقة اتضح أنها ربما تعاني من التهاب في أرحامها. وقد وعدتني بأن تمنحني نصف مجيدي إن أنا تمكنت من مساعدتها في الشفاء من مرضها، وهنا عملت لها كمادة ونصحتها بأن تضعها فوق موضع الألم فترة من الوقت. وبعد ذلك حضرت إلي ديسة حماة الشيخ (أو ربما هي زوجه الأولى؟) ومنحتني سلة متسخة، فأهديتها مقابل ذلك نصف مجيدي.

كان العشاء يتكون اليوم من الرز مع بعض من قطع ضلوع الماعز، وبعض البيض والخبز وحليب مضاف إليه شيء من السكر.

الجمعة 21/3/1884م

لم يشهد اليوم أحداثا كثيرة، لذلك وجدت الفرصة سانحة كي أتأمل في ذباب بلدة العلا وأوساخها وكذلك طبيعة الحياة في إحدى مدن وسط الجزيرة العربية. وفي صباح هذا اليوم حضر الكثير من الناس لشرب القهوة عند سعيد، وبدؤوا يتحدثون مع بعضهم البعض بصوت مرتفع كما هي العادة، ومن ثم ذهبت إلى منزل عبد الله مويس لأعمل بصمة لأحد النقوش الحميرية هناك، بعد ذلك سمعت خبرا يقول: إن هوبر رجع مرة أخرى إلى الحجر وسيغادرها اليوم. حقا لقد عانيت من شيء طالما أزعجني، وهو الاعتداء عمدا أو مصادفة على النقوش وتدميرها، ففي الأمس مثلا اكتشفت في أسفل مدخل يقع بالقرب من سور المدينة المجاور أيضا لملعب الأطفال نقشا جديدا، وبينما كنت واقفا مع مرزوق أنبهه على التأكد من موضع النقش كي نتمكن في يوم الغد من بصمه رآني مجموعة من الصبية فأسرعوا نحوي كي ينظروا ماذا أفعل، وحينما ذهبنا في اليوم التالي إلى موضع النقش حاملين معنا أدوات البصم وجدناه في حالة سيئة، حيث قام أولئك الأطفال الأغبياء برجمه بالحجارة، ولكنه ولحسن الطالع تبين لي أن الحجر كتب عليه نقش ليس بذي أهمية بالغة. والآن لنتحدث عن الذباب والوسخ، فالذباب هنا كثير جد ا لدرجة أنني نادرا ما عملت بصمة لأحد النقوش دون أن يعلق فيها ذبابتان أو ثلاث أو أربع بل عشر بين الورق المبلل والحجر المنقوش، كذلك في الأكل ولاسيما التمر، فلا يستطيع المرء وضع شيء في فمه إلا ويدخل معه بعض من الذبان، حتى دلة القهوة فإن لم تكن على الجمر مباشرة وجب عليهم تغطيتها بواسطة قطعة من القماش مع إحكام قفل غطائها وإغلاق ثعبتها بقطعة من خيشة. أما بخصوص الأوساخ والأتربة في بلدة العلا فليس بمقدور المرء تصورها إن لم يكن قد رآها، فالشوارع والأحواش مملوءة بالنفايات وروث الحيوانات وفضـلات البشر، لدرجة أن المرء بكل خطوة يخطوها إلى الأمام يكاد ينزلق فيها. كما أن الغبار المثقل بآلاف الملايين أو أكثر من الجراثيم يحيط بالمرء من كل ناحية داخلا عبر الفم والأنف والعين والأذن وأيضا مسامات الجلد ذاتها، فالمرء يراه ويحسه ويستنشقه ويعيش معه. عند المساء ذهبت مع عبد الله مويس إلى بستانه الذي يوجد فيه عين تصل درجة الحرارة فيها إلى 28.5 درجة، وينمو فيها عدد كثير من القواقع الشبيهة بتلك التي رأيناها في تيماء. بعد ذلك ذهبت معه إلى بيته لتناول طعام العشاء.

السبت 22/3/1884 م
تحتفل بلادي في مطلع هذا اليوم المنعش بعيد ميلاد القيصر، ولكن البسطاء هنا ليس لديهم تصور عن القيصر، وماذا عسى أن تكون ألمانيا؟ فمن المستحيل ومن غير المجدي أن أحدثهم حول هذا الموضوع، فلو كنت في حائل لربما وجد من يتفهم ماذا أقول. بعد الظهر بدأ مرزوق يعمل بصمات للنقوش التي عثرنا عليها مجددا، وقد كان واحد منها مرتفعا لدرجة أن جذع النخلة لا يصله مما جعلني أصرخ قائلا: أين السلم؟ فلو كان معي لتمكنت من الوصول إلى ذلك النقش، ولكنه محفوظ في قلعة مدائن صالح، يا هوبر، لقد سببت نصيحتك تلك عواقب وخيمة! وأنا أيضا كنت حمارا غبيا حين سمعت نصيحتك! عموما لقد تمكنت- معرضا نفسي للخطر- من الوصول إلى نقش آخر كان هو أيضا يقع في أعلى الجدار، وذلك من خلال الصعود عبر ساق شجرة غير متين كاد ينكسر من وسطه. في مساء هذا اليوم كان يجلس في القهوة ذلك الشخص الذي ذكرت آنفا أنه هرب من دفع الضرائب، فبعد أن أرسل إليه سعيد رسالة يؤكد له فيها عدم التعرض له بسوء قدم من منفاه في قلعة مدائن صالح. وقد كان يجلس بكل هدوء حول النار مع سعيد أبي علي الذي بدأ يحاوره من أجل أن يدفع الضريبة، وعاودا جلستهم تلك في صباح يوم الغد، حيث أدى الصراخ والارتعاش بمضيفي سعيد إلى نسيان إعداد القهوة. كان الجو حارا هنا، لذلك كانت سعادتي بالغة جدا حينما تمكنت بعد شرب القهوة من الصعود إلى السطح والجلوس هناك بعض الوقت.

الأحد 23/3/1884 م
كان الطقس صباح اليوم رطبا والسماء ملبدة بغيوم ثقيلة تنبئ عن قرب هطول المطر على المنطقة. في البداية قمت بشراء نقش نبطي مؤرخ من السنة الأولى لحكم حارثة ملك الأنباط دفعت لصاحبه مجيديا واحدا، وأعطيته نصف مجيدي لكي يقوم بتكسيرأجزاء من الحجر دون أن يتعرض للنقش كي يخف وزنه ويسهل حمله، كما قمت بمحاولة شراء حجرين آخرين كتب عليها بخط لحياني، ولأن صاحب النقش الأول رفض بيعه لي مقابل مجيدي واحد، أما الثاني والذي جلب في الأصل من مذبح أحد المعابد، فأتوقع الحصول عليه مقابل مجيدي واحد، وبالفعل تمكنت من الحصول عليه في مساء يوم الغد، وحيث إنه كان مثبتا في مكان عال من الجدار فقد اضطررت لبذل جهد كبيرمن أجل خلعه من مكانه. وصل اليوم مجموع ما حصلت عليه من النقوش في بلدة العلا إلى خمسين نقشا، إضافة إلى نقشين آخرين قيل لي: إنهما موجودان في بساتين النخيل، كما أن الخادم مرزوق - والذي أصبح بسبب الإكراميات المختلفة نشيطا- اكتشف نقشين جديدين، ومجموعة أخرى من النقوش العربية القليلة الأهمية، إضافة إلى ذلك فالناس هنا غالبا ما يطلبون حضوري إلى منازلهم التي يعتقدون أنه يوجد فيها نقوش، على الرغم من أن بعضها لا يتعدى كونه حجرا مهذبا، أو حجرا عليه آثار زخرفة غير واضحة المعالم، ولكن المرء في مثل هذه الحالة يجب عليه عدم تثبيط عزائمهم وسلب السعادة بسبب ذلك منهم، وحتى لا يضـطروا أيضا إلى عدم عرض أي شيء عليه. أضحى الذباب اليوم وكأنه أصيب بمس من الشيطان، وذلك بسبب قرب هطول المطر الذي انهمر مصحوبا بالرعد والرياح منذ الساعة الرابعة، لهذا السبب أيضا انتقلت اليوم من مكاني في السطح إلى البيت.

الاثنين 24/3/1884 م
حان الوقت الآن لكي أقف بنفسي على أطلال بلدة العلا القديمة، فمنذ أسبوع وأنا محبوس داخل أسوار هذه البلدة اللطيفة التي لو لم يكن فيها نقوش كثيرة تملأ علي وقت فراغي لما تمكنت من البقاء فيها. وفي الحقيقة كنت طوال هذه المدة أتطلع إلى القيام بجولة على الأقدام خارج أسوار البلدة، وكم كنت أتمنى أن تكون هذه الجولة على ظهر الجمل كي أتمكن من مشاهدة جميع الآثار القديمة هناك.

تجمع مع شروق شمس هذا اليوم في قهوة سعيد ثلاثة وعشرون شخصا كلهم مسلحون، وما هي إلا برهة من الوقت حتى وصل العديد من قطعان الماشية والحمير والنساء والأطفال كلهم يرغبون في استغلال هذه الفرصة النادرة ليصلوا إلى مواطن الأعشاب التي لا تبعد سوى ربع ساعة من المسير خارج أسوار بلدة العلا. وأخيرا خرج الجميع يتقدمهم مجموعة من الكشافة (المستطلعين، العيون) الذين كانوا يصعدون كل مرتفع من الأرض زاحفين على بطونهم كي يراقبوا كل مكان أمامهم. في هذه الأثناء رأينا بعضا من قطاع الطرق المنتمين لقبيلة بلي، . ولكنهم اضطروا للتراجع وهم يرون تلك الجموع الهائلة من الناس تتقدم نحو الأمام. تقع الأطلال الأثرية في مكان مرتفع من الأرض في بطن الوادي المحصور بين الجبال العالية، وهي عبارة عن أكوام متفرقة من قطع الأحجار الرملية الحمراء، والى اليمين واليسار من هذه الأطلال الأثرية ينمو العديد من أشجار الطلح والأعشاب، وفي وسط التلال الأثرية يبرز حوض منحوت من الحجر الرملي بحجم ضخم جدا بداخله ثلاث درجات متداعية، وهو ما يطلق عليه أبناء المنطقة حلاوية النبي صالح، لاعتقادهم أن ناقة النبي صالح ذات الحليب الوفير تشرب منه. علاوة على ذلك عثرت هناك على اثنتين من أرجل التماثيل، الأولى كبيرة وتفوق الحجم الطبيعي وعلى قدمها آثار النعال ، أما الثانية فهي صغيرة. شاهدت هناك على سطح الموقع العديد من بقايا الأواني الحجرية، كما أحضر لي الأطفال أيضا كسرة من تمثال صغير الحجم يصل ارتفاعه حوالي ثلاثين سنتمترا، ذي تسريحة شعر تشابه تلك التي نراها على التماثيل المصرية القديمة، وربما تكون تلك الرجل الصغيرة التي ذكرتها آنفا تابعة له. أما بالنسبة للمقابر فهي هنا بسيطة جدا ولا يزال يوجد داخلها بعض بقايا التوابيت الخشبية، وكسر من الأحجار، وبعض الأواني الفخارية، وقطع من الأكفان. وفي أحد المنحدرات عثرت على كميات كثيرة من خبث المعادن ذي اللون الأخضر والأسود، يلاحظ القارئ أماكن وجودها على المخطط المرفق لبلدة العلا.

إضافة إلى ذلك وجدت عددا كثيرا من النقوش، جميعها تنتمي إلى مجموعة الكتابات السامية الجنوبية (معينية، لحيانية)، ماعدا واحدا منها فهو نبطي، ويحتوي على علم لشخص متبوع باسم أبيه.
انطلقت بعد ذلك لمواصلة طريقي من الشمال باتجاه الجنوب نظرا لاعتقادي أنني سأجد هناك على صفحات الجبال آثارا من العصور القديمة، في هذه الأثناء ذكر لي رفاقي عدم وجود آثار في الجهة الجنوبية الغربية، ونصحوني بعدم الذهاب إلى هناك لخطورة تلك المنطقة، ولكنني لم أقع تحت تأثير تحذيرهم، بل واصلت طريقي يرافقني أربعة رجال مسلحين، وبينما كان رفاقي يسيرون بموازاتي في بطن الوادي إلى الأمام شاهدت هناك على صفحة الجبل أربع فتحات بداخلها أربعة تماثيل خرافية ذات أسنان بارزة إلى الأمام كل اثنين منها بجانب بعضهما البعض، وتذكر إلى حد كبير بأشكال المنحوتات المصرية والمكسيكية القديمة، وبين الاثنين الأولين نقش كتب بخط جيد. ولكنني بسبب علوه وصعوبة الطريق إليه لم أتمكن من مشاهدته بوضوح، كذلك الحال أيضا بالنسبة للنقوش الأخرى التي كتبت على ارتفاع يتراوح ما بين 10- 15 مترا.

حين بدأت أشعر بالتعب والإنهاك نزلت إلى مخيم رفاقي حيث أعدت هناك القهوة الحلوة والعادية. بعد ذلك بدأت مسيرة العودة، حيث ظهرت أمامنا بلدة العلا ببساتين نخيلها وأسوارها الطينية وهضبة أم ناصر التي تتوسطها، وبينما كنا على مقربة من البلدة لاحظت أن الأطراف العليا لأسوار البلدة مزينة بالزخارف، حقا لقد كانت مسيرة العودة أشبه ما تكون بموكب للنصر، فالجميع كانوا سعداء بنجاح الرحلة دون حدوث أي تصادم مع قطاع الطرق، نعم لقد ابتهج الجميع لمجرد خروجهم، والآن سعادتهم أكبر وهم عائدون سالمين إلى بلدتهم. كانت قطعان الماشية تتقدم الجميع إلى الأمام نحو البلدة، وخلفها أسير أنا ممتطيا ذلولي التي أثارتها كثرة الذباب، ومن خلفي يسير حاكم البلدة سعيد، ومن ورائه يسير الرماة في طابور مستقيم يتقدمهم شخص يرقص وهم يطلقون الواحد تلو الآخر نيران بنادقهم مما جعل واحدا منهم يسقط على الأرض من شدة إطلاق النار، وفي هذه الأثناء وبينما كنت أسمع صوت إطلاق النار كنت أعتقد في كل لحظة أن تستقر الطلقة القادمة في ظهري. بعد أن وصلنا إلى البلدة التقيت مع شخص اسمه غضيان سوف يرافقني خلال رحلتي القادمة إلى الوجه، وهو شقيق كبير شيوخ قبيلة بلي المدعو مرزوق بن رويحل، وبعد تباحث بسيط أعرب عن استعداده لمرافقتي مقابل 20 مجيديا، وقال إن الأمر يحتاج أيضا إلى بعض الرجال لتوفير الحماية الكافية. لقد كان الرجل شابا ويوحي بالثقة، وكان برفقته خادمه عبيد الذي كان يمتطي ذلولا أوضح (أبيض). وفي المساء أحضر إلي في المنزل ذلك المذبح الصغير الذي يعلوه نقش لحياني والذي حاولت اقتناءه يوم أمس. نعم لقد كنت راضيا تمام الرضا على اقتنائي إياه، كيف لا وقد أصبح خلال فترة طويلة بمثابة الدرة بين كافة مجموعاتي، إنه الآن موجود في مكتبة جامعة شتراسبرج. بعد ذلك وبينما كانت الأمطار تنهمر إلي الشمال والشرق من البلدة ذهبت إلى فراشي والسعادة تغمرني على نجاح مسعاي لهذا اليوم.

الثلاثاء 25/3/1884 م
من المقرر أن ننطلق اليوم نحو الحجر، ذلك الهدف الذي أشتاق إليه دوما، فهناك توجد النقوش الرائعة والكبيرة التي وصلت أولى المعلومات الدقيقة عنها إلى أوربا من خلال (داوتي)، تلك النقوش التي حفزت حماسي للقيام برحلتي إلى الجزيرة العربية، والتي آمل أن أخرج منها بنتائج كثيرة حول تاريخ العرب والأنباط.

قبل الرحيل إلى هناك قمت بنسخ ثلاثة نقوش سامية جنوبية كانت توجد في بستان للنخيل يقع على مسيرة نصف ساعة باتجاه الشمال. ثم أعددت كل شيء استعدادا للسفر الذي تأخر حتى الظهر، في هذه الأثناء وبينما كنت أنتظر اكتمال تجهيزات الرحلة رأيت غلاما يرتدي قطعتين رقيقتين من القماش، الأولى لفها على صلبه والثانية وضعها فوق رأسه، حيث تعرض قبل قليل لحالة سلب من قبل أفراد قبيلة بلي.
انطلقنا بصحبة مجموعة كبيرة من الناس الذين رافقوني حتى بوابة البلدة. وهنا ودعت العلا ونقوشها وسكانها الفضوليين وذبابها وأوساخها. حقا لقد وجدت فيها أشياء ممتعة، ولكن أشياء أخرى أكثر إمتاعا تنتظرني الآن. بالتأكيد لم يكن ذلك هو الوداع الأخير للعلا فسأعود إليها بعد أيام قلائل، مثلها مثل هوبر الذي ودعته قبل أيام ثم رأيته، وكما يقول المثل المحلي هنا: (المخيط مرتين يعيش أطول)، نعم فبعد أن ودعت هوبر والعلا للمرة الثانية لم أرهما بعد ذلك طوال حياتي. انطلقنا في حوالي الساعة الثانية عشرة، حيث كنت أسير خلف غضيان الذي كان يتقدمنا مع رديفه عبيد راكبين ذلولا وضحاء (بيضاء) ومعهما بعض أمتعتي، كان في مقدورنا هذه المرة نتيجة لمرافقة هذا البلوي لنا أن نسلك طريقا مباشرا باتجاه الشمال عبر شعيب العذيب، في حين اضطررنا في يوم السادس عشر من شهر مارس السير عبر طريق غير مباشر نحو العلا، وذلك بسبب تخوفنا من أفراد قبيلة مرافقي الذين كانوا يقطنون في تلك الأنحاء، مما جعل الطريق آنذاك غير آمن بالنسبة لنا. لقد شاهدت هناك في شعيب العذيب عددا من النخيل المهملة والأدغال التي توسطها الآبار، وذلك ما يجعل منه ملاذا مناسبا لقطاع الطرق واللصوص. بعد هذا الشعيب انحرف طريقنا باتجاه اليسار عبر مجموعة هضاب القرضية. بعد ساعتين تقريبا من المسير مررنا بجوار جبل مكتظ بنقوش ذات خطوط مختلفة، حيث تعلو صفحاته نقوش كتبت بالخط الآرامي القديم والخط الثمودي والخط النبطي والخط اليوناني والخط اللاتيني، وما تنوع هذه الخطوط هنا إلا شاهد واضح على العمق الحضاري
والتعاقب التاريخي لبلدة الحجر. أما موضوعات هذه النقوش فتندرج تحت ما يسمى (نقوش الذكريات) التي من خلالها خلد أولئك القدماء أسماءهم على مر الزمن. يقول المثل الألماني (يد المجنون تلطخ (توسخ) الجدار والطاولة)، ولكننا نحن المتخصصين بالنقوش والخطوط القديمة في غاية البهجة، لأن أيادي أولئك القدماء امتدت إلى الجدار والأحجار لتدون عليها أسماؤها، فحتى وإن كانت المعلومات التي تحتويها تلك النقوش عديمة المعنى والأهمية، فمن تلك الحروف القليلة يمكن للمرء أن يستنتج معلومات قيمة حول التاريخ واللغة والحضارة والدين وتاريخ تطور الكتابة. حقا لقد توقفنا طويلا أمام صفحة ذلك الجبل على الرغم من أن مرافقي كان مستعجلا ولم يكن يرغب في حقيقة الأمر بالتوقف، لذلك فلم يسمح لي بنسخ تلك النقوش الواقعة إلى الشرق من الطريق. وهكذا اضطررت للموافقة، وقلبي يتحسر على عدم تمكني من نسخ بعضها، ولكن أملي أن يهتم بها المختصون لاحقا.

اقتربنا الآن أكثر من بنايات المقابر الرائعة في مدائن صالح ذات النقوش النبطية الطويلة على واجهاتها، والتي من أجلها كان الهدف الرئيسي لرحلتي إلى جزيرة العرب. لقد رسمت منظرين توضيحيين لعلهما يوضحان كيف كانت تبدو تلك المقابر من بعيد. حينما اقتربنا من المقابر ترجلنا وتركنا الجمال ترعى تحت بصر عبيد، أما أنا فأسرعت إلى المقابر وبدأت أرسمها بهمة وعزم.

كانت المقابر منحوتة في الصخر وتكتظ واجهاتها بالعديد من الزخارف والأشكال المصورة بشكل بارز على الصخر، ولعل الرسوم التوضيحية المرفقة تقدم فكرة بسيطة عن الأشكال الرئيسة على واجهات تلك المقابر. أما أجمل هذه المقابر وأكبرها- إلى اليمين أسفل الرسمة - هي تلك التي تسمى مقبرة الفريد.
و الآن لنلقي نظرة على المقبرة من الداخل فهي تحتوي على أرائك (أسرة) الموتى المشابهة لأدراج فارغة أو حفرة مستطيلة منحوتة في جدار صخري، بعضها منحوت في أرضية المقبرة وكأنها توابيت غير مغطاة. كانت النقوش النبطية الرائعة التي نشرت ترجمة لها في كتابي (نقوش نبطية من الجزيرة العربية) توجد فوق مداخل المقابر. ومن الملاحظ أيضا أن بعضا من هذه المقابر خالية من أي نقوش وبعضها يظهر فوقها تجويف صغير ربما كان مثبتا عليه فيما مضى لوح من المرمر أو البرونز. جدير بالملاحظة أيضا أن كافة النقوش المكتوبة على المقابر هنا نبطية الخط، مما يعني أننا انتقلنا من الحميريين في العلا إلى النبطيين في الحجر، وهذا ربما يشهد بدوره على أن العلا كانت مستودعا للبضائع التجارية القادمة من جنوب جزيرة العرب، وأنها كانت بمثابة المستقر للتجار المعينيين والسبئيين، أما الحجر فهي مركز الآراميين أو العرب المتأثرين بالثقافة الآرامية، وهنا يمكن القول أيضا: إن المنطقة الواقعة في الوسط بين البلدتين كانت بمثابة المكان الذي يتبادلون ويعيدون فيه تصدير بضائعهم التجارية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل كلتا المدينتين ازدهرتا في وقت واحد، أم أن الحجر احتلت مكانة العلا بعد أن قلت أهميتها؟

من هم أولئك الثموديون أو بنو ثمود الذين لا يزال ذكرهم مستمرا حتى اليوم على ألسنة الشعوب العربية؟ يعتقد السكان المحليون هنا بالرغم من وجود بقايا العظام البشرية وبقايا أخشاب التوابيت أن تلك المقابر المنحوتة في الصخر كانت مساكن الثموديين القدماء.

