محمد بن موسى
28/10/10, (01:12 PM)
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولاً : النقد التأثري:
النقد التأثري هو كل نقد أخرجه صاحبه تحت تأثير الانطباعات الأولية السريعة,أو الأهواء الشخصية المتحيزة ,أو المزاج الفردي الخاص ,ولم يخرجه نتيجة تأمل ودراسة مدققة تعتمد على معايير وضوابط متفق عليها.
ويكون غالبا هذا النوع من النقد أحكاما عامة غير معللة حيث يصف الناقد النص بصفة ما ولا يفصلها ,ولا يبين الأسباب التي جعلته يطلقها ,كأن يقول:هذه أعظم قصة أو مقاله أو هذا أشعر بيت آو أبدعه…ويذكر أسباب سطحية غير مقنعة لا تكفي أن يحكم عليها بهذا الحكم وغالبا ما يكون حكم الناقد على حسنة معينه فيعممها على كل النص أو خطاء معين فيعممه.
ويتصف هذا النقد بالسذاجة والمبالغة ,لان الناقد بناه نتيجة انفعالاته المباشرة ولم ينظر في أجزاء النص كلها ولم يهتم بالقواعد التي أتفق عليها العلماء.ويكثر هذا النوع من النقد في المراحل المبكرة من تاريخ النقد ,أي قبل أن يتحول إلى علم واسع ,ويكثر الآن عند فئات من النقاد منهم: المبتدئون الذين لم يتمرسوا في الأدب ,والمتعصبون الذين يتحمسون لأديب ما فيظهرون حسناته وحدها ,ويحكمون عليه من خلالها ويغفلون عن عثراته والمزاجيين الذين تكون لهم ميول فردية خاصة فيعجبون بالأعمال التي توافق أهواءهم ويعيبون الأعمال التي تخالفها .
وطبيعي أن مثل هذا النقد لا يفيد المجتمعات الإنسانية ,فلا يرتقي بأذواق الجمهور ,ولا يساعد الأديب على تحسين إنتاجه ,لان مقاييس الجمال والقبح فيه ذاتية وغير مستقرة.
ثانيا : النقد الموضوعي:
النقد الموضوعي هو النقد الذي يصدر عن دراسة وتمحيص ,ويلتزم الناقد فيه منهجا معينا ,ويطبق القواعد الذي أتفق عليها عدد من النقاد ويحكم ذوقه وعقله وثقافة الفنية والعامة في آن واحد,ولا يستسلم لميوله الخاصة ,ولا يتحيز ويدعم أحكامه بالحجج والبراهين. ويكون هذا النقد مفصلا ومعللا, حيث يحلل الناقد العمل الأدبي ,وينظر في أجزائه كلها,ويبين مواطن الإجادة والتقصير فيها ,ويشرح سبب حكمه عليها بالإجادة أو التقصير,ثم يبين من الأحكام الجزئية حكم عام ,يقوم فيه العمل الأدبي كله.ويقتضي هذا النوع من النقد أن تكون لدى الناقد خبرة كبيرة ,تمكنه من التحليل الدقيق والقدرة على المناقشة,وكذلك ذوق مدرب يساعده على تميز مستويات الجمال والقبح المختلفة ,وثقافة واسعة تعينه على الموازنة وتطبيق القواعد النقدية.ويكون حكم النقاد في النقد الموضوعي متماثلة أو متقاربة,فلو أعطينا عملا أدبيا واحد لمجموعة من النقاد الموضوعيين فنقدوه ,لوجدنا نقدهم متشابها,والخلافات في ذلك محدودة,ويكون سببها الفروق الدقيقة في الأذواق .
ولاشك أن النقد الموضوعي نتيجة من نتائج ارتقاء النقد ,ودليل على التقدم الأدبي والحضاري,لأنه يعتمد على دراسة وتحليل,ويسلك طريق المناقشة والاحتجاج ,لكي يقنعنا بأحكامه ,وهو الذي يساعد الأدباء على تحسين إبداعهم,ويساهم في تطوير الأدب,ويرتقي بأذواق القراء.
