نايف الفقير
10/12/09, (07:55 PM)
تنبيه : الموضوع بالحواشي والمراجع والتعليقات موجود بمركز الدراسات الوائلية
تكذيب مانُسب للهمداني وتلفيق قصة بني حرب وعنزة
في هذه السطور نود أن نكشف حقيقة قصة منسوبة للحسن بن يعقوب الهمداني في كتابه المعنون بــ(الإكليل من اخبار اليمن وأنساب حمير) ، والذي فيه تجني على قبيلة عنزة الوائلية ، ومحاولة بعض المعاصرين استغلال هذه القصة في التسويف بتاريخها ونسبها .
وهذه القصة التي سنعرضها لاحقا في هذا المبحث تتواجد فيما يُسمى بالجزء الأول من كتاب الإكليل والذي حققه وطبعه محمد بن علي الأكوع الحوالي في عام 1387هـ / 1968م.
وقدلاحظنا كثرة في عدد الباحثين المستندين بهذا الكتاب المزعوم ( الإكليل الجزء الأول) وماورد فيه من اختلاق على قبيلة عنزة الوائلية الربعية .
ان تلفيق هذا الخبر عن الفترة الزمنية التي بدأت فيها صلة قبيلة عنزة الوائلية المعاصرة في منطقة خيبر ، ثم نفي علاقتها بمنطقة عين التمر في مراحل تاريخية سابقة ، انما يهدف الى امور منها : القول بعدم صلة التاريخ العنزي بالوائلي لغرض نفي النسب الوائلي لقبيلة عنزة المعاصرة ، والذي لاتعرف قبيلة غيرها به ، أو تحويره والصاقها بوائل آخر غير وائل ربيعة .
ومن عوامل تلفيق القصة ايضا على قبيلة عنزة هي اظهارها بمظهر ضعيف وتصوير امتلاكها خيبر ليظهر وكانها طردت من قبيلة بني حرب فلجأت الى خيبر !
لهذا كان من الضرورة بمكان توضيح الاختلاق في هذه القصة من جميع نواحيه ، حتى لايعاود المخالفون اتخاذ ماورد حجة لهم يسوقونها في أي نقاش حول حقيقة ديار وتواجد قبائل عنزة الربعية القديمة التي جاء منها اسم القبيلة الوائلية المعاصرة .
التعريف بالهمداني وكتابه الإكليل
هو محمد بن الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني ، يعرف بابن الحائك الهمداني ، من قبيلة همدان المعروفة في اليمن ، ولد سنة 280هـ وتوفي سنة 334هـ ، ويعد كتاب (الإكليل من اخبار اليمن وأنساب حمير) من أشهر مؤلفاته إضافة إلى كتاب ( صفة جزيرة العرب) وغيرها .
وكتاب الإكليل من الكتب المفقودة ، إلا أن هناك من زعم أن بعض أهل اليمن جمع أجزاء من هذا الكتاب ، وكان علي بن إبراهيم القفطي من علماء القرن السابع (توفي سنة 646هـ) يقول إن اجزاءً مبعثرة هي التي وصلت من الكتاب ، وهذه الاجزاء هي كما يلي : الأول والرابع والسادس والعاشر والثامن، وهي على تفرقتها تقرب من نصف التصنيف ، ثم وضع القفطي احتمالاً ان يكون الكتاب بأكلمه متعذر الوجود تماماً ، ولكن المؤكد لدينا أن الاجزاءالتي ذكرها الفقطي لم تصل الى زمننا .
وفي عصرنا هذا قام البعض من المستشرقين بجهود لتجميع مادة الكتاب بالاعتماد على من نقل عن الهمداني من المؤلفين ، فتم العثور على بعض المجلدات التي طُبعت بهذه العناوين :
1-الجزء الثامن من الإكليل : كان له نسخة ألمانية ،ثم طبعه الأب المسيحي انستانس الكرملي في بغداد سنة 1931م .
2- الجزء العاشر : طُبع بمصر بتحقيق محب الدين الخطيب ، وقد شنّع الخطيب على الهمداني واتهمه بالتلفيق تعصبا لقبائل اليمن .
ثم ان محمد الاكوع الحوالي كان قد أصدر في ستينيات القرن العشرين الجزئين :
الأول – وهو الواردة في قصة قبيلة عنزة والذي سنركز الحديث عنه في هذا الموضوع، ذكر الأكوع انه عثر عليه بالصدفة في مكتبة زميله القاضي: محمدبن عبد الله العمري ، وانه عرضه على الشيخ حمد الجاسر رحمه الله في القاهرة ، وان الجاسر ساعده في تحقيقه.
الجزء الثاني- ذكر الأكوع انه اطلع على هذا الجزء بالصدفة ايضاً ! وذلك أثناء فترة سجنه عام 1367هـ.
استناد الشيخ حمد الجاسر على الإكليل فيما يخص قبيلة عنزة الوائلية
ثم نجد مقالا كتبه حمدالجاسر رحمه الله في مجلة العرب وبعدد رجب من سنة 1415هـ حمل عنوان ( قبيلة عنزة .. بلادها قديما) وقد حاول بالإستناد الى الجزء الأول من الإكليل الزعم بأن (عنزة بن أسد) الفرع القديم من ربيعة كان بالحجاز ( بين خيبر والمدينة المنورة) منذ فترة مبكر من التاريخ الإسلامي ، وان النصوص التي تحدثت عن عنزة التي مع بكر بن وائل لاتعدو عن : اما انها خاطئة ، او انها كانت تقصد فرع صغير من عنزة التي هي قبيلة حجازية منذ القدم غير مرتبطة باخوتها من ربيعة .
وتمادى الجاسر حتى انه نفى الخبر الذي نقله ابن سعيد الاندلسي ( ت 685هـ) والذي افاد فيه ابن سعيد ان قبائل عنزة التي حول خيبر انما جاءت اليها من الانبار وتحديدا ( عين التمر) .
فجعل الجاسر يزعم أن ابن سعيد متأخر وان الهمداني الذي ذكر – حسب زعمه - قبيلة عنزة في ( الإكليل الجزء الأول) في خيبر أوثق من ابن سعيد ، كونه أقدم منه من جهة ، ومن جهة اخرى – والكلام لازال للجاسر- فان القبائل العربية التي تذهب الى العراق تتحضر ولاتعود الى البادية مرة اخرى .
لكن الجاسر لم يذكر كيف ومتى ومن اين انتقلت قبيلة عنزة الى خيبر في تلك المقالة ، بيد انه أشار إلى أن الاستنتاج المهم في نظره هو أن قبيلة عنزة كانت من قبائل خيبر والمدينة في قرون مبكرة لا تتأخر عن القرن الثاني الهجري ، ثم انها انتقلت من جبل بني عوف قرب المدينة الى خيبر بعد ان احتكت بقبائل حرب !
وللأسف تابع الكثيرين الجاسر فيما ذهب اليه دون ان يكلفوا انفسهم تحري الحقيقة التي سنوضحها في هذا الموضوع باذن الله .
كتاب الإكليل ليس للهمداني!
ان التاريخ لن يغفر للأكوع نسبة مجموعة من الكتب المنسوخة وتسميتها ( الإكليل) ووضع اسم الهمداني عليها وبصفته مؤلفاً لها ، وان كنا نسأل الله ان يغفر للمؤلف الاكوع وللشيخ حمد الجاسر رحمهم الله .
فباستثناء المجلد المطبوع على انه ( الجزء العاشر من الإكليل) والجز الثامن ، فان المجلدات الأخرى لايتضح أبدا أنها للهمداني بحرفها ، بل هي لمؤلفين مجهولين كان الهمداني وكتبه مرجعا لهم من ضمن مراجع اخرى رجعوا اليها ، وهذا يتضح من كثرة عبارة ( قال الهمداني :...) التي نجدها في متون هذه الكتب ، كما إن أساليب هذه الكتب تعود الى عصور قريبة لاتتعدى القرن السادس الهجري ، في حين ان اسلوب الهمداني يختلف عن ذلك كليةً ، وهو يشبه الاسلوب الصعب الفهم على القراء والذي طبع مؤلفات قدماء العرب ، ونراه بوضوح في كتابه ( صفة جزيرة العرب) الذي لاخلاف ان الهمداني هو مؤلفه .
