عساف دخنان
20/04/08, (04:16 PM)
ثم انحا ز عن ابن غبين كليا إلى جدعان بن مهد ، وبقي صديقاً
حميماً لجدعان بن مهيد ، وكان هناك شخص من شيوخ الفلاحين يدعى
السيد ( حجو ) بن غانم وله قرى كثيرة ، وقبيلة كبيرة ورغم ذلك فهو يدفع أتاوة لجدعان بن مهيد وكان السيد حجو على جانب من القوة بقبيلته كثيرة العدد ، وحصل بينه وبين محدى الهبداني صداقة ، وبعد أن رآى محدى دفع الأتاوه لجدعان بن مهيد ، وهو على هذا الجانب من القوة أبت نفسه الثائرة الا أن يوغر صدر حجو على بن مهيد وقال له : لماذا ترضى هذا الخنوع وهذه الذلة وأنت رجل عربي ، وعندك من العدد والعدة ما يفوق ابن مهيد ، وعندك القصور الشامخه التي تستطيع فيها أن تحمي نفسك بالسلاح وتعز قومك من دفع الأتاوة ، وأتبع كلامه هذه القصيدة :
قولوا لحجو ريف هزل الركايب = عندي لهم عن لمسة الخشم حيله
قصرٍ يشادي نايفات الجذايب = ورصاص قبسٍ مولعٍ له فتيله
والا أصبروا صبر على غير طايب = صبر الجمال اللي ثقلها تشيلهٍ
وألا أزبنوا للروم شقر الشوارب = وفضوا عن الويلان طرقا طويله
ما يترك الهسات لو قال تايب = ما طول مسحون الدوى ما عبي له
أنتم عرب من روس قومٍ عرايب = وش لون ترضون الخنا والرذيله
هذي عليكم يالسنافي غلايب = وش لون ترضون الردى والفشيله
من مالكم يوخذ خراف وحلايب = يا خونكم يا كسبين النفيله
لو هم بني عمي ولو هم قرايب = ممشي الخطا نشوف به كل عيله
بعد ذلك ثار السيد ( حجو ) وأعد عدته ، وأطلق النار على رسل جدعان بن مهيد اللذين جاؤوا ليأخذوا الأتاوة ، ورفض أن يستجيب لمطلب بن مهيد ، وبعد أن عرف جدعان بن مهيد أن السبب لذلك هو محدى الهبداني عرض أمره على موظيفي الدولة العثمانية الذين يحكمون البلاد آنذاك ، وقال أن هذا رجل شرير جاء من نجد ليفسد البلاد ، فألقوا القبض عليه ، وزجوه بالسجن ، وبعد أن مكث مدة طويلة به ، قال هذه الأبيات بالسيد حجو صديقه الحميم :
قولوا لحجو قبل يسعى بنا الدود = حيثه فهيم الطيبة ما تفوته
يالله يا خلاق يا خير معبود = يا مظهر ذا النون من بطن حوته
ترحم غريبٍ دونه الباب مردود = توازنت عنده حياته وموته
أطلبك ترزقنا بيسرك عن الكود = هذا زمانٍ شيبتني وقوته
أشوف أنا بالناس حاسد ومحسود = ولقيت لي ناسٍ تضيع سموته
العدل ضاع وزايد الحيف ماجود = ومن صاح يبي الحق ما سمع صوته
فأخذ السيد حجو كمية من الذهب على غفلة وراح للموظفين الأتراك ورشاهم فأطلق محدى الهبداني من السجن ، ولكن محدى بعدما حصل له من الشيخ جدعان بن مهيد ما حصل ، أبت نفسه أن يسكن بينهم ، فقال هذه الأبيات بالشيخ محمد بن سمير صديقه القديم ، الذي أجاره من آل قعيشيش في أول الأمر وهي كما يلي :
ياراكب سمح المذرع من القود = أشعل طويل المتن نبه شناحي
يشدي لهيقٍ جفله حس بارود = عليه زعر منومل الملح فاحي
وشديده من عاج والنطع ماهود = ومفصلٍ باجواز ريش المداحي
تلفي أخو عذرا من الربع مقصود = زبن الهليب اللي له المنع شاحي
قل له ترى دنياي ما تازن العود = مر بيات ومر كونه صباحي