الصفة الأولى:الموهبة النقدية
إن أول ما ينبغي أن يتصف به الناقد هو الموهبة النقدية والذوق .أما الموهبة النقدية فهي قدرة يمنحها الله لبعض الناس يستطيعون بها أن يفحصوا الأشياء فحصاً دقيقاً ,فيكتشفوا عيوبها الخفية ويحسوا بالجمال الظاهر والخفي ,ويقارنون ا بين المتشابهات , ويدركون الفروق التي لا تظهر لنا بسهولة.
صحيح أن جميع الناس أسوياء يملكون القدرة على الفحص والتمييز والمقارنة ولكن أصحاب الموهبة يملكون قدرة فائقة,فإذا سنحت الفرصة لتنمية قدراتهم والإفادة منها,أصبحوا نقاداً بارعين .
أما الذوق فهو ملكة خاصة تجعل المرء لبقاً .يحسن التصرف والاختيار والانتباه للتوافق الدقيق بين الألوان والأصوات والإشكال ,ويحس بأي تنافر بينها.
وفي ميدان النقد الأدبي تكون صفة الذوق مكملة لصفة الموهبة ومرتبطة بها غالباً فمن أوتي موهبة الإحساس بالعيوب الخفية والجمال الدقيق فسوف يستخدمها في حٌسن الاختيار وحسن التصرف وعندما يفحص الناقد عملاً أدبياً فإن موهبته وذوقه يشتركان في إدراك الفروق الصغيرة بين معنى ومعنى وصورة وصورة ,وفي إدراك الفروق بين الألفاظ في أثناء وقعها على الأذان ,وإدراك التناسق أو التنافر في ترتيب الكلمات داخل الجملة .
فالذوق إذاً صفة لازمة للناقد , ترتبط بموهبته النقدية وتكملها ليستطيع بهما معاً أن يتذوق الأعمال الأدبية ويساعد القراء على تذوقها تذوقاً صحيحاً
الصفة الثانية : الثقافة والخبرة
من الصفات المهمة للناقد الثقافة والخبرة أما الثقافة فينبغي أن يكون الناقد ذا ثقافة واسعة متنوعة ومتعددة الميادين وتنقسم إلى عدة أقسام :-
1- الثقافة النقدية المتخصصة :
وذلك بأن يعرف أصول النقد وطرقه , فيعرف كيف يحلل النص الأدبي ويستنبط صفاته وخصائصه,ويحكم عليه كما ينبغي أن يكون لديه إلمام بالتراث النقدي العربي وبالحركات النقدية التي يعاصرها ,وبالاتجاهات النقدية المهمة في العالم.
2- الثقافة الأدبية :
فالأدب ميدان النقد وموضوعه,وينبغي للناقد أن يعرف فنون الأدب وقواعد كل فن .فإن أراد أن ينقد قصيدة فلابد أن يعرف أصول الشعر وقواعد العروض ,ويكون له إلمام بالتراث الشعري العربي ,والقيم التي كانت سائدة فيه وإذا أراد أن ينقد قصة فلابد أن يعرف قواعد القصة وأسسها الفنية ,واتجاهاتها الحديثة وهكذا بالنسبة لكل فن من فنون الأدب .
3- الثقافة البلاغية :
التي تعينه على إدراك فصاحة الألفاظ والعبارات والأساليب البيانية المستخدمة في الأدب الرفيع ,والمحسنات البديعية الموجودة في النص ,فالبلاغة جزء أساس من النقد العربي وقد كانت ملتحمة به إلى القرن الخامس هجرية ثم انفصلت عنه ,وصارت علماً مستقلا لا غنى عنه للناقد العربي عن معرفتها .
4- الثقافة اللغوية :
وبخاصة النحو والصرف ,فبهما يستطيع الناقد أن يدرك صحة العبارة,
واستقامة الجملة ,ويضبط أي اختلاف فيهما , لان الخروج عن قواعد اللغة يفسد المعنى ويضيع جمال العمل الأدبي .