جلال الدرعان
03/07/11, (06:36 AM)
وهذا ألاعتقاد ليس تقليدا متوارثا من العصور القديمة بل إنه يستند على ما ذكر في القرآن، فقد حدثت آيات عدة من القرآن عن شعب ثمود، وعن بيوتهم المنحوتة في الصخر، وعن عدم استجابتهم لدعوة النبي صالح (عليه السلام)، وعن معاقبتهم بالزلزال . هكذا في السور رقم 7/71-76 (سورة الأعراف )15/ 80 وما بعدها (سورة الحجر)، 26/ 141 وما بعدها (سورة الشعراء) 89/8 (سورة الفجر) من هنا يبدو أن ذاكرة العرب لم تعد منذ القرن السادس الميلادي تنظر إلى تلك البنايات المنحوتة في الصخر على أنها مقابر، بل اعتبرتها مساكن لقوم ثمود، كما تشير إلى ذلك أيضا تلك الروايات العائدة لفترة النبي الذي مر بنفسه على بلدتي الحجر والعلا أثناء رحلته إلى الشمال.
من جانب آخر يبدو آن اسم الأنباط لم يكن خلال القرن السادس الميلادي معروفا على الإطلاق في تلك المنطقة، على العكس من ذلك نجد أن ذكره استمر إلى وقت متأخر في مناطق أخرى مثل سورية وبلاد الرافدين (العراق). نعم فمن المؤكد أن ثمة قبيلة تدعى ثمود استوطنت تلك المنطقة في فترة العصر الجاهلي، فالاسم ثمود يظهر أنه مثبت في مجموعة النقوش التي يطلق عليه المختصون اسم (النقوش الثمودية). وقبل أن نترك هذه المنطقة اتجهنا في جولة نحو المنطقة الجبلية لكي نلقي تحية الوداع عليها.

اتجهنا بعد ذلك إلى قلعة مدائن صالح، وهناك دهشت كثيرا حينما التقيت بهوبر ومحمود ونومان ومعهم جمالهم ذات الأوجه التي تنم عن ذكاء وفطنة. ففي اليوم الذي تعرض فيه حيلان للنهب نجا هوبر بأعجوبة من غارة أخرى، مما اضطره إلى قضاء الليل وبضع ساعات من النهار برفقة الحيوانات في أحد المخابئ، ولكنه بسبب حذره تمكن من الوصول إلى قلعة مدائن صالح، وقد عرف هنا أن خمسة عشر رجلا من أفراد قبيلة بلي يترصدون له ولصناديقه الذهبية في الخارج، ونظرا لأنه شعر بالحصار داخل الحصن حاول الخروج إلى منطقة المقابر كي يعمل هناك بعض البصمات للنقوش، ولكنه ورفاقه اضطروا للهروب مرة أخرى تحت وطأة مطاردة أفراد قبيلة بلي لهم، وبينما كانوا يهرولون هاربين على جملهم تشابكت الحبال بالسلم الذي كان بحوزتهم فسقطوا من على ظهر الجمل وولوا هاربين ليختفوا عنهم بين الصخور. في أثناء ذلك أخبرني هوبر أنه بعث برسالة إلي مع رسول إلى العلا ولكنني لم أره ولم نصادفه خلال الطريق.
التقيت في القلعة كذلك مع شخص يدعى علي بن سعيد كان عائدا من غزو مع الأمير، ويحمل معه رسالة من حمود العبيد إلى عبدالعزيز العنقري في تيماء، وقد استهلت تلك الرسالة بالآتي:
(تحيات من حمود العبيد إلى العنقري...)، ثم تلتها عبارة توبيخ له بسبب عدم إكرامه لنا كما ينبغي، وكذلك على عدم تقديمه المساعدة الكافية لنا في الحصول على أحجار النقوش، ثم وجه إليه أمرا بأن يرسل نقوشنا إلى حائل ولاسيما الملفوفة (المغلفة) منها وتلك التي عثر عليها في القصر، وقاعدة العمود التي أعيد استخدامها مدقة لطحن حبوب القهوة، وذلك الحجر الذي أخرج من البئر. طلب مني مرافقي غضيان البلوي إجازة لهذه الليلة كي يتمكن من الرجوع برفقة علي إلى العلا وذلك لحضور وليمة هناك، وقد غادر معه غلامان كانا ينتظران في القلعة من يرافقهم، حيث أخذ من كل واحد منهم مجيديا واحدا نظير تأمين الحماية لهم.

الأربعاء 26/3/1884 م
كان اليوم عظيما بالنسبة لي ففيه سأباشر العمل في نقوش الحجارة النبطية التي يرتبط فيها نجاح رحلتي إلى جزيرة العرب. وأخيرا وجدت السلم الذي أخفاه هوبر، كما أنه ولحسن الطالع لا يوجد اليوم ذباب كثير مقارنة بالأيام الماضية، نعم كل شيء مناسب لبدء العمل ماعدا هبوب الرياح، تلك الرياح التي سأتمتع باستنشاق هوائها الطلق لو كنت ممتطيا ذلولي وأسير عبر الصحراء، كما أنها ستسعدني لو كنت جالسا في سفينتي وهواؤها يرتطم بالأشرعة، حقا لقد كانت الرياح التي ألفت مرافقتي طوال أيام الرحلة تضطر المرء إلى البكاء والحيرة بل والجنون، فحينما يقف المرء هناك أمام نقش جميل والورق المبلل مقوسا بفعل هبوب الريح بين يديه، ثم يبدأ ذلك الغلام المسكين محاولا إبعاد النقوس من الورق بتحريكه هنا وهناك إلى الأمام توالى الخلف، ولسان حاله يقول مناجيا الريح: مهلا فلن نستسلم أو نستكين، فطالما أوراقنا قوية فلن تتمكني من تمزيقها رغم ما تنفخينه من هواء.
والآن بمجرد أن تهدأ الريح قليلا من الوقت نقوم على وجه من السرعة بلصق الورق المبلل على الحجر، ولكن بمجرد انشغال المرء لحظة من أجل إحضار الفرشة لطرق الورق المبلل وتثبيته على الحجر يجده قد تقوس من جديد، وبدلا من إضاعة الوقت في إعادة تثبيته يضطر المرء إلى معاودة العملية من جديد، ولكن هذه المرة بشيء من الحذر والذكاء، فبعد وضع الورق المبلل على الحجر تظل كلتا اليدين ضاغطتين على الورق بقوة، ولا ترفعان حتى تخف حدة الريح كي لا تدخل بين الورق والحجر وتؤدي إلى تقوسه من جديد.

عاد في حوالي الساعة الحادية عشرة غضيان من العلا، حيث انطلقنا في حوالي الساعة الثانية عشرة، خمسة على الجمال، واثنان يسيران على الأقدام متوجهان في البداية نحو المقابر الشرقية. ونظرا لعدم رغبتي في أي عوائق تحد من حركتي خلال عمليات بصم النقوش، فقد قمت بنزع ملابسي، ولم اترك سوى الثوب الذي ربطته بحبل على صلبي، ولكي أتحلى بشيء من الأدب أنزلته قليلا من أعلى إلى أسفل مدخلا طرفه في ذلك الحبل المربوط على بطني، لدرجة أن ساقي ومؤخرة رأسي ويدي عانت كثيرا من حرارة أشعة الشمس.

ونظرا لكون السلم ذي ثمانية الأمتار لا يصل إلى أماكن بعض النقوش فقد اضطررت إلى الوقوف تحت ذلك النحت البارز على بوابة القبر الذي تسبب في حجب مجال الرؤية أمامي، فلم أستطيع سوى نقل جزء من النص، وحتى ذلك الجزء الذي قمت بنسخه لم يكن مكتملا، بسبب وقوفي بصورة متعامدة تحت النقش. علاوة على النقوش عثرت هناك في بعض المقابر على قطع من خشب التوابيت.

أنهيت عملي في حوالي الساعة الرابعة بعد أن كافحت من أجل نقوشي كما يناضل الليث للحصول على فريسته، وقد تمكنت على الأقل من عمل بضع نسخ جيدة لبعض النقوش الكبيرة، ولكنني على الرغم من استخدامي لورق مزدوج لم أتمكن بسبب دخول الهواء بين الحجر والورق من التخلص من التقوس والانتفاخ على سطح الورق، وكمحاولة لمعالجة ذلك قمت بقص كل انتفاخ على الورق إلى أربعة أجزاء ثم أعدت لصقها قطعة قطعة على الحجر. لذلك فقد افتقدت البصمة جمالها وانسيابها، أما أشكال الحروف فقد كانت ولله الحمد واضحة. لقد وجدت أن من المناسب في مثل هذا العمل أن يقوم المرء بطي مجموعة من الورق مع بعضها البعض ثم وضعها فوق قطعة من الجلد تمنع تسرب الماء، وأخيرا يتم تثبيت الورق المبلل على الحجر. خلال مساء هذا اليوم قام هوبر بالإعداد لرحلته التي تقرر أن تنطلق قبل طلوع شمس يوم الغد حتى لا يتمكن رفاقي المنتمين لقبيلة بلي من ملاحظة وجهة الطريق الذي سيسلكه، وقد كان يريد أن يسلك طريقا باتجاه الشمال إلى قبيلة الفقراء الذين رفضنا دعوتهم لنا في يوم الخامس عشر من شهر مارس.



الخميس 27/3/1884 م
رحل هوبر قبل شروق الشمس حيث تمنى بعضنا لبعض أفضل الأمنيات، بعد ذلك انتابني شعور بالقلق والخوف مشابه لذلك الذي شعرت به في يوم التاسع عشر من شهر مارس، ولكن مشاعر الخوف تلك سرعان ما تبددت وحل محلها التفكير النقوش. وبعد أن غادر هوبر يرافقه محمود ونومان اتضح لي أن نومان الكلب استبدل حبل ناقته (رسن) المهترئ بحبل ناقتي الجميل والقوي. بعد أن انتهينا من تناول طعام الإفطار مباشرة وصل إلى هنا رسول سعيد من العلا حاملا معه الخطاب الذي أرسله هوبر لي حينما كنت في العلا، وخطابا آخر لهوبر، وفي الوقت نفسه طلب مني سعيد أن أخبره عن طريق مبعوثه بالساعة التي سأعود فيها إلى العلا، حتى يتمكن هو ومجموعة من الرماة إلى الخروج لملاقاتي، بعد ذلك خرجت مع أولئك البلويين (من قبيلة بلي) ومبارك وابن أخيه المدعو خالد إلى منطقة الأطلال الأثرية وبالذات إلى المكان الذي أخفينا فيه بالأمس السلم وبعضا من أوراق بصم النقوش. كانت الرياح اليوم أقل حدة منها في الأمس، ومن أجل تسهيل حركتي خلال العمل ارتديت قميصا و بنطلونا مشابهين لتلك التي يرتديها الصيادون. كانت النقوش التي سنعمل على استنساخها اليوم ترتفع إلى حوالي ستة أمتار، لذلك فلن أحتاج إلا إلى ثلاثة أجزاء من السلم ذي أربعة الأجزاء. وهناك في الجزء الشرقي من المنطقة الأثرية تقع حجرتان كبيرتان منحوتتان في الصخر يطلق عليهما الأهالي المحليون مسمى الديوان أو المسجد، ويوجد بداخلهما عدد من المحاريب ترتفع حوالي المترين عن سطح الأرضية. بعد أن شعرت بالتعب والعطش رجعت إلى القلعة والوقت يقارب الساعة الرابعة. وفي المساء تسبب التعب الشديد والتفكير بالعمل والخوف من المصير إلى عدم قدرتي على النوم.

الجمعة 28/3/1884 م
كان هذا اليوم مخصصا أيضا للعمل في نقوش الحجر، ولكنه سيكون اليوم الأخير، لذلك استجمعت قواي كافة لكي أنهي العمل كما ينبغي، فبعد الإفطار مباشرة انطلقت برفقة البلويين ومحمود مع ابنه الصغير خالد والخادم مبروك لاستكشاف المقابر الجنوبية والشرقية التي من أجملها وأكثرها زخارفا تلك التي تسمى مقبرة الفريد.

كانت الرياح اليوم قوية ولكنها لن تخيفني فاليوم يجب أن أحقق أهدافي، لذلك لم أترك نقشا واحدا دون أن أستنسخه، فقط هي مرة واحدة تمكنت الريح من هزيمتي، ذلك حينما عصفت بهبوبها وأنا فوق السلم المتكئ على جدار أحد المقابر الكبيرة أحاول جاهدا تقريب الورق المبلل من النقش لتثبيته عليه، ولكن دون جدوى، فالريح كانت تدفع بهبوبها الذي أدى إلى انتشال الورق من الحجر، وحيث إن هذا النقش لم يكن ذا خط جيد توقفت عن المحاولة خوفا من إهدار الوقت، لم تتوقف الريح عن مكرها وخبثها فقد خطفت مني ثلاث ورقات، بينما كنت أنزل السلم لتودعها عاليا في الزوايا المثلثة الشكل الواقعة إلى اليمين والشمال من واجهة القبر. بعد الظهر قمنا بعمل شيء من القهوة انتعشنا بشربها من عناء العمل.

بعد أن أنهيت عملي دون رجعة تبين لي أنني قمت باستنساخ ستة وعشرين نقشا كبيرا، وهي كل ما تمكنت من العثور عليه هناك إذا استثنينا ذلك النقش الوحيد الذي حرمتني الريح من نسخه، علاوة على ذلك تمكنت من نقل عدد كثير من النقوش القصيرة. غادرنا في مساء اليوم الخادم مبروك إلى العلا كي يخبر سعيدا بخروجنا من مدائن صالح مع طلوع شمس يوم الغد، حتى يتمكن من الخروج لملاقاتنا هو ورجاله المسلحون. وفي أثناء الليل وبينما كانت الظلمة تخيم على المكان سمعنا أصوات الكلاب تنبح خارج القلعة منبئة عن قدوم شخص غريب، وسرعان ما ظهر أمامنا ثلاثة أشخاص من قطاع الطرق المنتمين لقبيلة جهينة، وخلال الليل بدأ أولئك الجبابرة مع لعبتهم المشؤومة التي سرعان ما تحولت إلى مشاجرة مأسوية عنيفة بينهم.

السبت 29/3/1884 م
انطلقنا في حوالي الساعة السابعة صباحا تاركين مدائن صالح خلفنا. حقا لقد كنت منشرح الصدر وفي غاية السرور وأنا أودع ذلك المكان الخالي وتلك المنطقة المقفرة قائلا (مع السلامة)، لم لا فقد أنهيت عملي وأكملت واجبي وحققت أهدافي وكل ما أتمناه الآن هو أن أكون في الوجه. كان يرافقنا خلال رحلة العودة إلى العلا أولئك اللصوص الثلاثة من قبيلة جهينة راكبين على ظهر ذلولين، وقد كنت بين الفينة والأخرى أنظر في وجوههم الكالحة فكانت تبدو أمامي كأنها وجوه أشخاص منحوسين ليس فيها شيء قط من ملامح حسن النوايا. كان طريقنا اليوم هو الطريق نفسه الذي سلكناه في يوم الخامس والعشرين من مارس والمسمى درب الجندي، وهناك أمام ذلك الجبل الذي وجدت فيه خلال رحلة الذهاب إلى مدائن صالح نقشا إغريقيا (يوناني) عثرت اليوم فيه على نقش نبطي مؤداه(تحيات (سلام) عالة بن حرم) ولعل محتوى هذا النص هو بمثابة وداع لي من جزيرة العرب ومن انشغالي بجمع النقوش، ولكن والد صاحب النص يدعى حرم، وكلمة حرم وحرامي (لص) يتشابهان في اللفظ ويشتقان من جذر واحد، فهل يكون ذلك نذير شؤم بالنسبة لي؟ بينما كنا نسير في الطريق شاهدت نباتا أبيض كالثلج وجافا يشابه الهراوة (العجراء) العربية و يسمى البرنوق. وحينما وصلنا إلى وادي العذيب وجدنا هناك حملة البنادق الذين أرسلهم سعيد لاستقبالنا، ومنذ تلك اللحظة كان في وسعي أن أدخل مسدسي في جرابه. كانت السماء مغطاة بطبقة تشبه الضباب جعلت الأعين تتألم حينما يرتفع البصر و الشعاع المنبعث من السماء، كما أدت إلى زيادة في حرارة الطقس. بعد وصولي إلى العلا ، مباشرة كان علي أن أقوم بشراء الأشياء المطلوبة كافة التي توقعت أن يهديني إياها سعيد، فاشتريت تمرا، ودقيقا، وتبغا، وفناجين، وثوبا نسائيا محليا… الخ. بعد ذلك جاء إلي خادم مرزوق الذي أصبح الآن ماهرا وخبيرا باكتشاف النقوش ليخبرني بأنه خلال غيابي أكتشف ثلاثة نقوش حميرية في بساتين النخيل، فذهبت إلى هناك لاستنساخها، ولكن تبين لي هناك أنه سبق لي استنساخ اثنين منها. وصل اليوم إلى هنا اثنان من إخوة مرافقي غضيان البلوي لكي يقوما بمرافقتنا إلى الوجه، كان الكبير اسمه سالم، أما الصغير فيدعى محمودا. وعند المساء كانت السماء ملبدة بالغيوم، وأثناء الليل هبت عاصفة مخيفة أثارت غبار العلا الذي ألمحنا إلى ذكره سلفا فوق سطوح المنازل بصوره تفوق الوصف مما اضطرني إلى إنزال فراشي من هناك إلى داخل البيت.

الرحلة القادمة من العلا إلى الوجه
ترجمة سعيد السعيد- رحلة داخل الجزيرة العربية

في ترجمة سعيد السعيد ص202 ورد اسم عشيرة العليدة والمقصود هم عشيرة الإيدا

جلال الدرعان
03/07/11, (06:37 AM)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله علية وسلم وبعد .

مقدمة بسيطة عن المؤلف ..

هو هارولد ريتشارد ديكسون , عمل سياسيا حيث عين وكيلا سياسيا في منطقة الفرات والعراق , ووكيلا سياسيا في البحرين , وسكرتيرا للمقيم السياسي في الخليج العربي ,ووكيلا سياسيا في الكويت .كتب عن الكثير من الاحداث التي مرت بها الجزيرة العربية والمنطقة ككل خصوصا من بالفترة الواقعة بين عامي 1920 و1930 م .من المؤلفين القلائل الذين كتبوا عن تاريخ الكويت واحداثها , وربطته صداقة بالملكعبدالعزيز رحمه الله .

ماتم ذكره عن قبيلة عنزة ..

بدا ديكسون بالحديث عن اسرة ال صباح وجاء في مستهل حديثه ..

تنحدر اسرة ال صباح النبيلة الاستقراطية من بني عتب ( او العتوب ) وهم اصلا من البدو الخلص , ويشكلون فخذا من بطن الدهامشة من قبيلة العمارت من عنزة شرفاء المنبت والنسب , ويسكنون الان في العربية السعودية والعراق وسوريا .وفي شهر اكتوبر من العام الذي تولى فيه الشيخ عبدالله السالم الامارة اخبرني اثناءحديث دار بيننا انة في حوالي العام 1710 م , اضطر القحط الرهيب والمستمر ال صباح وكانت لهم السيادة في ذلك الوقت على قبيلة عنزة الكبيرة كلها , الى الهجرةمن اراضي نجد الداخلية بحثا عن مكان اقل مشقة يعيشون فية , وخرج معهم ال خليفةوهم اسرة اخرى من العمارات .تحركوا في باديء الامر صوب الجنوب الى وادي الدواسر , ولكن عندما تبينوا ان الاوضاع هناك ربما كانت اكثر مشقة مما هي علية في نجد , عادوا من حيث اتوا وتوجهوا الى الزبارة في شبة جزيرة قطر , تصحبهم عدة عائلات كريمة واقل نفوذامن العمارات . منهم ال زايد ( ويعرفون الان بال غانم ) ( و ال صالح ) ( وال شملان ) .ووفقا للتعبير اللفظي المستخدم في ذلك الوقت ؛؛ عتبت ؛؛ الاسر المهاجرة الى الشمال اي تحركوا نحو الشمال , ومن هذة الكلمة القديمة كما يقول فخامته اشتق اسم بني عتبة , اي القوم الذين عتبوا وانتقلوا , ولم يكن بحال من الاحوال اسم فخذ من بطن العمارات من قبيلة عنزة .

تعليق ..

ذكر ديكسون ان ال صباح ينتمون الدهامشة والصحيح الى البجايدة من السلقا , ويجتمع الفخذان في العمارات .لم يذكر التاريخ يوما سيطرة اسرة ال صباح على قبيلة عنزة كافة , وهذا لم يحدث ولم تتحدث به السنة الرواة , وقد تكون مبالغة كبيرة نتيجة لوضع الاسرة الجديد في الكويت في ذلك الوقت .بالنسبة لهجرة ال صباح من نجد فقد تحدثت بعض الكتب عن هذة الهجرة واسبابها .بعد ذلك ذكر الكاتب ان ال خليفة حكام البحرين , هم وال صباح في الكويت من العمارات من عنزة .