وقد يقول القاريء انني اتجنى او احاول الهروب من خبر الهمداني عن قبيلة عنزة ، او انني ادعي انه ليس للهمداني ، اقول لهولاء : رويدا رويدا .. مابالكم لو علمتم ان الجزء الاول تحديدا والواردة في حادثة عنزة والمنسوب للهمداني كان قد أفصح عنه مؤلفه بمتن الكتاب وبشكل واضح وذكر اسمه ومناسبة تأليفه أيضا !
نقرأ مقدمة الجزء الأول فنجد المؤلف يقول :
" الحمد لله على جزيل نواله ، وصلى الله على نبيه محمد وآله ، قال محمد بن نشوان الحميري : الحمد لله موجد الاشياء بعد العدم .. الخ "
وبعد أن انهى الثناء على رب العزة والجلالة أردف مؤلف الكتاب قائلاً :
" سألت اكرمك الله بأنواع كرامته ، وأعاذك من صرعة الباطل وندامته ، أن اوضح لك أنساب حمير وأخبارها ،فأجبتك الى ماسألت ، وأشفعتك منه بما طلبت مؤتماً بما ذكره الشيخ الفاضل المؤتمن لسان اليمن ، وفائق من كان فيه من الزمن ، الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني رحمه الله " أ.هـ
واي عاقل وعامي ومتعلم يقرأ هذه المقدمة سيستنتج مايلي :
1-ان هذا الكتاب ليس هو كتاب الإكليل ولاجزء منه، ولايصح نسبته للهمداني من أي وجه ، لاسيما وأن مؤلفه يفصح عن نفسه بهذا الوضوح ، وليت شعري كيف اجاز الاكوع لنفسه هذا الادعاء الخطير ! والانكى من ذلك كيف للشيخ حمد الجاسر رحمه الله ان يتابع الاكوع في هذا الافتراء الخطير.
2-ان مؤلف الكتاب الحقيقي هو : محمد بن نشوان الحميري ، احد علماء اليمن في القرن السابع الهجري (600هـ- 699هـ)وقد أفصح عن نفسه !
3-المؤلف محمد الحميري أوضح انه قد ائتم ( اي جعل إمامه) في تأليفه الحسن الهمداني فيما يخص انساب حمير ، ولايعني هذا اننا نستطيع ان نقول ان الهمداني هو المؤلف! وان هذا من أجزاء الإكليل! فعلماء الدين يكون القرآن هو امام علومهم وبحوثهم ومؤلفاتهم ، ولكن تلك المؤلفات ليست هي القرآن وليست من الوحي ! بل ينسب كل كتاب لمؤلفه .
الغريب ان الاكوع غفر الله حاول بكل صفاقة ان يدافع عن افترائه على الهمداني في مقدمة التحقيق عبر اضافة افتراء آخر على المؤلف الحقيقي محمد بن نشوان : " ويحس القاريء بسقطة في هوة سحيقة ، كما بين الهمداني ومحمد بن نشوان من السنين والفارق الكبير وينحى باللائمة ، ظاناً أنه من قبل خداع العناوين ، ولكن تعمقنا في دراسة الكتاب والوقوف على مواضيعه طويلاً تبين انه الجزء الاول من الإكليل بنصه وفصه ... " أ.هـ
ان هذا افتراء آخر من بنات أفكار الأكوع ، وهو القول بان هذا الجزء هو مختصر الجزء الاول من الإكليل ، رغم ان ابن نشوان لم يذكر ان هذا اختصاراً لكتاب آخر ، بل كلامه كان واضحاً جدا من أن هذا كتابه يجيب به من سأله عن نسب حمير ، ذكر فيه انه رجع الى الهمداني كمصدر رئيسي ، كما لم يوضح محمد بن نشوان انه استند على جزء بعينه من الإكليل ولاندري من أتى الاكوع بحكاية انه الجزء الاول !
كما أن عبارة ابن نشوان التي افاد فيها : انه اختصر بعض الامور التي نقلها عنها الهمداني لاتعني انه اختصر الإكليل نفسه ، لأن ابن نشوان ذكر في المقدمة انه اختصر من اقوال الهمداني فيما يخص أنساب حمير فقط ! وانه لم ينقل عن الهمداني اية اخبار تاريخية لاعلاقة لها بالنسب !
وحتى لو اتخذنا جزافاً وجارينا الأكوع في مذهبه في أن مافعله ابن نشوان هو اختصار لكتاب الإكليل ، فمن باب الامانة أن يوضح هذا في العنوان على غلاف الكتاب ، وأن يكون عنوان المجلد ( مختصر بن نشوان لكتاب الإكليل) ، لا أن يحمل الغلاف اسم الإكليل ذاته! فهذا تدليس وتظليل ويجب تصحيحه خدمة لتراث الأمة !
تكون اذن الحقيقة ان الكتاب كما قلنا وفهمنا لمحمد بن نشوان ، وله يجب ان يُنسب ، كما انه ليس مختصرا عن الإكليل، ولو انه مختصر لسوف يوضح ابن نشوان هذا الامر ، كما وضح صفي الدين ابن عبد الحق ( ت 739هـ) اختصاره لكتاب ( معجم البلدان ) لياقوت الحموي على سبيل المثال ، وذكر ذلك في مقدمة كتابه .والاختصار نوع من التأليف ، وغير الاختصار هناك ( الشرح) فكتاب ( فتح الباري في شرح صحيح البخاري) مطبوع بهذا الاسم ولم يُوضع على غلافه ماجعلنا نفهم انه ( صحيح البخاري) !
ولعل المبرر الذي جعل الاكوع يفتري على الهمداني وابن نشوان الحميري هو حماسته المفرطة لان يكون احد مخرجي كتاب الهمدني الذي يعد مفقوداً ورغبته في ان يُنسب فضل هذا الأمر اليه.
اما المبرر الذي ساقه الأكوع في نسبة هذا المجلد الى الهمداني هو انه رآه عند صديقه القاضي محمد العمري ، وأن عنوانه كان ( الجزء الاول من الإكليل) فليس مبررا وجيهاًيجعل للأكوع يفتري هذه الفرية ، فهو قد قرأ المقدمة التي كتبها ابن نشوان وبها بيان حقيقة هذا الكتاب .
متن الكتاب وادلة اضافية على ان الكتاب ليس للهمداني
اثبتنا فيما سبق ان مؤلف الكتاب هو محمد بن نشوان الحميري ، وهذا بحد ذاته كافياً ، بيد انه لامانع من اثبات صحة قولنا من خلال ملاحظاتنا عن ماورد في متن الكتاب كأدلة اضافية نقدمها من لازال في قلبه ريب.
عند تصفح كتاب الحميري المنسوب افتراءً الى الهمداني تتأكد لدينا ماهيّة الكتاب ، ففيه نقولات عن الهمداني تبتديء بالنص ( قال الهمداني: ..) ، وفيه نصوص منقولة من غيره وهي كثيرة ، فهناك مانُقل عن عمر بن الخطاب وعن ابن الكلبي ، وعن مؤلفي السيرة ، وهناك ماهو منقول عن معاصرين لمحمد بن نشوان نفسه ، وقبل كل قول يلتزم المؤلف في توضيح من نقل عنه النص ، وهناك خلط في الأقوال ايضاً ، وهذه جملة من الملاحظات الدالة بشكل قاطع على ماذكرنا( وهو ان الكتاب لابن نشوان الحميري) :
1-في ص 180 ذكر ابن نشوان نسب اكلب الى ربيعة الفرس ، وهذا رأي مناقض لما هو منسوب للهمداني في الجزء العاشر للإكليل الذي ذكر أن : أكلب ينتسب الى ربيعة بن عفرس من حمير ، فجعل ابن نشوان اكلب : أكلبان ، وان احدهما ( وهي الربعية) دخلت بالخلف في أكلب بن عفرس! طبعا لكي يجمع بين الهمداني وابن الكلبي .