وإذا كانت كتب الأدب والبلاغة تعطي الناقد ثقافة واسعة في أصول التعبير الصحيح فإن أكبر مصدر للغة الرفيعة والبيان العظيم هو القرآن العظيم ثم الحديث الشريف ولكي يكون الناقد مثقفاً ذواقاً للبيان وللأساليب الجميلة ,فلابد أن ينهل منهما ,وقد كان أسلافنا يشترطون في الناقد حفظ القرآن الكريم ,وقدر من الأحاديث الشريفة ولا شك أن الناقد العربي المسلم في عصرنا أحوج ما يكون أن يتذوق البيان القرآني المعجز وأسلوب الأحاديث الشريفة البليغ وأن يربي ذوقه عليهما,فيكسب ثقافة لغوية وبيانية عظيمة .
5- الثقافة الإسلامية :
من طبيعة عمل الناقد أن يحكم على الأفكار والمعاني في الأعمال الأدبية إضافة إلى الأساليب - لذا ولكي تكون أحكام الناقد المسلم صحيحة وآراؤه سديدة وسليمة من تأثيرات التيارات الفاسدة ,ينبغي أن يتزود ما يستطيع من الثقافة الإسلامية ,وأن يمتلىء بالتصور الإسلامي للحياة وللإنسان .
وأما الخبرة العملية : فإن الناقد في حاجة إليها ليكتسب مهارة نقدية فالخبرة هي التي تميز بين الناقد المبتدى والناقد البصير الممارس ,وهي التي تجعل أحكام مقبولة ومحترمة لدى الأدباء والجمهور .ويكتسب الناقد الخبرة عادة بالقراءة الواسعة في أعمال النقاد النابهين ,وبالممارسة والعمل الدءوب.
الصفة الثالثة : العدالة والإنصاف
العدالة والإنصاف من الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم بعامة,وكل من يتصدى للحكم بخاصة ,والناقد واحد من هؤلاء .لذلك ينبغي للناقد عندما ينقد عملا أدبياً أن يبتعد عن التحيز والتعصب ,والمجاملة وأن يحكم على عناصر العمل الأدبي وفق الصفات التي تتصف بها حقيقته ,وأن يعلل أحكامه ,فيبين الأسباب التي جعلته يحكم بالجودة أو الرداءة,وعليه أن يحترس من أن تدفعه عاطفته نحو أديب ما إلى إطرائه بما ليس فيه,أو بخسه حقه والتجني عليه .
ويختلف مفهوم العدالة في النقد الأدبي عنه في الأمور الأخرى في شيء واحد فقط ,وهو السماح للناقد بأن يحكم ذوقه الشخصي ,على أن يكون ذوقاً رفيعاً مدرباً,وألا أصبح حكمه قاصراَ لا يؤبه له أو متحيز مجروح عدالته .
تحليل النص الأدبي
ما التحليل وما المقصود به؟
يقصد بتحليل النص لأدبي : دراسته,والنظر في كل عنصر من عناصره على حدة,واكتشاف محاسنه وعيوبه,لتذّوقه على أفضل وجه ممكن ,وتكوين حكم عام صحيح عليه. ولا يتأتى هذا التحليل إلا بالقراءة الواعية المتأنية,وبعض الخبرة,والذوق وإتباع طريقة منظمة.
والنظر إلى العناصر التالية..
جو النص
هذه خطوة تمهيدية ,تسبق دخولنا للنص ,وفيها نبحث عن العصر الذي قيل فيه النص ,ثم عن صاحب النص ونُعرف به بإيجاز ونركز على ماله علاقات بالنص ونبحث عن مناسبة النص :
هل أنشأه صاحبه بدافع معين ؟ أو إثر حادثة معينة ؟
وقد يصرح الأديب بهذه المناسبة قبل بداية النص ,وقد يذكرها داخل النص ,أو يؤما إليها إيماءة خفيفة ..ولكن !!