بعد ذلك تحدث الكاتب عن قبيلة عنزة ومما جاء ذكره ..

قبيلة عنزة من قبائل الاشراف التي ينتشر ابناؤها في نجد والعراق وسوريا .وهي اقوى القبائل البدوية جميعا سواء برجالها ( حوالي سبعة وثلاثين الفا من الذكور) , او بما تملكه من الجمال ( حوالي مليون ) .وتنقسم عنزة الى ..
العمارات ..وكان ابرز شيوخها هو فهد الهذال وعندما توفي خلفه ابنه محروت الهذال , وال صباح وال خليفة ينتمون الى العمارات , والواقع ان الشيخ محروت يدعي انه الرئيس الشرفي لهاتين الاسرتين , وقد المح الى ذلك اثناء الزيارة الاخيرة التي قام بهاالشيخ عبدالله ال صباح الى بغداد , وعندما حدثني سموه عن هذة الواقعة اضاف معلقا( وقال ذلك بكل جدية ) .
ومن العائلات المعروفة من العمارات , والتي تقيم في الكويت , نذكر ( ال صالح )
وكبيرها عبدالملك الصالح , و ( ال شملان ) وكبيرها محمد الشملان , ( وال غانم )
وكانت تعرف بال زايد , وكبيرها احمد الغانم , واما الشيخ الحالي للدهامشة فهو ابن مجلاد .

الفدعان .. وشيخها هو ابن مهيد

الرولة ..وابرز شيوخ هذة الجماعة الشهيرةالتي تعيش في نواحي دمشق هو فواز بن نوري ال شعلان . وهناك فخذ لهذة القبيلة هو المصاليخ يدين بولائه لسوريا , والملك سعودنفسة من سلالة المصاليخ , اما ال هذال وال شعلان , الذين يعتبرون انفسهم رؤؤس عنزة بكل فروعها , فيزعمون انهم ارفع شانا حتى من ابن سعود وابنه , الحاكم الحالي.

السبعة ...

استنادا الى ماذهب اليه كارل راسون , مولف كتاب ( خيام شبه الجزيرة العربية السوداء ) , فان فهد المصرب الشيخ الحالي للسبعة , هو احد الخلفاء المباشرين للشيخ مجول المصرب , الذي تزوج السيدة الشهيرة الليدي الن برو .ويقول عن فخذ المصاربة من السبعة , انهم مازالوا يعتبرون من اكثر قبائل الصحراءالكبرى عراقة من ناحية الدم .

ولد علي ...
فخذ هام من عنزة يعيشون غرب نجد , واكبر عائلاتهم المعروفة ال سمير .


تعليق ...

من المعلوم ان للكثير من افخاذ عنزة الكبرى استقلالا بالمشيخة , ولاتتبع افخاذ لافخاذ اخرى , بل تكون لها مناصرة ضد اي عدو اجنبي .بالنسبة لكلمة نقاء الدم ارجح ان الكاتب يقصد نقاء دم الخيل العربية الاصيلة لدى فخذالسبعة لانهم اشتهروا باشهر مرابط الخيل العربية الاصيلة .حينما تطرق الكاتب الى ذكر قبية ولد علي , لم يتطرق الى بعض الاقسام والشيوخ فالحمامدة مثلا يراسها الايداء , والمشادقة يراسها الطيار .


وجاء ذكر للامام محمد بن سعود حيث اشار انه في حوالي عام 1742 نجح محمد بن عبدالوهاب في اقناع محمد بن سعود حاكم العارض بما يدعوا اليه , ومحمد بن سعود
ينتمي لقبيلة المصاليخ من عنزة .


وحينما تطرق الكاتب الى معاهدة المحمرة ذكر انه نظرا لان شيوخ قبائل عنزة العمارات والدهامشة , يمتلكون مساحات من الارض حول كربلاء منذ امد بعيد , فهم يدخلون في عداد القبائل العراقية الاصيلة , ولذلك لامجال لدراسة اوضاعهم .واثناء تناوله موضوع مؤتمر العقير ذكر ان السير بيرسي كوكس سيحضر والشيخ فهد بك الهذال رئيس مجموعة العمارات .وفي تعليق للكاتب ذكر ان السيد بيرسي كوكس اخطأ باحضار الشيخ فهد بك الهذال
معه , لانه هو ونوري ال شعلان من الرولة من عنزة , كانا على قناعة بانهما اكبررؤس عنزة ويدعون انهم اعلى شانا حتى من ال صباح في الكويت وابن سعود نفسة وهو الان سيد الجزيرة العربية , ويرى في مخيمة رجلا من قبيلة يدعي مهما بلغ شانها انه اعلى منه منزلة واشرف نسبا .

تعليق ..

فات على الكاتب ان الشيخ فهد الهذال يمثل ثقلا كبيرا ودورا محوريا في كافة شؤون العراق سياسيا واجتماعيا , وكان يمثل قوة كبيرة في العراق ومؤثرة جدا داخل نطاق العراق وخارجة , ورأيه يعتبر من الضروريات اللازمة في الشؤون العراقية نظرا لتاثيره وتاثير قبيلته الكبير على مسرح الاحداث وجمل الاوضاع في العراق .كانت المهمة الاساسية لمؤتمر العقير تسوية الحدود بين العراق ونجد وتسوية اوضاع القبائل ومراعيها .

جلال الدرعان
03/07/11, (06:40 AM)
الأمير فاتسواف جيفوسكى وقبيلة الرولة




حكاية الأمير فاتسواف جيفوسكى W. Rzewuski 1785-1831
الكاتب د. استاذ مساعد أحمد نظمي
4 / 8 / 2007م





http://www.omda.bg/bulg/HYSTORY/saf,istvan.JPG




لا شك أن بولندا كدولة كان لديها اهتمام كبير بالشرق فقد تجاورت مع دولة شرقية إسلامية وهي الدولة العثمانية لفترة تاريخية ليست قصيرة، كما اتصلت مع شعوب شرقية تسكن في الجنوب الشرقي من أوربا كالأرمن والقوزاق والتتار وغيرهم من شعوب القوقاز.

وقد ظهر الاهتمام بالشرق على مستوى الدولة البولندية من خلال اهتمامها بتخريج عدد من المستشرقين الذين يتقنون لغات شرقية من أجل استخدامهم في أعمال وزارة الخارجية والمبعوثين الدبلوماسين والمترجمين إلى البلاد الشرقية، وعليه فلا يوجد غرابة في محاولتها تأسيس مدرسة للاستشراق للطلبة البولنديين في استنبول كي يتعلموا فيه اللغات الشرقية خاصة التركية والعربية، إلا أن هذا المعهد لم يلاقى نجاحا كبيرا وسرعان ما انتهي دوره بعد وقوع بولندا تحت الاحتلال. وبعد تعرض بولندا لاحتلال ثلاث دول هي روسيا القيصرية وإمبراطورية النمسا والمجر وبروسيا، وعلى إثر ذلك فر الكثير من مثقفي بولندا إلى خارج البلاد أو خضعوا لمستعمريهم وتعلموا على يديهم وفي معاهدهم، وأصبح لدينا جيلا جديدا من المستشرقين.

كما كانت هناك اهتمامات فردية مبكرة بالشرق من خلال مغامرين ورحالة بولنديين سافروا ورحلوا نحو الشرق سواء حبا في الترحال أو رغبة في العلم والمعرفة. . ومن أوائل هؤلاء الرحالة فاتسواف جيفوسكي. وهو من أسرة نبيلة، ابن كل من سيفيرين جيفوسكي القائد العسكري في الجيش الملكي البولندي وأمه كونستانزا من بيت ليمبورسكي، ولد في الخامس عشر من شهر ديسمبر كانون أول من سنة 1785 في مدينة لفوف.

رحل جيفوسكي مع أبيه وهو في صباه إلى مدينة فينا بعد التقسيم الثالث لبولندا، حيث تلقى هناك تعليمه وظهر اهتمامه بالشرق بتشجيع من يان بوتوتسكي الرحالة والكاتب البولندي الشهير. ظهر اهتمامه باللغة العربية والتركية آنذاك وتتلمذ على يد مستشرقين من أمثال جوزيف فون همر المستشرق النمساوي الشهير و ويوليوش كلابروث.

تعلم العربية في فيينا على يد واحد من الرهبان اللبنانيين وهو الأب أنطون عريضه، وهكذا تقرر مصيره وارتباطه بالشرق منذ مطلع حياته للعديد من الأسباب منها حبه للخيول وتلقيه التعليم على أيدي مهتمين بالدراسات الشرقية. كما انخرط منذ مطلع شبابه مع الأوساط البولندية الساعية نحو تحرير بولندا من ربقة الاحتلال الروسي.

وقد برز نشاطه الأستشراقى منذ بداية القرن التاسع عشر فنرى انه ساهم في النشر منذ عام 1808 مع مجموعه من المستشرقيين في المجلة الاستئراقية المتخصص المعروفة تحت عنوان مناجم الشرق Fundgruben des Orients والتي ظلت تصدر حتى سنة 1819، وقد صدر منها ستة مجلدات وقد اشترك في تحريرها العديد من مستشرقي أوربا ومنهم جوزيف فون همر، البارون دى ساسى والمستشرق جوردون وغيرهم [1] وكان عضوا في الكثير من الجمعيات والأكاديميات العلمية في ألمانيا وبولندا.

وبالرغم من السمعة الحسنة التي حصل عليها جيفوسكي في الأوساط الثقافية والأدبية إلا أن المعلومات عنه تعد قليلة وغامضة بعض الشيء ولا تتفق المصادر التي كتبت عنه في التفصيلات التي قد يحتاج إليها الباحث. بدأ جيفوسكي ترحاله في عمر ناهز الثلاثين عاما، حيث كان لديه طموح دائم للسفر إلى الشرق فنرى انه في سنة 1815 أو ربما في 1818 رحل إلى الشرق وزار العديد من البلدان، تركيا سوريا، لبنان، فلسطين، الأردن والعراق، ويبدو أن اهتمامه بحياة البدو وتربية الخيول العربية قد سيطر على فكره خلال فترة حياته. وتذكر بعض المصادر المهتمة بتربية الخيول أن الدافع أو الهدف الرئيسي من سفره إلى الشرق العربي كان من أجل إحضار خيول عربية أصيلة للاصطبلات الاوربية.

فبعد انتهاء الحرب النابليونية في أوربا وبأمر من الملكة اليكساندرا الأولى في فيرتينبورج سافر جيفوسكي إلى الصحراء العربية في 1817 من أجل استحضار خيول لاصطبلات الملكة[2]. وفي هذه الرحلة تواجد في دمشق والمناطق المحيطة بها وفي رحلة ثانية ولنفس الغرض أقام في حلب ، وفي عام 1234هـ / 1819م كان جيفوسكي قد بدأ يدخل في عالم البدو الرحل، وكما نعرف سكن جيفوسكي فترة ليست بالقصيرة في بطن من بطون قبيلة عـنـزة البدوية (شمال المملكة العربية السعودية حاليا) وهي قبيلة الـرولــه وعاش حياتهم وقلدهم في معاشهم وسكنهم ولباسهم، بل وشارك في الحروب القبلية التي كثيرا ما كانت تنشأ بين البدو في الصحراء، وكان يدعى لهم أنه من نسل قبيلة عربية، هاجر جده إلى بولندا " ليخستان"، بل وسيطرت عليه فكرة انه من نسل القبائل العربية وأن أجداده الأوائل قد هاجروا إلى شرق بولندا[3]، ويبدو أن هذه القصة التي اختلقها وكان يرددها على مسامع البدو الذين يعيش بينهم قد سيطرت عليه حتى صدقها هو نفسه. ولقد أطلق عليه العرب أو هو على نفسه اسم الأمير وسموه أو سمى نفسه باسم الأمير تاج الفخر. وتكتفي الموسوعة العامة البولندية بالقول أنه منح لقب أمير في مصر ونسب إلى بيت "تاج الفخر" ولقب بصاحب اللحية الذهبية[4]. وليس لدينا فكرة محددة بالضبط عن الفترة التي قضاها في الشرق وربما يتفق المؤرخين بأنه ربما قضى هناك من 5-6 سنوات[5].

وقد انعكست اهتمامات جيفوسكي على أهم أعماله الإستشراقية، ومن ضمنها مذكراته التي حملت عنوان "عن الخيول الشرقية أو الخيول من سلالة شرقية" وقد يقال أنه عشق الشرق العربي من خلال عشقه للخيول العربية [6]، وقد نشر أيضا سلسلة من المقالات عن هذا الموضوع في مجلة مناجم الشرق [7]، وجاءت مقالاته محلاة بالرسوم الجميلة عن الخيول، وتتميز أغلب لوحاته بالحيوية الدافقة، ويؤكد الباحثون انه هو الذي قام برسمها. ويسود الاعتقاد في الأوساط البولندية أن جيفوسكي يعد واحدا من أهم مربي الخيول الأصيلة في بولندا، ويقال أنه في مطلع شبابه كان يمتلك في اصطبلاته ما يناهز 60 رأسا من الخيول الأصيلة[8]. هذا وقد قام بنشر عدد أخر من المقالات تحوى معلومات عن فقه اللغة وعن التاريخ العربي الإسلامي. نشر أيضا وصفا لرحلته إلى منطقة تدمر في سوريا. وجاء هذا المؤلف تحت عنوان رحلة إلى تدمر، ومصنف عن "ريح الصحراء" وخريطة عن تركيا [9]. ولقد حاول جيفوسكى بعد عودته إلى بولندا ان يهتم بموضوع تعليم اللغات الشرقية وكان لديه مشروعات استشراقية عديدة ومنها إنشاء مجمع علمى في بولندا يهتم بالأستشراق كما انه عاد وفي حوزته الكثير من المخطوطات التي زود بها المستشرقين وكذلك المكتبات وفي سنة 1830 اشترك جيفوسكى في انتفاضة نوفمبر تشرين ثاني 1830 – 1831م ضد الاحتلال الروسي والتي قام بها الشعب البولندي من اجل نيل استقلاله، وتقول المصادر أنه وبفضل خيوله استطاع أن يكون فرقة من الفرسان التي شاركت في هذه الانتفاضة.

وانقطعت أخبار جيفوسكي بعد ذلك الأمر الذي روج لكثير من الشائعات عن ظروف وفاته في موقعة داشوف في 14 مايو ايار 1831 ، أو اختفائه الغامض والتي نسجت من خلالها الكثير من الأساطير التي حامت حول ظروف اختفائه، ومن ضمنها أسطورة مفادها أنه نجا بحياته وفر إلى سافرانيا حيث توجد اصطبلاته وانتقى اثنين من خير خيوله التي حملته مرة أخرى إلى الصحراء العربية، وعاد مرة أخرى إلى الشرق حيث قضى بقية حياته وسط القبائل العربية متنكرا حتى توفي..!.

هذا وقد ألهمت أسطورة جيفوتسكى خيال الشعراء والأدباء الرومانسيين في بولندا. فكان موضوعا لاشعارهم وآدابهم، فكتب عنه الشاعر البولندي مسكيفتش قصيدة الفارس" Rycerz" وكذلك كان ملهما للشاعر سوفاتسكى في قصيدته بعنوان " الفخر بفاتسواف جيفوسكي Duma o Wacławie" “Rzewuskim. وقد استلهم الأدباء البولنديين وخاصة الشعراء منهم شخصية جيفوسكي في أعمالهم وجعلوه عنوانا لقصائدهم مثل فنسنت بولا W. Pola في قصيدته الشهيرة بعنوان القائد ذو اللحية الذهبية، و لودفيغ يابونوفسكي L. Jabłonowski، كما كان ملهما أيضا للرسامين البولنديين، ورسمه الفنان بيوتر ميخاوفسكي Piotr Michaowski في لوحة رائعة على صهوة جوادة في زي عسكري تركي ومعتمرا الطربوش التركي[10]، أما يوليوش كوساك Juliusz Kossak فقد رسمه في لوحة بعنوان جيفوسكي في الصحراء العربية، حيث رسمه على صهوة جواده في زي بدوي مخترقا الصحراء حاملا في يده حربة عربية طويلة[11] ، كما ألف ليون كابلينسكي Leon Kapliński في عام 1881 كتابا عن حياته وتاريخه تحت عنوان "الأمير جيفوسكي" [12] وكتب يان بجوزا عن مغامراته واستلهمه في قصة عن تاريخ حياته بعنوان الأمير جيفوسكي Emir Rzewuski نشرت عام 1969م [13] .

وقد حاول جيفوسكي بعد عودته إلى بولندا أن يوجه اهتمامه نحو تعليم اللغات الشرقية ومنها العربية بالطبع، وكانت لديه مشروعات استشراقية عديدة منها إنشاء أول مجمع علمي في بولندا يهتم بالاستشراق كما أنه عاد من الشرق وبحوزته الكثير من المخطوطات العربية التي زود بها المستشرقين البولنديين والمكتبات المختصة. ولقد أصبح جيفوسكى بعد ذلك علاقة مميزة من علاقات العصر الأدبى الرومانسي، اذ أصبح بطلا للقصص والأشعـار.. وقد كانت لدي فرصة في الإطلاع على بعض مخطوطات الرسوم التي تركها جيفوسكي والمحفوظة في المكتبة الوطنية في وارسو والتعليقات المكتوبة بخط يده على هذه الرسوم وذلك ضمن مذكراته المعنونة Sur les chevaux orientaux et provenants des races orientales''"، وهي المذكرات التي ظلت تنتقل من يد إلى يد حتى أصبحت أخيرا وفي عام 1927في حوزة المكتبة الوطنية البولندية، ويقال أنه حتى عام 1945 لم ير هذه المذكرات سوى 9 أشخاص فقط. ولا شك إن ما خلفه جيفوسكي لنا في هذه المذكرات يهم بشكل كبير علماء التاريخ والانثربولوجي والآثار والدراسات الشرقية والفن والفنانون وفي نهاية الأمر جمعيات ومؤسسات تربية الخيول. ونجد في هذه المذكرات أكثر من 400 لوحة رسمها جيفوسكي بريشته، الغالبية منها ملونة وتعبر عن الحياة البدوية وانطباعاته عن الصحراء، والمدن والأسواق والأماكن التي زارها. كما ترك نوت موسيقية مكتوبة بخطه عن الألحان العربية والبدوية القديمة التي سمعها وسجلها بقلمه والتي بلا شك تعد قيمة ثقافية كبيرة للمتخصصين والمستشرقين ،وتمثل الحصان العربي في الكثير من هذه اللوحات بل واعتبرت رسومه عن الجواد العربي معبرة عن الحس البولندي ودرجة عشقه للخيول العربية الأصيلة والتي نجد نسخها المصورة حتى الآن تزين جدران العديد من البيوت البولندية وصفحات الكتب والمجلات المتخصصة في الفن والخيول.

والحقيقة فأن الحكومة البولندية وفي زيارة لأحد أمراء البيت السعودي في عام 2007 لم تر هدية أفضل من رسوم جيفوسكي لإهدائها إلى الضيف الزائر باعتباره أنه عاش على الأراضي السعودية وبين قبائلها في يوم من الأيام، فقامت بإهدائه نسخ مصورة من هذه الرسوم مع ترجمة للحواشي المسجلة بخط المؤلف على هذه الرسوم إلى اللغة العربية.

من قصيدة الشاعر يوليوش سوفاتسكي الفخر بفاتسواف جيفوسكي Duma o Wacławie" “Rzewuskim




كان فارسا، سافر عبر البحار
استراح تحت نخلة
واستظل تحت شجرة سرو
مع صلاة العربي

كان في رحاب مكة
وحيث شاهد قبر الرسول
جواده العربي الأبيض دون شائبة

ومرات سبع عبر به سهول غزة
ووقف أمام الكنيسة وابتهل وسجد
مثلما يفعل المسافرون في سوليمي

أرشدته النجوم في رحلته عبر السهول
حاملا حياته في طرف حربته المجنحة
تائه في العالم واضعا ثقته في خنجره
فقد منحته اياه فتاة عذراء




نقله : عارف الشعيل ، منتدى الرولة .




الهوامش
---------------------------




[1] J.Ostrowski. Wacław Rzewuski w literaturze i sztuce-prawda i legenda, Orient i Orientalizm w sztuce, Materiały sesje stowarzyszenia Historyk&oacute;w sztuki, Krak&oacute;w 1983.pp193,195.
[2] Horse Sport , http://www.horsesport.pl (http://www.horsesport.pl/)
[3] J. Raychman. Wacław Rzewoski – Tadź al-Fahr”Kontenenty” 1965 No 7 pp.38-39. J. Ostrowski, op.cit.p.196.
[4]Encyklopedia Powszechna, Tom V.
[5] Jan Brzoza, Emir Rzewuski, Nasza Księgarnia, Warszawa 1969, pp. 100,101
[6] J.Raychman. Ibid
[7] نجيب العقيقي. المستشرقون، المصدر السابق ج. 2 ص 90.
[8] Horse Sport , http://www.horsesport.pl (http://www.horsesport.pl/)
[9] نجيب العقيقي. المستشرقون نفس المصدر .
[10] J. Ostrowski. op.cit.pp. 197-198
[11] Horse Sport , http://www.horsesport.pl (http://www.horsesport.pl/)
[12] Leon Kapliński, Emir Rzewuski, Poznan 1881.
[13] Jan Brzoza, Emir Rzewuski, Nasza Księgarnia, Warszawa 1969.
..

جلال الدرعان
03/07/11, (06:46 AM)
تقرير خورشيد باشا عن نجد (1255هـ/1839م) ..