وافطن ترى دنياك خوانة عهود = صفاقةٍ عرقوبها با رتماحي
ويا شيخ ما دامت لكسرى وداود = كم دور ربعٍ كيفوا به وراحي
ياما صبرنا ياخو عذرا على الكود = نصبر ولا نطلب ايدينٍ شحاحي
عزي لمن مثلي من الغبن ملهود = وعما تريد النفس يقصر جناحي
من يوم بانن المغاتير بالسود = بطل جهلنا يوم بان الوضاحي
ويا شيخ با مبعد عنا كل مضهود = يا مزبنه وان ضاق فيه البياحي
ياما لجينابك عن الحيف والزود = يوم أنها قلت علينا المشاحي
والله مادامي على القاع ماجود = منساك يا طير السعد والفلاحي
ثم قال قصيدة أخرى بالشيخ عبدالكريم الجربا شيخ قبائل شمر بالعراق :
يالله يا خلاق صبحٍ بثر ليل = باذنك عسى تسمع لعبدك سواله
تفزع لمضهودٍ وطا راسه الشيل = ما بين كاف ونون تنعش حواله
يا دارنا عفناك من زايد الميل = عيفة عديمٍ شاف نقص لجلاله
يا دار يا دار الخطا والتهاويل = حقك لمقلول الرفاقه نواله
يا دار ما يسكن بك الا قوي حيل = يقضي لحاجاته بسيفه لحاله
يا ربعنا هيا نوينا المحاويل = نروح عن دار العيا والضلاله
سموا وطيعوني على الزمل ونشيل = لعبدالكريم اللي تذكر فعاله
للشيخ نطاح الوجيه القبابيل = ومن صكته غبر الليالي عناله
الدار دار وكل دارٍ بها كيل = والرزق عند اللي عظيم جلاله
ثم رحل الى الشيخ عبدالكريم الجربا ، والتجأ اليه فأكرمه الشيخ اكراماً بالغاً ، وذات يوم وهو جالس عند الشيخ عبدالكريم في مجلسه ، أهدي للشيخ عبدالكريم جواد من الخيل الأصايل وقبلها وفي الحال قدمها الى محدى الهبداني وكانت جواداً من أحسن جياد العرب ، فقام واحد من الجالسين من شمر الى محدى وقال له : أسألك بالله يامحدى أن تخبرني أي من عبدالكريم الجربا اوجدعان بن مهيد أحب الى نفسك ؟ فقال محدى : ويحك لا تسألني بالله ، فكرر عليه الشمري ثلاث مرات ومحدى يتهرب من السؤال ، وبعد ذلك قال محدى : أقسم لك بما سألتني به أن (غليون ) جدعان بن مهيد عندما ينفث منه الدخان ويعطيني أمزه يسوى عندي عبدالكريم الجربا وقبيلة شمر ، وعندما سمع ذلك الشيخ عبدالكريم ثارت ثائرته وقال للشمري الذي سأل محدى : أنا أحرم عليك أن تسكن منازل شمر ، وان علمت أنك ساكن في منازل شمر سوف أقطع راسك ، وطرده من مجلسه ، والتفت الى محدى وقال له : أشكرك على ما قلت ، ولو قلت غير ذلك لاستهجنتك ، فأمر رجاله أن يحضروا خمسة عشر ناقة من الأبل الوضح ، أي البيض ، وقال هذه هديه مني لك مع الجواد الأبيض ، تقديراً لموقفك من شيخك جدعان بن مهيد ، الذي هو شيخ الفدعان ، وبقي عند الشيخ عبدالكريم الجربا معززاً مكرماً ،، وذات يوم كان الشيخ عبدالكريم الجربا غازياً قبيلة عنزة التي هي قبيلة الهبداني وكان محدى برفقته ، وأثناء سيرهم لحق بهم شخص من شمر على قلوصه ، مبشراً عبدالكريم أنه رزق بمولود ، فقال له بعض أصحاب عبدالكريم أذهب وبشر محدى الهبداني بالمولود ، وكان محدى منتحياً من طرف القوم ، وعندما بشره الرسول أجابه قائلاً : لا بشرك الله بخير ، وأسأل الله أن المولود الذي بشرتني به لا يبلغ سن الفطام ، فقال البشير ويحك يامحدى لماذا تقول هذا بأبن الشيخ عبدالكريم ؟ فقال : نعم أقول ذلك لأنني أخشى أن يترعرع وينمو وتكتمل رجولته ثم يكون مثل ابيه فيقضي على البقية الباقية من عنزة ، فضحك القوم من قول محدى ففي الكلمة نكته وأعجاب ، وعندما علم الشيخ عبدالكريم كلام محدى مع الذي جاء يبشره بالمولود ضحك كثيراً وقال : ما يقوله محدى مقبول عندي ، وقد دار الحديث هذا وهم في مواطن عنزة ، وكانت قبائل عنزة قبل سنة تقطن هذه الأماكن ، وصدفه أمر عبدالكريم على القوم أن يحطوا الرحال ، ويناموا ليلتهم لأنهم كانوا آخر النهار ، وعندما نزلوا لا حظ الشيخ عبدالكريم أن محدى لم يقر له قرار ، وكان يسير على قدميه من حول القوم وكأنه يبحث عن ضالة ، فدعاه الشيخ عبدالكريم قائلاً له تفضل يا محدى لأن القهوة والشاي قد حضرا فأتى محدى عابس الوجه ، تبدو عليه علامات التفكير والذهول ، لاحظ منه ذلك الشيخ فقال له : ما بك يامحدى ؟ فقال : لا شئ يا سكران المجانين ، وكان هذا الأسم يطلق على الشيخ عبدالكريم عند قبيلة شمر ، وقبيلة عنزة ، فكرر عليه الشيخ السؤال ، فقال : هل تعرف هذه الأماكن التي نحن الآن بها ؟ فقال : نعم أعرفها ، قال محدى : أنها منازل عنزة بالعام الماضي ، وهذه حدودهم ، وكنت بالعام الماضي أقطنها معهم ، وقد عرفت منزل كل شيخ منهم حولنا ، فقال الشيخ عبدالكريم : وهل قلت شيئاً يا محدى بذلك ؟ فقال : نعم قلت ، فأنشد هذه الأبيات :
يا دار وين اللي بك العام كاليوم = ما تقل مرك عقب خبري نجوعي
خالٍ جنابك بس يلعي بك البوم = ما كن وقف بك من الناس دوعي
شفت الرسوم وصار بالقلب مثلوم = وهلت من العبرة غرايب دموعي
وين الجهام اللي بك العام مردوم = وظعون مع قدوة سلفها تزوعي
أهل الرباع مزبنة كل مضيوم = وأهل الرماح مظافرين الدروعي
راحوا لنا عدوان وحنا لهم قوم = ولا ظنتي عقب التفرق رجوعي
وان صاح صياحٍ من الضد مزحوم = تجيك دقلات السبايا فزوعي
صفرٍ يكاظمن الأعنه بهن زوم = يخلن سكران المجانين يوعي
يركب عليهن باللقى كل شغموم = فريس والله ما تهاب الجموعي
خيالهم ينطح من الخيل حثلوم = يوم الأسنه بالنشامى شروعي
ويا شيخ أنا عندك معزز ومحشوم = ويمضي علي العام كنه سبوعي
لا شك قلبي بالوفا صار ما سوم = لربعي وأنا يا شيخ منهم جزوعي
وعيني لشوف الحيف ما تقبل النوم = والقلب يجزع بين هدف الضلوعي
ويا شيخ ابا وصفك يا مفني الكوم = يالصاطي القطاع حسن الطبوعي
حلياك حرًيفني الصيد ملحوم = متفهق الجنحان حر قطوعي
حر علم بالصيد من غير تعلوم = يودع بداد الريش شت مزوعي