2في ص 262 نقل ابن نشوان نسب عنز بن وائل حرفياً من ابن الكلبي ، وذكر ان عسيرا بن اراشة بن عنز ، في حين رايء الهمداني الحقيقي أن عسير يمانية النسب تنزرت بتبعيتها الى بني عنز بن وائل ( صفة جزيرة العرب)، وللعلم فان الهمداني لم ينقل عن ابن الكلبي ولاغيره ، انما نقل من اهل اليمن فقط .
3-في ص269 يذكر ( ابرق الرغامة) ، وهذا يقع شرقي مدينة جدة في زمننا، ولم يُعرف بزمن الهمداني بهذا الاسم ، ولكنه معروف منذ القرن السادس الهجري اي في زمن ابن نشوان المؤلف الحقيقي .
4-في الحديث عن بني حرب يقول عن بطن ( بنو ذؤيب) ص269 مانصه : "انهم احدّ بني حرب حداً ، وهم أخوال ابي القاسم إدريس بن جعفر من ولد موسى بن محمد الرضا" وهذا الرجل المذكور – الذي هو إدريس بن جعفر - ليس معاصراً للهمداني بل هو معاصر لابن نشوان صاحب الخبر والكتاب الحقيقي !
5-في ص 272 يتحدث عن يوم ( معركة) لبني حرب ضد سلطان مكة ( ابن ملاحظ) ، وهذا على فرض صحته لم يدركه الهمداني ، لانه توفي سنة 334هـ ، وابن ملاحظ تولى مكة في خلافة المطيع التي لم تبدأ الا سنة 334هـ ، اي ان خبر ابن ملاحظ وبني حرب لايمكن ان يكون الهمداني مصدره .
6-في صفحتي 288و 289 ينقل تفاصيل سجن الحسن الهمداني ، على يد أسعد اليعفري ، ويتحدث عن تفاصيل علاقة الهمداني حتى اطلاقه ، وصيغة الحديث تدل إن القائل ليس الهمداني نفسه ، بل ابن نشوان الذي هو صاحب الكتاب ، ولو كان الهمداني هو المتحدث لتحدث بضمير المتحدث ، اي سنجد الهمداني يقول : ( سُجنت في سنة كذا ..)
القصة المفتراة : عنزة وبني حرب وجبل قدْس!
في هذا الكتاب الذي اثبتنا في السطور السابقة – وبدليل قاطع – ان مؤلفه هو محمد بن نشوان ، ترد فيه قصة تنافس قبيلتي عنزة وحرب بجبل ( قدْس ) قرب المدينة المنورة .
ومرةً اخرى يعود حمد الجاسر وفي مقال نُشر في مجلة العرب تحدث فيه عن قبيلة ( بني حرب) وكيف انهم منسوبون الى قضاعة على ماورد في الجزء الاول من الإكليل للهمداني ( الذي اثبتنا انه لمحمد بن نشوان) ، وليس الى بني هلال كما قال ابن حزم الظاهري في كتاب ( جمهرة انساب العرب).
وذكر قصة بني حرب وعنزة المتلخصة كما يلي :
" أن بني حرب لما صارت إلى قدْس من الحجاز و بها عنزة ومزينة وبنو الحارث وبنو مالك من سليم، ناصبتهم الحرب عنزة، والذي أهاج ذلك أن رجلاً حربياً وآخر عنزياً أمتريا في جذاذ نخل فعدى الحربي على العنزي فضربه ضربةً بتك بها يده، فعدت بنو حرب يومئذٍ وهي ستمائة رجل، فأجلوا من بالبلد من عنزة إلى الأعراض من خيبر" أ.هـ
وقام الجاسر بحذف عبارة (وذكر لي محمود :) الذي هو صاحب الخبر ، وجعل الخبر منسوب للهمداني مباشرة !
وهكذا تكون علاقة عنزة بخيبر هي أنهم لجأوا إليها مطرودين من قبل بني حرب ! وبنص منسوب للهمداني مؤلف القرن الرابع الهجري !
هذا ما أراد الجاسر قوله في مقالته ( عنزة بلادها قديما) الذي أشرنا له سابقاً، لكنه تغاضى عن قصة طرد بني حرب لقبيلة عنزة ليعود ويذكرها بمقاله عن بني حرب !
ديار عنزة القديمة : مصادر التاريخ تتحدث وعلى رأسها الهمداني نفسه !
وردا على هذا نقول أننا قد أثبتنا أن الكتاب بما فيه هذه القصة المُختلقة تعود الى القرن السابع الهجري ، اي زمن المؤلف الحقيقي للكتاب الذي هو محمد بن نشوان الحميري ، وعلاقة عنزة في نواحي خيبر هي أمر مألوف في القرن السابع الهجري لابل منذ اواخر القرن الخامس الهجري .
وقبل هذا العصر – اي في الأربع قرون الهجرية الأولى- لم يكن لقبائل ربيعة ومنها عنزة اي تواجد بقرب المدينة المنورة وحتى نواحي خيبر ، ويشهد على الهمداني نفسه في كتابه الموثق ( صفة جزيرة العرب) ، ذلك انه ذكر وتحت عنوان ( مساكن العرب فيما جاور المدينة) :
"بين المدنية ووادي القرى خمس مراحل على طريق المروة، ولها طريق أخرى أيمن من تلك في أرض نجد على حصن بني عثمان مسافتها أربعة أيام، ولخيبر إلى المدنية طريقان إحداهما قاصفة من المدنية، والثانية تعدل من حصن بني عثمان ذات اليمين وبخيبر قوم من يهود وموال وخليطى من العرب، ومساكن بني حرب ما بين هذه المواضع هي وجهينة وبليّ ومزينة وهذه القبائل قديماً تطرقت إلى بلد طيء دون بني حرب ومن المروة إلى المدينة مرحلتان: السويداء وفيها الماء ثم المدينة، وأوال الحجازية أيمن من السويداء، فإذا جاء حاج مصر والشام من السويداء إلى المدينة مال إلى أوال ثم خرجوا منها إلى السّيالة وبأوال هذه نخل المروة ويسكنها الجعافر والموالي وخليط: العيص فيها جهينة ومزينة" أ.هـ
فهذا كلام الحسن الهمداني الموثّق ، ولنقارنه بكلام ابن نشوان الذي نُسب للهمداني زوراً، فأين عنزة او بطن آخر من ربيعة بجوار المدينة او جبل ( قدْس)؟!
وهل يُعقل ان يفوت على الهمداني ذكر عنزة ضمن عرب الحجاز في صفة جزيرة العرب ثم يذكرهم في الإكليل ؟
لابل ان الهمداني وفي صفة جزيرة العرب ذكر عنزة بفصل آخر كان عنوانه ( ديار ربيعة في العروض ونجد) ، ثم ديارهم شمال بلاد العرب، اي أن الهمداني كان قد وضع قبيلة عنزة في موضعها الصحيح في زمنه .
وليس هذا فحسب ، نجد الهمداني في صفة الجزيرة العرب يقول بأن جبل ( قدْس) لقبيلة جهينة ولم يجعله من ديار بني حرب .
الحقيقة الساطعة : قصة قدوم عنزة الى خيبر
انا نحمد الله عز وجل ان كانت قصة قبيلة عنزة وامتلاكها واحة خيبر قد وُثقت ومن شهود معاصرين ، فلولا ذلك لطالت اعناق المتشبثين بتزوير محمود( شيخ بني حرب) الذي نقل منه ابن نشوان وقصته الملفقة التي زاد الجاسر والأكوع تلفيقها عبر الادعاء ان الهمداني هو صاحبها !
