عوض بن خميس
09/05/09, (01:29 PM)
الشوارد من الأدب والشعر
مقام الفتى في منصب العز ساعه
ولا ألف عام يصحب الذل صاحبه
(راشد الخلاوي)
"أملس المتون ليس له عيون!!"
هكذا وصف الجاحظ شعر أبي العتاهية..!
انه وصَفٌ غريب ولكنه بليغ.. فشعر أبي العتاهية كثير وما يحفظه الناس منه نادر..
إن ما يحفظه الناس ويرددونه في المواقف والملمات هو (بيت القصيد).. هو البيت الذي يساوي قصيدة كاملة.. وأحياناً يعدل ديوان شعر!
وشوارد الابل جمع شاردة..
(من شاردة الابل إذا فارقت ذودها، ودخلت إبلاً أخرى وأخرى، فعُرفت عند الكثيرين صفة وسمة، بينما الأخريات من أُلاَّفها منغمرات لا يُعرفءن، وهكذا شأن شوارد الشعر، يخرج البيت من قصيدته، فتتناوله الألسن، وتتناقله الرواة، وتذيع شهرته، ويكثر انتشاره" كما يقول العلامة عبدالله بن خميس في مقدمة كتابه القيّم (الشوارد)
وسوف نذكر بعض الأبيات التي تقوم مقام قصائد، إما لجمالها وايجازها، أو لحكمتها واصابتها كبد الحقيقة، من شعرنا العربي والشعبي..
(1)
اللي يبينا عيَّتء النفس تبغيه
واللي نبي عَّيا البخت لا يجيبه
هذا البيت للشاعرة نورة الحوشان وقد سار مسير الأمثال لتعبيره عن معاكسة الحظوظ وحيرة النفوس، وهو من قصيدة لها في زوجها الذي طلقها وكانت تحبه حباً شديداً، فكلما مرت بمزرعته وعدّته فزَّ قلبها، والمصيبة انه هو (الحبيب) يمر بها في طرق قريتها ولا تستطيع التحدث معه فقد صار غريباً:
يا عين هلي صافي الدمع هليه
وإلى انتهى صافيه هاتي سريبه
ياعين شوفي زرع خلك وراعيه
هذي معاويله وهذي قليبه
يمر بالدرب ما اقدر أحاكيه
مصيبه يا ناس والله مصيبه!
اللي يبينا عيت النفس تبغيه
واللي نبي عيا البخت لا يجيبه
انها رائحة امرأة تحترق!
(2)
ما العمرُ ما طالتء به الدهورُ
العمرُ ما تمَّ به السرورُ
هذا البيت لأبي فراس الحمداني، وهو سهل الحفظ سليم المعنى، فالعمر يقاس - بعد طاعة الله عز وجل - بأيام السعادة والابتهاج.. أيام الشقاء والتنغيص لو حذفت من العمر لكان أفضل!
والعمر مثل الكأس ير
سب في أواخرها الصَّدى!
والسعادة هي مطلب الناس في كل زمان ومكان، يعملون لأجلها ويتمنونها، السعادة في الدنيا والآخرة..
ولهم فيها آراء مختلفة ومذاهب، ابن المقفع يقول:
"من أراد الذكر فلينفق ماله في الكرم.. ومن أراد الآخرة فلينفقه في البر.. ومن اراد نعيم العيش فلينفقه في النساء"
وقد اجتمع معاوية وعمرو بن العاص (وهما من دهاة العرب) ومعهما (وردان) مولى عمرو، وقد شاخوا جميعاً، فقال معاوية لعمرو:
ما بقي من لذاتك يا عمرو؟
فقال: رؤية بساتيني ونخلي.. وأنت يا أمير المؤمنين؟ فقال معاوية: رؤية أحفادي يدورون حولي، ثم قال معاوية: وأنت يا وردان؟ فقال: صنيعة معروف أضعها في موضعها..
فضرب معاوية بيده وقال: غلبنا العبد!
فالمعروف من لذائذ السعادة لمن يفعله مبادراً وينساه:
ولم أر كالمعروف أما مذاقه
فحلوٌ وأما وجهه فجميل
واقوى ما قرأت عن السعادة قول رجل صالح، "سعادتي حين أضع رجلاً في الصراط ورجلاً في الجنة" صدق تلك والله هي السعادة ولا سعادة بدون شكر الله عز وجل..
وموضوع البيت همُّ كل الناس، الا وهو السعادة..
(3)
يا ما حلى شوف العشير لعشيره
لا صار ماجابين الاثنين ميعاد
لصيته التميمية وما أشد فرحة الحبيب بحبيه حين يلاقيه بلا موعد ولكن حتى الموعد فيه ترقب وانتظار وتلذذ رغم أن الوقت يصبح أثقل من جبل ولكن هناك اثارة ولذة متشوقة مشوبة بألم الانتظار، وأكثر لذة البشر مشوبة ببعض ألم، وما الحب إلا رجل وامرأة.. وحرمان.