وعندما أكمل الهبداني قصيدته ، قال الشيخ عبدالكريم أطمئن ياصديقي ، أننا في الصباح راجعون الى ديارنا لأنني لا أحب أن أجد قبيلة عنزة ويحصل بيني وبينهم صطدام وأنت معي ، لأنك منهم ولأنك جار عزيز عندنا وأنني أقدر هذه الحمية فبك ، ولا ألومك بما قلت بقومك ، وعندما بلغ الشيخ جدعان بن مهيد ما حصل من سؤال الشمري في مجلس الشيخ عبدالكريم الجربا ، وعن هذه القصيدة الأخيرة التي قالها عند عبدالكريم الجربا ، أرسل الى محدى وفداً يدعونه ليرجع اليهم وأن له كل ما يطبه ، وأنه سيبقى عندهم معززاً مكرماً ، ولن يعصوا له أمراً ، ولا توجه اليه اهانة ، فاعتذر محدى من الشيخ عبدالكريم الجربا ، واستأذنه بالرحيل ، فسمح له بعد أن أنعم عليه وأكرمه ، ورجع الى الشيخ جدعان بن مهيد شاكراً لعبدالكريم الجربا فضائله وكرمه وأخلاقه ، وبقي عند جدعان زمناً طويلاً مكرماً الى أن تذكر بلاده نجد وحن اليها ، واشتاق أن يحج لبيت الله العتيق ، ويزور مسجد نبيه الكريم ، فاستأذن من الشيخ جدعان ورحل من بلادهم الى بلاد نجد مع قبيلته آل فضيل ، ورجع الى موطنه ومسقط رأسه نجد العزيزه ، وحج بيت الله وزار مسجد نبيه بعد أن قال هذه الأبيات :
يالله ياللي ما دخيلك يضامي = ياللي عفيت وحل لطفك على أيوب
أطلبك يا محيي هشيم العظامي = والي ولا غيرك ولي ومطلوب
يالله تجمع شملنا بالتمامي = يا عاقل يوسف على أبوه يعقوب
بجاه من صلى لوجهك وصامي = تفتح لنا من باب لطفك لنا بوب
وبجاه من لبى ولبس الحرامي = ورقى على الجبل قاضي النوب
يا عالمٍ باللي خفى من كلامي = تبهج فواد اللي على البيت منعوب
يالله يا مسقي كبود ظوامي = من مي زمزم نافل كل مشروب
هيا ودنوا لي ركابٍ همامي = نبي نزور اللي على القلب محبوب
نبينا نضفي عليه السلامي = وحنا علينا الحج فرضٍ ومكتوب
هذه ترجمة محدى بن فيصل الهبداني أستقيتها من الطاعنين بالسن من رجال قبيلة عنزة وغيرهم كم بها من جوانب عامره وفضائل معجبة .
حميماً لجدعان بن مهيد ، وكان هناك شخص من شيوخ الفلاحين يدعى
السيد ( حجو ) بن غانم وله قرى كثيرة ، وقبيلة كبيرة ورغم ذلك فهو يدفع أتاوة لجدعان بن مهيد وكان السيد حجو على جانب من القوة بقبيلته كثيرة العدد ، وحصل بينه وبين محدى الهبداني صداقة ، وبعد أن رآى محدى دفع الأتاوه لجدعان بن مهيد ، وهو على هذا الجانب من القوة أبت نفسه الثائرة الا أن يوغر صدر حجو على بن مهيد وقال له : لماذا ترضى هذا الخنوع وهذه الذلة وأنت رجل عربي ، وعندك من العدد والعدة ما يفوق ابن مهيد ، وعندك القصور الشامخه التي تستطيع فيها أن تحمي نفسك بالسلاح وتعز قومك من دفع الأتاوة ، وأتبع كلامه هذه القصيدة :
قولوا لحجو ريف هزل الركايب = عندي لهم عن لمسة الخشم حيله
قصرٍ يشادي نايفات الجذايب = ورصاص قبسٍ مولعٍ له فتيله
والا أصبروا صبر على غير طايب = صبر الجمال اللي ثقلها تشيلهٍ
وألا أزبنوا للروم شقر الشوارب = وفضوا عن الويلان طرقا طويله
ما يترك الهسات لو قال تايب = ما طول مسحون الدوى ما عبي له
أنتم عرب من روس قومٍ عرايب = وش لون ترضون الخنا والرذيله
هذي عليكم يالسنافي غلايب = وش لون ترضون الردى والفشيله
من مالكم يوخذ خراف وحلايب = يا خونكم يا كسبين النفيله
لو هم بني عمي ولو هم قرايب = ممشي الخطا نشوف به كل عيله