مقالة لإبراهيم بن سعد الحقيل - في مجلة العرب - عدد الجمادين(جمادى الاول وجمادى الثاني) - 1429هـ


توطئة

تعدّ التقارير الرسمية التي كتبها قواد الحملات المصرية على الدولتين السعوديتين الأولى، والثانية، من أهم المصادر التي تصور نجدًا تصويرًا دقيقًا، قائمًا على المعاينة والرصد، كما أنها تتناول أمورًا لا نجد مثلها في المصادر التاريخية التي اهتمت بالأحداث والوقائع التاريخية. وعلى الرغم من أنها كتبت من وجهة نظر القوة الغازية، إلا أنها تبقى مادة خصبة، تمدنا بالكثير عن الأحوال في الجزيرة العربية، في الفترة الممتدة من 1226هـ إلى 1256هـ.
من تلك التقارير، التقرير الذي كتبه خورشيد باشا، قائد الحملة المصرية التي أنهت الدولة السعودية الثانية، في طورها الأول، وأرسلت الإمام فيصل بن تركي(1) إلى القاهرة، سنة 1253هـ. وحكمت أراضيها، باسم الأمير خالد(2) ابن سعود 1253-1256هـ.

أولا: مصدر الوثيقة

الوثيقة محفوظة في دار الوثائق القومية بالقاهرة، في المحفظة ذات الرقم: (267) ورقم الوثيقة (163) حمراء. وقد نشرها الدكتور عبدالرحيم عبدالرحمن عبدالرحيم، في كتابه القيم: "محمد علي وشبه الجزيرة العربية"، الجزء الثاني، من صفحة 551 إلى صفحة 559.
كما ذكر مضمون الوثيقة الدكتور عبدالعزيز عبدالغني إبراهيم، في كتابه: "من وثائق الأرشيف المصري في تاريخ الخليج والجزيرة العربية" 304.

ثانيًا: تاريخ الوثيقة

الوثيقة مؤرخة بتاريخ 29 جمادى الأولى 1255هـ الموافق 10 أغسطس 1839م.

ثالثًا: سبب كتابة الوثيقة

بعد اندحار القوات العثمانية أمام جيوش محمد علي(3)، توصل الطرفان إلى معاهدة كوهاتيه(4) في سنة 1248هـ. بعد تلك المعاهدة أخذ محمد علي يوسع نفوذه، تمهيدًا لمفاوضات أخرى، يقضم فيها من أراضي الدولة جزءًا، حسب مواقع سيطرته. لذلك شمر عن ساعد الجد، وأرسل حملة عسكرية يقودها إسماعيل بك(5)، وبصحبته الأمير خالد بن سعود، لتُحكم سيطرتها على أراضي الدولة السعودية الثانية(6)، والحملة تعيث في نجد جرت المفاوضات التي كان محمد علي يؤملها، في أوائل سنة 1253هـ. اتفق الطرفان فيها على أن تكون مصر، والجزيرة العربية لمحمد علي وراثة، والشام مدة حياته(7). كما كلف خورشيد باشا بقيادة فرقتين تعسكران في الحجاز سنة 1251هـ(8). وبعد فشل حملة إسماعيل، كُلف خورشيد بحملة قوية. انطلقت من المدينة المنورة، فوصلت نجدًا في شهر صفر، من سنة 1254هـ(9). استطاعت أن تبعث بالإمام فيصل بن تركي إلى القاهرة، وتنهي الدولة السعودية، وتسيطر على أراضيها.
طلب محمد علي من خورشيد تحديد الواردات التي يمكن أن تستخلص من تلك الأراضي، والطريقة المثلى للسيطرة عليها، وإدارة الجنود فيها. وفي ذلك يقول خورشيد في رسالة لمحمد علي باشا: وصلت لي إرادة ولي النعمة ذي المكارم المعتادة في 19 ربيع الأول 1255هـ الآمرة بأن نبيّن ما يحصل من الواردات من الْمَحال(10) التي ينصب لها أمراء ، وكيف يمكن إدارة العساكر، وما هي الفائدة التي تعود على الحكم... اهـ(11).
كل ذلك دعا خورشيد باشا إلى خَرْص(12) جميع الثمار في نجد والأحساء(13). وكتابة تقرير مفصّل عن نجد، ليرى محمد علي رأيه في إدارة هذه المنطقة.

رابعًا: التعريف بكاتب التقرير

هو محمد خورشيد باشا، هذا اسمه الذي وصل إلينا، مما يدل على أنه مملوك حيث لم يعرف أبوه. وهو من أصل ألباني. قدم مصر صغيرًا وتعلّم بها، وبرز قائدًا من قواد محمد علي، فعيّنه محافظًا لمكة في أوائل سنة 1248هـ، فثار عليه الجند فيما يعرف بحركة تركجة بيلمز، فاسْتدعي إلى مصر، وعُيِّن قائدًا لكتيبتين فتوجه إلى الحجاز في 24/7/1251هـ. ثم عيّنه محمد علي باشا محافظًا للمدينة المنورة، ثم قائدًا للحملة المصرية على نجد التي انتهت برحيل الإمام فيصل، وأصبح خالد بن سعود الكبير حاكمًا اسميًا، فيما كان خورشيد هو الحاكم الفعلي، من مقره لذي اتخذه في ثرمداء(14). وفي سنة 1256هـ صدرت الأوامر إليه بالرحيل، وإخلاء نجد طبقًا لبنود معاهدة لندن. حيث عُيِّن وكيلاً للجهادية، ثم مديرًا للدقهلية، حتى توفي في المنصورة سنة 1265هـ(15). وقد عُدَّ من كبار قادة محمد علي باشا(16).
ومن خلال ما وصل إلينا من أخباره في نجد، فقد كان حكيمًا، غير مبادر إلى سفك الدماء، يوقّر العلماء لم يتعرض لهم بسوء(17).

خامسا: نصُّ التقرير

تقرير بخصوص واردات نجد وأحوالها
البند الأول

إنّ بلاد نجد القصيم(18) ويتبعها ثلاثة وأربعون قرية، وجبل شمر(19) ويتبعه تسع عشرة قرية، الوشم(20) ويتبعه اثنتا عشر قرية، والسدير(21) ويتبعه عشرون قرية، فجميع بلاد نجد عبارة عن مئة وثمان وستين قرية.
والأحساء(22) يتبعها أربع وأربعون قرية، والقطيف(23) يتبعها سبع عشرة قرية، وعاداتهم القديمة أنهم يعطون من السنة إلى السنة عن كل مئة صاع خمسة صيعان من الغلال، وعن كل مئة آقة من التمر آقة(24). والصاع معناه أنّ كل صاعين ونصف يساوي ربع مصري(25).
وإيرادات الأحساء والقطيف من الجمرك أسبوعيًا هو ثلاث مئة فرانسة إلى أربع مئة(26).
وقد لاحظنا أنّ البلاد وإن كانت تحت استيلائنا، والأمان مخيَّم عليها، ولكن كل شخص وسلاحه معه، حتى اليوم. وبما أنّ في كل بلد بعضًا من الرجال المعتمدين، الذين خدموا في أيام عبد العزيز(27) وسعود(28) وعبدالله(29) وتركي(30) وفيصل، فإنّ إبطال عاداتهم القديمة، وإيجاد ترتيب آخر، يغيّر الحالة ]متعذر[(31)، ولذا رأينا أن نُبقي عاداتهم القديمة كما هي عليه.

البند الثاني
ولقد أرسلنا لكم كشفًا ضمن كتابنا هذا بالزكاة التي أخذت منهم حسب عاداتهم القديمة، وكشفًا آخر بالغلال التي اشتريت، ومتى ما ضبطنا الأمور على الوجه اللائق فيما بعد، وصار ترتيبها على الوجه المناسب، وأخذنا البدو تحت الطاعة بكل ضبط وربط، المظنون أنه يحصل من نجد مئة ألف، أو مئتي ألف فرانسة، أو أقل أو أكثر. وهذا محتاج لعدة سنوات.

البند الثالث
إيرادات حكام نجد، هو ما يدفعه أكثر البدو من الزكاة(32)، على الوجه الحق، ]و[ من العوائد التي تؤخذ من القوافل القادمة والرائحة بينها وبين العراق، والبصرة، وبغداد، والكويت، وسوق الشيوخ(33)، وبلاد الحرمين، واليمن، هذا وإذا لم يحصل عدوان في طريق نجد.
أمّا في عهد سعود فكان أكثر مكسبه من حجاج العجم، بقدومهم من طريق بغداد،(34) فلا يتعرض لهم احد بسبب سعود. فإذا حجوا وأرادوا العودة فإنهم يدفعون لسعود عن كل شخص عشرة أو خمسة عشر ذهب(35) يلديز، وهي العوائد التي سيدفعونها للبدو، فكان يربح سعود من هذه العوائد شيئًا كثيرًا.
ولكن عرب نجد متفرقون اليوم، وكل واحد منهم في جهة، لعدم اطمئنانهم إلينا وبالرغم من ادعائهم باللسان والتحذير(36) أنهم خدم لنا، إلا أنهم يقفون منا بعيدًا، فلذلك لم يدفعوا الزكاة بعد، ونحن لم نطلبها. وإذا فرضنا أنّ حجاج العجم جاءوا على عوائدهم القديمة فربما قتلهم العربان في الطريق، وإذا ضربوا أو قتلوا يزول ما هو عائد للدولة المصرية. وأنّ بعض العجم ولو أنهم طلبوا منّا أن يذهبوا للحج من الجهة التي تحت حكمنا، ولكننا لاحظنا هذه النقطة فلم نرخص لوكلاء العجم الذين هم من أولاد العرب لذلك. وأنّ هذه المنفعة الميرية(37) المذكورة أعلاه منوطة بتأمين الطرق وإصلاح حال العرب. وإننا من الآن فصاعدًا ناظرون لتوطيد الأمن في الطرق ومتابعة النظر. وهذا منوط بوقته وزمانه بمشيئة الله تعالى.

البند الرابع
إنّ سبب إرسال الفداويين(38) من أهل نجد إلى بلادهم هو أنه كما ذكرناه آنفًا، والحالة هذه أنّ أهل نجد تحت السلاح، وهؤلاء الفداويون كانوا يستخدمون من طرف حكام نجد لأجل أخذ الرسوم من البدو الذين لا يعطون الزكاة، ولأجل تسكين البلاد، ولمنع البدو الذين لا يسوقون الرواحل المطلوبة منهم. من أخذ ما هو مدار لقوتهم(39). وبما أنهـ]م[ يعرفون عادات بعضهم بعضًا، فإنهم يألفونهم. ومادام الحال كما ذكر إذا وضعنا عسكرًا، فنظرًا لخشونة طباع الطرفين نحن وهم، فإنه ينشب القتال فيما بينهم -كما هو الواضح- والآن نحن على أهبة التخلص من أولئك الفداويين، وإنّ ما يقتضي لأولئك الفداويين يأخذون جانبًا من مدار معيشتهم منا وجانبًا منه من البلدان، وهذا هو سبب استخدامهم.

البند الخامس
إنّ من البلاد العامرة في نجد عنيزة(40)، وسبب عمرانها لكون أهلها رجال تجارة، وهم على الدوام في حالة سفر، ما بين بغداد، والبصرة، والكويت، والبحرين، وأرض الحرمين، لأجل التجارة. ووادي الفَُرع(41) هو عبارة عن: الحوطة(42)، والحريق(43)، وحلوة(44)، ونعام(45)، وكل هذه البلاد عامرة، ولكن طرقها حرون. وعن يمينها ويسارها الجبال الشامخة، ونخلها مقارب لنخل الأحساء، وأهاليها كثيرون ومحاربون. ونظرًا لقوّتهم وكثرة أسلحتهم، وأنهم وإن كانوا أُدخلوا تحت الطاعة والانقياد ولكنهم لا يثقون بنا -مع أنهم تحت الأمان-، وسبب عدم ثقتهم بنا وقعة إسماعيل بك(47)، فهم على خوف منّا؛ لذلك فإن كان يؤمل منهم منفعة ما فإنما ليكون بمعاونتهم، لسبب ما ذكرناه آنفًا. ولكوننا نصبنا زويدًا(48) أميرًا عليهم، وأرسلنا معه مقدارًا من الفداوية، وإن شاء الله يحصل لنا منهم النفع.

البند السادس
إنّ حضرة صاحب الدولة والسر عسكر(49) عنوان الظفر لما شرَّف أراضي نجد أدب أهل نجد بالسيف، وقتل منهم رجالاً كثيرة، ولكن أهل نجد -والحال على ما ذكر- راضون عن أفندينا(50) السر عسكر، وشاكرون له. وبينما أهل نجد في هذه الحيرة وإذا بالمرحوم حسين بك(51) وحسن بك(52) جاءا وجعلا نجدًا خرابًا يبابا، وكان يعطي الأمان لبعضهم فإذا جاءوا عنده قتلهم(53). فلهذا كان من وراء ذلك خسائر كثيرة. ولم يكتف بما فعله بالرجال، بل تجاوز في عدوانه حتى وصل إلى النساء. ومن أجل ذلك أصبح أهل نجد مسلوبي الأمان والاطمئنان لنا، ولم يزالوا في خوف. وإنّ منهم من هو حتى اليوم في أطراف العراق، فإذا كلفناهم اليوم بشيء خارج عن حدود القانون فإنّ فرارهم قريب (محقق) بعد المقاتلة. وإنّ تحصيل المنفعة منهم محتاج لوقت طويل. وكما أنّ جزيرة العرب بيد الحكومة المصرية فإنّ الاستيلاء على نجد أمر لا بد منه.

البند السابع
إنّ آل سعود لما حكموا نجدًا حكموها باسم الدين. فإنهم نظموا الإيرادات وفق الشريعة، فكانوا يأخذون الزكاة عن الغلال خمسة أرادب(54) عن مئة إردب، وخمسة قناطير(55) من التمر، عن مئة قنطار. وإذا كان في بلدة رجل غني فقد كانوا يطلبون منه زكاة المال، ويعبّرون عنه بزكاة العروض(56)، وذلك الغني يعطيهم ما تسمح به نفسه. فإذا ذهبوا لغزوة فانتصروا فيها أخذوا عن كل خمسة من الإبل جملاً(57)، وعن كل خمس رؤوس من الغنم، خروفًا. فأمّا في أيام سعود فقد كان وارده من البحرين، وعمان، ومسقط، وصنعا، وغيرها من مختلف الجهات، ومن الشريف حمود أبي مسمار(58) في اليمن ما بين خمسين ألفًا إلى ستين ألفًا من الفرانسة(59) في السنة. كما كان يأخذ من الجهات المذكورة نقودًا كما ذكرنا. وكان وارده من الأحساء(60) ومن البدو(61) يبلغ تارة مئة وخمسين ألفًا من الفرانسة، وتارة مئتي ألف. وكان يحصل له وارد من حجّاج العجم كلي وجزئي، بحسب كثرتهم وقلتهم. وما ذكرناه فهو بعد التحقيق فلا كذب فيه، لأنّ هذه الوضعية شيء من الظهورات(62). وبسبب العصيان الذي يحصل في نجد في بعض الأحيان، فقد كان له قانون يسمى بيت المال والنكال(63)، فتارة يطبّق، وتارة لا يطبّق. وهذا من جملة الظهورات، فلا يمكن إعطاء الجواب القطعي عنه.
أمّا قرى نجد فإنّ وارداتها ما ذكرنا آنفًا، وهو الرسوم التي تؤخذ من التجار المتمردين، وذلك شيء جزئي، ولم توضع على قرى نجد مطلوبات بجميع أنواعها، لأنها ضعيفة الحال من جهة، ومن جهة أخرى أنّ إدارة تلك الجهات الكثيرة إنما يكون إذا صارت نجد حضرية، فمن أجل ذلك أنّّ آل السعود لم يضعوا عليها تكاليف، ولا وضعوا لها قوانين غير دعوتهم للخدمة العسكرية. وهم يعاملون حسب عاداتهم القديمة على هذا المنوال.

البند الثامن
إنّ بسبب ما ذكرناه عما كان في أيام حسين بك، وحسن بك، من الأمور، فإنّ أكثر أهل نجد منهم من سرح إلى بغداد، ومنهم من ذهب إلى البصرة، ومنهم من قصد سوق الشيوخ، ومنهم من توجه نحو الكويت، والبحرين، وعمان، إمّا بأهله وعياله، وإمّا بمفرده، ليس معه غير سلاحه؛ وإنّ أكثر أهل نجد اليوم في تلك الجهات. وأمّا من ترك أهله في نجد فإنه إن بلغه أنه حدث حادث في نجد أخذ سلاحه ويمم نجدًا للقتال، حتى إذا فرغ منه عاد من حيث أتى، حتى إنه في محاربة فيصل حدث أنّ الذين حاربوا جاء فريق منهم من هنالك، وبعد ما انتهى القتال عادوا راجعين. وإنّ الموجودين منهم في نجد من مدة هم على هذا المنوال، إلا أنهم خارج بلادهم. والقسم الآخر يده على أذنه وأذنه على يده (كناية عن سرعة التأهب للتروح)، فإذا رأى أنه لا طاقة له بالمقاومة انسحب، وذهب إلى إحدى تلك الجهات، مترقبًا الفرص. فإذا كان الأمر(64) أي كأنه دار ذات بابين. فإنّ الأمور التي يراد إجراؤها حكوميًا ليست بالسهلة، بل هي أمور تحتاج إلى وقت كما لا يخفى.

البند التاسع
عمران نجد وخرابها منوط بكثرة الأمطار وقلتها. فإن هطلت بكثرة كان العمران، وإلاّ كان الجدب والقحط، حيث تنضب الآبار فلا يبقى فيها ماء. ومن عجائب قدرة الله تعالى أنّ الأمطار التي توالى هطلها منذ ست سنوات أو سبع، لم ترو الأرض ريًّا كافيًا، فزاد الحال سوءًا، سنة بعد سنة(65)، وفي هذه السنة لم يبق ماء بالكلية في قرية عيينة(66) من قرى العارض، ولا في القرى الثلاث التي في طرف السدير(67)، فتركها أهلها، وذهبوا إلى الجهة السفلى منها. فلمّا يكون الرخاء والخصب تكثر الزكاة، ويكثر الأخذ والعطاء، لكثرة المتعاطين، لذلك تكثر المنفعة الميرية من ذلك.

البند العاشر
بما أنه لم يمكن العلم إلى يومنا هذا بقدر الإيراد الذي يحصل من نجد فإذا جاء الكتبة الذين طلبناهم من مصر خصيصًا كتابًا لهذه المسائل، وأقمنا عليهم مباشرة فيقيد الخراج الذي يؤخذ من البدو، ومن الغلال والتمر الناتجة، وما يؤخذ من أهل نجد في دفاتر الحسابات، ثم يقدم شهرًا فشهرًا حيث يعلم مقدار الإيراد.