ولأن الجاسر رحمه الله وغفر له أنكر - مستنداً على التزوير - خبر ابن سعيد الاندلسي الرحالة شاهد العيان الذي ذكر ان قبيلة عنزة الربعية جاءت الى جهات خيبر قادمة من عين التمر فان ابن المقرب العيوني المعاصر لأبن سعيد قد ذكر في ديوانه وشرحه ملابسات استيلاء قبائل عنزة على خيبر بقوة سلاحهم وطرد أصحابها وهم قبيلة ( بني جعفر الطالبية) وليس بني حرب!
يقول علي ابن المقرب العيوني مادحاً الجعفريين في احدى معاركهم مع عنزة بسبب خيبر :
تـركـوا لـعــيـبـاً فـي مـئـيـن أربـع=جــزراً قـبـيــل تـنـــور ابــن ذكـــاء
وقال شراح الديوان الذي هو معاصر لأبن المقرب تعليقا على هذا البيت :
" لعيب رجل من عنزة وابن ذكاء الصبح رجل من عنزة وخيبر بلد يسكنها بنو جعفر الطيار ابن أبي طالب وكان من الحديث في وقتنا هذا أن قوماً من بني أسد بن ربيعة أكثروا الغارات على خيبر وهي أرض ذات أنهار ونخيل وزروع وظهروا عليها لكثرتهم وقوتهم "أ.هـ
ثم ذكر قصة الجعفريين وكيف قتلوا لعيباً سفير عنزة ، ثم انتقام قبائل عنزة القوية له بعد جاءت من مضاربها البعيدة لتأخذ محصولها من التمور .
فهذه اذن قصة استيلاء عنزة على خيبر الموثقة، ولامعنى للاختلاق الوارد في كتاب ابن نشوان والمنسوب زوراً الى الهمداني ، والذي يزعم كذباً أن بني حرب طردوا قبائل عنزة من جبل ( قدْس ) الى الأعراض من خيبر .
وواقع قبائل حرب يؤكد انهم لم يكونوا بمكافئين لقبائل عنزة في القوة في الالف سنة الماضية من تاريخ العرب وان كانوا يضاهونها عدداً ، ويشهد على ذلك كل من اطلع على تاريخ جزيرة العرب في العشرة قرون الماضية ، فقبائل حرب لاتتمتع بنسيج متجانس من البطون الذي تتمتع به القبائل القوية في المنطقة ومنها عنزة الوائلية المعاصرة ، فهناك تعدد ثقافات ولهجات وعادات وحتى آراء دينية داخل قبيلة حرب ذاتها، وجعل ذلك منها اجذاما متفرقة لاجامع او قاسم مشترك فيما بينها سوى الاسم، وتعدد رواياتهم انهم طردوا قبائل عنزة الوائلية من ديارها لايعدوا ان يكون تفاخرا بهزيمة لقبيلة كبيرة مثل عنزة ، لأنه من الفخر فعلا لقبيلة ان تزيح قبائل بني وائل المعروفة اليوم باسم ( عنزة) عن ديارها.
وقبيلة بني حرب التي ادعى شيخها محمود في زمن ابن نشوان انهم طردوها الى خيبر ( اذا سلمنا أن بن نشوان لم يكذب على محمود) لاتزال تواجه نفس هذا الادعاء من شيوخ حرب المعاصرين ، وبقصة جديدة مُختلقة ، فيزعمون انهم طردوا آل هذال زعماء عنزة من نواحي المدينة المنورة في القرن العاشر الهجري .
ولسنا نقصد الاساءة الى قبيلة مثل حرب ، ولاننكر انها من قبائل العرب الكريمة المحتد ، القوية الشكيمة ، لكن غاية القول بذلك توضيح الحقائق ، مع التذكير بأن ماقلناه ( عن مقارنة قبيلة حرب بقبيلة عنزة) هو من زيادة الاستدلال وليس مرادنا من ذكرها الاستدلال بحد ذاته ، لأن زيف قصة ابن نشوان ثبت بالدليل القاطع بقول ابن سعيد الاندلسي الذي حدد الجهة التي جاء العنزيون منها الى خيبر ،و بديوان ابن المقرب العيوني الذي ذكر بالتفصيل علاقة قبيلة عنزة بخيبر وكيفية أخذهم لها من بني جعفر بالقوّة ، وسنثبت فيما يلي أن قول ابن سعيد الاندلسي عن انتقال عنزة من جهات الانبار الى خيبر ، وقول ابن المقرب عن استيلاء عنزة على خيبر انما هما مؤيدون بمصادر اخرى انسجمت مع ماذكروه تماماً ، فلم تأتي قصصهم الا انسجاماً مع التاريخ المعروف عن هذه المنطقة.
المصادقة التاريخية على ماذكره ابن سعيد الاندلسي وابن المقرب العيوني
اولا- الأدلة على صحة قول ابن سعيد الاندلسي :
جاء خبر ابن سعيد نقلا عن جغرافي وأديب آخر هو : البيهقي ، يقول ابن سعيد :" كانت بلادها في الجاهلية وصدر الإسلام عين التمر وهي بليدة بينها وبين الأنبار ثلاثة أيام "أ.هـ
الى ان قال – والكلام لازال للبيهقي- ان عنزة انتقلت من ( جهات عين التمر) الى جهات خيبر .
والبيهقي الذي نقل ابن سعيد عنه عايش فيما يبدوا هذا الانتقال ، وحدد ديار عنزة الربعية في (عين التمر) فترتي الجاهلية وصدر الاسلام ، ولو رجعنا لمصادر تاريخية اخرى نجد ان لخبره اتصالاً تاريخياً ، فعنزة القديمة كانت داخلة في بكر بن وائل ومحسوبه في بطن اللهازم المعروف الذي لاشك انه سلف هذه القبيلة المعاصرة، وعين التمر من ديار ربيعة وبها موالي وكنائس لهم قبل الاسلام ، يقول ابن الأثير نقلا عن الطبري المؤرخ ( ت310هـ) في يوم العظالي:" وكانت بكر تحت يد كسرى وفارس، وكانوا يقرونهم ويجهزونهم، فأقبلوا من عند عامل عين التمر في ثلاثمائة متساندين " أ.هـ
وفي عين التمر دارت رحى معركة خالد بن الوليد مع نصارى ربيعة من بني تغلب وقائدهم عقَّة بن أبي عقة من بني النمر بن قاسط بن ربيعة .
وعندما انتصر خالد بن الوليد على نصارى ربيعة في عين التمر سنة 16هـ سار الى تكريت ومعه جمع من أسلم من تغلب على رأسهم ربعي بن الأفكل العنزي .
وفي العصر العباسي نجد ابو العتاهية الشاعر المعروف يزعم انه من موالي عنزة ، لا بل ويدلل على ادعائه هذا بأنه من عين التمر ، وكأنه بقوله يريد يثبت نسبه في عنزة لشهرة ارتباط عين التمر بقبائل ربيعة وعنزة خاصة ، قال الأصفهاني :
" قال محمد بن سلام : وكان محمد بن أبي العتاهية يذكر أن أصلهم من عنزة، وأن جدهم كيسان كان من أهل عين التمر، فلما غزاها خالد بن الوليد كان كيسان جدهم هذا يتيما صغيرا ، فسباه خالد مع جماعة صبيان من أهلها"أ.هـ
فنلحظ ارتباط عين التمر بقبيلة عنزة ، مما يؤكد صحة الشهادة التاريخية التي نقلها ابن سعيد ،والتي قالت بقدومهم من جهات الانبار الى خيبر ، ولايعني ذلك ان علاقة عنزة بعين التمر قد انقطعت ، بل لازالت تلك الجهات من مواطن انتشار القبيلة حتى العصور القريبة جداً وقبل قيام دول المنطقة وتأثيرها على انتشار القبائل .