بعد ذلك ثار السيد ( حجو ) وأعد عدته ، وأطلق النار على رسل جدعان بن مهيد اللذين جاؤوا ليأخذوا الأتاوة ، ورفض أن يستجيب لمطلب بن مهيد ، وبعد أن عرف جدعان بن مهيد أن السبب لذلك هو محدى الهبداني عرض أمره على موظيفي الدولة العثمانية الذين يحكمون البلاد آنذاك ، وقال أن هذا رجل شرير جاء من نجد ليفسد البلاد ، فألقوا القبض عليه ، وزجوه بالسجن ، وبعد أن مكث مدة طويلة به ، قال هذه الأبيات بالسيد حجو صديقه الحميم :
قولوا لحجو قبل يسعى بنا الدود = حيثه فهيم الطيبة ما تفوته
يالله يا خلاق يا خير معبود = يا مظهر ذا النون من بطن حوته
ترحم غريبٍ دونه الباب مردود = توازنت عنده حياته وموته
أطلبك ترزقنا بيسرك عن الكود = هذا زمانٍ شيبتني وقوته
أشوف أنا بالناس حاسد ومحسود = ولقيت لي ناسٍ تضيع سموته
العدل ضاع وزايد الحيف ماجود = ومن صاح يبي الحق ما سمع صوته
فأخذ السيد حجو كمية من الذهب على غفلة وراح للموظفين الأتراك ورشاهم فأطلق محدى الهبداني من السجن ، ولكن محدى بعدما حصل له من الشيخ جدعان بن مهيد ما حصل ، أبت نفسه أن يسكن بينهم ، فقال هذه الأبيات بالشيخ محمد بن سمير صديقه القديم ، الذي أجاره من آل قعيشيش في أول الأمر وهي كما يلي :
ياراكب سمح المذرع من القود = أشعل طويل المتن نبه شناحي
يشدي لهيقٍ جفله حس بارود = عليه زعر منومل الملح فاحي
وشديده من عاج والنطع ماهود = ومفصلٍ باجواز ريش المداحي
تلفي أخو عذرا من الربع مقصود = زبن الهليب اللي له المنع شاحي
قل له ترى دنياي ما تازن العود = مر بيات ومر كونه صباحي
وافطن ترى دنياك خوانة عهود = صفاقةٍ عرقوبها با رتماحي
ويا شيخ ما دامت لكسرى وداود = كم دور ربعٍ كيفوا به وراحي
ياما صبرنا ياخو عذرا على الكود = نصبر ولا نطلب ايدينٍ شحاحي
عزي لمن مثلي من الغبن ملهود = وعما تريد النفس يقصر جناحي
من يوم بانن المغاتير بالسود = بطل جهلنا يوم بان الوضاحي
ويا شيخ با مبعد عنا كل مضهود = يا مزبنه وان ضاق فيه البياحي
ياما لجينابك عن الحيف والزود = يوم أنها قلت علينا المشاحي
والله مادامي على القاع ماجود = منساك يا طير السعد والفلاحي
ثم قال قصيدة أخرى بالشيخ عبدالكريم الجربا شيخ قبائل شمر بالعراق :
يالله يا خلاق صبحٍ بثر ليل = باذنك عسى تسمع لعبدك سواله
تفزع لمضهودٍ وطا راسه الشيل = ما بين كاف ونون تنعش حواله
يا دارنا عفناك من زايد الميل = عيفة عديمٍ شاف نقص لجلاله
يا دار يا دار الخطا والتهاويل = حقك لمقلول الرفاقه نواله
يا دار ما يسكن بك الا قوي حيل = يقضي لحاجاته بسيفه لحاله
يا ربعنا هيا نوينا المحاويل = نروح عن دار العيا والضلاله
سموا وطيعوني على الزمل ونشيل = لعبدالكريم اللي تذكر فعاله
للشيخ نطاح الوجيه القبابيل = ومن صكته غبر الليالي عناله
الدار دار وكل دارٍ بها كيل = والرزق عند اللي عظيم جلاله