البند الحادي عشر
معنى نجد قوة البدوي وقدرته، لأنّ أولئك البدو إذا صار إدخالهم تحت إطاعة الحكومة، كما يجب أن يجبى منهم الزكاة، مبلغ سبعين إلى ثمانين ألف فرانسة، وإذا سلمت القرى من شرهم زادت عمرانًا، ويحصل مقدار من الإيراد من الحضر ومن البدو.
وإنّ البدو جميعهم وإن كانوا اليوم تحت الأمان بصورة رسمية ولكن الحقيقة أنهم يعطون المقدار الذي يريدونه، وما لا يريدونه يرفضونه، قائلين: لا يكون هذا. وهذا جوابهم الشافي، وهذه مناطة على ضبط وربط المصالح المذكورة. كما أنّ ضبط أمور البدو وربطها تحتاج إلى القوة والوقت؛ لأنّ عرب قحطان(68) عبارة عن عدة قبائل كبيرة، ومساكنهم من الرس(69) حتى وادي الدواسر(70)، إلى أن تصل إلى عسير(71)، وهو المعبّر عنه عندهم بالجنوب أي الطرف القبلي لنجد. ويشاركون جهات: الرانية(72)، والخرما(73)، وتربة(74)، وبيشة(75)، وطرف نجد القبلي(76) الذي هو الدلم(77)، والعارض(78)، ووادي الخرج(79)، والحريق، والأفلاج(80)، ووادي الدواسر، فإذا لم يدخل أولئك العرب تحت طاعة الحكومة الدخول اللائق، فلا يرجى منهم أيّ منفعة، فضلاً عن الضرر الذي يعود على تلك الجهات. وهذا أمر معلوم.
وعتيبة(81) أيضًا قبيلة كبيرة، ولها توغل وتوسع حتى جهات مكة، والطائف، والمدينة، ومن جنوب نجد، إلى الرس، والشقراء(82)، والشعراء(83)، وقرى الدوادمي(84)، وحتى ما يجاور مكة، والطائف، والمدينة، لهم اشتراك مع أهلها في كل أمر. فضبط أمرهم وأمور قحطان وربطها لا يمكن أن يكون بقوة نجد فحسب، بل هو متوقف على معاونة أرض الحريق(85)، فإذا حصلت المعاونة فإنّ المتعة(86) التي تحصل سواء من جهة استخدام أهلها، أو كانت من جهة أخذ الزكوات منهم.
وقبيلة مطير(87) قبيلة كبيرة أيضًا، وهي وإن لم يكن لهم جهة معينة في أرض نجد ولكنها بسبب كونها من القبائل الكبيرة القوية، فإنها بقوة سواعدها تسيِّر أنعامها ومواشيها، في مراعي ديار قحطان، وعتيبة، وعنـزة. وتأخذ الكيل من قرى نجد ومن الأحساء والبصرة، وتروح وتغدو ما بينها، وهم يتقاتلون ويتضاربون مع أولئك القبائل، من أجل المراعي، والكيل، بمعاونة حكام نجد. فتارة يتغلَّبون وتارة يُغلبون، وكلاهما بمعاونة حاكم نجد. وهذا هو حالهم.
أمّا عنـزة(88) فهي عبارة عن قبائل كثيرة، فيها من هو في جهة الشام، وفيها من هو بجهة بغداد، وقسم منها في نجد، ومساكن هذا القسم خيبر(89)، القريب من المدينة المنورة، والحناكية(90)، ومن حدود جبل شمر حتى القصيم، ولهم اشتراك في القصيم، لأنّ الحضريين يدَّعون أنهم من عنـزة، وقاعدة قانونهم على هذا الوجه. وهم ينتقلون ما بين الجزيرة(91) التي بجوار بغداد، حتى تلك النواحي، على هذا المنوال. ويسمح لهم بذلك. وأحوالهم هي عبارة عما ذكر، وحصول الفائدة منهم متوقفة على استيلائنا على الشام والعراق بتعب زائد.
وقبيلة شمر(92) قبيلة كبيرة أيضًا، وهي أكثر عددًا من عنـزة، وموطنهم الأصلي جبل شمر، ويسكنون في الطرف الشمالي من الجزيرة، المسماة سفوف(93)، في جوار بغداد. وهم معدودون أنهم في حكم بغداد. والتابعون إلى نجد هم أهل جبل شمر، ويبعد عن ذلك المحل (سفوف الجربة) مسافة أربع عشرة مرحلة(94).
وحيث إنّ الساكنين حتى منتصف الطريق هم من عرب جبل شمر، فإنهم تحت حكم عبدالله بن رشيد(95)، والنصف الآخر تحت حكم شيخ سفوف الجربة(96)، وهو الذي جاء في هذه السنة من إستانبول. وبما أنّ العرب المذكورين ينقسمون إلى قسمين لا يصعب الهجوم عليهم. وحيث إنّ عبد الله ابن رشيد منهم فإنه يأخذ منهم مقدار الزكاة بمساعيه، ويستفاد من استخدامه نوعًا ما. وأولئك العرب (عرب شمر) وإن كان يؤمل منهم منافع جمة، وفوائد كلية، ولكن من حيث إنّ ديارهم مقسومة قسمين، فإذا طبّقنا عليهم من هذا الطرف، انصرفوا ذاهبين إلى سفوف الجربة، في الجزيرة المذكورة، وإذا ضُيّقوا من تلك الجهة، شدّوا رحالهم، وجاءوا إلى جبل شمر. وإنّ مشيخة سفوف الجربة بسبب حصولها من إستانبول كما كانت عليه من قبل فقد عاهد شيخها الدولة (العثمانية) على أن يخدمها(97) بعشرة آلاف جمل، وألف رأس من الخيل، يقدّمها، وبقي شيخًا كما كان عليه من قبل. وجاء إلى محله وطلب من عرب شمر المقدار المطلوب، فلم تجب العرب طلبه. وقامت ثلاث قبائل منهم وجاءوا إلى جبل شمر، الذي هو بطرفنا، وشرذمة منهم نزلوا على عيسى(98)، حاكم سوق الشيوخ. ومن أجل ذلك ما أمكن غير الحصول على ألف أو ألفي جمل، ومئة رأس من الخيل، من أصل المطلوب. وسبب ذلك ما قلنا آنفًا.
وإنّ قبيلة عنـزة قريبة منهم، فإذا ضيّقنا عليهم لا يمكن أن نحصل منهم على فائدة تذكر، نظرًا لعلاقتهم بالشام والعراق.
وقبيلة السبيع(99)، والعجمان(100)، ]و[سهول(101)،]و[ بني خالد(102)، والدواسر(103)، وبنو هاجر(104)، هم من العارض إلى وادي الخرج والأفلاج في الطرف الشمالي من وادي الدواسر. وهم متقلبون غادين رائحين في الوديان والجهات، التي في نهاية جزيرة البصرة، منتهين إلى الأحساء، والقطيف والكويت، وهم معدودون من أهل تلك الجهات، وتعدّ تلك الديار ديارهم. وهؤلاء قبائل كبيرة، وهم أقوياء، ولكن جفاة غلاظ، ومحل معيشتهم في الأكثر الأحساء، والقطيف، وهم قائمون بالخدمة في تلك الجهات، ومنفعتهم لنجد قليلة، ولكن ضررهم كثير.
وبما أنّ لهذه الأجناس المتباينة حكومات مختلفة ما أمكن أخذهم تحت الطاعة، كما يجب. فإذا أمكن الاستيلاء على تلك الجهات التي يحتلونها، فإنّ الأمل أن تكون الفائدة منهم كثيرة، ونحن نعاملهم بالمراوغة والحيلة، نظرًا للمحذورات التي ذكرناها.
سيدي سني الهمم، صاحب الدولة والعاطفة:
بناءً على المحذورات التي ذكرناها في هذا التقرير عن البدو والحضر، فإنها وإن تكن كلية، إلا أنّ إيراد نجد منهم وبمعرفتهم حاصلة. وحيث إنّ أحوالهم كما بسطناها ما أمكن إعطاء تقدير حقيقي عن الإيراد، لأنه بسبب بعض الضرورات محتاجة للوقت، وبعض الجهات يلزم إدخالها تحت إدارة الحكومة المصرية، وحيث هذا محتاج للوقت، وعندها تحصل المنفعة.
وهذا ما بادرت لعرضه ملاحظًا ما ذكرته سيدي.

في 29 جمادى الأولى 1255 - 10 أغسطس 1839
مير ميران(105) خورشيد
الختم

قراءة التقرير

1- في ثنايا التقرير شيء من التناقض -وهو قليل- وبعض الإيهام. كقوله: وإنّ الموجودين منهم في نجد من مدة هم على هذا المنوال، إلا أنهم خارج بلادهم. اهـ. فكيف يكونون في نجد وهم خارجها؟ وقوله: معنى نجد قوة البدوي وقدرته، لأنّ أولئك البدو...الخ. ومثل ذلك كثير مما يلاحظ في التقرير. ومردّ ذلك أنّ الترجمة لم تكن دقيقة، بل إنّ المترجم الذي كتب المرفق العربي مع التقرير الأصلي الذي كُتِب باللغة العثمانية كان ضعيفًا في العربية. فأسلوبه ركيك، كثير الأخطاء في بديهيات اللغة، كالضمائر، وأسماء الإشارة. بل تحتاج بعض الجمل إلى تكرار تأمل، لاستخراج المعنى المقصود.
2- ضرب صفحا عن تعداد قرى بعض المناطق مثل: العارض ومناطق جنوب نجد، فيما عدّ قراها وهو يورد العدد الإجمالي لقرى نجد حيث إنّ المناطق المذكورة عدد قراها المثبت ثلاث وتسعون قرية (93)، فيما ذكر أنّ العدد الإجمالي لقرى نجد مئة وثمان وستون قرية (168) قرية.
3- نجد اختلافًا كبيرًا بين العدد الذي ذكره التقرير مع الأعداد التي ذكرها الرحالة بلجريف إبان زيارته لنجد التي قام بها في سنة 1280هـ. رغم أنّ الفارق الزمني لا يتجاوز خمسًا وعشرين سنة (25) حيث إننا نجد أعداد القرى عند بلجريف(106) تزيد في العدد الإجمالي وفي أكثر المناطق.
4- أولى محمد علي السيطرة على نجد أهمية كبيرة، ليتسنى له السيطرة على شرق الجزيرة العربية، وليتمكن من وصل مناطق نفوذه، التي شملت مصر، والشام، وعسير، وكانت تلك المناطق ستوضع تحت حكمه، حسب اتفاق تم التوصل إليه مع العثمانيين سنة 1253هـ(107)، فكانت تلك الحملة نتاج ذلك الاتفاق، الذي لم ينفّذ. لذلك ذكر خورشيد أنّ المنفعة من نجد تحتاج إلى وقت طويل، كما أنه بين لسيده محمد علي أهمية الاستيلاء على شرق الجزيرة العربية، وذكر لسيّده أنّ ذلك له منافع كبيرة؛ وذلك ما حصل، حيث استولى خورشيد على الأحساء، والقطيف، وسعى في مفاوضات مع شيخ البحرين(108).
5- إنّ تلك الحملة لم تكن حملة تدمير، ووأد قيام دولة وسلطة، مثل الحملات السابقة. بل إنها حملة تضع نصب عينيها إنشاء كيان يرتبط بسلطة محمد علي باشا، من أجل ذلك قام خورشيد بسبر الأحوال النجدية، ليتمكن من إقامة حكومة مستقرة، تجني المنفعة من نجد، ولا تكون عبئًا ثقيلاً على حكومة مصر.
6- إنّ معرفة خورشيد باشا بأوضاع نجد جيّدة، رغم المدة القصيرة التي قضاها فيها، ولاشك أنّ جلَّ هذه المعلومات استقاها ممن جمعهم حوله، من رجال نجد الذين عملوا في الدولتين السابقتين .
7- يدل سرده الصحيح لحكام الدولتين السعوديتين، الأولى، والثانية، على اطلاع ومعرفة تامّة، بالأحوال السياسية النجدية؛ مما يعطي المصداقية لكثير من المعلومات الواردة في التقرير.
8- اهتم التقرير بالإيرادات التي يمكن أن تجبى من نجد، حتى يتسنى له تقدير الفائدة المرجوة من الاستيلاء عليها، وضمها إلى مملكة محمد علي باشا.
9- كانت سياسة خورشيد في حكم نجد هي الاحتفاظ ببعض الأمراء والقادة والفداوية، الذين عملوا في الدولتين السعوديتين، وقد ذكر منهم زويد مملوك الإمام تركي، الذي عُيِّن أميرا على بلدان وادي الفرع. وكان ذلك الإجراء ضروريًّا بالنسبة لخورشيد لعدة أسباب هي:
أ- معرفتهم التامة بالمناطق النجدية التي يديرونها، فلا يخفى عليهم شيء من أمورها وأمور أهلها، في الشدة والرخاء.
ب- إنّ لديهم القدرة على التعامل مع أهل نجد، فهم منهم، وقد خبروا طباعهم، وطرق عيشهم.
ج- إنّ ذلك يعطي أهل نجد الأمان والثقة، في حكم خورشيد، فتقلّ القلاقل والاضطرابات، وتنعدم الممانعة والرفض لهذا الحكم .
د- إنّ الحكم الجديد الذي يقف خورشيد على رأسه يُرجى له الاستمرار، لذلك لا بد من الاعتماد على رجال يبدون تعاونًا مع خورشيد وقواده، من أهل البلاد الأصليين.
10- الاعتراف الصريح بأنّ القتل، والغدر، والخيانة، والتعدّي على الأعراض هي أهم أسباب مقاومة الحكم الجديد، لأنّ الثقة معدومة في قادة وجنود محمد علي، والخوف من تعدّيهم وظلمهم قائم مستمر.
11- القناعة التامة لدى خورشيد باشا بأنّ أهل نجد لن يتركوا سلاحهم، حتى لو استتب الأمن، وأنهم على استعداد دائم للقتال، سواء من هُم في داخل نجد، أو الذين يعيشون خارجها، في المناطق المجاورة. وبيّن سبب ذلك أنه انعدام ثقتهم بقادة وجند محمد علي، بناء على ما سبق منهم، من غدر، وخيانة للعهود والمواثيق، وإسراف في سفك الدماء.
12- بيَّن خورشيد أهمية الدين في الحياة النجدية، وأنّ أهل نجد لا يمكن أن ينقادوا إلا لمن يحكم بالدين، ويتخذه شعارًا ودثارًا له، فيُسيّر الحياة النجدية به. ولهذا السبب أظهر تقديرًا واحترامًا للعلماء، وحرص على متابعة الشؤون الدينية في نجد مثل تعيين خطباء الجمع في البلدان النجدية، كما في الوثيقة المرفقة.
13- شغلت شؤون القبائل حيّزًا كبيرًا من التقرير، لأسباب عدة هي:
أ- أنّ القبائل سبب رئيس من أسباب اضطراب الأمن في نجد، وأنها متى ما دخلت في الطاعة، زاد عمران البلدان وزاد إيرادها للخزينة.
ب- أنّ زكاتها من الإبل توفر وسيلة النقل التي يحتاجها جيش خورشيد، فإذا تم إخضاعها تم توفير الإبل من تلك القبائل، التي تؤدّي الزكاة على إبلها، وتبيع قسمًا آخر منها على خورشيد.
ج- الخطورة الكبيرة على الحجاج من هذه القبائل، فهي إن لم تدخل في الطاعة فسوف تضرب إتاوة على الحجاج المارين بأراضيها، وقد يعتدون عليهم. أمّا إذا دخلوا في الطاعة، فسوف تكون تلك الإيرادات من نصيب حكومة خورشيد، وتوفر دخلا كبيرا لها.
د- أنّ القبائل دائمة التنقل، شديدة المراس، مما يجعل قتالها عسيرًا، ومكلفًا، وذا خطر كبير. وقد كانت التجارب السابقة للجند المصري مع قبائل نجد ماثلة أمام خورشيد.
14- قدَّر إيرادات نجد بأنها ما بين مئة، ومئتي ألف فرانسي. وهو مبلغ ليس بالكبير، بل إنه لن يفي بتكاليف حكومة خورشيد، وخالد بن سعود.
وحاول خورشيد تحديد ما يدخل خزينة الدولة، في عهد الإمام سعود الكبير، لكن الصواب لم يحالفه، حيث إنّ موارد الدولة كانت تزيد على مليونين وست مئة ألف ريال، كما ذكر ذلك صاحب "لمع الشهاب"(109). وذكر بوركهارت أنّ واردات دولة الإمام سعود تزيد على مليون دولار أسباني، وقد تصل إلى مليونين من الدولارات الإسبانية(110).
15- حرص خورشيد على التخلص من الفداويين، نظرًا لما يسببونه من مشاكل مع جنوده. ولكن ذلك يحتاج إلى وقت، لأنّ الحاجة إليهم ماسة، وضرورية.
16- أقرّ خورشيد بأنّ حكومته في نجد تكلّف أهل نجد بما هو خارج عن حدود القانون، أي بأعمال السخرة، وأنّ ذلك سبب عصيانهم، وقتالهم، لجيوش محمد علي، وتركهم أرض نجد هربًا من ذلك.
17- حاول خورشيد أن يوهم سيّده محمد علي أنّ أهل نجد راضون عنه كل الرضا، وأنّ سبب خراب نجد حسن بك، وحسين بك، اللذان جعلا نجدًا خرابًا يبابا. ولم يملك الشجاعة، ويكن جريئًا، ليقول إنّ أوامر محمد علي لهما سبّبتْ ذلك الخراب والدمار، وسببت انعدام الثقة بقادته، وجنده.
18- ذكر خورشيد أنّ محمد علي باشا قدم نجدًا. ولم نجد أحدًا من المؤرخين ذكر ذلك. فهل فاتهم ذلك ولم يثبتوه؟ أو كان خورشيد يقصد بذلك ابنه إبراهيم؟ ويعكر هذا الاحتمال أنه لا يشار له بأنه صاحب الدولة. فهل قال خورشيد ذلك تجاوزًا؟ حيث إنّ محمد علي قدم الحجاز، فعدَّ ذلك قدومًا لنجد.
19- أثبت التقرير أنّ بلدان: عُمان، ومسقط، وصنعاء، واليمن، كانت تدفع الزكاة لحكام الدولتين السعوديتين الأولى، والثانية.
20- أوضح خورشيد في تقريره أنّ استعمال الحيلة والمكر لازم، لإدخال بعض القبائل في الطاعة، نظرًا لقوّتها، وصعوبة السيطرة عليها؛ وذلك يبيّن أساليب محمد علي باشا، وقادته، في حروبهم مع الدولتين السعوديتين الأولى والثانية، التي تقوم على الغدر والحيل الشيطانية، وتطبيق مبدأ الغاية تبرر الوسيلة.
21- بيّن التقرير أنّ انقياد القبيلة لشيخها غير متحقق في كل الظروف، كما في التزام صفوق الجرباء للدولة العثمانية، حيث لم ينقد له أفراد القبيلة، بل تفرّقوا عنه، وقصد بعضهم موطنهم الأصلي، في جبل شمر، وقليل قصدوا سوق الشيوخ، جيرانًا لقبيلة المنتفق.
22- ركز خورشيد في ثنايا تقريره على أنه يحتاج إلى مدة طويلة، ليتمكن من تثبيت حكومته، وتحديد إيراداتها، ومصروفاتها؛ وذلك يدل على أمرين هما:
أ- تقدير خورشيد للمقاومة التي سيواجهها، من حاضرة نجد، ومن القبائل، وأنّ أهل نجد لن يذعنوا بسهولة لحكمه. وقد أطنب في ذكر ذلك في ثنايا التقرير.
ب- الخوف من أن تلحقه لائمة من محمد علي، على طول المدة؛ وذلك قد يجلب له المتاعب، إن لم يكن القتل كما كان ذلك سائدًا في ذلك الزمان.

جلال الدرعان
03/07/11, (06:46 AM)
الهوامش:

* المجمعة، المملكة العربية السعودية.
(1) الإمام فيصل بن تركي، حكم الدولة السعودية الثانية فترتين (1250-1254هـ)، (1259-1282هـ). شهد عهده الثاني استقرارًا وأمنًا، توفي في سنة 1282هـ وخورشيد في هذا التقرير يتحدّث عن نجد بعد أن أنهى الفترة الأولى من حكم الإمام فيصل.
(2) خالد بن سعود الكبير من صغار أبناء الإمام سعود، من أمّ حبشية، رحَّله إبراهيم باشا مع مَن رحّله من آل سعود إلى مصر سنة 1233هـ، فتعلّم بها، وأصبح كاتبًا من الدرجة العالية في ديوان محمد علي. فبعثه واليًا على نجد، في سنة 1252هـ. لكن نفوذه تضعضع مع انسحاب الجند المصري، تنفيذًا لبنود معاهدة لندن سنة 1256هـ. ثار عليه الأمير عبدالله بن ثنيان، وانصرف عنه أهل نجد، فقد كانوا يرون فيه رمزًا للوجود الأجنبي. فهرب، واستقر في مكة حتى وفاته سنة 1264هـ. وقد كتب الأمير سيف الإسلام بن سعود رواية عمادها رسائل من الأمير خالد بن سعود كتبها من مكة، إلى صديق له في نجد، واسم الرواية: طنين. الأعلام 2/296، موقف القوى المناوئة 229.
(3) محمد علي باشا بن إبراهيم أغا بن علي، رأس الأسرة العلوية التي حكمت مصر، مستعرب من أصل ألباني. قدم مصر قائدًا صغيرًا في الجيش العثماني، فما زالت الأمور ترتقي به إلى أن أصبح واليًا لمصر، فبنى دولة قوية، كانت عونًا أول الأمر للعثمانيين، ثم أصبحت وبالاً عليهم، حيث خرج عن الطاعة، وكاد يقضي على الدولة لولا تدخل الدول الأوربية، التي أرغمته على معاهدة لندن، بعد هزيمته سنة 1256هـ فأصبحت ولاية مصر له وراثة. مرض سنة 1264هـ وتوفي بعد ذلك بعام. الأعلام، 298
(4) تاريخ الدولة العلية 234
(5) إسماعيل بك: كان قائد شرطة القاهرة، ثم أرسله محمد علي باشا قائدًا للحملة التي اصطحبت خالد بن سعود، ليكون حاكمًا لنجد. وعيّن إسماعيل حكمدار الدرعية، أي حاكم الدرعية. لكنه مني بهزيمة ساحقة في معركة الحلوة، مما أدى إلى انسحابه إلى المدينة المنورة. موقف القوى المناوئة، 230.
(6) تفصيلات حملة إسماعيل بك في: موقف القوى المناوئة، 227-264.
(7) تاريخ الدولة العلية العثمانية، 235.
(8) موقف القوى المناوئة من الدولة السعودية الثانية، 268.
(9) المرجع السابق، 277. (10) المَحال: البلدان.
(11) محمد علي وشبه الجزيرة العربية، 2/547.
(12) الخَِرْص: هو تقدير ظني لثمرة النخيل، في رؤوسها، تبنى عليه الزكاة المدفوعة لبيت المال. لسان العرب مادة (خرص)
(13) ذكر ابن بشر: أنّ خورشيد أرسل أناسًا يخرصون الثمار، في بلدان نجد. عنوان المجد 1/181، أحداث، 1255هـ.
(14) ثرمداء: بلدة من بلدان الوشم، تقع في جنوبه، وهي قديمة، اشتهرت بالنسيج، وهي من منازل بني سعد بن زيد مناة بن تميم الذين منهم العناقر.
(15) ترجمته في الأعلام 6/119، وموقف القوى المناوئة، 260.
(16) الجيش المصري البري والبحري، 164.
(17) عنوان المجد، 2/180، أحداث 1255هـ، موقف القوى المناوئة، 310.
(18) القصيم: منطقة تقع في الجزء الشمالي من نجد. من أهم مدنها بريدة وهي القاعدة، وعنيزة، والرس، وهي منطقة زراعية وتجارية مهمة. يبلغ عدد سكانها مليون نسمة. النتائج الأولية لتعداد 1425هـ، ص15.
(19) جبل شمر: منطقة تقع في شمال نجد، وهو الذي يعرف الآن بمنطقة حائل، حيث إنها قاعدته وأهم مدنه، وكان يعرف قديمًا بجبل طيء. ويبلغ عدد سكانها (527.033) نسمة. النتائج الأولية لتعداد 1425هـ، ص15.
(20) الوشم: منطقة قديمة ذكرها ياقوت، وهي تعرف الآن بمحافظة شقراء، من أهم مدنها شقراء وهي القاعدة وثرمداء وأشيقر.
(21) السدير: صواب الاسم سدير، الجزء الأكبر منها يضمه مسمى محافظة المجمعة التي هي قاعدة المحافظة، وجزء تضمه محافظة الغاط.
(22) الأحساء: منطقة مهمة تقع شرق المملكة وكانت تعرف قديمًا بهجر، من أهم مدنه الهفوف وهي القاعدة والمبرز. ويبلغ عدد سكانه (814.178) نسمة. النتائج الأولية لتعداد 1425هـ.
(23) القطيف: تقع على ساحل الخليج العربي بجوار الدمام، وكانت تعرف قديمًا بالخط. يبلغ عدد سكانها (218.832) نسمة. النتائج الأولية لتعداد 1425هـ، ص93.
(24) الصواب: خمس أقات كما سيرد لاحقًا، والأقة وحدة وزن تزن 400 درهم، وكل درهم يساوي 3,207 غرامات، فهي تساوي 1,828 كيلوجرامًا. المكاييل والأوزان، 59.
(25) ربع مصري: مكيال اعتمده العثمانيون لكيل الحبوب من قمح وشعير يساوي تقريبًا 5.5 كيلوجرام. المكاييل والأوزان، 59.
(26) فرانسه: اسمه في المصادر النجدية: الريال الفرانسي، عملة نمساوية فضية اسمها الأصلي: فارل ماريا تريزا، كانت متداولة في كثير من البلدان العربية، بدأ استخدامها في حدود سنة 1220هـ. الأحوال السياسية في القصيم في الدولة السعودية الثانية، 360.
(27) عبدالعزيز: الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود، شهرته تغني عن ترجمته، استشهد وهو يصلي سنة 1218هـ.
(28) سعود: الإمام سعود الكبير بن عبدالعزيز، أشهر حكام الدولة السعودية الأولى توفي سنة 1229هـ.
(29) عبدالله: الإمام عبدالله بن سعود، آخر أئمة الدولة السعودية الأولى، قضى أكثر ولايته في حروب مع حملات محمد علي، التي أنهت حكمه وأرسلته إلى إستانبول، فقتل شهيدًا سنة 1234هـ.
(30) تركي: الإمام تركي بن عبدالله، مؤسس الدولة السعودية الثانية، استشهد بعد حكم دام عشر سنوات في آخر يوم من سنة 1249هـ.
(31) مابين القوسين إضافة لازمة ليستقيم الكلام.
(32) يوحي ذلك بأنّ الزكاة كانت على بادية نجد دون أهل البلدان، وذلك وهم، وقد ذكر خلافه في أول التقرير.
(33) سوق الشيوخ: بلدة تقع في الجنوب الغربي من العراق، وهي مقر رؤساء قبيلة المنتفق آل سعدون.
(34) كان الْحُجّاج يخرجون من العراق، مرورًا بحائل، ثم المدينة المنورة فمكة المكرمة.
(35) ذهب يلديز، هو المعروف بيالديز ألتوني: عملة عثمانية ذهبية، قوّمها مجلس المشورة في مصر سنة 1245هـ بثمانية وعشرين قرشًا عثمانيًا (28)، دولة مصر محمد علي، 185، والريال الفرانسي يساوي ثلاثة قروش عثمانية. المكاييل والأوزان، 175، فيساوي بذلك ( 33و9) تسعة ريالات فرانسية وثلث ريال.
(36) التحذير: كذا في الأصل المنقول ولعلها التحذي وهي التقرب، وأصل الكلمة فصيح لكن استخدامها خاطئ.
(37) الميرية: لفظة تركية تعني الحكومية.
(38) الفداويون: موظفون شبه عسكريين، يعرفون في نجد باسم: الأخوياء. وذكر د. عبد الرحيم أنّ الفداوي هو الجندي المدرب تدريبًا خاصًا، ويمتاز بروح التضحية والفداء. محمد علي وشبه الجزيرة العربية، 2/318، وما في التقرير ينفي ذلك ويثبت أنهم من أهل نجد، لا من جند خورشيد.
(39) في الأصل المنقول: من أخذهم. ولا يستقيم المعنى بذلك. وأظن الصحيح ما أثبت.
(40) عنيزة: من بلدان نجد المهمة، تقع في منطقة القصيم، غرب بريدة. وهي مهد كثير من التجار النجديين في ذلك الوقت.يبلغ عدد سكانها (135.000) النتائج الأولية للتعداد السكاني 1425هـ. وهذا هو المصدر في أعداد السكان لكل بلد تم ذكره هنا. النتائج الأولية لتعداد 1425هـ، ص80.
(41) وادي الفرع: بضم الفاء وفتح الراء، واد كبير، ينقسم إلى شعبين هما: وادي نعام، ووادي بريك، تقع عليهما بلدان: نعام، والحلوة، والحريق، وحوطة بني تميم، وغيرها من البلدان. معجم اليمامة، 2/248.
(42) الحوطة: حوطة بني تميم، بلدة تقع جنوب الرياض، بنحو 185 كيلاً، بلدة عامرة، هي قاعدة المحافظة التي تنسب إليها. يبلغ عدد سكانها (25.705) نسمة. النتائج الأولية لتعداد 1425هـ، 53.
ا(43) لحريق: بالتخفيف، كي لا يلتبس مع الحريِّق، من بلدان الوشم. تقع جنوب الرياض بنحو 180 كيلاً، لها ذكر في أحداث التاريخ. وهي الآن قاعدة محافظة تنسب إليها. يبلغ عدد سكانها (10.461) نسمة، النتائج الأولية لتعداد 1425هـ، 57.
(44) الحلوة: من بلدان محافظة حوطة بني تميم. وبجوارها جرت المعركة بين أهل الحلوة والحوطة والحريق، ومن معهم، وقوات إسماعيل بك وخالد بن سعود، وانتهت بهزيمة ساحقة لإسماعيل وخالد. وهي الآن بلدة عامرة، يبلغ عدد سكانها (5.700) نسمة. النتائج الأولية لتعداد 1425هـ، ص53.
(45) نعام: بلدة قديمة تقع على واد باسمها، وهي من بلدان محافظة الحريق، وهي الآن بلدة عامرة، يبلغ عدد سكانها (2.125) نسمة، ص57.
(46) حرون: صعب عسير، ويقال: جمل حرون، وهو الذي يقف فجأة بعد السير. لسان العرب مادة (حرن).
(47) وقعة إسماعيل بك: يقصد خورشيد الوقعة الكبيرة التي حصلت بين إسماعيل بك، وبين أهل الحلوة، والحوطة، والحريق، في 22/4/1253هـ، وانجلت عن هزيمة ساحقة لإسماعيل وخالد بن سعود. انظر تفاصليها في عنوان المجد 2/148، والقوى المناوئة 248.
(48) زويد: مملوك الإمام تركي بن عبدالله، حبسه مشاري بن عبد الرحمن، بعد قتل الإمام تركي، ثم أُطلق، فذهب بخبر اغتيال الإمام تركي إلى ابنه فيصل في القطيف. ثم صار من خاصة خالد بن سعود وقواده، قتله الإمام عبدالله بن ثنيان بعد دخوله الرياض، سنة 1257هـ عنوان المجد أحداث 1249هـ 2/99-100 وأحداث 1254هـ، و 1257هـ.
(49) السر عسكر: لقب مركّب، من كلمة السر، وهي في الفارسية الرأس وعسكر، وهو الجيش فتكون ترجمتها: رأس الجيش. معجم المعربات الفارسية، 99.
(50) أفندينا: الأفندي كلمة لاتينية الأصل، ومعناها: الذي يقوم بالعمل بنفسه، المستقل بذاته. وهي تطلق على أمراء الأتراك احترامًا. معجم المعربات الفارسية، 28.
(51) حسين بك: قائد فرقة الفرسان الكشافة، عيّن قائدًا لحامية تربة، ثم كلفه إبراهيم باشا محافظًا للمدينة بالنيابة، ثم أرسله محمد علي إلى نجد فعاث في الأرض فسادًا وارتكب مذبحة لأهل الدرعية بعد أن جمعهم في ثرمداء. رحل إلى المدينة وعيّن قائدًا لفرقة المشاة والخيالة في حرب كريت سنة 1239هـ، ومات قبل سنة 1255هـ، حيث نعته خورشيد بالمرحوم. القوى المناوئة للدولة السعودية الثانية، 125، عنوان المجد أحداث 1238هـ، موجز لتاريخ الوهابي، 188. ولقب البيك تركي يقابل في العربية الأمير. ويطلق على الحائزين لرتبة قائم المقام. الألقاب والرتب المصرية، 67.
(52) حسن بك: يعرف في المصادر النجدية بحسن أبو ظاهر، كان حاكم البحيرة في مصر، ثم عيّنه محمد علي باشا محافظًا للمدينة المنورة بالنيابة، ثم كلفه بقيادة حملة على نجد سنة 1339هـ فعاث في الأرض فسادًا. انتهت حملته بالفشل والهزيمة، على يد الإمام تركي بن عبدالله، سنة 1240هـ الذي أخرجه من نجد. مما أدى إلى فصله من عمله محافظًا للمدينة. القوى المناوئة للدولة السعودية الثانية، 144-145، عنوان المجد أحداث 1237هـ 1/456 وما بعدها.
(53) أكثرها شناعة وجرما المذبحة التي جمع لها حسين بك أهل الدرعية في ثرمداء وهو يزعم أنه سيُسْكِنهم البلدان التي يختارونها، فلما تكامل منهم عدد كبير قتلهم. انظر وصف الحادثة في: عنوان المجد 1/453 أحداث 1236هـ.
(54) أرادب: جمع إردب، وهو وحدة تكال بها الحبوب. نص علي مبارك أنه منذ سنة 1089هـ وحتى وقته 1307هـ لم يتغير ويساوي: 198 لترًا، الميزان في الأقيسة والأوزان 140. وقرر فالتر هنتس أنّ كل مئة لتر من القمح تساوي ما بين 75-77 كيلوغرامًا، وأنّ الإردب من القمح الذي سعته 182 لترًا يساوي 132,856 كيلوغرامًا، المكاييل والأوزان الإسلامية، ص59. وبذلك يكون مقدار الإردب الذي ذكره علي مبارك تقريبًا 150,48 كيلوغرامًا، وهو الإردب المذكور هنا.
(55) القنطار: وحدة وزن قديمة، تختلف حسب البلدان، والأزمنة. وقد ورد ذكره في القرآن الكريم، وفي زمن كتابة التقرير كان هناك أكثر من نوع للقنطار، منها: القنطار الفلفلي الذي توزن به الخضروات والفواكه، ولعله المذكور في التقرير، وهو يزن 45 كيلوغرامًا تقريبًا. الميزان في الأقيسة والأوزان، 142، المكاييل والأوزان الإسلامية، 42.
(56) زكاة العروض: عروض التجارة.
(57) يسمى ذلك في الإسلام: الخُمس.
(58) الشريف حمود أبو مسمار: حمود بن محمد بن أحمد الحسني، وأبو مسمار لقب له. من أشراف منطقة المخلاف السليماني، سيطر على منطقة واسعة من تهامة، وصلت إلى الحديدة، وزبيد، واستقل بحكمها، ومركز حكمه بلدة أبي عريش. دخل في صراع مع الأشراف، وانضم إلى الدولة السعودية الأولى، وقاوم الحملات المصرية، على جنوب الجزيرة العربية. توفي بعد مرض قصير سنة 1233هـ. عرف بالدهاء والحكمة. ترجمته في الأعلام 2/281.
(59) ذكر صاحب لمع الشهاب ص272: أنّ وارد الإمام سعود الكبير من البحرين أربعون ألف ريال (40.000)، ومن عمان مئة وخمسون ألف ريال (150.000)، ومن اليمن ثلاث مئة ألف ريال (300.000).
(60) وذكر صاحب لمع الشهاب ص 272: أنّ وارد الإمام سعود من الأحساء أربع مئة ألف ريال (400.000).
(61) ذكر صاحب لمع الشهاب ص272: أنّ مجموع زكاة أعراب الحجاز مئتا ألف ريال (200.000). أمّا بادية نجد فإنها أربع مئة ألف ريال (400.000) فيكون المجموع ست مئة ألف ريال (600.000).
(62) الظهورات: أمور ظاهرة متداولة لا يمكن الكذب فيها.
(63) النكال: ما يفرض على من اقترف جرمًا في حق الدولة. مثل: العصيان والخروج عن الطاعة. ولذلك شواهد في التاريخ الإسلامي. قال ابن بشر في أحداث 1218هـ عن الإمام عبدالعزيز بن محمد:... شديدًا على من جنى جناية من الأعراب، أو قطع سبلاً، أو سرق شيئًا من مسافر، أو غيره. ومن فعل شيًئا من ذلك، أخذ ماله نكالاً، أو بعض ماله. اهـ، عنوان المجد، 1/268.
(64) صواب العبارة: فإذا الأمر كأنه دار ذات بابين. ولا شك أنّ ذلك مما أخلت به الترجمة.
(65) ذكر ابن بشر ذلك القحط سنة 1255هـ وقال: وفي هذه السنة والتي قبلها والقحط والغلاء على حاله. اهـ، عنوان المجد، 2/182.
(66) عيينة: بلدة العيينة المعروفة الآن بجوار الرياض، كانت من أقوى البلدان النجدية عند نشوء الدولة السعودية الأولى، ولذلك كانت الانطلاقة الأولى للدعوة الإصلاحية منها. تقع شمال الرياض بنحو عشرين كيلاً. وهي الآن مدينة عامرة يبلغ عدد سكانها ( 21.976) نسمة.
(67) لعله يقصد العودة، والعطار، وعشيرة، فهي التي في طراف سدير.
(68) قحطان: قبيلة كبيرة، تمتد ديارها من الجنوب الغربي في المملكة، إلى أواسط نجد. ترجع جل فروعها إلى قبيلة مذحج القحطانية .
(69) الرس: من بلدان القصيم، تبعد عن بريدة تسعين كيلاً غربًا، وقد وقفت في وجه إبراهيم باشا، فلم يتمكن من دخولها إلا صلحًا، في حصاره لها سنة 1232هـ، وهي الآن قاعدة محافظة الرس يبلغ عدد سكانها (83.631) نسمة. النتائج الأولية لتعداد 1425هـ، ص81.
(70) وادي الدواسر: وادٍ في جنوب نجد، تقع عليه عدة بلدان، تكون ما يطلق عليه بمحافظة وادي الدواسر، وهي من محافظات منطقة الرياض، وهو منطقة زراعية، ورعوية مهمة. يبلغ عدد سكانه (92.631) نسمة. النتائج الأولية لتعداد 1425هـ، ص50.
(71) عسير: منطقة واسعة، تقع في الجنوب الغربي من المملكة. من أهم مدنها: أبها، وهي قاعدة المنطقة، وخميس مشيط، والنماص. ويبلغ عدد سكانها (1.688.360) نسمة. النتائج الأولية لتعداد 1425هـ، ص15.
(72) الرانية: صوابها رنية، بلدة تقع في الجنوب الغربي من نجد، وجنوب الطائف. وتتبع إداريًا منطقة مكة المكرمة، وهي الآن مدينة عامرة، ويبلغ عدد سكانها (33.064 ) نسمة. النتائج الأولية لتعداد 1425هـ، ص66.
(73) الخرما: صوابها الخرمة، بلدة تقع غرب الرياض وشرق الطائف بحوالي مئتي كيل، وتتبع إداريًا منطقة مكة المكرمة. وهي بلد الشريف خالد بن لؤي. ويبلغ عدد سكانها (32.727) نسمة، النتائج الأولية لتعداد 1425هـ، ص66.
(74) تربة: بلدة تقع غرب الرياض، وشرق الطائف، بحوالي مئتي كيل، وتتبع إداريًا منطقة مكة المكرمة. وهي الآن مدينة عامرة، ويبلغ عدد سكانها (32.000) نسمة. النتائج الأولية لتعداد 1425هـ،ص67.
(75) بيشة: بلدة تقع شرق جبال عسير، وتتبع إداريًا منطقة عسير، وهي عاصمة المحافظة التي تنسب لها. ويبلغ عدد سكانها 91.847 نسمة. النتائج الأولية لتعداد 1425هـ، ص100.
(76) قوله: طرف نجد القبلي، خطأ. فالدلم وما ذكر بعدها من بلدان في وسط نجد وجنوبه، وهي تكون الجزء الأكبر من منطقة اليمامة، التي هي قلب نجد.
(77) الدلم: بلدة تقع جنوب الرياض، بحوالي مئة كيل، وتتبع إداريًا منطقة الرياض، ولها ذكر في أحداث التاريخ. ويبلغ عدد سكانها (38.285) نسمة، النتائج الأولية لتعداد 1425هـ، ص38.
(78) العارض: يطلق العارض على جزء من جبل طويق، ينشأ بعد حريملاء ويتجه جنوبًا إلى الرياض. وأصبحت تسمى به المنطقة المحيطة بالرياض. وأهم بلدانه بعد الرياض: الدرعية والعيينة وسدوس.
(79) وادي الخرج: وادٍ أصبح يطلق اسمه الآن على منطقة واسعة، تقع جنوبَ الرياض بنحو ثمانين كيلا،قاعدته مدينة الخرج التي كانت تسمى قديمًا السيح. وهو واد كثير المياه، خصب الأرض، وأصبح من المناطق الزراعية المهمة في المملكة.
(80) الأفلاج: منطقة تقع جنوب الرياض بحوالي ثلاث مئة كيل، من أهم مدنها: ليلى، وهي القاعدة، والهدَّار. ويبلغ عدد سكان محافظة الأفلاج (60.000 ) نسمة. النتائج الأولية لتعداد 1425هـ، ص51
(81) عتيبة: قبيلة كبيرة، ترجع كثير من فروعها إلى قبيلة هوازن القيسية العدنانية. منازلهم من الطائف إلى أواسط نجد.
(82) الشقراء: صوابها شقراء، قاعدة الوشم وأكبر مدنه، وهي قاعدة محافظة شقراء التابعة لمنطقة الرياض. تقع في الشمال الغربي من الرياض بنحو مئة وثمانين كيلاً. ويبلغ عدد سكانها (24426 ) نسمة. النتائج الأولية لتعداد 1425هـ، ص52.
(83) الشعراء: بلدة تقع غرب الرياض، بنحو ثلاث مئة كيل، وتتبع إداريًا محافظة الدوادمي، وهي الآن مدينة عامرة، يبلغ عدد سكانها (2.259) نسمة. النتائج الأولية لتعداد 1425هـ، ص40.
(84) الدوادمي: بلدة هي الآن قاعدة المحافظة المنسوبة إليها، التابعة لمنطقة الرياض. تقع غرب الرياض بنحو ثلاث مئة كيل، وعدد سكانها (57.000) نسمة. النتائج الأولية لتعداد 1425هـ، ص39.
(85) أرض الحريق: يعني بذلك أهل الحريق، البلد المعروف في جنوب نجد.
(86) المتعة: كذا في الأصل المنقول. ولعل الصواب المنعة، وهي القوة.
(87) مطير: قبيلة كبيرة، جزء كبير منها بقية بني عبدالله بن غطفان، ودخل معهم أحلاف من عنـزة، والدواسر، وغيرهم. منازلهم من مهد الذهب قرب المدينة إلى أواسط نجد.
(88) عنـزة: كتبت في الأصل المنقول في جميع المواضع: عنيزة. وهو خطأ صوابه ما أثبت. وقبيلة عنـزة من أكبر القبائل العربية. منازلهم من جهات خيبر إلى شمال المملكة، وفي العراق والأردن وسوريا. ينتمي لها حاضرة كبيرة في بلدان نجد. أشهرها الأسرة السعودية الحاكمة.
(89) خيبر: بلدة تاريخية لها ذكر في المغازي النبوية تقع شمال المدينة النبوية، تشتهر بالحمى المسببة للملاريا. يبلغ عدد سكانها (19773 ) نسمة.
(90) الحناكية: بلدة تقع شرق المدينة النبوية بنحو مئة كيل، وتتبعها إداريًّا، يبلغ عدد سكانها ( 22443 ) نسمة.
(91) الجزيرة: هي الجزيرة الفراتية، تقع مابين نهري دجلة والفرات، وأشهر مدنها: الرقة وحران. معجم البلدان، 2/134 مادة (جزيرة أقور).
(92) شمر: قبيلة طائية كبيرة تسكن جبل شمر، الذي أشهر مدنه حائل. ولهم عدد وعديد في العراق. من أشهر الأسر المنتمية لهم آل رشيد حكام حائل سابقًا.
(93) سفوف: يفهم من كلام خورشيد أنه موضع يقيم فيه شيخ شمر صفوق الجرباء.
(94) المرحلة: وحدة لقياس المسافة قديمًا. وفي هامش القاموس المحيط مادة رحل، ص1299: كتب لي بعض المهندسين أنّ المرحلتين بالقصبة المعدة للمساحة بالأراضي المصرية عدد: (5 و24986)، والقصبة بالمتر تساوي ثلاثة أمتار ونصف وعشرة.اهـ. أي أنها تساوي رقما (6و3)، فبذالك تساوي المرحلة (45) كيلاً. وتكون المسافة بين جبل شمر والمكان الذي يقيم فيه صفوق الجرباء (630) كيلاً.
(95) عبدالله بن رشيد: عبدالله بن علي بن رشيد من قبيلة شمر، رأس الأسرة الرشيدية التي حكمت حائل، كان من أعوان الإمام فيصل بن تركي فولاه حائل سنة 1250هـ، وتداولتها ذريته من بعده، توفي في حائل، سنة 1264هـ، عنوان المجد أحداث 1263هـ 2/239.
(96) سفوف الجربة: صواب الاسم: صفوق الجرباء، شيخ قبيلة شمر، وهو ابن فارس الجرباء الذي خرج من نجد بعد هزيمة الإمام سعود له في إحدى الوقعات سنة 1205هـ. تولى صفوق زعامة شمر بعد أبيه سنة 1233هـ، وكان مضرب المثل في الكرم والشجاعة، قتله أحد ولاة الأتراك في العراق، سنة 1840 وقيل التي بعدها. آل الجرباء في التاريخ والأدب ص90 و127.
(97) يخدمها: فعل مبني للمجهول، ومعناه هنا: أن يوفر لها الجمال التي اتفق عليها معه.
(98) عيسى: هو عيسى بن محمد بن سعدون، رئيس قبيلة المنتفق. ولي إمرة قبيلته بعد منازعات وحروب. احترق في بيت له سنة 1259هـ. عنوان المجد، 2/227، التحفة النبهانية 426.
(99) السبيع: صوابها سبيع قبيلة قيسية عدنانية، جل فروعها ترجع إلى بني عامر بن صعصة. من ديارهم: رنية، ورماح، والحائر.
(100) العجمان: قبيلة قحطانية، ترجع إلى بني يام، رحلوا من نجران في أواسط القرن الثاني عشر. وأصبحت ديارهم شرق الجزيرة العربية.
(101) السهول : قبيلة عدنانية، ترجع إلى بني عامر بن صعصعة. منازلهم في أواسط نجد.
(102) بنو خالد: قبيلة كبيرة، ترجع فروع منها إلى عبدالقيس. وكان لهم حكم الإحساء ردحًا من الزمن، قبل أن تقضي عليه الدولة السعودية الأولى، ولها حاضرة في بلدان نجد.
(103) الدواسر: قبيلة قحطانية، يسمى الوادي الذي تسكنه باسمها، ولها وجود في شرق الجزيرة العربية ولها حاضرة في بلدان نجد.
(104) بنو هاجر: قبيلة قحطانية، نزحت من منازلها في جنوب المملكة إلى شرق الجزيرة العربية في منتصف القرن الثالث عشر.
(105) مير ميران: لقب عثماني أصله: أمير الأمراء، لكنهم حرّفوه، حيث جمعوا كلمة الأمراء جمعًا فارسيًّا بإضافة الألف والنون فأصبح على تلك الطريقة. وهو من أرفع الألقاب، ومن حمله فهو يحمل كذلك لقب باشا. وعلامة تلك الرتبة هلال وفوقه ثلاثة نجوم من الذهب المرصع بالألماس، معجم المعربات الفارسية، 149، الألقاب والرتب المصرية، 65، الجيش المصري في عهد محمد علي، 195
(106) تاريخ الدولة السعودية الثانية، 122.
(107) المرجع نفسه، 236.
(108) محمد علي وشبه الجزيرة العربية، 2/318.
(109) لمع الشهاب، 272.
(110) موجز لتاريخ الوهابي، 109.