________________________________________
تكذيب مانُسب للهمداني وتلفيق قصة بني حرب وعنزة
في هذه السطور نود أن نكشف حقيقة قصة منسوبة للحسن بن يعقوب الهمداني في كتابه المعنون بــ(الإكليل من اخبار اليمن وأنساب حمير) ، والذي فيه تجني على قبيلة عنزة الوائلية ، ومحاولة بعض المعاصرين استغلال هذه القصة في التسويف بتاريخها ونسبها .
وهذه القصة التي سنعرضها لاحقا في هذا المبحث تتواجد فيما يُسمى بالجزء الأول من كتاب الإكليل والذي حققه وطبعه محمد بن علي الأكوع الحوالي في عام 1387هـ / 1968م.
وقدلاحظنا كثرة في عدد الباحثين المستندين بهذا الكتاب المزعوم ( الإكليل الجزء الأول) وماورد فيه من اختلاق على قبيلة عنزة الوائلية الربعية .
ان تلفيق هذا الخبر عن الفترة الزمنية التي بدأت فيها صلة قبيلة عنزة الوائلية المعاصرة في منطقة خيبر ، ثم نفي علاقتها بمنطقة عين التمر في مراحل تاريخية سابقة ، انما يهدف الى امور منها : القول بعدم صلة التاريخ العنزي بالوائلي لغرض نفي النسب الوائلي لقبيلة عنزة المعاصرة ، والذي لاتعرف قبيلة غيرها به ، أو تحويره والصاقها بوائل آخر غير وائل ربيعة .
ومن عوامل تلفيق القصة ايضا على قبيلة عنزة هي اظهارها بمظهر ضعيف وتصوير امتلاكها خيبر ليظهر وكانها طردت من قبيلة بني حرب فلجأت الى خيبر !
لهذا كان من الضرورة بمكان توضيح الاختلاق في هذه القصة من جميع نواحيه ، حتى لايعاود المخالفون اتخاذ ماورد حجة لهم يسوقونها في أي نقاش حول حقيقة ديار وتواجد قبائل عنزة الربعية القديمة التي جاء منها اسم القبيلة الوائلية المعاصرة .
التعريف بالهمداني وكتابه الإكليل
هو محمد بن الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني ، يعرف بابن الحائك الهمداني ، من قبيلة همدان المعروفة في اليمن ، ولد سنة 280هـ وتوفي سنة 334هـ ، ويعد كتاب (الإكليل من اخبار اليمن وأنساب حمير) من أشهر مؤلفاته إضافة إلى كتاب ( صفة جزيرة العرب) وغيرها .
وكتاب الإكليل من الكتب المفقودة ، إلا أن هناك من زعم أن بعض أهل اليمن جمع أجزاء من هذا الكتاب ، وكان علي بن إبراهيم القفطي من علماء القرن السابع (توفي سنة 646هـ) يقول إن اجزاءً مبعثرة هي التي وصلت من الكتاب ، وهذه الاجزاء هي كما يلي : الأول والرابع والسادس والعاشر والثامن، وهي على تفرقتها تقرب من نصف التصنيف ، ثم وضع القفطي احتمالاً ان يكون الكتاب بأكلمه متعذر الوجود تماماً ، ولكن المؤكد لدينا أن الاجزاءالتي ذكرها الفقطي لم تصل الى زمننا .
وفي عصرنا هذا قام البعض من المستشرقين بجهود لتجميع مادة الكتاب بالاعتماد على من نقل عن الهمداني من المؤلفين ، فتم العثور على بعض المجلدات التي طُبعت بهذه العناوين :
1-الجزء الثامن من الإكليل : كان له نسخة ألمانية ،ثم طبعه الأب المسيحي انستانس الكرملي في بغداد سنة 1931م .
2- الجزء العاشر : طُبع بمصر بتحقيق محب الدين الخطيب ، وقد شنّع الخطيب على الهمداني واتهمه بالتلفيق تعصبا لقبائل اليمن .
ثم ان محمد الاكوع الحوالي كان قد أصدر في ستينيات القرن العشرين الجزئين :
الأول – وهو الواردة في قصة قبيلة عنزة والذي سنركز الحديث عنه في هذا الموضوع، ذكر الأكوع انه عثر عليه بالصدفة في مكتبة زميله القاضي: محمدبن عبد الله العمري ، وانه عرضه على الشيخ حمد الجاسر رحمه الله في القاهرة ، وان الجاسر ساعده في تحقيقه.
الجزء الثاني- ذكر الأكوع انه اطلع على هذا الجزء بالصدفة ايضاً ! وذلك أثناء فترة سجنه عام 1367هـ.
استناد الشيخ حمد الجاسر على الإكليل فيما يخص قبيلة عنزة الوائلية
ثم نجد مقالا كتبه حمدالجاسر رحمه الله في مجلة العرب وبعدد رجب من سنة 1415هـ حمل عنوان ( قبيلة عنزة .. بلادها قديما) وقد حاول بالإستناد الى الجزء الأول من الإكليل الزعم بأن (عنزة بن أسد) الفرع القديم من ربيعة كان بالحجاز ( بين خيبر والمدينة المنورة) منذ فترة مبكر من التاريخ الإسلامي ، وان النصوص التي تحدثت عن عنزة التي مع بكر بن وائل لاتعدو عن : اما انها خاطئة ، او انها كانت تقصد فرع صغير من عنزة التي هي قبيلة حجازية منذ القدم غير مرتبطة باخوتها من ربيعة .
وتمادى الجاسر حتى انه نفى الخبر الذي نقله ابن سعيد الاندلسي ( ت 685هـ) والذي افاد فيه ابن سعيد ان قبائل عنزة التي حول خيبر انما جاءت اليها من الانبار وتحديدا ( عين التمر) .
فجعل الجاسر يزعم أن ابن سعيد متأخر وان الهمداني الذي ذكر – حسب زعمه - قبيلة عنزة في ( الإكليل الجزء الأول) في خيبر أوثق من ابن سعيد ، كونه أقدم منه من جهة ، ومن جهة اخرى – والكلام لازال للجاسر- فان القبائل العربية التي تذهب الى العراق تتحضر ولاتعود الى البادية مرة اخرى .
لكن الجاسر لم يذكر كيف ومتى ومن اين انتقلت قبيلة عنزة الى خيبر في تلك المقالة ، بيد انه أشار إلى أن الاستنتاج المهم في نظره هو أن قبيلة عنزة كانت من قبائل خيبر والمدينة في قرون مبكرة لا تتأخر عن القرن الثاني الهجري ، ثم انها انتقلت من جبل بني عوف قرب المدينة الى خيبر بعد ان احتكت بقبائل حرب !
وللأسف تابع الكثيرين الجاسر فيما ذهب اليه دون ان يكلفوا انفسهم تحري الحقيقة التي سنوضحها في هذا الموضوع باذن الله .
كتاب الإكليل ليس للهمداني!
ان التاريخ لن يغفر للأكوع نسبة مجموعة من الكتب المنسوخة وتسميتها ( الإكليل) ووضع اسم الهمداني عليها وبصفته مؤلفاً لها ، وان كنا نسأل الله ان يغفر للمؤلف الاكوع وللشيخ حمد الجاسر رحمهم الله .
فباستثناء المجلد المطبوع على انه ( الجزء العاشر من الإكليل) والجز الثامن ، فان المجلدات الأخرى لايتضح أبدا أنها للهمداني بحرفها ، بل هي لمؤلفين مجهولين كان الهمداني وكتبه مرجعا لهم من ضمن مراجع اخرى رجعوا اليها ، وهذا يتضح من كثرة عبارة ( قال الهمداني :...) التي نجدها في متون هذه الكتب ، كما إن أساليب هذه الكتب تعود الى عصور قريبة لاتتعدى القرن السادس الهجري ، في حين ان اسلوب الهمداني يختلف عن ذلك كليةً ، وهو يشبه الاسلوب الصعب الفهم على القراء والذي طبع مؤلفات قدماء العرب ، ونراه بوضوح في كتابه ( صفة جزيرة العرب) الذي لاخلاف ان الهمداني هو مؤلفه .