(4)
خير الكلام قليلء
على الكثير دليل!
لأحمد بن خصيب، قلت واسوأ الكلام هو المردد المطول، تقول العرب: تريدد الكلام أثقل من حمل الحجارة!
(5)
سود الليالي ما دري عن بطونها
يمس حوامل ويصبحنَّ وضوع
لحمدان الشويعر.. دوام الحال من المحال وتقلبات الأيام تحيّر العقال.
(6)
خلقءتُ على ما فيَّ غير مُخيَّر
هواي، ولو خُيرت كنت المهذَّبا
يقوله بشار بن برد من قصيدة جميلة، والإنسان لا يختار شكله أو أهله أو درجة ذكائه، ولكنه يستطيع مجاهدة ذاته بعد أن يقبلها بمحبة..
(7)
لا تاخذ الدنيا خراص وهقواتء
يقطعك من نقل الصميل البَرَاد
لابن سبيل في الحزم والحذر، العاقل يحتاط للأمور، والأحمق لا يفكر في العواقب إذا أراد السفر مثلا، فقد لا يحمل معه الماء اعتماداً على برودة الطقس ولكن بمجرد تغير الجو أو ضياع المسافر يهلك عطشاً، وقس على هذا السعي لكل هدف..
(8)
كل شيء قاتل
حين تلقى أجلك
لأم الصعلوك سليك بن السلكة، وأول القصيدة:
طاف يبغى نجوة
من هلاك فهلكء
تحير العقول
يقول ابن الشبل البغدادي في وصف الإنسان:
متصرف وله القضاء مُصرِّف
ومُكلَّف وكأنه مختار
طوراً تصبو به الحظوظ وتارة
حظ تحيل صوابه الاقدار
فتراه يؤخذ قلبه من صدره
ويرد فيه وقد جرى المقدار
فيظل يضرب بالملامة نفسه
ندماً إذا لعبتّ به الاقدار
قلت: ان الإيمان العميق بالله العلي العظيم هو الحل لكل حيرة ومشكل.. بدون الإيمان تبدو الحياة قصة حمقى.. لا سعادة.. ولا راحة.. ولا خير في الدنيا بدون الإيمان العميق بالله عز وجل وبالقدر خيره وشره، وباصطحاب الشكر والصبر.
وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: أدركنا خير عيشنا بالصبر.. ويقول: لو كان الصبر والشكر جميلين ما باليت أيهما أركب..
(9)
ولَّ يا الفقر ما ادعاني بنجد اتهنا
كل يوم تحت نجم ولاسر فيه
هذا البيت من أبلغ الأبيات في وصف الفقر بايجاز معبر، وكل شطر منه يقوم بنفسه، في شطر البيت صور لنا عناء الفقر وانه منَعَه من التهني بنجد، وفي عجز البيت ذكر انه كافح ولكن الفقر أقوى (كل يوم تحت نجم ولاسر فيه) أي كل يوم في أرض جديدة أعمل فيها تحت سماء ونجوم جديدة، وكل يوم = كل فترة.. وهو رحمه الله شاعر مبدع ومكافح وكريم ويقول ما يشعر به، وقد قال البيت في شبابه ثم تحسنت احواله بفضل الله..
(10)
ألا ليت الشباب يعود يوماً
فأخبره بما فَعَل المشيب
هذا من شعر (أملس المتون ليس له عيون) أبي العتاهية.. وهذا الوصف (الكاريكاتيري) للجاحظ كما ذكرنا.. وشعر أبي العتاهية يجري على لسانه بسهولة تامة.. كالماء إذا جرى،، ولسان الجاحظ في النقد سليط..
وخير من وصف شعر أبي العتاهية هو الأصمعي حين قال: (ان شعر أبي العتاهية كساحة الملوك تجد فيها الذهب وروث الخيل) صدق الأصمعي في وصفه هذا، لقد قرأت ديوان أبي العتاهية مراراً أثناء اعدادي لبحثي (الشعر الإسلامي في العصر العباسي الأول) فوجدته يأتي بالشعر المحلق أحياناً ويسف أحياناً اخرى: مرة ذهب.. ومرة صفيح..
وكلام الأصمعي يقابله في مأثورنا الشعبي (مقشة الروض) فاذا قيل (فلان مقَشّة روض) فهو يصاحب الأخيار والأشرار، العقلاء والمجانين، يجمع ويقش، ومقشة الروض تقش ما صادفها من طيب النبات وخبيثه ومن روث الأغنام وكل ما يقف في طريقها (مقشَّة)!!.