قد نصادف نصاً لا نعرف صاحبه ,وقد يكون النص مقالة أو قصة لا ترتبط بمناسبة محددة ,ولن يعوقنا هذا عن تحليله,إنما ننتقل مباشرة إلى الخطوة التالية :
العرض العام للنص
فيه نبين القضايا التي يحويها النص ,متسلسلة كما كتبها صاحبها ,دون أن نزيد عليه ما لم يقله.فإن كان النص شعراً نثرناه بيتاً بيتاً أو مقطعاً مقطعاً وإن كان نثراً عرضناه فقرة فقرة ,أو فصلاً فصلاً ,حتى نستوفيه ,وينبغي أن يكون عرضنا واضحاً ,يشرح العبارات الغامضة ,ويبين دلالات الرموز إن وجدت .الأفـــــكار
وهنا نستخلص من العرض العام السابق الأفكار الرئيسة التي تضمنها النص ,ونحددها بدقة ,ونبين مدى تسلسلها ,وترابطها , واتصالها بالموضوع الرئيس,وما فيها من جدة وسمو,أو تقليد وتكرار وابتذال.
الأســلوب
وهي مجموعة من المشاعر والانفعالات التي تظهر في النص ,على امتداده ,سواء كانت من نوع واحد : الحزن أو الفرح أو الغضب …أم كانت متنوعة ينتقل الأديب من واحدة إلى أخرى كلما انتقل من غرض إلى غرض ,أو موزعة على الأحداث والشخصيات المتوالية .فلا بد أن نرصد هذه العواطف ,ونبين نوعها وقوتها وصدقها ,وكيفية ظهورها في النص .
ومعنى الأسلوب باختصار /الصياغة الخارجية للنص ,ويتضمن
الألفاظ - التراكيب - الصنعة الأدبية
الألفـــاظ : ننظر في فصاحتها ,ورشاقتها ,ودقة دلالتها على المعاني ومدى شيوعها في عصرنا ,وملاءمتها للموضوع .
التراكيـب : فننظر في طريقة بنائها , ومدى ملاءمتها لقواعد الجملة العربية ,وطولها وقصرها ,ووضوح دلالتها.
الصنعة لأدبية : أي تفنن لأديب في انتقاء الألفاظ ,ووضعها في سياق يعطيها دلالات إضافية أو يغير معناها ,واستخدامه للمحسنات البديعية , وتنقله بين الخبر والإنشاء ,وأي مؤثرات أخرى , وننظر في موقعها أهي مقحمة توحي بالتكلف والتصنع ؟أم أنها ملائمة للسياق .تُحسنه وتُقوي أثره فينا ؟
الإيقاع : فإن كان النص شعراً , نظرنا في وزنه , وقدرة الشاعر على تطويعه لأفكاره ,وبراعته في استشعار نغماته , ونظرنا في قوافيه ,ومدى استقرارها ,والإيقاع الذي تحققه ,ونظرنا في الإيقاعات الداخلية التي يحدثا توالي الحروف والكلمات وإن كان هذا النص نثرياً , نظرنا في وقف الألفاظ والعبارات ,وما تحدثه من إيقاع صوتي وتناغم داخلي , ومدى إبراز الانفعالات والعواطف في تقوية المعنى .
الخيـال : حيث نتتبع الصور البيانية التي صنعها الأديب , وما فيها من ابتكار أو تقليد والمصادر التي استقاها منها ,وأثرها في توضيح المعنى وتزيينه.ولا يقتصر تتبع الخيال على الشعر , بل علينا أن نتتبعه في النص النثري أيضاً , فإن كان النص مقالة أو خطبة تتبعنا الصور المفردة بالطريقة نفسها,وإن كان النص قصة أو مسرحية تتبعنا أثر الخيال في تصميم النص كله , وفي بناء الشخصيات وفي تحريك الأحداث وتنميتها .
الحكم على النص : حيث نبرز أهم الخصائص الفنية , ونوازن بينه وبين بعض الأعمال التي تشاركه في الغرض والموضوع , ونظهر الجديد الذي أضافه , والقيم الإنسانية التي حملها ,والمهارات الفنية التي تميز بها.