وقد يقول القاريء انني اتجنى او احاول الهروب من خبر الهمداني عن قبيلة عنزة ، او انني ادعي انه ليس للهمداني ، اقول لهولاء : رويدا رويدا .. مابالكم لو علمتم ان الجزء الاول تحديدا والواردة في حادثة عنزة والمنسوب للهمداني كان قد أفصح عنه مؤلفه بمتن الكتاب وبشكل واضح وذكر اسمه ومناسبة تأليفه أيضا !
نقرأ مقدمة الجزء الأول فنجد المؤلف يقول :
" الحمد لله على جزيل نواله ، وصلى الله على نبيه محمد وآله ، قال محمد بن نشوان الحميري : الحمد لله موجد الاشياء بعد العدم .. الخ "
وبعد أن انهى الثناء على رب العزة والجلالة أردف مؤلف الكتاب قائلاً :
" سألت اكرمك الله بأنواع كرامته ، وأعاذك من صرعة الباطل وندامته ، أن اوضح لك أنساب حمير وأخبارها ،فأجبتك الى ماسألت ، وأشفعتك منه بما طلبت مؤتماً بما ذكره الشيخ الفاضل المؤتمن لسان اليمن ، وفائق من كان فيه من الزمن ، الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني رحمه الله " أ.هـ
واي عاقل وعامي ومتعلم يقرأ هذه المقدمة سيستنتج مايلي :
1-ان هذا الكتاب ليس هو كتاب الإكليل ولاجزء منه، ولايصح نسبته للهمداني من أي وجه ، لاسيما وأن مؤلفه يفصح عن نفسه بهذا الوضوح ، وليت شعري كيف اجاز الاكوع لنفسه هذا الادعاء الخطير ! والانكى من ذلك كيف للشيخ حمد الجاسر رحمه الله ان يتابع الاكوع في هذا الافتراء الخطير.
2-ان مؤلف الكتاب الحقيقي هو : محمد بن نشوان الحميري ، احد علماء اليمن في القرن السابع الهجري (600هـ- 699هـ)وقد أفصح عن نفسه !
3-المؤلف محمد الحميري أوضح انه قد ائتم ( اي جعل إمامه) في تأليفه الحسن الهمداني فيما يخص انساب حمير ، ولايعني هذا اننا نستطيع ان نقول ان الهمداني هو المؤلف! وان هذا من أجزاء الإكليل! فعلماء الدين يكون القرآن هو امام علومهم وبحوثهم ومؤلفاتهم ، ولكن تلك المؤلفات ليست هي القرآن وليست من الوحي ! بل ينسب كل كتاب لمؤلفه .
الغريب ان الاكوع غفر الله حاول بكل صفاقة ان يدافع عن افترائه على الهمداني في مقدمة التحقيق عبر اضافة افتراء آخر على المؤلف الحقيقي محمد بن نشوان : " ويحس القاريء بسقطة في هوة سحيقة ، كما بين الهمداني ومحمد بن نشوان من السنين والفارق الكبير وينحى باللائمة ، ظاناً أنه من قبل خداع العناوين ، ولكن تعمقنا في دراسة الكتاب والوقوف على مواضيعه طويلاً تبين انه الجزء الاول من الإكليل بنصه وفصه ... " أ.هـ
ان هذا افتراء آخر من بنات أفكار الأكوع ، وهو القول بان هذا الجزء هو مختصر الجزء الاول من الإكليل ، رغم ان ابن نشوان لم يذكر ان هذا اختصاراً لكتاب آخر ، بل كلامه كان واضحاً جدا من أن هذا كتابه يجيب به من سأله عن نسب حمير ، ذكر فيه انه رجع الى الهمداني كمصدر رئيسي ، كما لم يوضح محمد بن نشوان انه استند على جزء بعينه من الإكليل ولاندري من أتى الاكوع بحكاية انه الجزء الاول !
كما أن عبارة ابن نشوان التي افاد فيها : انه اختصر بعض الامور التي نقلها عنها الهمداني لاتعني انه اختصر الإكليل نفسه ، لأن ابن نشوان ذكر في المقدمة انه اختصر من اقوال الهمداني فيما يخص أنساب حمير فقط ! وانه لم ينقل عن الهمداني اية اخبار تاريخية لاعلاقة لها بالنسب !
وحتى لو اتخذنا جزافاً وجارينا الأكوع في مذهبه في أن مافعله ابن نشوان هو اختصار لكتاب الإكليل ، فمن باب الامانة أن يوضح هذا في العنوان على غلاف الكتاب ، وأن يكون عنوان المجلد ( مختصر بن نشوان لكتاب الإكليل) ، لا أن يحمل الغلاف اسم الإكليل ذاته! فهذا تدليس وتظليل ويجب تصحيحه خدمة لتراث الأمة !
تكون اذن الحقيقة ان الكتاب كما قلنا وفهمنا لمحمد بن نشوان ، وله يجب ان يُنسب ، كما انه ليس مختصرا عن الإكليل، ولو انه مختصر لسوف يوضح ابن نشوان هذا الامر ، كما وضح صفي الدين ابن عبد الحق ( ت 739هـ) اختصاره لكتاب ( معجم البلدان ) لياقوت الحموي على سبيل المثال ، وذكر ذلك في مقدمة كتابه .والاختصار نوع من التأليف ، وغير الاختصار هناك ( الشرح) فكتاب ( فتح الباري في شرح صحيح البخاري) مطبوع بهذا الاسم ولم يُوضع على غلافه ماجعلنا نفهم انه ( صحيح البخاري) !
ولعل المبرر الذي جعل الاكوع يفتري على الهمداني وابن نشوان الحميري هو حماسته المفرطة لان يكون احد مخرجي كتاب الهمدني الذي يعد مفقوداً ورغبته في ان يُنسب فضل هذا الأمر اليه.
اما المبرر الذي ساقه الأكوع في نسبة هذا المجلد الى الهمداني هو انه رآه عند صديقه القاضي محمد العمري ، وأن عنوانه كان ( الجزء الاول من الإكليل) فليس مبررا وجيهاًيجعل للأكوع يفتري هذه الفرية ، فهو قد قرأ المقدمة التي كتبها ابن نشوان وبها بيان حقيقة هذا الكتاب .
متن الكتاب وادلة اضافية على ان الكتاب ليس للهمداني
اثبتنا فيما سبق ان مؤلف الكتاب هو محمد بن نشوان الحميري ، وهذا بحد ذاته كافياً ، بيد انه لامانع من اثبات صحة قولنا من خلال ملاحظاتنا عن ماورد في متن الكتاب كأدلة اضافية نقدمها من لازال في قلبه ريب.
عند تصفح كتاب الحميري المنسوب افتراءً الى الهمداني تتأكد لدينا ماهيّة الكتاب ، ففيه نقولات عن الهمداني تبتديء بالنص ( قال الهمداني: ..) ، وفيه نصوص منقولة من غيره وهي كثيرة ، فهناك مانُقل عن عمر بن الخطاب وعن ابن الكلبي ، وعن مؤلفي السيرة ، وهناك ماهو منقول عن معاصرين لمحمد بن نشوان نفسه ، وقبل كل قول يلتزم المؤلف في توضيح من نقل عنه النص ، وهناك خلط في الأقوال ايضاً ، وهذه جملة من الملاحظات الدالة بشكل قاطع على ماذكرنا( وهو ان الكتاب لابن نشوان الحميري) :
1-في ص 180 ذكر ابن نشوان نسب اكلب الى ربيعة الفرس ، وهذا رأي مناقض لما هو منسوب للهمداني في الجزء العاشر للإكليل الذي ذكر أن : أكلب ينتسب الى ربيعة بن عفرس من حمير ، فجعل ابن نشوان اكلب : أكلبان ، وان احدهما ( وهي الربعية) دخلت بالخلف في أكلب بن عفرس! طبعا لكي يجمع بين الهمداني وابن الكلبي .