ثم رحل الى الشيخ عبدالكريم الجربا ، والتجأ اليه فأكرمه الشيخ اكراماً بالغاً ، وذات يوم وهو جالس عند الشيخ عبدالكريم في مجلسه ، أهدي للشيخ عبدالكريم جواد من الخيل الأصايل وقبلها وفي الحال قدمها الى محدى الهبداني وكانت جواداً من أحسن جياد العرب ، فقام واحد من الجالسين من شمر الى محدى وقال له : أسألك بالله يامحدى أن تخبرني أي من عبدالكريم الجربا اوجدعان بن مهيد أحب الى نفسك ؟ فقال محدى : ويحك لا تسألني بالله ، فكرر عليه الشمري ثلاث مرات ومحدى يتهرب من السؤال ، وبعد ذلك قال محدى : أقسم لك بما سألتني به أن (غليون ) جدعان بن مهيد عندما ينفث منه الدخان ويعطيني أمزه يسوى عندي عبدالكريم الجربا وقبيلة شمر ، وعندما سمع ذلك الشيخ عبدالكريم ثارت ثائرته وقال للشمري الذي سأل محدى : أنا أحرم عليك أن تسكن منازل شمر ، وان علمت أنك ساكن في منازل شمر سوف أقطع راسك ، وطرده من مجلسه ، والتفت الى محدى وقال له : أشكرك على ما قلت ، ولو قلت غير ذلك لاستهجنتك ، فأمر رجاله أن يحضروا خمسة عشر ناقة من الأبل الوضح ، أي البيض ، وقال هذه هديه مني لك مع الجواد الأبيض ، تقديراً لموقفك من شيخك جدعان بن مهيد ، الذي هو شيخ الفدعان ، وبقي عند الشيخ عبدالكريم الجربا معززاً مكرماً ،، وذات يوم كان الشيخ عبدالكريم الجربا غازياً قبيلة عنزة التي هي قبيلة الهبداني وكان محدى برفقته ، وأثناء سيرهم لحق بهم شخص من شمر على قلوصه ، مبشراً عبدالكريم أنه رزق بمولود ، فقال له بعض أصحاب عبدالكريم أذهب وبشر محدى الهبداني بالمولود ، وكان محدى منتحياً من طرف القوم ، وعندما بشره الرسول أجابه قائلاً : لا بشرك الله بخير ، وأسأل الله أن المولود الذي بشرتني به لا يبلغ سن الفطام ، فقال البشير ويحك يامحدى لماذا تقول هذا بأبن الشيخ عبدالكريم ؟ فقال : نعم أقول ذلك لأنني أخشى أن يترعرع وينمو وتكتمل رجولته ثم يكون مثل ابيه فيقضي على البقية الباقية من عنزة ، فضحك القوم من قول محدى ففي الكلمة نكته وأعجاب ، وعندما علم الشيخ عبدالكريم كلام محدى مع الذي جاء يبشره بالمولود ضحك كثيراً وقال : ما يقوله محدى مقبول عندي ، وقد دار الحديث هذا وهم في مواطن عنزة ، وكانت قبائل عنزة قبل سنة تقطن هذه الأماكن ، وصدفه أمر عبدالكريم على القوم أن يحطوا الرحال ، ويناموا ليلتهم لأنهم كانوا آخر النهار ، وعندما نزلوا لا حظ الشيخ عبدالكريم أن محدى لم يقر له قرار ، وكان يسير على قدميه من حول القوم وكأنه يبحث عن ضالة ، فدعاه الشيخ عبدالكريم قائلاً له تفضل يا محدى لأن القهوة والشاي قد حضرا فأتى محدى عابس الوجه ، تبدو عليه علامات التفكير والذهول ، لاحظ منه ذلك الشيخ فقال له : ما بك يامحدى ؟ فقال : لا شئ يا سكران المجانين ، وكان هذا الأسم يطلق على الشيخ عبدالكريم عند قبيلة شمر ، وقبيلة عنزة ، فكرر عليه الشيخ السؤال ، فقال : هل تعرف هذه الأماكن التي نحن الآن بها ؟ فقال : نعم أعرفها ، قال محدى : أنها منازل عنزة بالعام الماضي ، وهذه حدودهم ، وكنت بالعام الماضي أقطنها معهم ، وقد عرفت منزل كل شيخ منهم حولنا ، فقال الشيخ عبدالكريم : وهل قلت شيئاً يا محدى بذلك ؟ فقال : نعم قلت ، فأنشد هذه الأبيات :
يا دار وين اللي بك العام كاليوم = ما تقل مرك عقب خبري نجوعي