المصادروالمراجع

1. الأحوال السياسية في القصيم في الدولة السعودية الثانية، محمد السلمان، عنيزة 1407هـ.
2. الأعلام، خير الدين الزركلي، بيروت، 1990م.
3. بناء دولة مصر محمد علي، د. علي شكري وعبدالمقصود العناني وسيد خليل، القاهرة، 1967م.
4. تاريخ الدولة السعودية الثانية، د. عبدالفتاح أبو علية، الرياض، 1405هـ.
5. تاريخ الدولة العلية العثمانية، محمد فريد المحامي، بيروت، 1398هـ.
6. تاريخ الفاخري، تحقيق د. يوسف الشبل، الرياض، 1419هـ.
7. التحفة النبهانية، يوسف النبهاني، بيروت، 1406هـ.
8. الجرباء في التاريخ والأدب، أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري، الرياض، 1403هـ.
9. الجيش المصري البري والبحري، الأمير عمر طوسون، القاهرة، د. ت.
10. الجيش المصري في عهد محمد علي، عبدالرحمن زكي، القاهرة، 1358هـ.
11. الرتب والألقاب المصرية، أحمد تيمور، القاهرة، 1369هـ.
12. عجائب الآثار في التراجم والأخبار، عبد الرحمن الجبرتي، القاهرة، د. ت.
13. عنوان المجد، عثمان بن بشر، تحقيق الشيخ: عبد الرحمن آل الشيخ، الرياض 1402هـ.
14. القاموس المحيط، الفيروزآبادي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1407هـ.
15. لسان العرب، ابن منظور، بيروت، 1412هـ.
16. لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبدالوهاب، حسن بن جمال الريكي، تحقيق د.عبدالله العثيمين، الرياض، 1426هـ.
17. محمد علي وشبه الجزيرة العربية، د. عبدالرحيم عبدالرحمن عبدالرحيم، القاهرة 1981م.
18. معجم البلدان، ياقوت الحموي، بيروت، طبعة دار صادر.
19. معجم المعربات الفارسية، د. محمد الونجي، دمشق، 1988هـ.
20. معجم اليمامة، عبدالله بن خميس، الرياض، 1399هـ.
21. المكاييل والأوزان الإسلامية، فالنتر هنتس، ترجمة د. كامل العسلي، الأردن، 1970م.
22. المكاييل والأوزان والنقود، د. محمود علي عامر، دمشق، 1997م.
23. موجز لتاريخ الوهابي، هارفرد جونز، ترجمة د. عويضة الجهني، الرياض، 1426هـ.
24. مواد لتاريخ الوهابيين، بوركهارت، ترجمة د. عبدالله العثيمين، الرياض، 1412هـ.
25. موقف القوى المناوئة من الدولة السعودية الثانية، د. خليفة المسعود، الرياض، 1426هـ.
26. الميزان في الأقيسة والأوزان، علي مبارك، بورسعيد، د. ت.
27. النتائج الأولية للتعداد السكاني العام للسكان والمساكن 1425هـ في المملكة العربية السعودية، مصلحة الإحصاءات العامة، الرياض، 1425هـ.


أ. إبراهيم بن سعد الحقيل
مجلة العرب - مركز حمد الجاسر الثقافي






(( قبيلة عنزه في كتابات الامير شيرباتوف . والكونت سترودغانوف ))

(( 1900م ))

مقدمة ..

تعددت اغراض المستشرقون في قدومهم الى البلدان العربية فمنهم من كان هدفه سياسيا بحتا ,

وبعضهم كان يحمل هم الحملات التبشيرية , والبعض قادته الصدفة لمحاولة اكتشاف بلاد العرب

وحقيقة الدين الاسلامي .

لايخفى على المتابع لكتابات المستشرقين ان بعضا منهم تناول موضوع الخيل العربية الاصيلة

وكل مايتصل ويتعلق بها , كمادة اساسية لبحثه , وليس ابلغ من كتابات( الليدي ان بلنت )

التي تناولت الموضوع بشكل رائع .

لايفوتني ان اذكر ان دراسة الروسيان ( الامير شيرباتوف , والكونت ستروغانوف ) تمثل

ثقلا كبيرا ومهما في موضوع الخيل العربية الاصيلة , ويتعدى البحث الى ذكر القبائل العربية

وعددها , واسماء لاماكنها وذكر كثير من شخوصها .

وهذا ما ساتحدث واسهب في الحديث عنه مع البعد والتجنب قليلا عن ذكر المرابط واصحابها

لانها ذكرت في الكثير من الكتب .

وثمة امر في غاية الاهمية وهو ان للدراسات الروسية جانب حيوي واساسي في دراسة

البلدان العربية وقبائلها , وهذا مايجهله الكثيرون .

تمت الدراسة والبحث في العام (( 1900 م )) .


قبيلة عنزه

ان قبيلة عنزه هي اقدم قبيلة بدوية واكثرها عددا في بلاد العرب اجمع , ويترحل البدو في

الوقت الراهن (1900 ) في جميع مناطق الصحراء التي يحدها شمالا نهر الفرات وشرقا

ذلك الجزء الذي يعرف اليوم بالعراق ويتاخم الخليج الفارسي , وجنوبا جبل شمر , وغربا

فلسطين وسورية مع الجبال المواجهة للبنان .

كان ( لربيعة الفرس ) حفيد اسمه عنزه , الجد الاعلى لقبيلة عنزه البدوية , التي لايزال

لديها افضل الخيول في بلاد العرب اجمع ( 1900) .

من المحتمل جدا ان الشهرة التي حضيت بها خيول نجد في الشرق بلاشك تعود الى بدو

(عنزه بالذات ) , كما هو الحال في الوقت الحاضر, ويعترف الجميع ان بدو (عنزه ) يملكون

احسن السلالات , وقد اخذو يهاجرون الى الشمال منذ حوالي مائتي سنة , ومنذ ذلك الوقت

واصلوا الهجرات المتتالية الى ان غادر الكثير منهم ديارهم الاصلية .

لقد توطنت قبيلة ( بشر ) بجوار ( خيبر) عند الطرف الغربي للنفود , وقبيلة الرولة جنوب

الجوف , وقبيلة العمارات في اقصى الشرق , وربما كانت هذة القبائل في الازمنة الغابرة

تحضر الخيول من نجد الى سوريا , وبغداد , وفارس , ولعل بعض بطون القبيلة وصلت الى

منطقة واقعة جنوبها قليلا , لان ( ال سعود ) انفسهم من ( عنزه ) .


وفي تقسيم قبائل ( عنزه ) يذكر الامير شيرباتوف .

ان قبيلة ( عنزه ) استقرت على الضفة اليمنى بين نهر الفرات ودمشق .

وفي تقسيمه لقبائل ( عنزه ) ذكر انها تنقسم الى الاقسام التالية ( الفدعان ) ( السبعة )

( الرولة ) ( ولد علي ) ( بن هذال ) ( الحسنة ) ( السلقا ) .

قد يلاحظ القاريء الكريم ان هناك لبسا بوضع بن هذال كقبيلة وان كان يعني ( العمارات )

بحكم موقعها بالعراق وشيخهم ( بن هذال ) .

وبعد ذلك قام المؤلف بذكر التقسيمات مع عدد كل قبيلة , وقال ان بدو ( عنزه ) يشكلون

قبيلة كبيرة كقبيلة ( شمر ) , وينقسمون الى عشائر فرعية فهم مثل ( شمر ) مسلحون بالرماح

ويملكون الخيول والجمال , ولايعترفون باي شيخ عام عليهم , وتمتد الاراضي التي يترحلون

فيها من جبل شمر في نجد الى الجنوب حتى حلب شمالا .

وتنقسم قبيلة عنزة الى .

1_ الفدعان , اكثر القبائل اتساما بروح المحاربة , تملك القليل من الخيول وتنقسم الى .

المهيد ( 1000 خيمة ) والشميلات ( 1000 خيمة ) والعقاقرة ( 1000 خيمة ) والخرصة

( 1000 خيمة ) وتتميز عشيرتان لدى الفدعان بالثروة واصالة خيولهما هما بن سبيني

وابو سنون .

2- السبعة , غنية بالجمال والخيول وتنقسم الى الى .

القمصة ( 1000خيمة ) والرسالين ( 500خيمة ) وعبادات ( 500 خيمة )

والدوام ( 500 خيمة ) والمسكة ( 500 خيمة ) والموايقة ( 500 خيمة )

والعميرات ( 500 خيمة ) والمصرب وهم قسم من الرسالين .

3_ بن هذال ( العمارات ) قبيلة غنية تملك عددا كبيرا من الجمال ( 4000 خيمة )

4_ الحسنة , فقدت ماتملك قبل ستين عاما مضت نتيجة لعدوان ( ؟ من قبائل عنزة ؟ ) عليهم

وتعيش بالقرب من دمشق .

5_ الرولة او الجلاس , اكثر قبائل ( عنزه ) غنى وجبروتا , ويصل عدد خيامها الى(12 الف)

خيمة , وتملك نحو 150 الف ناقة , لكن تملك عددا قليلا من الخيول لانها استبدلت الرمح

بالسلاح الناري لاستخدامة في الغارات , ومع انه قد مر اكثر من سبعين سنة على خروجها من

نجد , غير انها القبيلة الوحيدة من قبائل ( عنزه ) التي احتفظت بالعلاقات مع وطنها السابق

* يقصد بالجلاس الرولة والمحلف السوالمة والاشاجعة والعبادلة .

* بعض قبائل ( عنزه ) لم تهاجر وبعضها هاجر قسم منه وقسم اخر لم يهاجر كقبيلة ولد علي .


6_ ولد علي , تعد من اقدم تفرعات ( عنزه ) وتوجد قبائل شقيقة لها وتحمل نفس الاسم

في وسط بلاد العرب وفي مصر , وتملك عددا كبيرا من الجمال والخيول ويصل عدد خيامها

الى ( 3000 خيمة ) .


وذكر المؤلف انة في منتصف القرن الثامن عشر اعلن بن عبدالوهاب دعوة جديدة في نجد

وادخل ( بن سعود ) من ( عنزه ) في شيعته , وبمساعدة بن عبدالوهاب اصبح الشيخ

( بن سعود ) سلطانا لبلاد العرب باسرها واخضع لامرته كافة القبائل المجاورة .

* دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ليست جديدة بل هي تجديد للدين اثر الخرافات والجهل

والبعد عن الدين لدى كثير من الناس .


واثناء الحديث عن الخيول تم ذكر مايلي .


ينقسم بدو ( عنزه ) الى عدد كبير من القبائل نسبيا والتي تنقسم بدورها الى فروع متعددة .

وتوجد الخيول لدى جميع القبائل , ولكن تربية الخيل عند بعض القبائل اكثر تطورا من غيرها .

على سبيل المثال انخفض عدد الخيول لدى قبيلة ( الرولة ) الكبيرة خلال السنوات العشرين

الاخيرة , واكبر عدد من الخيول يوجد اليوم ( 1900 م ) لدى قبيلة ( السبعة ) و ( الفدعان ) و ( ولد علي ) .

وقبيلة السبعة ابرز هذة القبائل الفرعية ( لعنزه ) ومن اغناها بعدد الجمال التي تمتلكها

وتنقسم الى القمصة والرسالين والمصاربة والمواهيب والعبدة , والقمصة اكثرها نفوذا .

وتتمتع قبيلة الفدعان باكبر قدر من النفوذ , وتنقسم الى سبعة فروع هي الخرصة والعقاقرة

والمهيد والشميلات والروس , وضنا كحيل , وابن عرنان .

وتنقسم قبيلة ولد علي الى قسمين لكل منهما شيخ مستقل .

** المؤلف يجهل التفرعات بشكل صحيح بالنسبة للقبائل ويخلط بين العوائل والقبيلة وتفرعاتها .


ويذكر المؤلف بان الشيخ ( بطين بن مرشد ) شيخ القمصة , قد ركب فرسا كميتية غامقة

من نوع ( عبيان شراك ) الى مخيم الشيخ ( محمد الدوخي السمير ) وان مواصفتها رائعة .

ثم أورد الكاتب تقريرا للجنة النمساوية لشراء الخيول ذكر فية .

أن البدو جميعا يتفقون على ان لدى قبيلة ( ولد علي ) احسن الخيول لانهم كفوا عن بيع

خيولهم لعباس باشا .

وتملك ( الرولة ) نفس النوع من الخيول الموجودة لدى ( ولد علي ) الا انها اقل عددا , رغم

ان ( الرولة ) كانت تملك حتى وقت قريب احسن الخيول في الصحراء .

ولدى قبيلة ( الحسنة ) عدد قليل منها , وترتحل قبيلة ( السبعة ) قرب نهر الفرات بالقرب

من الدير , وفي فصل الربيع تقترب من مدينة حمص وحماة .

ولدى قبيلة ( السبعة ) عدد كبير من الخيول , لكنها اصغر حجما واضعف عظما , مما لدى

قبيلتي ( الرولة و ولد علي ) , وقد باعت خيول كثيرة لعباس باشا .

والخيول لدى ( الفدعان ) احسن مما لدى ( السبعة ) لكنها اردى مما لدى ( ولد علي والرولة ).

* نلاحظ ان المعادلة بكل مرة تتغير في تفضيل الخيل .

وثمة رأي مؤداة ان هناك سلالة خاصة من الخيول بنجد , ولكن هذا ليس بصحيح .

ان البدو يتكلمون باجلال عن نجد بوصفها مهد سلالتهم , وعندما ترتحل قبيلتا ( ولد علي

والرولة ) متوجهتين الى نجد تقيمان العلاقة معهم , الا ان الجميع يرفضون رفضا قاطعا

ان خيول نجد تختلف في اصل انحدارها وشكلها وسماتها عن الخيول الموجودة في شمال

بلاد العرب , ويعتقدون ان خيول شمال بلاد العرب اكثر قدرة على الاحتمال وسرعة العدو

وانشط من الخيول الناشئة في واحات نجد .

كانت افراس ( ولد علي ) متسمة بخفة رائعة وؤشاقة في الحركة , واما الفحول فكانت تتميز

بقوتها وقوة عضلاتها ونحافتها , مع عينين واسعتين.

وبعد زيارة البدو ينبغي مشاهدة الخيول في المدن حماة وحمص وحسية ( قرب حمص ) .

ومن دمشق يجب السفر الى بدو ( ولد علي ) من قبيلة ( عنزه ) الذين يتواجدون في حوران .

وعند ( ولد علي ) احسن الخيول في الصحراء , وقد راى ( برودرمان ) عندهم من ( 500 الى 600 فرس ) .

كل واحدة احسن من الاخرى , ومن ( ولد علي ) ينبغي الذهاب الى ( الرولة ) بالجوار من

( النوانية ) و ( المزيرب ) و ( بصرى ) في حوران .

في الخامس والعشرين من مارس انتقلنا الى الشيخ ( سطام الطيار ) شيخ الطيار احد فروع

قبيلة ( ولد علي ) وعرضوا لنا عند الشيخ احصنة ( صقلاوي ) ( بيري ) ( كحيلان ابو عرقوب) ( هدبان النزحي ) .

** الطيار شيخ المشادقة ومن شيوخ ولد علي .


كان ذلك استعراض بسيط لتاريخ قبيلة عنزه واماكنها وخيلها وذكر لبعض شيوخها من خلال

قراءة الامير شيرباتوف , والكونت ستروغانوف .

ملاحظة .. تركت بعض التعليق على تفرعات القبائل .

ايه كريمة ( ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) .

جلال الدرعان
03/07/11, (06:51 AM)
الآنسة بيل في ديوان ابن ملحم




نبذة مختصرة عن الآنسة بيل




ولدت جيرتروود بيل في واشنطن عام 1285هـ/1868م في عائلة أرستقراطية، وعندما كانت صغيرة جداً انتقلت عائلتها إلى ريدكار. تمّ تعليمها الأولي في المنزل وبعدها انتظمت في مدرسة في لندن، وبعد إكمال تحصيلها المدرسي التحقت عام 1303هـ/1886م وهي في العشرين من عمرها بجامعة أكسفورد لدراسة التاريخ، وفي الثانية والعشرين من عمرها أكملت الدراسة الجامعية، وحصلت على أعلى درجة في دورتها بل كانت من ألمع الطلبة في جامعة أكسفورد العريقة.

بدأ اهتمام الآنسة بيل بالعرب والحياة العربية نهاية القرن التاسع عشر بداية القرن العشرين حيث قامت برحلة عام 1317هـ - 1318هـ الموافق 1899م - 1900م لزيارة القدس وتعلم اللغة العربية والقيام بععض الاستكشافات الأثرية.

وفي نهاية عام 1332هـ/1914م ذهبت إلى العراق وتحديداً البصرة بعد دخول الإنجليز إليها. وعند سقوط بغداد عيّنت السكرتيرة الشرقية للحاكم كوكس.

وفي عام 1338هـ/1920م قررت بريطانيا الانتداب على العراق. وعلى أثر ثورة عشائر الفرات في العراق (ثورة العشرين) عقد ونستون تشرشل مؤتمراً في القاهرة وكانت الآنسة بيل الوحيدة بين الرجال. وفي الاجتماع تقرر تعيين الأمير فيصل الهاشمي ملكاً على العراق بعد إخراجه من عرش سوريا وبتأييد من لورنس المعروف آنذاك. كتبت الآنسة بيل تقول: لن أسعى لخلق ملوك مرة أخرى إنها عملية متعبة جداً. اهـ.

توفيت الآنسة بيل في 2/1/1345هـ الموافق 12/7/1926م. ودفنت في بغداد.




قبيلة الحسنة في رسائل الآنسة بيل




في ص 116 قالت الآنسة بيل في إحدى رسائلها : الجمعة 26 محرم 1318هـ/25 أيار1900م :




وجدت خيمتي قد نصبت في مهين (Mahin) قرب الماء، ومئات الجمال تشرب بجانبها. كانت مجموعة كبيرة من أعراب قبيلة الحسنة (Hasineh) قد وصلت، منتقلة من مناطقها الشتوية، ونصبت خيامها السوداء في مكان غير بعيد عني. جاء شيخهم محمد لكي يزورني وهو شاب في العشرين أو أقل، وسيم، ذو شفتين غليظتين، وقور، وكان شعره يتدلى في جدائل سميكة من تحت كوفيته. كان يحمل سيفاً ضخماً، ذا غمد مطعّم بالفضة. بعد ذهابه ظهرت أخته وبعض النسوة الأخريات في ثيابهن القطنية الزرقاء الداكنة الوسخة التي تجرجر على الأرض. الشيخ محمد وجيه عظيم، يدين له 500 خيمة وبيتاً في دمشق ولا يعرف سوى الله كم يملك من الخيول والبغال. اهـ.




هذه هي قبيلة الحسنة إحدى قبائل المنابهة من ضنا مسلم من قبيلة عنزة الوائلية. وقبيلة الحسنة غلب اسمها على المنابهة الشماليين كما هو معروف . وهم من أوائل من هاجر من قبائل عنزة إلى بلاد الشام ويُرجّح أن ذلك قد حدث في بدايات القرن (12) الهجري . والشيخ المذكور هو الشيخ محمد بن ملحم من كبار مشايخ قبيلة عنزة، وعمر هذه الزعامة الوائلية لا يقل عن 400 سنة.

وقول الآنسة بيل عن ثياب نساء الملحم بالوسخة فهذا رأيها وهذا فهمها، وإلا معروف أن نساء الشيوخ دائماً الجواري عندهن فهن دائماً مخدومات؛ لكن طول الثوب إنما هو من باب السُنّة، حيث أمر الإسلام بستر المرأة؛ لكن بسبب اختلاف الثقافة اعتبرت الآنسة بيل طول ثياب نساء الملحم بأنه ضرب من الوساخة، بينما هو مقصود، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا بأن الأرض طاهرة وهو يُنقي بعضه بعضاً.