2في ص 262 نقل ابن نشوان نسب عنز بن وائل حرفياً من ابن الكلبي ، وذكر ان عسيرا بن اراشة بن عنز ، في حين رايء الهمداني الحقيقي أن عسير يمانية النسب تنزرت بتبعيتها الى بني عنز بن وائل ( صفة جزيرة العرب)، وللعلم فان الهمداني لم ينقل عن ابن الكلبي ولاغيره ، انما نقل من اهل اليمن فقط .
3-في ص269 يذكر ( ابرق الرغامة) ، وهذا يقع شرقي مدينة جدة في زمننا، ولم يُعرف بزمن الهمداني بهذا الاسم ، ولكنه معروف منذ القرن السادس الهجري اي في زمن ابن نشوان المؤلف الحقيقي .
4-في الحديث عن بني حرب يقول عن بطن ( بنو ذؤيب) ص269 مانصه : "انهم احدّ بني حرب حداً ، وهم أخوال ابي القاسم إدريس بن جعفر من ولد موسى بن محمد الرضا" وهذا الرجل المذكور – الذي هو إدريس بن جعفر - ليس معاصراً للهمداني بل هو معاصر لابن نشوان صاحب الخبر والكتاب الحقيقي !
5-في ص 272 يتحدث عن يوم ( معركة) لبني حرب ضد سلطان مكة ( ابن ملاحظ) ، وهذا على فرض صحته لم يدركه الهمداني ، لانه توفي سنة 334هـ ، وابن ملاحظ تولى مكة في خلافة المطيع التي لم تبدأ الا سنة 334هـ ، اي ان خبر ابن ملاحظ وبني حرب لايمكن ان يكون الهمداني مصدره .
6-في صفحتي 288و 289 ينقل تفاصيل سجن الحسن الهمداني ، على يد أسعد اليعفري ، ويتحدث عن تفاصيل علاقة الهمداني حتى اطلاقه ، وصيغة الحديث تدل إن القائل ليس الهمداني نفسه ، بل ابن نشوان الذي هو صاحب الكتاب ، ولو كان الهمداني هو المتحدث لتحدث بضمير المتحدث ، اي سنجد الهمداني يقول : ( سُجنت في سنة كذا ..)
القصة المفتراة : عنزة وبني حرب وجبل قدْس!
في هذا الكتاب الذي اثبتنا في السطور السابقة – وبدليل قاطع – ان مؤلفه هو محمد بن نشوان ، ترد فيه قصة تنافس قبيلتي عنزة وحرب بجبل ( قدْس ) قرب المدينة المنورة .
ومرةً اخرى يعود حمد الجاسر وفي مقال نُشر في مجلة العرب تحدث فيه عن قبيلة ( بني حرب) وكيف انهم منسوبون الى قضاعة على ماورد في الجزء الاول من الإكليل للهمداني ( الذي اثبتنا انه لمحمد بن نشوان) ، وليس الى بني هلال كما قال ابن حزم الظاهري في كتاب ( جمهرة انساب العرب).
وذكر قصة بني حرب وعنزة المتلخصة كما يلي :
" أن بني حرب لما صارت إلى قدْس من الحجاز و بها عنزة ومزينة وبنو الحارث وبنو مالك من سليم، ناصبتهم الحرب عنزة، والذي أهاج ذلك أن رجلاً حربياً وآخر عنزياً أمتريا في جذاذ نخل فعدى الحربي على العنزي فضربه ضربةً بتك بها يده، فعدت بنو حرب يومئذٍ وهي ستمائة رجل، فأجلوا من بالبلد من عنزة إلى الأعراض من خيبر" أ.هـ
وقام الجاسر بحذف عبارة (وذكر لي محمود :) الذي هو صاحب الخبر ، وجعل الخبر منسوب للهمداني مباشرة !
وهكذا تكون علاقة عنزة بخيبر هي أنهم لجأوا إليها مطرودين من قبل بني حرب ! وبنص منسوب للهمداني مؤلف القرن الرابع الهجري !
هذا ما أراد الجاسر قوله في مقالته ( عنزة بلادها قديما) الذي أشرنا له سابقاً، لكنه تغاضى عن قصة طرد بني حرب لقبيلة عنزة ليعود ويذكرها بمقاله عن بني حرب !
ديار عنزة القديمة : مصادر التاريخ تتحدث وعلى رأسها الهمداني نفسه !
وردا على هذا نقول أننا قد أثبتنا أن الكتاب بما فيه هذه القصة المُختلقة تعود الى القرن السابع الهجري ، اي زمن المؤلف الحقيقي للكتاب الذي هو محمد بن نشوان الحميري ، وعلاقة عنزة في نواحي خيبر هي أمر مألوف في القرن السابع الهجري لابل منذ اواخر القرن الخامس الهجري .
وقبل هذا العصر – اي في الأربع قرون الهجرية الأولى- لم يكن لقبائل ربيعة ومنها عنزة اي تواجد بقرب المدينة المنورة وحتى نواحي خيبر ، ويشهد على الهمداني نفسه في كتابه الموثق ( صفة جزيرة العرب) ، ذلك انه ذكر وتحت عنوان ( مساكن العرب فيما جاور المدينة) :
"بين المدنية ووادي القرى خمس مراحل على طريق المروة، ولها طريق أخرى أيمن من تلك في أرض نجد على حصن بني عثمان مسافتها أربعة أيام، ولخيبر إلى المدنية طريقان إحداهما قاصفة من المدنية، والثانية تعدل من حصن بني عثمان ذات اليمين وبخيبر قوم من يهود وموال وخليطى من العرب، ومساكن بني حرب ما بين هذه المواضع هي وجهينة وبليّ ومزينة وهذه القبائل قديماً تطرقت إلى بلد طيء دون بني حرب ومن المروة إلى المدينة مرحلتان: السويداء وفيها الماء ثم المدينة، وأوال الحجازية أيمن من السويداء، فإذا جاء حاج مصر والشام من السويداء إلى المدينة مال إلى أوال ثم خرجوا منها إلى السّيالة وبأوال هذه نخل المروة ويسكنها الجعافر والموالي وخليط: العيص فيها جهينة ومزينة" أ.هـ
فهذا كلام الحسن الهمداني الموثّق ، ولنقارنه بكلام ابن نشوان الذي نُسب للهمداني زوراً، فأين عنزة او بطن آخر من ربيعة بجوار المدينة او جبل ( قدْس)؟!
وهل يُعقل ان يفوت على الهمداني ذكر عنزة ضمن عرب الحجاز في صفة جزيرة العرب ثم يذكرهم في الإكليل ؟
لابل ان الهمداني وفي صفة جزيرة العرب ذكر عنزة بفصل آخر كان عنوانه ( ديار ربيعة في العروض ونجد) ، ثم ديارهم شمال بلاد العرب، اي أن الهمداني كان قد وضع قبيلة عنزة في موضعها الصحيح في زمنه .
وليس هذا فحسب ، نجد الهمداني في صفة الجزيرة العرب يقول بأن جبل ( قدْس) لقبيلة جهينة ولم يجعله من ديار بني حرب .
الحقيقة الساطعة : قصة قدوم عنزة الى خيبر
انا نحمد الله عز وجل ان كانت قصة قبيلة عنزة وامتلاكها واحة خيبر قد وُثقت ومن شهود معاصرين ، فلولا ذلك لطالت اعناق المتشبثين بتزوير محمود( شيخ بني حرب) الذي نقل منه ابن نشوان وقصته الملفقة التي زاد الجاسر والأكوع تلفيقها عبر الادعاء ان الهمداني هو صاحبها !