خالٍ جنابك بس يلعي بك البوم = ما كن وقف بك من الناس دوعي
شفت الرسوم وصار بالقلب مثلوم = وهلت من العبرة غرايب دموعي
وين الجهام اللي بك العام مردوم = وظعون مع قدوة سلفها تزوعي
أهل الرباع مزبنة كل مضيوم = وأهل الرماح مظافرين الدروعي
راحوا لنا عدوان وحنا لهم قوم = ولا ظنتي عقب التفرق رجوعي
وان صاح صياحٍ من الضد مزحوم = تجيك دقلات السبايا فزوعي
صفرٍ يكاظمن الأعنه بهن زوم = يخلن سكران المجانين يوعي
يركب عليهن باللقى كل شغموم = فريس والله ما تهاب الجموعي
خيالهم ينطح من الخيل حثلوم = يوم الأسنه بالنشامى شروعي
ويا شيخ أنا عندك معزز ومحشوم = ويمضي علي العام كنه سبوعي
لا شك قلبي بالوفا صار ما سوم = لربعي وأنا يا شيخ منهم جزوعي
وعيني لشوف الحيف ما تقبل النوم = والقلب يجزع بين هدف الضلوعي
ويا شيخ ابا وصفك يا مفني الكوم = يالصاطي القطاع حسن الطبوعي
حلياك حرًيفني الصيد ملحوم = متفهق الجنحان حر قطوعي
حر علم بالصيد من غير تعلوم = يودع بداد الريش شت مزوعي
وعندما أكمل الهبداني قصيدته ، قال الشيخ عبدالكريم أطمئن ياصديقي ، أننا في الصباح راجعون الى ديارنا لأنني لا أحب أن أجد قبيلة عنزة ويحصل بيني وبينهم صطدام وأنت معي ، لأنك منهم ولأنك جار عزيز عندنا وأنني أقدر هذه الحمية فبك ، ولا ألومك بما قلت بقومك ، وعندما بلغ الشيخ جدعان بن مهيد ما حصل من سؤال الشمري في مجلس الشيخ عبدالكريم الجربا ، وعن هذه القصيدة الأخيرة التي قالها عند عبدالكريم الجربا ، أرسل الى محدى وفداً يدعونه ليرجع اليهم وأن له كل ما يطبه ، وأنه سيبقى عندهم معززاً مكرماً ، ولن يعصوا له أمراً ، ولا توجه اليه اهانة ، فاعتذر محدى من الشيخ عبدالكريم الجربا ، واستأذنه بالرحيل ، فسمح له بعد أن أنعم عليه وأكرمه ، ورجع الى الشيخ جدعان بن مهيد شاكراً لعبدالكريم الجربا فضائله وكرمه وأخلاقه ، وبقي عند جدعان زمناً طويلاً مكرماً الى أن تذكر بلاده نجد وحن اليها ، واشتاق أن يحج لبيت الله العتيق ، ويزور مسجد نبيه الكريم ، فاستأذن من الشيخ جدعان ورحل من بلادهم الى بلاد نجد مع قبيلته آل فضيل ، ورجع الى موطنه ومسقط رأسه نجد العزيزه ، وحج بيت الله وزار مسجد نبيه بعد أن قال هذه الأبيات :
يالله ياللي ما دخيلك يضامي = ياللي عفيت وحل لطفك على أيوب
أطلبك يا محيي هشيم العظامي = والي ولا غيرك ولي ومطلوب
يالله تجمع شملنا بالتمامي = يا عاقل يوسف على أبوه يعقوب
بجاه من صلى لوجهك وصامي = تفتح لنا من باب لطفك لنا بوب
وبجاه من لبى ولبس الحرامي = ورقى على الجبل قاضي النوب
يا عالمٍ باللي خفى من كلامي = تبهج فواد اللي على البيت منعوب
يالله يا مسقي كبود ظوامي = من مي زمزم نافل كل مشروب
هيا ودنوا لي ركابٍ همامي = نبي نزور اللي على القلب محبوب
نبينا نضفي عليه السلامي = وحنا علينا الحج فرضٍ ومكتوب
هذه ترجمة محدى بن فيصل الهبداني أستقيتها من الطاعنين بالسن من رجال قبيلة عنزة وغيرهم كم بها من جوانب عامره وفضائل معجبة .