م
ن
ق
و
ل
مقام الفتى في منصب العز ساعه
ولا ألف عام يصحب الذل صاحبه
(راشد الخلاوي)
"أملس المتون ليس له عيون!!"
هكذا وصف الجاحظ شعر أبي العتاهية..!
انه وصَفٌ غريب ولكنه بليغ.. فشعر أبي العتاهية كثير وما يحفظه الناس منه نادر..
إن ما يحفظه الناس ويرددونه في المواقف والملمات هو (بيت القصيد).. هو البيت الذي يساوي قصيدة كاملة.. وأحياناً يعدل ديوان شعر!
وشوارد الابل جمع شاردة..
(من شاردة الابل إذا فارقت ذودها، ودخلت إبلاً أخرى وأخرى، فعُرفت عند الكثيرين صفة وسمة، بينما الأخريات من أُلاَّفها منغمرات لا يُعرفءن، وهكذا شأن شوارد الشعر، يخرج البيت من قصيدته، فتتناوله الألسن، وتتناقله الرواة، وتذيع شهرته، ويكثر انتشاره" كما يقول العلامة عبدالله بن خميس في مقدمة كتابه القيّم (الشوارد)
وسوف نذكر بعض الأبيات التي تقوم مقام قصائد، إما لجمالها وايجازها، أو لحكمتها واصابتها كبد الحقيقة، من شعرنا العربي والشعبي..
(1)
اللي يبينا عيَّتء النفس تبغيه
واللي نبي عَّيا البخت لا يجيبه
هذا البيت للشاعرة نورة الحوشان وقد سار مسير الأمثال لتعبيره عن معاكسة الحظوظ وحيرة النفوس، وهو من قصيدة لها في زوجها الذي طلقها وكانت تحبه حباً شديداً، فكلما مرت بمزرعته وعدّته فزَّ قلبها، والمصيبة انه هو (الحبيب) يمر بها في طرق قريتها ولا تستطيع التحدث معه فقد صار غريباً:
يا عين هلي صافي الدمع هليه
وإلى انتهى صافيه هاتي سريبه
ياعين شوفي زرع خلك وراعيه
هذي معاويله وهذي قليبه
يمر بالدرب ما اقدر أحاكيه
مصيبه يا ناس والله مصيبه!
اللي يبينا عيت النفس تبغيه
واللي نبي عيا البخت لا يجيبه
انها رائحة امرأة تحترق!
(2)
ما العمرُ ما طالتء به الدهورُ
العمرُ ما تمَّ به السرورُ
هذا البيت لأبي فراس الحمداني، وهو سهل الحفظ سليم المعنى، فالعمر يقاس - بعد طاعة الله عز وجل - بأيام السعادة والابتهاج.. أيام الشقاء والتنغيص لو حذفت من العمر لكان أفضل!
والعمر مثل الكأس ير
سب في أواخرها الصَّدى!
والسعادة هي مطلب الناس في كل زمان ومكان، يعملون لأجلها ويتمنونها، السعادة في الدنيا والآخرة..
ولهم فيها آراء مختلفة ومذاهب، ابن المقفع يقول:
"من أراد الذكر فلينفق ماله في الكرم.. ومن أراد الآخرة فلينفقه في البر.. ومن اراد نعيم العيش فلينفقه في النساء"
وقد اجتمع معاوية وعمرو بن العاص (وهما من دهاة العرب) ومعهما (وردان) مولى عمرو، وقد شاخوا جميعاً، فقال معاوية لعمرو:
ما بقي من لذاتك يا عمرو؟
فقال: رؤية بساتيني ونخلي.. وأنت يا أمير المؤمنين؟ فقال معاوية: رؤية أحفادي يدورون حولي، ثم قال معاوية: وأنت يا وردان؟ فقال: صنيعة معروف أضعها في موضعها..
فضرب معاوية بيده وقال: غلبنا العبد!
فالمعروف من لذائذ السعادة لمن يفعله مبادراً وينساه:
ولم أر كالمعروف أما مذاقه
فحلوٌ وأما وجهه فجميل
واقوى ما قرأت عن السعادة قول رجل صالح، "سعادتي حين أضع رجلاً في الصراط ورجلاً في الجنة" صدق تلك والله هي السعادة ولا سعادة بدون شكر الله عز وجل..
وموضوع البيت همُّ كل الناس، الا وهو السعادة..
(3)
يا ما حلى شوف العشير لعشيره
لا صار ماجابين الاثنين ميعاد
لصيته التميمية وما أشد فرحة الحبيب بحبيه حين يلاقيه بلا موعد ولكن حتى الموعد فيه ترقب وانتظار وتلذذ رغم أن الوقت يصبح أثقل من جبل ولكن هناك اثارة ولذة متشوقة مشوبة بألم الانتظار، وأكثر لذة البشر مشوبة ببعض ألم، وما الحب إلا رجل وامرأة.. وحرمان.