أرجو ان اكون وضحت لكم بعض الشىء عن اصول النقد وماهيته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولاً : النقد التأثري:
النقد التأثري هو كل نقد أخرجه صاحبه تحت تأثير الانطباعات الأولية السريعة,أو الأهواء الشخصية المتحيزة ,أو المزاج الفردي الخاص ,ولم يخرجه نتيجة تأمل ودراسة مدققة تعتمد على معايير وضوابط متفق عليها.
ويكون غالبا هذا النوع من النقد أحكاما عامة غير معللة حيث يصف الناقد النص بصفة ما ولا يفصلها ,ولا يبين الأسباب التي جعلته يطلقها ,كأن يقول:هذه أعظم قصة أو مقاله أو هذا أشعر بيت آو أبدعه…ويذكر أسباب سطحية غير مقنعة لا تكفي أن يحكم عليها بهذا الحكم وغالبا ما يكون حكم الناقد على حسنة معينه فيعممها على كل النص أو خطاء معين فيعممه.
ويتصف هذا النقد بالسذاجة والمبالغة ,لان الناقد بناه نتيجة انفعالاته المباشرة ولم ينظر في أجزاء النص كلها ولم يهتم بالقواعد التي أتفق عليها العلماء.ويكثر هذا النوع من النقد في المراحل المبكرة من تاريخ النقد ,أي قبل أن يتحول إلى علم واسع ,ويكثر الآن عند فئات من النقاد منهم: المبتدئون الذين لم يتمرسوا في الأدب ,والمتعصبون الذين يتحمسون لأديب ما فيظهرون حسناته وحدها ,ويحكمون عليه من خلالها ويغفلون عن عثراته والمزاجيين الذين تكون لهم ميول فردية خاصة فيعجبون بالأعمال التي توافق أهواءهم ويعيبون الأعمال التي تخالفها .
وطبيعي أن مثل هذا النقد لا يفيد المجتمعات الإنسانية ,فلا يرتقي بأذواق الجمهور ,ولا يساعد الأديب على تحسين إنتاجه ,لان مقاييس الجمال والقبح فيه ذاتية وغير مستقرة.
ثانيا : النقد الموضوعي:
النقد الموضوعي هو النقد الذي يصدر عن دراسة وتمحيص ,ويلتزم الناقد فيه منهجا معينا ,ويطبق القواعد الذي أتفق عليها عدد من النقاد ويحكم ذوقه وعقله وثقافة الفنية والعامة في آن واحد,ولا يستسلم لميوله الخاصة ,ولا يتحيز ويدعم أحكامه بالحجج والبراهين. ويكون هذا النقد مفصلا ومعللا, حيث يحلل الناقد العمل الأدبي ,وينظر في أجزائه كلها,ويبين مواطن الإجادة والتقصير فيها ,ويشرح سبب حكمه عليها بالإجادة أو التقصير,ثم يبين من الأحكام الجزئية حكم عام ,يقوم فيه العمل الأدبي كله.ويقتضي هذا النوع من النقد أن تكون لدى الناقد خبرة كبيرة ,تمكنه من التحليل الدقيق والقدرة على المناقشة,وكذلك ذوق مدرب يساعده على تميز مستويات الجمال والقبح المختلفة ,وثقافة واسعة تعينه على الموازنة وتطبيق القواعد النقدية.ويكون حكم النقاد في النقد الموضوعي متماثلة أو متقاربة,فلو أعطينا عملا أدبيا واحد لمجموعة من النقاد الموضوعيين فنقدوه ,لوجدنا نقدهم متشابها,والخلافات في ذلك محدودة,ويكون سببها الفروق الدقيقة في الأذواق .
ولاشك أن النقد الموضوعي نتيجة من نتائج ارتقاء النقد ,ودليل على التقدم الأدبي والحضاري,لأنه يعتمد على دراسة وتحليل,ويسلك طريق المناقشة والاحتجاج ,لكي يقنعنا بأحكامه ,وهو الذي يساعد الأدباء على تحسين إبداعهم,ويساهم في تطوير الأدب,ويرتقي بأذواق القراء.