ولأن الجاسر رحمه الله وغفر له أنكر - مستنداً على التزوير - خبر ابن سعيد الاندلسي الرحالة شاهد العيان الذي ذكر ان قبيلة عنزة الربعية جاءت الى جهات خيبر قادمة من عين التمر فان ابن المقرب العيوني المعاصر لأبن سعيد قد ذكر في ديوانه وشرحه ملابسات استيلاء قبائل عنزة على خيبر بقوة سلاحهم وطرد أصحابها وهم قبيلة ( بني جعفر الطالبية) وليس بني حرب!
يقول علي ابن المقرب العيوني مادحاً الجعفريين في احدى معاركهم مع عنزة بسبب خيبر :
تـركـوا لـعــيـبـاً فـي مـئـيـن أربـع=جــزراً قـبـيــل تـنـــور ابــن ذكـــاء
وقال شراح الديوان الذي هو معاصر لأبن المقرب تعليقا على هذا البيت :
" لعيب رجل من عنزة وابن ذكاء الصبح رجل من عنزة وخيبر بلد يسكنها بنو جعفر الطيار ابن أبي طالب وكان من الحديث في وقتنا هذا أن قوماً من بني أسد بن ربيعة أكثروا الغارات على خيبر وهي أرض ذات أنهار ونخيل وزروع وظهروا عليها لكثرتهم وقوتهم "أ.هـ
ثم ذكر قصة الجعفريين وكيف قتلوا لعيباً سفير عنزة ، ثم انتقام قبائل عنزة القوية له بعد جاءت من مضاربها البعيدة لتأخذ محصولها من التمور .
فهذه اذن قصة استيلاء عنزة على خيبر الموثقة، ولامعنى للاختلاق الوارد في كتاب ابن نشوان والمنسوب زوراً الى الهمداني ، والذي يزعم كذباً أن بني حرب طردوا قبائل عنزة من جبل ( قدْس ) الى الأعراض من خيبر .
وواقع قبائل حرب يؤكد انهم لم يكونوا بمكافئين لقبائل عنزة في القوة في الالف سنة الماضية من تاريخ العرب وان كانوا يضاهونها عدداً ، ويشهد على ذلك كل من اطلع على تاريخ جزيرة العرب في العشرة قرون الماضية ، فقبائل حرب لاتتمتع بنسيج متجانس من البطون الذي تتمتع به القبائل القوية في المنطقة ومنها عنزة الوائلية المعاصرة ، فهناك تعدد ثقافات ولهجات وعادات وحتى آراء دينية داخل قبيلة حرب ذاتها، وجعل ذلك منها اجذاما متفرقة لاجامع او قاسم مشترك فيما بينها سوى الاسم، وتعدد رواياتهم انهم طردوا قبائل عنزة الوائلية من ديارها لايعدوا ان يكون تفاخرا بهزيمة لقبيلة كبيرة مثل عنزة ، لأنه من الفخر فعلا لقبيلة ان تزيح قبائل بني وائل المعروفة اليوم باسم ( عنزة) عن ديارها.
وقبيلة بني حرب التي ادعى شيخها محمود في زمن ابن نشوان انهم طردوها الى خيبر ( اذا سلمنا أن بن نشوان لم يكذب على محمود) لاتزال تواجه نفس هذا الادعاء من شيوخ حرب المعاصرين ، وبقصة جديدة مُختلقة ، فيزعمون انهم طردوا آل هذال زعماء عنزة من نواحي المدينة المنورة في القرن العاشر الهجري .
ولسنا نقصد الاساءة الى قبيلة مثل حرب ، ولاننكر انها من قبائل العرب الكريمة المحتد ، القوية الشكيمة ، لكن غاية القول بذلك توضيح الحقائق ، مع التذكير بأن ماقلناه ( عن مقارنة قبيلة حرب بقبيلة عنزة) هو من زيادة الاستدلال وليس مرادنا من ذكرها الاستدلال بحد ذاته ، لأن زيف قصة ابن نشوان ثبت بالدليل القاطع بقول ابن سعيد الاندلسي الذي حدد الجهة التي جاء العنزيون منها الى خيبر ،و بديوان ابن المقرب العيوني الذي ذكر بالتفصيل علاقة قبيلة عنزة بخيبر وكيفية أخذهم لها من بني جعفر بالقوّة ، وسنثبت فيما يلي أن قول ابن سعيد الاندلسي عن انتقال عنزة من جهات الانبار الى خيبر ، وقول ابن المقرب عن استيلاء عنزة على خيبر انما هما مؤيدون بمصادر اخرى انسجمت مع ماذكروه تماماً ، فلم تأتي قصصهم الا انسجاماً مع التاريخ المعروف عن هذه المنطقة.
المصادقة التاريخية على ماذكره ابن سعيد الاندلسي وابن المقرب العيوني
اولا- الأدلة على صحة قول ابن سعيد الاندلسي :
جاء خبر ابن سعيد نقلا عن جغرافي وأديب آخر هو : البيهقي ، يقول ابن سعيد :" كانت بلادها في الجاهلية وصدر الإسلام عين التمر وهي بليدة بينها وبين الأنبار ثلاثة أيام "أ.هـ
الى ان قال – والكلام لازال للبيهقي- ان عنزة انتقلت من ( جهات عين التمر) الى جهات خيبر .
والبيهقي الذي نقل ابن سعيد عنه عايش فيما يبدوا هذا الانتقال ، وحدد ديار عنزة الربعية في (عين التمر) فترتي الجاهلية وصدر الاسلام ، ولو رجعنا لمصادر تاريخية اخرى نجد ان لخبره اتصالاً تاريخياً ، فعنزة القديمة كانت داخلة في بكر بن وائل ومحسوبه في بطن اللهازم المعروف الذي لاشك انه سلف هذه القبيلة المعاصرة، وعين التمر من ديار ربيعة وبها موالي وكنائس لهم قبل الاسلام ، يقول ابن الأثير نقلا عن الطبري المؤرخ ( ت310هـ) في يوم العظالي:" وكانت بكر تحت يد كسرى وفارس، وكانوا يقرونهم ويجهزونهم، فأقبلوا من عند عامل عين التمر في ثلاثمائة متساندين " أ.هـ
وفي عين التمر دارت رحى معركة خالد بن الوليد مع نصارى ربيعة من بني تغلب وقائدهم عقَّة بن أبي عقة من بني النمر بن قاسط بن ربيعة .
وعندما انتصر خالد بن الوليد على نصارى ربيعة في عين التمر سنة 16هـ سار الى تكريت ومعه جمع من أسلم من تغلب على رأسهم ربعي بن الأفكل العنزي .
وفي العصر العباسي نجد ابو العتاهية الشاعر المعروف يزعم انه من موالي عنزة ، لا بل ويدلل على ادعائه هذا بأنه من عين التمر ، وكأنه بقوله يريد يثبت نسبه في عنزة لشهرة ارتباط عين التمر بقبائل ربيعة وعنزة خاصة ، قال الأصفهاني :
" قال محمد بن سلام : وكان محمد بن أبي العتاهية يذكر أن أصلهم من عنزة، وأن جدهم كيسان كان من أهل عين التمر، فلما غزاها خالد بن الوليد كان كيسان جدهم هذا يتيما صغيرا ، فسباه خالد مع جماعة صبيان من أهلها"أ.هـ
فنلحظ ارتباط عين التمر بقبيلة عنزة ، مما يؤكد صحة الشهادة التاريخية التي نقلها ابن سعيد ،والتي قالت بقدومهم من جهات الانبار الى خيبر ، ولايعني ذلك ان علاقة عنزة بعين التمر قد انقطعت ، بل لازالت تلك الجهات من مواطن انتشار القبيلة حتى العصور القريبة جداً وقبل قيام دول المنطقة وتأثيرها على انتشار القبائل .
________________________________________