(4)
خير الكلام قليلء
على الكثير دليل!
لأحمد بن خصيب، قلت واسوأ الكلام هو المردد المطول، تقول العرب: تريدد الكلام أثقل من حمل الحجارة!
(5)
سود الليالي ما دري عن بطونها
يمس حوامل ويصبحنَّ وضوع
لحمدان الشويعر.. دوام الحال من المحال وتقلبات الأيام تحيّر العقال.
(6)
خلقءتُ على ما فيَّ غير مُخيَّر
هواي، ولو خُيرت كنت المهذَّبا
يقوله بشار بن برد من قصيدة جميلة، والإنسان لا يختار شكله أو أهله أو درجة ذكائه، ولكنه يستطيع مجاهدة ذاته بعد أن يقبلها بمحبة..
(7)
لا تاخذ الدنيا خراص وهقواتء
يقطعك من نقل الصميل البَرَاد
لابن سبيل في الحزم والحذر، العاقل يحتاط للأمور، والأحمق لا يفكر في العواقب إذا أراد السفر مثلا، فقد لا يحمل معه الماء اعتماداً على برودة الطقس ولكن بمجرد تغير الجو أو ضياع المسافر يهلك عطشاً، وقس على هذا السعي لكل هدف..
(8)
كل شيء قاتل
حين تلقى أجلك
لأم الصعلوك سليك بن السلكة، وأول القصيدة:
طاف يبغى نجوة
من هلاك فهلكء
تحير العقول
يقول ابن الشبل البغدادي في وصف الإنسان:
متصرف وله القضاء مُصرِّف
ومُكلَّف وكأنه مختار
طوراً تصبو به الحظوظ وتارة
حظ تحيل صوابه الاقدار
فتراه يؤخذ قلبه من صدره
ويرد فيه وقد جرى المقدار
فيظل يضرب بالملامة نفسه
ندماً إذا لعبتّ به الاقدار
قلت: ان الإيمان العميق بالله العلي العظيم هو الحل لكل حيرة ومشكل.. بدون الإيمان تبدو الحياة قصة حمقى.. لا سعادة.. ولا راحة.. ولا خير في الدنيا بدون الإيمان العميق بالله عز وجل وبالقدر خيره وشره، وباصطحاب الشكر والصبر.
وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: أدركنا خير عيشنا بالصبر.. ويقول: لو كان الصبر والشكر جميلين ما باليت أيهما أركب..
(9)
ولَّ يا الفقر ما ادعاني بنجد اتهنا
كل يوم تحت نجم ولاسر فيه
هذا البيت من أبلغ الأبيات في وصف الفقر بايجاز معبر، وكل شطر منه يقوم بنفسه، في شطر البيت صور لنا عناء الفقر وانه منَعَه من التهني بنجد، وفي عجز البيت ذكر انه كافح ولكن الفقر أقوى (كل يوم تحت نجم ولاسر فيه) أي كل يوم في أرض جديدة أعمل فيها تحت سماء ونجوم جديدة، وكل يوم = كل فترة.. وهو رحمه الله شاعر مبدع ومكافح وكريم ويقول ما يشعر به، وقد قال البيت في شبابه ثم تحسنت احواله بفضل الله..
(10)
ألا ليت الشباب يعود يوماً
فأخبره بما فَعَل المشيب
هذا من شعر (أملس المتون ليس له عيون) أبي العتاهية.. وهذا الوصف (الكاريكاتيري) للجاحظ كما ذكرنا.. وشعر أبي العتاهية يجري على لسانه بسهولة تامة.. كالماء إذا جرى،، ولسان الجاحظ في النقد سليط..
وخير من وصف شعر أبي العتاهية هو الأصمعي حين قال: (ان شعر أبي العتاهية كساحة الملوك تجد فيها الذهب وروث الخيل) صدق الأصمعي في وصفه هذا، لقد قرأت ديوان أبي العتاهية مراراً أثناء اعدادي لبحثي (الشعر الإسلامي في العصر العباسي الأول) فوجدته يأتي بالشعر المحلق أحياناً ويسف أحياناً اخرى: مرة ذهب.. ومرة صفيح..
وكلام الأصمعي يقابله في مأثورنا الشعبي (مقشة الروض) فاذا قيل (فلان مقَشّة روض) فهو يصاحب الأخيار والأشرار، العقلاء والمجانين، يجمع ويقش، ومقشة الروض تقش ما صادفها من طيب النبات وخبيثه ومن روث الأغنام وكل ما يقف في طريقها (مقشَّة)!!.
م
ن
ق
و
ل