الصفة الأولى:الموهبة النقدية
إن أول ما ينبغي أن يتصف به الناقد هو الموهبة النقدية والذوق .أما الموهبة النقدية فهي قدرة يمنحها الله لبعض الناس يستطيعون بها أن يفحصوا الأشياء فحصاً دقيقاً ,فيكتشفوا عيوبها الخفية ويحسوا بالجمال الظاهر والخفي ,ويقارنون ا بين المتشابهات , ويدركون الفروق التي لا تظهر لنا بسهولة.
صحيح أن جميع الناس أسوياء يملكون القدرة على الفحص والتمييز والمقارنة ولكن أصحاب الموهبة يملكون قدرة فائقة,فإذا سنحت الفرصة لتنمية قدراتهم والإفادة منها,أصبحوا نقاداً بارعين .
أما الذوق فهو ملكة خاصة تجعل المرء لبقاً .يحسن التصرف والاختيار والانتباه للتوافق الدقيق بين الألوان والأصوات والإشكال ,ويحس بأي تنافر بينها.
وفي ميدان النقد الأدبي تكون صفة الذوق مكملة لصفة الموهبة ومرتبطة بها غالباً فمن أوتي موهبة الإحساس بالعيوب الخفية والجمال الدقيق فسوف يستخدمها في حٌسن الاختيار وحسن التصرف وعندما يفحص الناقد عملاً أدبياً فإن موهبته وذوقه يشتركان في إدراك الفروق الصغيرة بين معنى ومعنى وصورة وصورة ,وفي إدراك الفروق بين الألفاظ في أثناء وقعها على الأذان ,وإدراك التناسق أو التنافر في ترتيب الكلمات داخل الجملة .
فالذوق إذاً صفة لازمة للناقد , ترتبط بموهبته النقدية وتكملها ليستطيع بهما معاً أن يتذوق الأعمال الأدبية ويساعد القراء على تذوقها تذوقاً صحيحاً
الصفة الثانية : الثقافة والخبرة
من الصفات المهمة للناقد الثقافة والخبرة أما الثقافة فينبغي أن يكون الناقد ذا ثقافة واسعة متنوعة ومتعددة الميادين وتنقسم إلى عدة أقسام :-
1- الثقافة النقدية المتخصصة :
وذلك بأن يعرف أصول النقد وطرقه , فيعرف كيف يحلل النص الأدبي ويستنبط صفاته وخصائصه,ويحكم عليه كما ينبغي أن يكون لديه إلمام بالتراث النقدي العربي وبالحركات النقدية التي يعاصرها ,وبالاتجاهات النقدية المهمة في العالم.
2- الثقافة الأدبية :
فالأدب ميدان النقد وموضوعه,وينبغي للناقد أن يعرف فنون الأدب وقواعد كل فن .فإن أراد أن ينقد قصيدة فلابد أن يعرف أصول الشعر وقواعد العروض ,ويكون له إلمام بالتراث الشعري العربي ,والقيم التي كانت سائدة فيه وإذا أراد أن ينقد قصة فلابد أن يعرف قواعد القصة وأسسها الفنية ,واتجاهاتها الحديثة وهكذا بالنسبة لكل فن من فنون الأدب .
3- الثقافة البلاغية :
التي تعينه على إدراك فصاحة الألفاظ والعبارات والأساليب البيانية المستخدمة في الأدب الرفيع ,والمحسنات البديعية الموجودة في النص ,فالبلاغة جزء أساس من النقد العربي وقد كانت ملتحمة به إلى القرن الخامس هجرية ثم انفصلت عنه ,وصارت علماً مستقلا لا غنى عنه للناقد العربي عن معرفتها .
4- الثقافة اللغوية :
وبخاصة النحو والصرف ,فبهما يستطيع الناقد أن يدرك صحة العبارة,
واستقامة الجملة ,ويضبط أي اختلاف فيهما , لان الخروج عن قواعد اللغة يفسد المعنى ويضيع جمال العمل الأدبي .