وفي نفس السياق قالت :




وبعد تناول الشاي، رددت له الزيارة وجلست على سجادات ووسائد في خيمة الشيخ الكبيرة وكان الحسنة يجلسون في دائرة حولي بينما كنت أشرب القهوة. ظهرت أم الشيخ أيضاً، وعوملت بتكريم كبير، نهض محمد وأعطاها مكانه على السجادة، وشداد جمله لتجلس عليه. وبعد قليل، تناول أعرابي أسود الجبين يرتدي رداء أبيض ربابة، وهي آلة موسيقية ذات وتر واحد ولها قوس، وغنّى بينما كان يعزف عليها أغنيات طويلة حزينة، ورتيبة، وكل سطر من الشعر كان قد وضع ليناسب الوقت نفسه وينتهي بانخفاض في الصوت يشبه الأنين. وكان همس الربابة يسير مع هذا كله.. غريب وحزين وجميل في طريقته. كان جميع الناس الصامتين يجلسون في حلقة ينظرون إليّ، غير مرتبين، نصف عراة وقد انسدلت كوفياتهم على وجوههم، لم يكن فيهم أي شيء حي سوى عيونهم، وعبر نار من روث الجمل، تشتعل ببطء، كنت أرى المغني منحنياً فوق الربابة أو ناظراً إليّ بينما كان يطلق السطر النائح من أغنيته في الظلام. كان في بعض الأحيان يأتي شخص ما إلى الخيمة المكشوفة (مقدمة الخيمة لا تغلق أبداً) ويقف عند طرف الحلقة ويحيي الشيخ بـ (يامحمد!) ويده ترتفع إلى جبهته والمجموعة (السلام عليكم)، فأجبنا جميعاً (وعليكم السلام).

وبعدها تتسع الحلقة قليلاً كي تفسح مجالاً للقادم الجديد. وأخيراً وقفت وودعت، ولم اسر بضع خطوات حتى أخبرني الجندي أنني اقترفت مخالفة مخيفة للعادات. لقد ذبحوا خروفاً لي وكانوا يحضرون عشاء، كان يجب أن أشارك فيه، وقال علي أيضاً: (محمد هو الشيخ الكبير وكان عليك أن تعطيه هدية).

عدت إلى خيمتي منزعجة قليلاً ماذا بإمكاني أن أهدي؟ وأخيراً بعد بعض التفكير والتأمل أرسلت واحداً من الجنود ومعه مسدس علي ملفوفاً في منديل جيب (ليس بإمكانك أن تهدي الأعرابي أي شيء سوى السلاح أو الخيل)، مع رسالة اقول فيها إنني لم أكن أعرف أنه يود تكريمي بهذا الشكل، وطلبت منه أن يقبل هذه الهدية (قيمتها الصحيحة جنيهان). رد الجواب شاكراً وأنه لم يكن يفعل سوى واجبه، وهلاّ شرفتهم؟ لذلك عدت مع اثوس وبرئوس وهذا الذي لا أتذكر اسمه (إشارة إلى الفرسان الثلاثة) وجلسنا جميعاً من جديد على الوسائد والسجاد وانتظرنا... انتظرنا حتى الساعة التاسعة والنصف. لم أملّ (بالرغم من أنني جائعة!). هؤلاء الأعراب استمروا في المجيء واحداً بعد الآخر حتى امتدت الحلقة إلى ما حول الخيمة الكبيرة. على فترات كان الحديث يتنقل.. سياسة الصحراء: من باع خيولاً، من امتلك جمالاً، ومن قتل في حملة، وكم ستكون الدية، واين ستكون المعركة في المرة القادمة. كان من الصعب جداً أن أفهم، لكني تتبعت إلى حد ما.

إلى جانب القهوة المرّة السوداء، أعطونا فناجين مما أسموها (القهوة البيضاء): ماء حار محلّى كثيرا ومنكّه باللوز. وأخيراً جاء عبد اسود وفي يده جرة ماء ذات بزباز (إبريق فخاري)، إليّ أولاً ثم إلى كل الحاضرين. مددنا أيدينا وصب قليلاً من الماء عليها. وأخيراً العشاء!! أربعة أو خمسة رجال يحملون طبقاً ضخماً مفعماً بالأرز ولحم خروف كامل. وضع الصحن على الأرض أمامي، وجلست ومعي ما يقرب من عشرة آخرين وأكلنا بأصابعنا، وكان عبد أسود يقف خلفنا ومعه كأس كان يملؤه بالماء عندما يسأله الضيف. كان الطعام سيئاً نوع ما، من دون ملح وصعب المضغ؛ لكن كانت الساعة التاسعة والنصف. أكلوا قليلاً جداً، وكنت لا أزال جائعة عندما نهضت المجموعة الأولى لتعطي مكانها للثانية. مزيد من غسل الأيدي، بالصابون هذه المرة، وعندئذ حييت الموجودين مودعة بالانحناء ولجأت إلى البسكويت والفراش. وكان عشاء غالياً نوعاً ما، لكن التجربة كانت تستحق المسدس. اهـ.




مشكلة هؤلاء الأجانب أنهم يقيسون الأشياء مادياً!! بينما هذه القاعدة لا تنطبق على الهدية فهي معنوية أكثر منها مادية، وماذا تقدم هذه الإنكليزية لشيخ كبير بحجم ابن ملحم؟! زعامة وائلية عمرها أكثر من 400 سنة، فهو ليس بحاجتها، كيف وقد ذكرت ما يملكه من مال وحلال؟! وابن ملحم قد أكرمها وهو لا يعرف من تكون، ولم يخطر في باله أنها سوف ترسل له هذا المسدس الذي تُقدّر (هي) قيمته بجنيهين، وكأنها تتقالها، أو هي في نظرها لا شيء!! فهو قد قام بالواجب المعتاد عند العرب وأبناء البادية خاصة. ولو تجرأت الآنسة بيل وقالت: هذا قيمة ما أكلناه!! لكان هناك شأن آخر.. أقلّها أن يرد هذه الهدية. فإن من الثابت عند أبناء وائل أنهم لا يأخذون شيئاً مقابل ما يقدمونه كضيافة للناس.

وقيام الشيخ محمد بن ملحم لأمه عن مكانه هذه صورة حية نقلتها لنا الآنسة بيل عن احترامه لوالدته حتى لو وصل إلى الزعامة فهي تبقى أمه التي حقوقها تبقى دائماً حيّة في وجدانه، وهذا الذي فعله الشيخ محمد بن ملحم محل تقدير الناس واحترامهم وهو مثال يحتذى كزعامة وائلية عريقة. وقدوم الشيخة والدة محمد بن ملحم لأن الضيف امرأة نبيلة فأرادت أن تراها وتكرمها.

وفي سياق كلامها نستشف التواضع من الشيخ محمد بن ملحم حيث ينادية الناس : يا محمد مجرداً من المشيخة. وهذا من ثقته بنفسه حيث لم يعاتب أحداً على ذلك بينما بعض الناس لو جردته من بعض الألقاب الدنيوية التي حصل عليها لحدثت المشكلة وقد يبغضك بسبب ذلك.

ونستشف أيضاً الألفة بين الشيخ محمد بن ملحم وبين قبيلته وزواره، حيث لا حواجز فالناس تتحدث في مجلسه في شئون حياتهم بكل أريحية.

وفي ص 119 وفي يوم الأحد 28 محرم 1318هـ الموافق 27 أيّار/مايو 1900م وصفت رحيل الشيخ محمد بن ملحم مع عدد قليل من قبيلة الحسنة فقالت :




كانت مشاهدة قبيلة الحسنة تتحرك هذا الصباح أمراً ماتعاً. لم يكن مع الشيخ محمد إلا عشرين أو ثلاثين خيمة من الـ 500 خيمة، ومع ذلك فقد ملأت الجمال السهل مثل فرقة من الجيش، كل عائلة تسير مع مجموعة مع جمالها.. اهـ.

جلال الدرعان
03/07/11, (06:53 AM)
http://a4.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc4/36998_103036516414197_100001235470710_15193_412050 7_n.jpg
الشيخ مقحم بن تركي بن جدعان بن نايف آل مهيد
شيخ الفدعان من عنزة

http://a1.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc4/36998_103036519747530_100001235470710_15194_248562 9_n.jpg

الشيخ مقحم بن تركي بن جدعان بن نايف آل مهيد
مع وفد من الحكومة الفرنسية عندما انقذ طائرة فرنسية سقطت في مضارب قبيلة عنزة

http://a7.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash2/36998_103036523080863_100001235470710_15195_453689 4_n.jpg

الشيخ نواف بن نوري بن هزاع الشعلان في قصر مارد

http://a5.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc6/36998_103036526414196_100001235470710_15196_588666 8_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)

الشيخ مقحم بن تركي بن جدعان بن نايف آل مهيد

http://a4.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc6/36998_103036989747483_100001235470710_15198_316662 7_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)

احد فرسان قبيلة يصتاد الفهد العربي تم تصويرة من قبل المستشرق كار رشوان

http://a8.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash2/36998_103037009747481_100001235470710_15201_755486 5_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)

الشيخ سطام بن حمد النايف الشعلان
شيخ فخذ الروله من عنزة من سنة 1877 الى 1899 م



http://a6.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc6/36998_103037016414147_100001235470710_15202_470130 5_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)
الشيخ محروت بن فهد بن عبدالمحسن بن الحميدي بن عبدالله ال هذال
شيخ مشائخ قبيلة عنزة توفى سنة 1960 م

http://a7.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc4/36998_103037556414093_100001235470710_15205_358102 _n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)
للشيخ فرحان بن هديب من شيوخ السبعة من عنزة

http://a5.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc4/36998_103037559747426_100001235470710_15206_328074 1_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)
الشيخ النوري بن هزاع النايف الشعلان مع المندوب السامي الفرنسي سنة 1927 م

http://a4.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash2/36998_103037573080758_100001235470710_15208_441241 2_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)

شيخ مشائخ قبيلة عنزة
الشيخ فهد بن عبدالمحسن بن الحميدي بن عبدالله ال هذال
الملقب ( البيك )

http://a5.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc6/36998_103038236414025_100001235470710_15212_232856 5_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)
الشيخ سعود بن ملحم المزيد مع جماعة وشيوخ المنابهة تم تصوير الصورة سنة 1899 من قبل المستشرق الالماني ماكس فون أوبنهايم

http://a3.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc4/36998_103038246414024_100001235470710_15213_264030 8_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)
شيخ مشائخ
قبيلة عنزة الشيخ فهد بن عبدالمحسن بن الحميدي ال هذال
مع بعض شيوخ عنزة

http://a2.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash2/36998_103038249747357_100001235470710_15214_647460 0_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)
الشيخ فرحان بن برجس بن هديب والشيخ برجس بن هديب من شيوخ السبعة تم تصوير الصورة من قبل المستشرق الالماني ماكس فون ابونهايم سنة

http://a8.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash2/36998_103038253080690_100001235470710_15215_752787 3_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)

الشيخ سطام بن قضعان الطيار من شيوخ فخذ الولدعلي من عنزة تم تصوير الصورة سنة 1899 من قبل المستشرق الالماني ماكس فون اوبنهايم

http://a6.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc4/36998_103039806413868_100001235470710_15221_263402 6_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)
الريشة او ريش النعام (المركب) هذا طبعاً عبارة عن بيرق يتقدم الفرسان فيه بالحروب وتكون احد بنات الشيخ في لتحمس الفرسان

http://a2.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash2/36998_103039813080534_100001235470710_15223_196399 7_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)
الشيخ سليمان بن مذود بن دهام بن قعيشيش من شيوخ الفدعان من عنزة

http://a2.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash2/36998_103048376413011_100001235470710_15256_168089 5_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)
الشيخ راكان بن بشير بن ثلاب بن سليمان أبن مرشد

http://a8.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc4/36998_103048379746344_100001235470710_15257_86347_ n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)

الشيخ عضيب بن محمد بن ساجر الرفدي

http://a7.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc4/36998_103048386413010_100001235470710_15258_518570 _n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)
الشيخ حاكم بن فاضل بن صالح بن خثعم بن مهيد

http://a1.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash2/36998_103049266412922_100001235470710_15259_728566 9_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)

http://a8.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc6/36998_103049273079588_100001235470710_15260_401532 0_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)
الشيخ فهد بن عبدالمحسن بن الحميدي العبدالله الهذال

جلال الدرعان
03/07/11, (06:56 AM)
http://a2.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc4/36998_103049283079587_100001235470710_15261_315121 6_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)

الشيخ فهد بن عبدالمحسن بن الحميدي العبدالله الهذال

http://a4.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc4/36998_103052243079291_100001235470710_15276_159848 0_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)
الشيخ جزاع بن مجلاد شيخ الدهامشة من عنزة

http://a2.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc4/35992_103299269721255_100001235470710_17574_443264 4_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)
الشيخ محروت بن هذال والشيخ جزاع بن مجلاد

http://a8.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash2/36998_103056066412242_100001235470710_15295_329155 8_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)
الشيخ محروت بن هذال مع بعض شيوخ الصقور من عنزة

http://a8.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc4/36188_103609209690261_100001235470710_20649_535186 7_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)

مجموعة من جماعة العواجي يوردون البل
http://a3.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc4/36188_103609219690260_100001235470710_20650_148887 1_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)
مجموعة من جماعة العواجي يوردون البل

http://a5.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc4/36188_103609229690259_100001235470710_20651_677690 8_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)
مضارب الحبلان من عنزة

http://a1.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash2/36188_103609233023592_100001235470710_20653_193553 4_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)
الشيخ جدعان بن هذال واحد اقاربه

http://a7.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc6/36188_103612303023285_100001235470710_20671_181625 4_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)
الشيخ مقحم بن تركي بن جدعان بن نايف ال مهيد


http://a5.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc4/36188_103612306356618_100001235470710_20672_336482 3_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)

http://a3.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc6/36188_103612313023284_100001235470710_20673_668062 _n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)

http://a2.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash2/36188_103612319689950_100001235470710_20674_315078 3_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)

الشيخ منصور بن مصرب من شيوخ السبعة من عنزة عمه الشيخ مجول المصرب الذي تزوج المستشرقة الاجنبية

http://a6.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash2/36188_103807593003756_100001235470710_22556_477975 9_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)

http://a4.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash2/36188_103807599670422_100001235470710_22557_485457 7_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)


http://a6.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc4/36188_103917466326102_100001235470710_23420_757201 8_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)

الملك خالد بن عبدالعزيز ال سعود والملك فهد بن عبدالعزيز ال سعود والشيخ محروت الهذال والشيخ مشعان الجربا اثناء زيارة الملك فهد والملك خالد لديار عنزة

http://a4.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc6/36188_103917479659434_100001235470710_23421_630748 3_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)

http://a2.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc4/36188_103917486326100_100001235470710_23422_386032 8_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)

دحة الحرب لدي عنزة ويظهر شيخ مشائخ عنزة الشيخ فهد بن عبدالمحسن بن الحميدي بن عبدالله آل هـــذال بجانب رافع البيـــــــــــرق

http://a3.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash2/36394_105112856206563_100001235470710_33160_663350 2_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)
من اليمين لليسار الملك خالد بن عبدالعزيز ال سعود والشيخ فواز بن نواف بن النوري الشعلان والملك فيصل بن عبدالعزيز ال سعود رحمهم الله

http://a6.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc6/34155_105115799539602_100001235470710_33165_506630 0_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)


http://a5.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash2/36122_105157816202067_100001235470710_33451_333300 9_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)
من اليمين لليسار احدى شيوخ عنزة والملك فيصل الشريف ملك العراق والشيخ فهد بن عبدالمحسن بن الحميدي ال هذال واثنان من شيوخ قبيلة عنزة


http://a5.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash2/36948_105168176201031_100001235470710_33535_782374 6_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)
بيرق أبن مهيد
حاكم بن مهيد ومجموعة من الفدعان من عنزة اثناء الحرب


http://a2.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash2/34105_109572755760573_100001235470710_68690_652105 4_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)
الشيخ مجحم بن مهيد مع مجموعة من ضباط بريطانيا تم التقاط الصورة بسنة 1922

http://a2.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc4/36797_115539738497208_100001235470710_105507_10912 87_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)
الشيخ أرشيد بن محمد بن سمير بن دوخي

جلال الدرعان
03/07/11, (06:57 AM)
http://a2.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc4/40399_115661291818386_100001235470710_106223_65099 69_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)

الشيخ حمود بن شامان مع امير منطقة حائل مقرن بن عبدالعزيز ال سعود


http://a3.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash2/40399_115661295151719_100001235470710_106224_31746 77_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)
الشيخ زبن بن محروت الهذال والشيخ حمود بن شامان وبعض من شيوخ السلقا من عنزة

http://a5.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash2/38838_115750548476127_100001235470710_106556_11045 61_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)
الشيخ محمد بن فرحان الايداء

http://a3.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc4/40692_119127121471803_100001235470710_123156_79182 30_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)

الشيخ خالد بن النوري المهيد

http://a2.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc6/46150_119128404805008_100001235470710_123187_66038 85_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)
ابن موينع،من شيوخ السبعة و الشيخ النوري الشعلان، الشيخ ثامر المهيد


http://a7.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash2/61351_125284277522754_100001235470710_156960_55677 06_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)

بيرق قبيلة عنزة 1923 حصلنا على الصورة هذي من قبل متحف بريطاني

http://a1.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash2/61351_125284280856087_100001235470710_156961_13376 77_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)
مضارب قبيلة عنزة " الروله"

http://a3.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc6/61351_125284284189420_100001235470710_156962_29289 02_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)

مضارب قبيلة عنزة " الروله"

http://a5.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash2/62074_125304727520709_100001235470710_157043_79364 59_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)

اقدم صورة لشيوخ عنزة صورة الشيخ مجول المصرب من شيوخ السبعة تم الحصول على رسمة الشيخ مجول من قبل الجامعة الامريكية وطبعاً هي ما خوذة من قبل رسمة المستشرقة الاجنبية الليدي دغبي في عام 1870م


http://a3.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc6/69438_133025006748681_100001235470710_196187_53167 36_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)

الشيخ راكان بن مرشد

http://a6.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc6/246936_192931104091404_100001235470710_561728_5671 050_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)

الشيخ صالح بن فرحان باشا الهديب


http://a7.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc6/262634_193163250734856_100001235470710_562828_1026 387_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)



http://a1.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc6/260215_193432224041292_100001235470710_564527_7114 650_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)

وثيقة ألمانية تم الحصول عليها من مكتبة
(ماكس فون أوبنهايم ) وتظر صور الشيخ سطام بن حمد الشعلان مستضيف المستشرق الالماني أوبنهايم ورفاقةعام 1899 م

أضف وصفاً (http://www.facebook.com/photo.php?fbid=103036526414196&set=a.103036166414232.1132.100001235470710&type=1&theater#)


http://a5.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc6/254507_193473347370513_100001235470710_564682_1900 439_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)


http://a6.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash4/262064_193474090703772_100001235470710_564686_8029 455_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)

الشيخ نوري بن هزاع بن شعلان


http://a5.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc6/262064_193474100703771_100001235470710_564689_4962 89_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)

فرسام من قبيلة عنزة في مضارب الشيخ فواز بن نواف بن نوري الشعلان


http://a1.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash4/263157_196588180392363_100001235470710_580449_3836 367_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)

زيارة ملك العراق السابق الملك فيصل الشريف الى مضارب عنزة


http://a8.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc6/264232_196632863721228_100001235470710_580659_6392 865_n.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?pid=15198&id=100001235470710)

فرسان من الفدعان من عنزة مع مستشرق اجنبي

جلال الدرعان
03/07/11, (06:59 AM)
ارفق لكم بعض الكتب الذي تناولت تاريخ قبيلة عنزة

http://a4.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc6/36998_103047156413133_100001235470710_15241_378499 6_n.jpg



http://a2.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc4/36998_103047166413132_100001235470710_15242_725960 7_n.jpg

http://a8.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash2/36998_103047176413131_100001235470710_15243_366184 9_n.jpg


http://a5.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc4/36998_103047179746464_100001235470710_15244_367743 3_n.jpg


http://a3.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash2/36998_103047183079797_100001235470710_15245_666586 6_n.jpg

http://a1.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc6/36998_103047423079773_100001235470710_15246_314021 7_n.jpg



http://a7.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc4/36998_103047433079772_100001235470710_15247_103628 6_n.jpg



http://a8.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash2/36998_103047436413105_100001235470710_15248_251495 2_n.jpg



http://a2.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc4/36998_103047439746438_100001235470710_15249_748344 0_n.jpg


http://a5.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc4/36998_103047446413104_100001235470710_15250_615916 5_n.jpg


http://a1.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc6/36998_103047779746404_100001235470710_15252_278542 7_n.jpg



http://a7.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash2/36998_103047786413070_100001235470710_15253_642302 5_n.jpg


http://a8.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc4/35834_104099576307891_100001235470710_25191_704699 9_n.jpg



http://a6.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc6/35834_104099579641224_100001235470710_25192_109050 8_n.jpg




http://a6.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash2/38694_115657705152078_100001235470710_106221_78417 47_n.jpg

بنت العنوووز
20/09/11, (10:11 PM)
يعطيـــــك العــــافيـــــة

جلال الدرعان
21/09/11, (01:56 AM)
هلا بك اختي بنت العنووووز
اشكرك على التواجد وهذا المرور والتمنى بان تقبلي خالص احترامي

سليمان الجعفري
25/09/11, (05:58 AM)
الاخ / جلال الدرعان
الله يعطيك الف عافيه على النقل المميزماقصرت ياالغالي
مع الملاحظات الاتيه:
1- في اعتقادي انك اثقلت على القاري العزيز بطول الموضوع وكثرة صفحاته
ممايسبب للقاري العزيز الملل من كثرة القراءه ومنهم انا حيث انني لم اقراه كاملاًوبشكل جيد
ولو كان على مراحل في اعتقادي انه افضل وتسهل قراءته
2- لم تشير الى الباحث حتى لايضيع مجهودات كاتبه
على العموم انت ماقصرت الله يعافيك ،فيه مواضيع جيده وتستحق القراءة
تحياتي لك

محمد دعسان
25/09/11, (08:09 PM)
الاخ القدير/ جلال الدرعان
الله يعطيك الف عافيه على النقل المميزماقصرت ياالغالي
تقبل مروري الله يحفظك

جلال الدرعان
26/09/11, (03:17 PM)
شاكر لكم مروركم الرااااائع الذي اسعدني
تقبلو خالص احترامي للجميع