وإذا كانت كتب الأدب والبلاغة تعطي الناقد ثقافة واسعة في أصول التعبير الصحيح فإن أكبر مصدر للغة الرفيعة والبيان العظيم هو القرآن العظيم ثم الحديث الشريف ولكي يكون الناقد مثقفاً ذواقاً للبيان وللأساليب الجميلة ,فلابد أن ينهل منهما ,وقد كان أسلافنا يشترطون في الناقد حفظ القرآن الكريم ,وقدر من الأحاديث الشريفة ولا شك أن الناقد العربي المسلم في عصرنا أحوج ما يكون أن يتذوق البيان القرآني المعجز وأسلوب الأحاديث الشريفة البليغ وأن يربي ذوقه عليهما,فيكسب ثقافة لغوية وبيانية عظيمة .
5- الثقافة الإسلامية :
من طبيعة عمل الناقد أن يحكم على الأفكار والمعاني في الأعمال الأدبية إضافة إلى الأساليب - لذا ولكي تكون أحكام الناقد المسلم صحيحة وآراؤه سديدة وسليمة من تأثيرات التيارات الفاسدة ,ينبغي أن يتزود ما يستطيع من الثقافة الإسلامية ,وأن يمتلىء بالتصور الإسلامي للحياة وللإنسان .
وأما الخبرة العملية : فإن الناقد في حاجة إليها ليكتسب مهارة نقدية فالخبرة هي التي تميز بين الناقد المبتدى والناقد البصير الممارس ,وهي التي تجعل أحكام مقبولة ومحترمة لدى الأدباء والجمهور .ويكتسب الناقد الخبرة عادة بالقراءة الواسعة في أعمال النقاد النابهين ,وبالممارسة والعمل الدءوب.
الصفة الثالثة : العدالة والإنصاف
العدالة والإنصاف من الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم بعامة,وكل من يتصدى للحكم بخاصة ,والناقد واحد من هؤلاء .لذلك ينبغي للناقد عندما ينقد عملا أدبياً أن يبتعد عن التحيز والتعصب ,والمجاملة وأن يحكم على عناصر العمل الأدبي وفق الصفات التي تتصف بها حقيقته ,وأن يعلل أحكامه ,فيبين الأسباب التي جعلته يحكم بالجودة أو الرداءة,وعليه أن يحترس من أن تدفعه عاطفته نحو أديب ما إلى إطرائه بما ليس فيه,أو بخسه حقه والتجني عليه .
ويختلف مفهوم العدالة في النقد الأدبي عنه في الأمور الأخرى في شيء واحد فقط ,وهو السماح للناقد بأن يحكم ذوقه الشخصي ,على أن يكون ذوقاً رفيعاً مدرباً,وألا أصبح حكمه قاصراَ لا يؤبه له أو متحيز مجروح عدالته .
تحليل النص الأدبي
ما التحليل وما المقصود به؟
يقصد بتحليل النص لأدبي : دراسته,والنظر في كل عنصر من عناصره على حدة,واكتشاف محاسنه وعيوبه,لتذّوقه على أفضل وجه ممكن ,وتكوين حكم عام صحيح عليه. ولا يتأتى هذا التحليل إلا بالقراءة الواعية المتأنية,وبعض الخبرة,والذوق وإتباع طريقة منظمة.
والنظر إلى العناصر التالية..
جو النص
هذه خطوة تمهيدية ,تسبق دخولنا للنص ,وفيها نبحث عن العصر الذي قيل فيه النص ,ثم عن صاحب النص ونُعرف به بإيجاز ونركز على ماله علاقات بالنص ونبحث عن مناسبة النص :
هل أنشأه صاحبه بدافع معين ؟ أو إثر حادثة معينة ؟
وقد يصرح الأديب بهذه المناسبة قبل بداية النص ,وقد يذكرها داخل النص ,أو يؤما إليها إيماءة خفيفة ..ولكن !!
قد نصادف نصاً لا نعرف صاحبه ,وقد يكون النص مقالة أو قصة لا ترتبط بمناسبة محددة ,ولن يعوقنا هذا عن تحليله,إنما ننتقل مباشرة إلى الخطوة التالية :
العرض العام للنص
فيه نبين القضايا التي يحويها النص ,متسلسلة كما كتبها صاحبها ,دون أن نزيد عليه ما لم يقله.فإن كان النص شعراً نثرناه بيتاً بيتاً أو مقطعاً مقطعاً وإن كان نثراً عرضناه فقرة فقرة ,أو فصلاً فصلاً ,حتى نستوفيه ,وينبغي أن يكون عرضنا واضحاً ,يشرح العبارات الغامضة ,ويبين دلالات الرموز إن وجدت .الأفـــــكار
وهنا نستخلص من العرض العام السابق الأفكار الرئيسة التي تضمنها النص ,ونحددها بدقة ,ونبين مدى تسلسلها ,وترابطها , واتصالها بالموضوع الرئيس,وما فيها من جدة وسمو,أو تقليد وتكرار وابتذال.
الأســلوب
وهي مجموعة من المشاعر والانفعالات التي تظهر في النص ,على امتداده ,سواء كانت من نوع واحد : الحزن أو الفرح أو الغضب …أم كانت متنوعة ينتقل الأديب من واحدة إلى أخرى كلما انتقل من غرض إلى غرض ,أو موزعة على الأحداث والشخصيات المتوالية .فلا بد أن نرصد هذه العواطف ,ونبين نوعها وقوتها وصدقها ,وكيفية ظهورها في النص .
ومعنى الأسلوب باختصار /الصياغة الخارجية للنص ,ويتضمن
الألفاظ - التراكيب - الصنعة الأدبية
الألفـــاظ : ننظر في فصاحتها ,ورشاقتها ,ودقة دلالتها على المعاني ومدى شيوعها في عصرنا ,وملاءمتها للموضوع .
التراكيـب : فننظر في طريقة بنائها , ومدى ملاءمتها لقواعد الجملة العربية ,وطولها وقصرها ,ووضوح دلالتها.
الصنعة لأدبية : أي تفنن لأديب في انتقاء الألفاظ ,ووضعها في سياق يعطيها دلالات إضافية أو يغير معناها ,واستخدامه للمحسنات البديعية , وتنقله بين الخبر والإنشاء ,وأي مؤثرات أخرى , وننظر في موقعها أهي مقحمة توحي بالتكلف والتصنع ؟أم أنها ملائمة للسياق .تُحسنه وتُقوي أثره فينا ؟
الإيقاع : فإن كان النص شعراً , نظرنا في وزنه , وقدرة الشاعر على تطويعه لأفكاره ,وبراعته في استشعار نغماته , ونظرنا في قوافيه ,ومدى استقرارها ,والإيقاع الذي تحققه ,ونظرنا في الإيقاعات الداخلية التي يحدثا توالي الحروف والكلمات وإن كان هذا النص نثرياً , نظرنا في وقف الألفاظ والعبارات ,وما تحدثه من إيقاع صوتي وتناغم داخلي , ومدى إبراز الانفعالات والعواطف في تقوية المعنى .
الخيـال : حيث نتتبع الصور البيانية التي صنعها الأديب , وما فيها من ابتكار أو تقليد والمصادر التي استقاها منها ,وأثرها في توضيح المعنى وتزيينه.ولا يقتصر تتبع الخيال على الشعر , بل علينا أن نتتبعه في النص النثري أيضاً , فإن كان النص مقالة أو خطبة تتبعنا الصور المفردة بالطريقة نفسها,وإن كان النص قصة أو مسرحية تتبعنا أثر الخيال في تصميم النص كله , وفي بناء الشخصيات وفي تحريك الأحداث وتنميتها .
الحكم على النص : حيث نبرز أهم الخصائص الفنية , ونوازن بينه وبين بعض الأعمال التي تشاركه في الغرض والموضوع , ونظهر الجديد الذي أضافه , والقيم الإنسانية التي حملها ,والمهارات الفنية التي تميز بها.
أرجو ان اكون وضحت لكم بعض الشىء عن اصول النقد وماهيته